بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه .
أما بعد :
أيها الأحباب قال الحق – سبحانه – {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} . ومن ذلك فيما لو اختلفوا واختصموا . . .
فالكلام موجه للمختلفين المختصمين لإصلاح ذات البين .
يا سرب الهداة و يا ركب الدعاة إن الجوارح آلة يحركها القلب إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
وقفات للتأمل :
قال الحق – سبحانه - : {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }.
• الذنوب آفة الأعمال .
• الذنوب قنطرة الافتراق .
• الذنوب آخية الشتات وداعية الاختلاف .
• ما ضر عبد إلا ذنبه .
• ما تمكن الشيطان من أحد إلا بذنبه .
• نفرة القلوب بعد ألفتها مؤسس على ذنب .
ونسيان الحظ الذي ذكروا به هو : ترك الواجب ، وفعل المحرم تفريطا أو تجاوز الحق فيهما بغيا .
وينشأ عن ذلك الحسد والبغي ويثمران التصارع والتضارب .
برهان :
إن أوضح علامة على سلطة الذنب على بعض النفوس المتصارعة دوام التضارب ، والانقطاع عن الركب .
إذ إن القلب كالبدن فالبدن المعافى إذا عرض له المرض دافعه وقد تدوم المدافعة أياما والغلبة للأقوى ويعان المريض بالدواء النافع ، فإن قوي البدن مع تعاطي سبب النجاة دفع المرض وسلم وانكب على ما ينفعه .
فإن دام التصارع دل على ضعف البدن أو خطأ العلاج أو المعالج لذلك هما يتدافعان و يعتلجان .
منارة :
كون المفسد يظهر في طريق الصالح فهذا لا يعني أن ينقطع الصالح عن طريق صلاحه وإصلاحه بل عليه أن يداويه بـ(ما بال أقوام) أو : (بئس أخو العشيرة) أو غيرهما .
ثم ينطلق مسرعا – قبل المنية المباغتة – في طريق الصلاح والإصلاح . فإن توقف مشاكسا ، وانقطع عن السير مضاربا ، فهذه علامة على كمائن في القلوب خافية وآفات للنفوس متخفية ، لا يعلمها الغافل لأنها لبست من المكر لبوس الغرور . فكم قيد الذنب عن طاعة وأوقع في معصية .
نداء :
يا حملة الأقلام والدفاتر إن القلم فضاح وفي أحيان يسكب مع الحبر السم الزعاف فتخرج الكلمات ظاهرها الرحمة وباطنها الشر الصراح .
إن الخير من خاصيته أن يكون أبلج والكلمة الحق في موضعها تكون وضيئة لها وقع على القلوب كالوابل على النار يطفئ لهبها ويخمد نارها .
فإن كانت كلمة حق في غير موضعها – جهلا – أو كلمة حق أريد بها مآرب – ظلما – فإنها وقود الفتنة التي تضرم نارها وتزيد لهبها .
والأصل في ذلك أن القلم آلة تحركها أنامل الكاتب وأصل هذه الحركة ما في القلب من إيمان خالص أو مشوب . وشوبه الذنوب – شبهات وشهوات – فإن قويت الذنوب زاحمت الإيمان في القيادة وصارت محركة للجوارح مشعلة للفتنة بالقلم واللسان .
نصيحة مشفق :
إن اللبيب يحذر نفسه أكثر من عدوه ويخشى ذنبه أكثر من ظلم خصمه لأن تسلط العدو الظالم نهاية ، بدايتها جهل العبد وظلمه ، ومنهما ينشأ مرض القلب فإن لم يداوه صار مأوى لكل شهوة غوية وشبهة خفية .
بيان :
اعلموا أيها الأحباب أن الفتنة شجرة خبيثة بذرتها آفة في القلوب من علل الشبهات والشهوات ، ويمدها ماء الهوى والشيطان . فتصبح هذه النفس ذات عقد من حقد وحسد لأن شجرتها مثمرة للتصارع والتطاحن .
الفتن فاضحة :
ما الذي يدفعك – عبد الله – للكلام في الفتنة ؟!!
قد تقول : إن المصالح المتحتمة والمفاسد المتفشية توجب القيل والقال وكتابة الرد والمقال .
فأقول – وأريدك أن تسمع قولي متجردا عن القناعات المسبقة مبتعدا عن ضباب الفتنة - : هل فكرت – أسألك بالله – قبل أن تكتب شيئا في الفتنة . لعل هذا المنزلق جرني إليه ذنب اقترفته منذ سنين قد نسيته ، وهو داخل ضمن قوله : {أحصاه الله ونسوه } .
فكر – عبد الله – في نجاة نفسك أولا فإن للذنوب تصارع وتطاحن وأماني وغرور فهي تضعف البصائر وتوهن الجوارح .
وفي الختام :
دواء الفتن لزوم الاستغفار وهي أمارة الصادقين فالانشغال بعيب النفس يصلح العبد ويقوي بصيرته بعيب غيره ، والانشغال بعيب الغير يديم فساد العبد ويضعف بصيرته بحقيقة عيب غيره ، وإن اللبيب تكفيه الإشارة والعبد يقرع بالعصا .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
قاله وكتبه
المذنب الفقير/ أبو زيد العتيبي