هذا عرض لأبحاث مؤتمر "تعظيم حرمات الإسلام" الذي نظمته مجلة البيان بالتعاون مع مبرة الأعمال الخيرية بالكويت , وتلخيص لبعض الأوراق .
وهي أبحاث هامة ونافعة إذ تناقش جذور العداء والاستبداد والانحراف عند الأمم الغربية وصلتها بالانتهاكات الأخيرة لحرمات وثوابت ديننا ، وكذلك دراسة التوصيف الشرعي لها ، وبلورة موقف عملي تجاهها ، وتوجيه الأدوار المقترحة لفعاليات الأمة ونخبها العلمية والفكرية .
وقبل أن ألج إلى الأبحاث أود أن أقف وقفة مع أهمية هذه الدراسات والإطلاع من حيث كونها توجيهاً علمياً لمواقف كل الفاعلين والمؤثرين , وضبط وتوجيه لردود الأفعال لتكون أكثر صوابية وفعالية .
وقد رأينا أن جل السياسات الغربية والتأثير في صانع القرار والرأي العام والسياسات الخارجية كلها تصدر عن أبحاث ودراسات عملية وتوصيات مراكز بحثية وعلمية .
وهنا ورغم قناعاتنا أننا متخلفين في هذا الشأن على المستوى العام إلا أنه لا بأس من الترجمة العملية لهذه الأفكار على مستوى الدعاة .
وفي اعتقادي أن هناك مرحلة من تداول أفكار تلك الأبحاث وإشاعتها والنقاش حولها وتبادل الآراء في ميادين النقاش – ومنها هذه المنتديات أمثالها – كل ذلك مرحلة وسيطة ضرورية لتتخمر في الأذهان ، وتستقر في اللاوعي بحيث تكون موجهاً ودافعاً تلقائياً نحو التحركات الناجحة .
إلى أن نصل إلى مرحلة أنضج تقوم على وضع هذه الأوراق على طاولة النقاش لتتبلور على ضوئها الخطط والبرامج .
وقد اخترت من الأبحاث ما أرى فيه إضافةً هامة وجديدة من وجهة نظري , وكذلك ما أعرضه إنما هو انتقاء وليس تلخيصاً شاملاً .
وعليه فقد يحتاج القارئ الرجوع للكتاب لقراءة الأبحاث أو بعضها .
*************
عناصر الشرك :- والاستكبار والفحش في القيم الغربية / أ\ د. جعفر شيخ إدريس .
- ما العمل الذي زينه الله- تعالى- للأمم الغربية والذي هو سبب عدائها للإسلام وأهله ؟
لعل الإجابة هي في ما يسمى بالقيم الغربية التي صار الغربيون الآن يكثرون من ذكرها ولا سيما حين يريدون بيان موقفهم من الإسلام وأهله .
إن الذي يكادون يجمعون عليه هو ما يعدونه من مصادر ثقافتهم العامة أو مكوناتها ؛ وهو الفكر اليوناني ، والديانتان اليهودية والنصرانية ، والحضارة الرومانية ، وحركات التنوير والإصلاح والنهضة ، والفلسفة اللبرالية ، والديموقراطية .
الفكر اليوناني : يعتقد عامة الغربيين أن الفكر اليوناني هو أساس فكرهم ، والحضارة اليونانية كانت ، رغم إنجازاتها الفكرية الكبيرة ، حضارة شرك وفحش , وأن شركها وقع في الألوهية والربوبية أيضا . وكانت حضارة فحش لا ترى بأساً بالعري كما تدل على ذلك تماثيلهم المنحوتة ، وصورهم وقصصهم وشعاراتهم التي يشيع فيها قصص البغاء الشذوذ الجنسي .
الديانة اليهودية :- أدى تحريف الدين والفهم السيء له حول تفضيل الله لهم إلى مسألة عرقية ؛ فصاروا يعتقدون أنهم – باعتبارهم عنصراً- هم شعب الله المختار ، ثم انتقلت هذه الفكرة إلى الديانة البروتستانتية ثم صار عن طريقها – كما يذكر لنا صاحب كتاب الثيوغراطية الأمريكية – جزءاً من التفكير القومي للشعب الأمريكي .
وما يسمونه بالكتاب المقدس مليء بقصص من الفحش منسوبة إلى أنبياء الله ، أكرم خلق الله .
الديانة النصرانية :- هذه أخذت عنصر الاستكبار من العهد القديم الذي تعده جزءاً من دينها . ثم زادت عليه أنه لا نجاة لأحد من الأولين والآخرين لم يتشرف بالإيمان بربوبية عيسى – عليه السلام – واعتبار موته تكفيراً عنه ، وأن تكفيره حاصل لا محالة لكل من اعتقد ذلك الاعتقاد مهما كانت سيئاته وجرائمه , وهذا مما يزين الفحش .
حركات الإصلاح والبعث : من أوضح مظاهر الغرور في الثقافة الغربية أنهم يرون أن هناك نقصاً في كل حضارة أو ثقافة أو ديانة لم تمر بالتاريخ الذي مرت به حضارتهم وثقافتهم وديانتهم . فمما يأخذونه على الإسلام – مثلاً- أنه لم تحدث فيه حركة إصلاح كحركتهم تعيد تفسير الدين وتفهمه فهماً جديداً يتناسب مع أهواء الثقافة الشائعة .
الليبرالية :- قرروا حقوقاً خاصة لايحق لأحد أن يتغول عليها , ولكنهم فسروا كثيراً من هذه الحقوق بحرية الكسب الذي لا قيود عليه ، فكان أن أدى إلى الرأسمالية . ثم زعم بعضهم ، تمشياً مع فكرة الغرور تلك ، أن هذه الليبرالية مع أختها الديمقراطية ( التي هي في الحقيقة متناقضة معها ) هي نهاية التاريخ في مجال النظم السياسية والاقتصادية ، وأن العالم كله سائر في الطريق الذي رسمته له وسارت فيه الحضارة الغربية .
وغلوا في تفسير ما تدعو إليه من حرية ، وجعلوا أكبر همهم فيها حرية الفحش الجنسي الذي أدى في ما أدى إليه من إضعاف للأسرة ، وانحدار عظيم في معدلات الإنجاب .
الديمقراطية : أعمت محاسن الديمقراطية كثيرا من الناس عن أن أصل الديمقراطية أصل شركي يعطي بعض البشر حق التشريع لبشر آخرين ، مع أن هذا الحق إنما هو حق لله تعالى ! ونسوا أن ما فيها من محاسن ليس خاصاً بها ، وأن كثيراً منه ليس من لوازمها ، ونسوا أنه ليس فيها محتوى خلقي وأنها لذلك لم تمنع المستمسكين بها من الإقدام باسمها على استعمار الشعوب و احتلالها ،واسترقاق أناس ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
العلوم الطبيعية :غرتهم معرفتهم بالسنن التي أودعها الله ـتعالىـ في ما أسموه بالطبيعة ،ومعرفتهم بأسباب كثير من المسببات ؛ فصار الغالب عليهم فصل هذا العلم عن الدين ، واعتبار الطبيعة كوناً مكتفياً بنفسه . بل إن بعضهم صار يستغل هذه العلوم لتأييد الميل إلى الفواحش التي منها فاحشة الشذوذ ، وقالوا: إنها عند بعض الناس شيء فطري موجود في (جيناتهم) .
- كيف صارت تلك المصادر والمكونات المتنافرة شيئا واحدا يسمى بالقيم أو الثقافة الغربية ؟
1ـ لكونها كلها جزءا من تاريخهم الذي ما يزالون يدرسونه .
2ـ لأنه ما من مكون من مكوناتها إلا وله أنصار كبار من المفكرين أو من الجماعات أو الأحزاب 3- لأن العلمانية ، وهي امتداد للشرك الموجود في كل تلك العناصر التي ذكرناها ، قد صارت هي الثقافة الطاغية التي يعاد تفسير العناصر الأخرى ـ بما فيها العناصر الدينية ـ لموافقتها ،
فأضحت الخلافات بينهم خلافات في داخل هذا الإطار فلم تعد ذات خطر ..
ماالعمل ؟
أولا : أن ننأى بأنفسنا عن مشاعر الحزن و الضيق والأسى فإنها مشاعر سلبية لا تحل مشكلة خارجية ، وإنما تنشئ مشكلات نفسية .
ثانيا : أن نكون على يقين بأن مداهنة أعداء الحق ومحاولة إرضائهم بالاستجابة لمطالبهم ـ فوق كونه خيانة علمية فإنه لن يجدي شيئا في حل المشكلة .
ثالثا : إن الرؤساء الغربيين يصرحون بأن الحرب على ما يسمونه بالإسلام الراديكالي حربان : حرب أيديولوجية ؛ يقولون : إنها لكسب العقول والقلوب . وحرب سنانية تساعد على تحقيق أهداف الحرب الأيديولوجية . أما نحن فما نزال منتصرين في ما أسموه بالحرب الأيديولوجية.
رابعا : بما أن الغرب ليس كله كتلة واحدة صماء معادية للإسلام ، بل فيه جاهلون بهذا الدين ، وفيه مغرورون ،وفيه منصفون مدافعون عن حقوق الناس ، وفيه عقلاء يرون أنه ليس من مصلحتهم شن حروب شاملة دعائية كانت أم قتالية على الثقافات الأخرى ، وفيه ...،وفيه ....، فيجب عند المعاملة أن لا نشمل الجميع بخطاب واحد لا يميز بين محق ومبطل ، ومتعد ، ومنصف .
خامساً :-
التقدم الحقيقي لأمتنا لا يكمل إلا بتقدم آخر لا يحتاج من إلى جهد كبير ، فكما نأخذ بوسائل عصرنا في التقدم العلمي التقني فكذلك يجب أن نعتبر مقتضياته في الإصلاح السياسي .
لا زال للحديث بقية مع تلخيص بحث آخر