وختم يوسف سمرين بهذا البيان:
التفويض مصادم لمذهب الحنابلة.
لما ناقشت المنتسب إلى المذهب الحنبلي، ناقشت عين مقالته، بدل الحشو الفارغ الذي يكررونه كل حين، مذهب أحمد، ليس فقط لا يصلح معه التفويض، بل يناقضه تمامًا، بعضهم أراد الحذلقة، فقال لابد أن يكون المرء محققًا للمذهب، ليعتبر قوله، ويغفل القائل، عن آلية تحقيق المذهب أصلًا، وقد شرح بعضًا منها ابن حامد الحنبلي في تهذيب الأجوبة، لا يفترض أن يكون هناك أي تخريج يناقض نص أحمد أصلًا، ومتى تعارض تخريج فرع مع نص لأحمد، فإنه لاغٍ، وما ينسبونه إلى المذهب، خطأ من صاحبه، وخطأ في النسبة إلى المذهب.
الآن هل يوجد في مقالة العديد من المتأخرين تفويض، نعم هذا صحيح، ولكن هذا ليس المذهب، بل يقال بكل وضوح، التفويض الذي سلكه المتأخرون أجنبي عن مذهب أحمد أصلًا، ويوجد حنابلة انتسبوا إلى المذهب ولهم مقالات تناقض مذهبه، وتحقيق مقالة في المذهب يجب أن تتسق مع أصول المذهب، وأن لا تخالف نصوص الإمام، فتنبه، فلا يقال مذهب الشافعي مثلًا ترك الظاهر، فهذا لا يصح بحال وقد نص على خلافه، بل المذهب يدور حول تحقيق مقالة الإمام المجتهد، ومعرفة أصول كلامه، لإلحاق فرع بالأصل الذي سلكه إمام المذهب.
نأتي لمقالة التفويض، فتحت أي أصل من كل أصول المذهب اعتمدت، لا يوجد لها أي أصل، بل تناقض أصول المذهب، أما أصلها على التحقيق فهو أجنبي عن المذهب تمامًا، وذلك بالتأثر بالمحيط الثقافي الذي حاكى تقسيمات أفلاطون، بجعل الناس طبقات، والعوام لا يقدّر لهم أن يكونوا فلاسفة، وجاء الغزالي ليكحلها، فجعل التفويض مرتبة العوام، أما التأويل فلأهل العلم.
مرتبة العوام هذه ارتضاها بعض من حقق فروعًا في المذهب، وكان فقيهًا، لكنه في الكلام كان يحاكي الأشعرية في كثير من مباحثه، فتحصل أن هذه المقالة أجنبية تمامًا عن المذهب أصلًا، فلا تنسب إليه، بل تنسب إلى قائلها، وهي خطأ منه على المذهب وعلى الشريعة من قبل.
أما التحشيد بأن الشيخ فلان قال بذا ونسبه إلى المذهب، فكل من حشدتم لا يساوون ربع علم تقي الدين، في تحقيق المذهب على وجهه، أصولًا وفروعًا، ومع ذلك فلم أذكره حتى لا يقال استدل بمغالطة السلطة.