الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد
ففي مقطع لحاتم العوني سماه : التعليق على أخطاء حرب الكرماني في كتابه (السنة)
وقع حاتم في عدة طوام خطيرة سأتحدث عن واحدة منها في هذا المقال إن شاء الله
قال حاتم العوني : يقول –أي حرب الكرماني- من زعم أن القرآن كلام الله ووقف , يعني لم يضف كلمة : غير مخلوق , ولم يقل غير مخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولا , أي أخبث ممن صرح بخلق القرآن وأكفر منه .
والكلام الآن انتبهوا عن القائل لا عن المقالة , هنا أيضا الخطورة , قال : من زعم ,ما قال : القول حتى .
فهو يكفر من اكتفى بأن يقول : القرآن كلام الله .
ما أحب أن يخوض في النزاع , ما أحب أن يكون شعلة في الفتنة لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء , حتى الذي ورد في الكتاب والسنة وفي كلام الصحابة رضي الله عنهم أن القرآن كلام الله هذا ليس مخطئا سياسة مثلا بل هذا أكفر -ويتكلم هنا عن الأشخاص لا عن المقالات- فهو أكفر من الأول أكفر ممن قال بخلق القرآن .
ثم : وهو جهمي خبيث مبتدع . هذا كله على من يكمل .اهـ
قلت : هذا الذي يستشنعه حاتم العوني لم ينفرد به الإمام حرب كما يصور حاتم بل هو إجماع من سبقه من العلماء
جاء في عقيدة الرازيين : ومن شك في كلام الله -عز وجل - أو وقف فيه شاكاً يقول: لاأدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي .اهـ
والواقف الذي يقصده العلماء بهذا الكلام هو من وقف شاكًّا في كون كلام الله صفة له غير مخلوق
قَالَ هارون بن السميذع : وسألت أبا عَبْد اللَّهِ عمن يقول : أنا أقف فِي القرآن تورعًا , قَالَ: ذاك شاك فِي الدين إجماع العلماء والأئمة المتقدمين عَلَى إن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق , هذا الدين الذي أدركت عليه الشيوخ وأدرك من كان قبلهم عَلَى هذا.اهـ (1)
والصحابة رضوان الله عليهم لم يخوضوا في هذا لأن هذه البدعة لم تظهر في عصرهم , فلما تكن موجودة عندهم كان يسع الناس أن يقولوا : كلام الله .
قال الإمام أحمد رحمه الله : كُنَّا نَأْمُرُ بِالسُّكُوتِ، وَنَتْرُكُ الْخَوْضَ فِي الْكَلَامِ، وَفِي الْقُرْآنِ، فَلَمَّا دُعِينَا إِلَى أَمْرٍ مَا كَانَ بُدًّا لَنَا مِنْ أَنْ نَدْفَعَ ذَاكَ وَنُبَيِّنَ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَنْبَغِي .اهـ (2)
يعني بعد ظهور المخالفين في هذه المسألة لزم المتكلم أن يوضح
وأما من وقف في القرآن جاهلا فهذا لم يكفره العلماء
قال ابن أبي حاتم : من شك في كلام الله عزّ وجل فوقف شاكا فيه يقول : لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي , ومن وقف في القرآن جاهلا عُلِّمَ وبُدِّع ولم يكفر .اهـ (3)
فكان هذا القول من الأئمة كَيْلَا يُسَبَّ (الله سبحانه وتعالى) وَتُعَطَّلَ صِفَاتُهُ , وَذَبًّا عَنْ ضُعَفَاءِ النَّاسِ كَيْلَا يَضِلُّوا بِمِحْنَتِهِمْ هَذِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا ضِدَّهَا مِنَ الْحُجَجِ الَّتِي تَنْقُضُ دَعْوَاهُمْ وَتُبْطِلُ حُجَجَهُمْ.(4)
ووجه كون الشاكة الواقفة أكفر من الجهمية :
قال الإمام أحمد رحمه الله : هُمْ أَشَدُّ عَلَى النَّاسِ تَزْيِينًا مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، هُمْ يُشَكِّكُونَ النَّاسَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ قَدْ بَانَ أَمْرُهُمْ، وَهَؤُلَاءِ إِذَا قَالُوا: إِنَّا لَا نَتَكَلَّمُ، اسْتَمَالُوا الْعَامَّةَ، إِنَّمَا هَذَا يَصِيرُ إِلَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ ". قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَسْأَلُ عَنْ مَنْ قَالَ: أَقُولُ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَأَسْكُتُ. قَالَ: " لَا، هَذَا شَاكٌّ، لَا، حَتَّى يَقُولَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ .اهـ (5)
ثم قال حاتم العوني ناقلا عن حرب الكرماني : ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع .
يعني حتى الذي يقول : أن القرآن كلام الله ولكن ألفاظنا مخلوقة لأنها من أفعالنا – وهذا هو الصحيح طبعا – يقول : فهو جهمي خبيث مبتدع , ومن لم يكفر هؤلاء القوم والجهمية كلهم فهو مثلهم .
وأيضا هذا كله الآن كلام عن المعين لا عن المقالة .اهـ
قلت : وجه كون اللفظية الذين يصحح مذهبهم حاتم العوني كفارا
ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله , حيث قال : ولهذا كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة يقولون : من قال اللفظ بالقرآن أو لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي , ومن قال إنه غير مخلوق(أي اللفظ) فهو مبتدع . وفي بعض الروايات عنه : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق يعني به القرآن فهو جهمي .
لأن اللفظ يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظا , ومسمى هذا فعل العبد , وفعل العبد مخلوق , ويراد باللفظ القول الذي يلفظ به اللافظ , وذلك كلام الله لا كلام القارىء , فمن قال : إنه مخلوق . فقد قال : إن الله لم يتكلم بهذا القرآن وان هذا الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام الله . ومعلوم أن هذا مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول .اهـ (6)
فالوقف واللفظ سِتر سَتر به الجهمية قولهم بالخلق
وحاتم العوني بتصحيحه لهذه المقالة إنما يتابع فيها دينه الأشعري الذي يقول القرآن كلام الله ولكن كلام الله ليس بحرف صوت وإنما هو كلام نفسي .
والأشعرية لا يخرجون بذلك من التجهم فالخلاف بينهم وبين المسلمين لا زال قائما حتى يثبتوا أن الله يتكلم بكلام حقيقي بحرف وصوت وأن ما في المصحف كلام الله غير مخلوق
قال عبدالله بن أحمد قلت لأبي أن قوما يقولون: إن الله لا يتكلم بصوت فقال يا بني هؤلاء جهمية إنما يدورون على التعطيل .اهـ (7)
قال شيخ الإسلام رحمه الله : قيل للإمام أحمد بن حنبل : إن فلانا يقول : لما خلق الله الأحرف سجدت له إلا الألف فقالت لا أسجد حتى أؤمر. فقال : هذا كفر .
فأنكر على من قال : إن الحروف مخلوقة لأنه إذا كان جنس الحروف مخلوقا لزم أن يكون القرآن العربي والتوراة العبرية وغير ذلك مخلوقا وهذا باطل مخالف لقول السلف والأئمة مخالف للأدلة العقلية والسمعية كما قد بسط فى غير هذا الموضع .اهـ (8)
وهذا الكلام الذي يشنع به حاتم العوني على الإمام حرب قاله الإمام أحمد رحمه الله قبله
قال الإمام أحمد رحمه الله كما في رسالته إلى مسدد : أجمع من أدركنا من أهل العلم أن الجهمية افترقت ثلاث فرق فقالت طائفة منهم القرآن كلام اللَّه مخلوق وقالت طائفة القرآن كلام اللَّه وسكتت وهي الواقفة الملعونة وقال بعضهم ألفاظنا بالقرآن مخلوقة فكل هؤلاء جهمية كفار يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا وأجمع من أدركنا من أهل العلم أن من هذه مقالته إن لم يتب لم يناكح ولا يجوز قضاؤه ولا تؤكل ذبيحته .اهـ (9)
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد
(1) طبقات الحنابلة (1/460)
(2) السنة للخلال 1797
(3) اللالكائي 178/1
(4) نقض الدارمي
(5) السنة للخلال 1799
(6) مجموع الفتاوى 12/74
(7) مجموع الفتاوى 6/527
(8) مجموع الفتاوى 12/41
(9) طبقات الحنابلة 1/343
أتمتته ولله الحمد يوم السبت
2 شعبان 1438هـ
قبل صلاة العشاء