تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رواية الأعمش عن أصحابه الذين أكثر عنهم بالعنعنة

  1. #1

    افتراضي رواية الأعمش عن أصحابه الذين أكثر عنهم بالعنعنة

    قال الشيخ المعلمي في «التنكيل» (2/309) معلقًا على رواية للأعمش عن أبي وائل عند ابن جرير في تفسيره: «الأعمش مدلس مشهور بالتدليس، وربما دلس عن الضعفاء».
    فعلق فضيلة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة هنا في هذا الموضع من «التنكيل» بقوله:
    «رواية الأعمش عن أبي وائل معتمدة في «الصحيحين» لاختصاصه به، فلا يضره وجود شيء من التدليس في غير روايته عن أبي وائل، ولو تنطعنا في رَدِّ رواية من رُمي بشيء من التدليس لرددنا رواية كثير من الأئمة كمالك والثوري وغيرهما، راجع رسالة الحافظ ابن حجر في «مراتب المدلسين». اهـ.
    ووافقه العلامة الألباني بقوله: «ما ذكر فضيلته في رواية الأعمش عن أبي وائل وجيه».
    أقول: سبق توجيه الشيخ المعلمي لمعنى ذِكْر الأعمش وغيره في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين.
    لكن قد قال الذهبي في ترجمة الأعمش من «الميزان» (2/224). «هو مدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: «حدثنا» فلا كلام، ومتى قال: «عن» تطرّق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخٍ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال». اهـ.
    قلت: إبراهيم هو النخعي، وأبو وائل: شقيق بن سلمة، وأبو صالح: ذكوان.
    وما قاله الذهبي توافقه العادة الجارية، فإنَّ مَنْ أكثر عَنْ شيخٍ حتى كاد أن يستوعب ما عنده من الحديث، فإنه ليس بحاجة إلى التدليس عنه، فإن ما عنده عنه يكفيه ويُغنيه عن مثل هذا، وإنما ربما دلَّس عمن فاته أكثرُ حديثه، فاحتاج إلى الرواية عنه بواسطة، ثم يُسقط تلك الواسطة، ويدلس عن ذاك الشيخ؛ تكثرًا من الرواية عنه مباشرة، ولأسباب أخرى معروفة.
    لكن لا يخفى أن هذا أمرٌ أَغْلَبِيٌّ، والرجل إذا كان مدلِّسًا، وأكثر عن فلانٍ من الناس، ولم يقل: أنا لا أُدَلِّسُ عنه، فإنه لا يمتنع أيضًا أن يسمع عنه حديثًا بواسطة، فيدلسه؛ استحياءً أن يحدث عنه بواسطة مع ما عرف عنه من اختصاصه به وإكثاره عنه، ولأسباب أخرى لا تقضي العادة بامتناعها.
    فهذا المدلِّس وإن كان الأصل في روايته عن شيخه ذاك أنه سمع منه، فهو كمثل سائر القضايا الحديثية أنها أَغْلَبِيَّةٌ، فإذا قيل: فلان ثقة ضابط متقن، لم يخدش في هذا القولِ خطؤه في أحاديث قليلة بالنسبة إلى كثرة ما روى. وإذا قيل: فلان أثبت من فلان في شيخ معيَّن، لم يُطعن في ذلك بانعكاس القضية في بعض الأحوال إذا قامت القرائن على ذلك، وهذا أمر مستفيض ودلائله منتشرة في صنيع الأئمة.
    والناقد إذا استنكر خبرًا، أو وجده مباينًا لما صح واستقر بخلاف معناه، نظر في إسناده مستحضرًا الأحوال التفصيلية لرواته، ويَنْفُذُ في تعليله من خلال مواطن الخلل فيه، معتمدًا على القرائن المعتبرة في كل حالة.
    وربما أعلَّ الناقدُ الخبر بعلَّةٍ يندر وقوع مثلها، إذا ساعدت القرائن على ذلك، والنادرُ قد يُحتاج إليه، وانظر مقدمة «الفوائد المجموعة» للعلامة المعلمي.
    ففيما نقلته آنفًا عن البخاري في «تاريخه الأوسط» مثال عمليّ على ذلك، فإنه لما استنكر الخبر، وقال: قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معاوية أميرًا في زمان عمر، وبعد ذلك سنين، فلم يقم إليه أحدٌ فيقتله، واستدل بهذا على وَهَن الأخبار الواردة في ذلك، وأن ليس لها أصول، فنظر في رواية الأعمش عن سالم؛ والأعمش مدلِّس ولم يصرح بالسماع، والخبر في التشيع، فلعلَّه سمع الخبر من أحدِ المغفلين ممن ينتسبون إلى التشيع، ممن يُلَقَّنُ أو يُدْخَلُ عليه، فدلَّسَه عنه، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن رواية الأعمش عن سالم -وهو ابن أبي الجعد- محتج بها في الصحيحين، ومخرجة في سائر الكتب الستة، ولم أر من نصَّ على أن الأعمش يدلس عن سالم، كما نصوا على تدليسه عن غير واحدٍ من شيوخه، لكن لم يجد البخاري -وهو الخبير الحصيف- بُدَّا من هذه العلّة لقيام القرائن عليها، ولو لم يعلّ البخاري بها إلا هذا الخبر لما قيل له: هذا أمر نادر لا يُعَوَّل عليه؛ لأن احتمال التدليس قائم، لا يُدْفع بندرته.
    فكذلك كل مدلس لم يصرح بالسماع، فاحتمال تدليسه قائم، ويشتد هذا الاحتمال ويضعف بحسب القرائن المحتفة به وبمن روى عنه.
    فالمقصود هنا أن كلام الذهبي لا يدفع احتمال تدليس الأعمش عن هؤلاء الذين سماهم من شيوخه -وفيهم أبو وائل- وإن كان احتمالا قليلًا، لكن لا يمتنع التعلق به إذا انقدح في ذهن الناقد وبصره التعليل به؛ للقرائن المحتفة بالخبر.
    ومما يؤيد ما يتعلق برواية الأعمش عن مثل هؤلاء الثلاثة الذين أكثر عنهم، ما رواه ابن أبي حاتم في «تقدمة الجرح والتعديل» (ص167) من طريق أبي داود الطيالسي، قال: «نا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم: أن عليًّا كان يجعل للأخوة من الأم - يعني في المشتركة. فقلت للأعمش: سمعته من إبراهيم؟ فقال برأسه، أي: نعم». اهـ.
    فلم يمنع إكثار الأعمش عن إبراهيم أن يسأل شعبة عن سماعه منه؛ احتمالًا لوقوع التدليس.
    وفي «التقدمة» أيضًا (ص72): «قال علي بن المديني: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: قال سفيان -يعني الثوري-: إن الأعمش لم يسمع حديث إبراهيم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك في الصلاة». اهـ. فقد دلسه عن إبراهيم. وانظر لزامًا: «جامع التحصيل» (ص189-190).
    وفيها أيضًا (ص71): «قال زائدة: كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر، ونأتي سفيان الثوري فنذكر تلك الأحاديث له، فيقول: ليس هذا من حديث الأعمش، فنقول: هو حدثنا به الساعة، فيقول: اذهبوا فقولوا له إن شئتم، فنأتي الأعمش فنخبره بذلك، فيقول: صدق سفيان، ليس هذا من حديثنا». اهـ.
    فعلَّق العلَّامة المعلمي في حاشية «التقدمة» (ص70) بقوله: «كان الأعمش رحمه الله كثير الحديث، كثير التدليس، سمع كثيرا من الكبار، [أقول: كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح] ثم كان يسمع من بعض الأصاغر أحاديث عن أولئك الكبار، فيدلسها عن أولئك الكبار، فحديثه الذي هو حديثه هو ما سمعه من الكبار، فمعنى قول سفيان «ليس هذا من حديثه» أنه ليس من حديثه عمن سَمَّاهُ، وإنما سمعه من بعض من دونه فدلسه». اهـ.
    وهاهنا تناول المعلمي الأخبار والآثار الواردة في تفسير قول الله سبحانه: ﴿الله الصمد﴾ وذكر (2/299) ما في «صحيح البخاري» وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني.. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد لم ألد، ولم أولد، ولم يكن لي كفؤًا أحد» وفي رواية: «وأنا الصمد الذي لم ألد..».
    ثم ذكر شاهدًا من حديث أبي العالية فيه ضعف، وقولًا لمحمد بن كعب.
    ثم قال: يظهر أن المراد أن الصمد يستلزم أنه لم يلد ولم يولد، وتوجيه ذلك يعلم مما يأتي:
    أولًا: أخرج ابن جرير من وجهين صحيحين عن مجاهد قال: «الصمد المصمت الذي لا جوف له».
    ثانيًا: ومن وجه صحيح عن الحسن البصري قال: «الصمد الذي لا جوف له».
    ثالثًا: ومن وجه صحيح عن سعيد بن جبير، سئل عن الصمد، فقال: «الذي لا جوف له».
    رابعًا: ومن وجه صحيح عن عكرمة أيضًا قال: «الصمد الذي لا يخرج منه شيء» زاد في رواية: «لم يلد ولم يولد».
    خامسًا: ومن وجه صحيح عن الشعبي قال: «الصمد الذي لا يطعم الطعام». وفي رواية «الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب».
    سادسًا: ومن وجه فيه ضعف عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال عبد الله: «لا أعلمه إلا قد رفعه (يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم) قال: الصمد الذي لا جوف له».
    سابعًا: ومن وجه فيه ضعف عن ابن عباس قال: «الصمد الذي ليس بأجوف».
    ثامنًا: ومن وجه ضعيف عن ابن المسيب قال: «الصمد الذي لا حشوة له».
    ثم قال المعلمي: هذه الأقوال كلها تعود إلى مثل قول مجاهد، واستلزام هذا المعنى لنفي الولد والوالد كما في حديث البخاري وحديث أبي العالية وقول محمد بن كعب ظاهر، وذلك أن من يكون كذلك لا يمكن أن يكون له ولد على الوجه المعروف في التناسل أو نحوه؛ لأن ذلك يتوقف على أن يخرج من جوف الأب شيء يتكون منه الإبن، وهكذا من كان كذلك لا يكون له أب؛ لأن الأب لا بد أن يكون شبيه الابن في الذات، ففرض أب للمصمت الذي لا جوف له يستلزم نفي الأبوة.
    وهذا المعنى مع صحته عن أكابر من التابعين، كما رأيت واضح المناسبة للسياق، ولحديثي البخاري وأبي العالية، ولتقديم «لم يلد»؛ فإنَّ دلالة هذا المعنى على أنه لم يلد أقرب من دلالته على أنه لم يولد كما لا يخفى». اهـ.
    أقول: هكذا قرَّر المعلمي هذا المعنى بمناسبته لسياق الآيات، ولما صح من الحديث، ولما صح عن أكابر التابعين.
    ثم قال رحمه الله: لكن أخرج ابن جرير من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي وائل شقيق ابن سلمة قال: «الصمد: السيد الذي قد انتهى سؤدده».
    وقال: حدثنا علي قال: ثنا أبو صالح قال: ثنا معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله: (الصمد) يقول: السيد الذي قد كمل سؤدده..»
    قال المعلمي: والسند عن أبي وائل فيه الأعمش، وهو مدلس مشهور بالتدليس، وربما دلس عن الضعفاء، والسند عن ابن عباس فيه كلام، وهو مع ذلك منقطع، على بن أبي طلحة، أجمع الحفاظ كما في «الاتقان» عن الخليلي على أنه لم يسمع من ابن عباس، وقال بعضهم: إنما يروي عنه بواسطة مجاهد أو سعيد بن جبير، ولا دليل على أنه لا يروي عنه بواسطة غيرهما، والثابت عنهما خلافه كما مَرَّ».
    ثم ذكر المعلمي ترجيح الطبري هذا المعنى الثاني -وهو السيد الذي يصمد إليه، الذي لا أحد فوقه- لأنه هو المعروف من كلام العرب، واستشهد لذلك من شعرهم.
    ثم قال: وهذا المعنى وإن كان كأنه أشهر في العربية، فالمعنى الأول معروف فيها، والاشتقاق يساعد المعنيين، وفي «اللسان»: قال أبو عمرو: الصمد من الرجال الذي لا يعطش ولا يجوع وأنشد..»
    قال المعلمي:
    وكفى دلالة على صحة المعنى الأول ثبوت القول به عن أئمة التابعين، ثم هو الأوضح مناسبة للسياق، وسبب النزول، وذهب بعض الأجلَّة إلى تصحيح كلا المعنيين..». اهـ.
    أقول: فأنت ترى ثبوت هذا المعنى من عدة وجوه، وقد صح عن مجاهد، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والشعبي، وورد عن غيرهم من وجوه فيها ضعف.
    فإذا جاء خلاف هذا المعنى بإسناد فيه مظنة للخلل، فأيُّ حرج على الناقد إذا أعلَّه بذلك، مستصحبًا ذاك الثبوت المستفيض، والله تعالى ولي التوفيق.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    454

    افتراضي رد: رواية الأعمش عن أصحابه الذين أكثر عنهم بالعنعنة

    بارك الله فيك

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •