الشيخ/ صالح بن علي الوادعي
مسجد أبي بكر الصديق - صنعاء
20/ 6/ 1433هـ - 11/ 5/ 2012م
الخطبة الأولى:
الحمد لله أوجد الكائنات فأبدعها صنعاً، وأحكمها خلقاً، وهدى عباده النجدين؛ فأسعد فريقاً وفريقاً أشقى، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه بما هو أهله؛ لم يزل تعالى للشكر مستحقاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعبداً ورقاً، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله هو الأخشى لربه والأتقى، صلى الله عليه وبارك وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المؤمنون!
أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها خير زاد، ومجلبة للهدى والرضا والسداد، وأمنة لصاحبها يوم التناد، يقول الله سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197].
من يتقي الله يحمد في عواقبه *** ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
فالزم يديك بحبل الله معتصماً *** فإنه الركن وإن خانتك أركان
معاشر المسلمين!
من أجل محاسبة صادقة، ومعالجة لأحوال النفس دقيقة، واختبار للعمل بيِّن؛ فهذه وقفة مع فريضة من فرائض الله سبحانه، ليست بموسم مرتبطة، ولا على مناسبة موقوفة؛ فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، إنها قرة عين سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وأمان للمؤمنين، ومعراج لأفئدة المتقين؛ إنها الصلاة ركن الدين وعموده.
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» [رواه مسلم].
أيها المؤمنون!
تفقدوا أنفسكم في صلواتكم محافظة على أوقاتها، وأداءً لأركانها وخشوعها؛ فصفات المفلحين مبدوءة بها، ومختتمة بالمحافظة عليها، يقول سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2]، ثم في خاتمة هذه الصفات يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9-11].
أيها المسلمون!
روح الصلاة ولبُّها هو الخشوع، وحضور القلب، والإخبات والخضوع، كما قيل:" صلاة بلا خشوع جثة هامدة بلا روح"، وإذا خشع القلب خشعت الجوارح والحواس، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في ركوعه: «خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي» [رواه مسلم].
وكان يقول في دعائه صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» [رواه مسلم].
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتمَّ ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه» [رواه أبو داود وغيره].
إن الخشوع في الصلاة عظيم شأنه، سريع فقده، عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعاً».
الحديث عن الصلاة -أحبابي في الله- يحتاج إلى تذكير وتكرار، لا يمل سماعه الأبرار، ولا تشبع منه قلوب الأخيار، الصلاة من أعظم الفرائض أثراً، وأفظعها عند الترك خطراً، وأجلها بياناً وخيراً، عُرِج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء، ثم نزل عليه الأمر من ربه تبارك وتعالى بالصلاة؛ فما نزل إلى الأرض إلا وهو حامل هذه الفريضة العظيمة.
حين حضرته الوفاة عليه الصلاة والسلام، وهو يغرغر بنفسه، وقد أتى عليه الأجل، فكانت الصلاة خاتمة وصاياه، وكان يقول ولسانه لا يكاد يفيض بهذا الكلام: «الصلاة الصلاة.. الصلاة الصلاة.. وما ملكت أيمانكم».
من حافظ على هذه الصلاة فقد توثق من عرى دينه، وأخذ بأصله، ومن ضيعها فقد ضيع دينه.
الصلاة -أيها الناس- دواء يشفي من أمراض القلوب وأدوائها، وفساد النفوس أسقامها، هي النور المزيل للظلمات والذنوب والمعاصي، المطهر من أدران الذنوب، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال: فذلك مثل الصلوات يمحو الله بهن الخطايا».
وورد في حديث فضائل الوضوء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «فإن قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه» [رواه مسلم].
وثبت في صحيح مسلم أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة؛ فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله».
الصلاة إذا زينها الخشوع، وترسخ في أقوالها وأفعالها الذل والانكسار والتعظيم والمحبة والوقار، كانت هي التي تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، يقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].
بالخشوع يزداد إقبال المصلي على ربه تبارك وتعالى، وعلى قدره يكون اقتراب العبد من ربه، أخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي رحمهم الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه».
الصلاة أنس المسلم وسلواه، وغاية مراده ومناه، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام لبلال: «أرحنا بها»، ويقول أيضاً: «جعلت قرة عيني في الصلاة» [رواه النسائي].. قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا عليه الصلاة والسلام.
وهذا كان حال أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وخيار الأمة من التابعين ومن بعدهم، كان الصديق رضي الله عنه إذا كان في صلاته كأنه وتد، وإذا جهر بالقراءة خنقته عبرة من البكاء؛ فكان رجلاً أسيفاً حزيناً لا يملك دمعه إذا قرأ كلام الله في صلاته.
فاروق الأمة عمر رضي الله عنه كان إذا قرأ سمع من خلفه بكاءه.. يسمع نشيجه بتلاوته لكتاب الله تبارك وتعالى.
وكان علي رضي الله عنه إذا حان وقت الصلاة يضطرب ويتغير، فلما سئل قال: "لقد آن أوان أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها".
عمر بن عبد العزيز كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من خشب.
ابن الزبير رضي الله عنه كان إذا قام في الصلاة كأنه عود شجرة من الخشوع، وكان إذا سجد نزلت العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط؛ لأن حياتهم في هذه الصلاة.. روحهم في هذه الصلاة، إذا دخلوا في الصلاة نسوا الدنيا وألقوها خلف ظهورهم.
أيها الحبيب!
اسمع هذا الحديث، وهو حديث للمحاسبة.. قف مع نفسك وقفة صادقة؛ ليرى كل منا موقعه، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الرجل لينصرف وما كتب –أي: من صلاته- وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها» [رواه أبو داود].
يقول حسان بن عطية رحمه الله:" إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض؛ إذ ليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته وتعظيمه من الصلاة كحظ القلب الخالي من ذلك، وليس حظ القلب المخبت الخاشع كحظ القلب الذي ملذات الدنيا وشهواتها جعلته يخضع لها، ليس حظ القلب الذي يرتع في رياض القرآن كحظ القلب الذي تملكه الشيطان" عافانا الله وإياكم من ذلك.
لو رأيت منصور بن المعتمر وهو يصلي لقلت يموت الساعة، ولقد أخذ بوصية النبي عليه الصلاة والسلام: «صلِ صلاة مودع».
لما سمع بعض السلف قوله تبارك وتعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43] قال: "كم من مصل لم يشرب خمراً هو في صلاته لا يعلم ما يقول قد أسكرته الدنيا بهمومها".
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم الإخلاص والخشوع، وأن يرزقنا لذة مناجاته تبارك وتعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].
نفعني الله وإياكم بآيات الذكر الحكيم، وجعلني وإياكم من عباده الصالحين المخبتين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه: أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يُلبس علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذاك شيطان يقال له خِنْزَب. فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً، قال: ففعلت فأذهبه الله تعالى عني».
يشكو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الشيطان جلس له في صلاته، وهذا حال الشيطان مع كل مصلي، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فإذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط -حتى لا يسمع الأذان- ثم يُقبل، ثم إذا ثُوب بالصلاة أدبر، ثم يقبل حتى يحول بين المرء وصلاته، يقول: اذكر كذا.. اذكر كذا، لما لم يكن يذكر»، يحول بين العبد وصلاته، ويلقي بالخواطر على المصلين. هذا حال الشيطان! وينبغي أن يجاهد وأن يدفع، ولا يزال العبد المسلم مدافعاً للشيطان حافظاً لصلاته، حتى ينصرف من صلاته وقد كتب له أجرها كلها.
أيها الأحباب في الله!
أسباب الخشوع في الصلاة كثيرة، ولكن من أهمها: حضور القلب فيها، وعدم انشغاله بهموم الدنيا وأعمالها، وأن يقبل بقلبه على الله عز وجل؛ فلا يشتغل بغير صلاته.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم النهي عن الالتفات، قال العلماء: والالتفات في الصلاة نوعان: أحدهما التفات القلب عن الله عز وجل بأن ينصرف إلى الدنيا وأشغالها ولا يتفرغ لربه تبارك وتعالى، وقد سمعتم في الحديث الذي رواه مسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فإن هو قام وصلى فحمد الله تعالى وأثنى عليه ومجده بالذي هو أهله، وفرغ قلبه -لربه تبارك وتعالى- انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه». هذا النوع الأول وهو أعظمها.
والنوع الثاني: الالتفات بالنظر يميناً وشمالاً، والمشروع أن يقصر العبد نظره إلى موضع سجوده؛ لأن ذلك من لوازم الخشوع، وبه ينقطع الانشغال بالمناظر التي حوله، فقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد».
وفي حديث وصية يحيى بن زكريا لبني إسرائيل:« أن الله أمر يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمر بهن بني إسرائيل أن يعملوا بهن -فذكر منها- وآمركم بالصلاة؛ فإن الله تعالى ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا".
وفي الحديث الذي سمعتموه آنفاً عن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يزال الله تعالى مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه».
أيها الأحباب في الله!
هذا حال المصلي الذي يلتفت قلبه، أو يلتفت بصره؛ فكيف بحال الذي لا يصلي؟! إذا كان الله تعالى ينصرف عن المصلي الذي ينشغل في صلاته، وينصرف بقلبه، ويلتفت ببصره؛ فما ظنكم بالذي لا يصلي، أو يضيع الصلاة، أو يهمل فيها؟!
أيها الأحبة!
كيف صلاتك؟ أما جلست يوماً مع نفسك، وحاسبتها في هذه الصلاة العظيمة؟! وهل أنت راض عن صلاتك؟! انظر إلى حالك: هل تحب أنك موقوف بين يدي الله تبارك وتعالى ويسألك عن صلاتك؟! اسأل نفسك، وكن صادقاً مع نفسك. هذه الصلاة التي من ضيعها كان لما سواها أضيع. هذه الصلاة التي هي ميزانك عند الله تبارك وتعالى، هل تحب أن تكون موقوفاً بين يدي الله وتعرض هذه الصلاة؟! اسأل نفسك وكن صادقاً معها.. شغلتنا الدنيا، قدمنا ملاهينا وقدمنا شهواتنا على هذه الصلاة.
المخزنون هل عظموا الصلاة؟ هل قدروها حق قدرها؟!
هم بين اثنين: رجل لا يصلي، ورجل يصلي ولكن صلاته تقول: اتق الله فيَّ! إما أن يقدم الصلاة عن وقتها ولا يصليها في جماعة، فلا تعرف قدماه المسجد في صلاة العصر إلا في رمضان.. ومنهم الكثير أيضاً في رمضان لا يصلونها.
هذه المساجد ستشهد لك أو عليك، أما سمعت أن الملائكة تأتي وتتنزل في صلاة الفجر التي تبكي على حالنا، المساجد في صلاة الجمعة تزدحم، الشوارع تمتلئ، أين المصلون؟ أين أهل البيوت؟ أين المجاورون للمساجد؟ صلاة الفجر صف.. صفان.. ثلاثة.. والبقية أين؟ والله لو كانت دنيا لاستيقظ كلنا من أجل هذه الدنيا التي لا تعدل ركعة واحدة ولا سجدة.. بل ولا تسبيحة.
أيها الناس!
اتقوا الله تبارك وتعالى في صلاتكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فما سلط علينا العدو إلا بإضاعتنا أوامر الله وتوحيده وإفراده بالحاكمية.
"الصلاة .. الصلاة" أيها الناس وصية نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، لو أوصاك رجل تحبه بأمر لقلت وصية حبيبي، وهذه وصية قرة أعيينا وحبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في آخر لحظة من حياته، كان يتغرغر بها وهو يقول: «الصلاة .. الصلاة».
أيها المسلم!
إذا صلحت صلاتك صلح سائر عملك.
هل تحب أن تقول لك صلاتك: ضيعك الله كما ضيعتني؟!
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من حافظ على هذه الصلاة كانت له نور ونجاة وبرهان يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا نجاة ولا برهان، وكان مع فرعون وقارون وهامان وأبيّ بن خلف». هكذا يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهؤلاء الأشخاص؛ لأن منهم من شغلته تجاراته ووزاراته وملكه عن هذه الصلاة.
أما وقفت أيها الأخ الحبيب يوماً مع آية في كتاب الله يحفظها أكثرنا: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42]، تصور أيها المضيع للصلاة نفسك في يوم القيامة، والله سبحانه وتعالى يدعوك للسجود.. يأتي الله عز وجل فيسجد له المؤمنون الذين كانوا يصلون ويسجدون لله طواعية، أما المنافق المفرط المضيع -نسأل الله أن يعافينا وإياكم- فيأتي ليسجد فيعود ظهره كالطبق لا يستطيع السجود، {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:42-43].
الصلاة فارقة بين المسلم والكافر، وبين المؤمن والمنافق. وانظر حالك؛ فالذي يصف ويصور هذا الوصف هو الله تبارك وتعالى، هل أنت من هؤلاء؟ وكل منا أدرى بنفسه! يقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142]، ما أول أوصافهم؟ {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، هل أنا وأنت من هؤلاء؟ الذين إذا قاموا إلى الصلاة كأن جبالاً فوقهم، الذين يصلون على ما وافق أهواءهم، وما وافق أوقاتهم، ليس طاعة لله، {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103].
أما المنافقون «تلك صلاة المنافق.. تلك صلاة المنافق.. تلك صلاة المنافق.. يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها سريعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً»، هل أنت إذا دخلت في صلاتك تنتظر متى يقال السلام عليكم.. أو أنت في صلاتك تتلذذ بالركوع.. تتلذذ بالسجود؟! تعلم أن هذه المواضع وهذه الهيئات أحب الهيئات إلى الله تبارك وتعالى.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «أثقل الصلاة على المنافق ... »، قس نفسك اليوم، فهو يوم حساب لكل واحد منا، عليك أن ترجع وتحاسب نفسك؛ لترى هل أنت في جنة أو نار، إيمان أو نفاق، إسلام أو كفر؟ في أعظم فريضة فرضها الله «أثقل ثلاث على المنافق» ما هي؟ «صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً».. «ولو يعلم أحدهم أنه يجد مرماتين حسنتين لشهد العشاء».
انظروا إلى جوائز البنوك الربوية، وجوائز المسابقات فأعلى شيء فيها سيارة ثم أدنى وأدنى وأدنى.. إلى ألف ريال. كم من الحشود تنتظرها! وأنت يوم القيامة انتظر وسترى هل صلاتك تصلح فيصلح سائر العمل، فيقال هنيئاً لك: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] أم الأخرى والعياذ بالله؟
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي: عن الصلاة في المساجد- إلا منافق معلوم النفاق". أسأل الله أن يقيني وإياكم النفاق.
ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "كنا إذا رأينا الرجل يتخلف عن صلاة الفجر والعشاء أسأنا به الظن".
أيها الناس!
جاءتنا الملاهي والمشغلات، فنسمر على القنوات والدشوش، ونسامر المعاصي، ونضيع صلاتنا.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي قلوبنا.. أسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح أحوالنا.. أسأل الله تبارك وتعالى بمنه أن يأخذ بنواصينا لطاعته.. أسأله تبارك وتعالى أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.. أولئك هم الراشدون.
أيها الأخ الحبيب!
المصيبة العظيمة أنك لا تشعر ولا تحس أنك مريض، أو أن فيك خصلة من المنافقين!! هذه مصيبة لأنك إذا شعرت بأنك مريض، أو فيك خصلة من خصال الفساق أو المنافقين؛ استغفرت ربك، وسألت ربك أن يقيك هذا الأمر، ولكن إذا أنت تظن أنك من أحسن الناس فمتى تحاسب نفسك، متى؟!
أيها الأحباب في الله!
الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ولا شيخاً مسناً ولا سليماً ولا مريضاً، كم رأينا من أصحاء ماتوا، ومن مرضى عُمّروا!
الدعاء....
موقع منبر علماء اليمن: