تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

  1. #1

    افتراضي رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
    فإنَّ رفعَ اليدين حالَ الدُّعاء مطلقاً هو الأصل؛ وذلك إظهارا ًللذُّلِّ والانكسار، والفقر إلى الله – سبحانه - وتَضَرُّعاً واستجداءً لنَوَالِهِ، وهو من آداب الدعاء المتفق عليها، وأسباب إجابته؛ لما فيه من إظهار صدق اللجوء إلى الله عز وجل والافتقار إليه؛ كما يُشِير إليه حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقبل إلا طَيِّباً))، وفيه: ((ثم ذَكَرَ الرَّجُلَ يطيل السَّفَر، أشعثَ أغْبَرَ، يمدُّ يديْهِ إلى السماء: يا رب، يا رب))؛ رواه مسلم.
    - قال العلامةُ ابنُ رجبٍ الحنبلي: هذا الكلام أشار فيه - صلى الله عليه وسلم - إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابَته، وإلى ما يمنع من إجابته، فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابَةَ الدُّعاءِ أربعة ... قال: الثالث: مدُّ يديه إلى السَّماء، وهو من آداب الدُّعاء التي يُرجى بسببها إجابتُه، وفي حديث سلمانَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله حَيِيٌّ كريم يستحْيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يرُدَّهُما صفراً خائبتين))؛ خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. ورُوِيَ نحوه من حديث أنسٍ وجابرٍ وغيرِهِما.
    وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في الاستسقاء حتى يُرى بياضُ إبطيه، ورَفَعَ يديه يومَ بدرٍ يستنصرُ على المشركين حتى سقط رداؤه عن مَنْكِبيه، وقد رُوِي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في صفة رفع يديه في الدُّعاء أنواعٌ متعددة...قال: ومنها: رفع يديه، جعل كفَّيه إلى السَّماء وظهورهما إلى الأرض . وقد ورد الأمرُ بذلك في سُؤال الله - عز وجل - في غير حديث، وعن ابن عمر، وأبي هريرة، وابن سيرين: "أنَّ هذا هو الدُّعاء والسُّؤال لله - عز وجل". اهـ.
    - وصحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع يديه كُلَّمَا دَعَا؛ ففي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال: ((فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء فتوضأ ثم رفع يديه ثم قال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، حتى رأيت بياض إبطيه)) الحديث.
    - وفي صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - في قصة خالد لما أمره أصحابه بقتل ما بأيديهم من أسرى – وفيه: فلَمَّا أُخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك رفع يديه فقال: ((اللهُمَّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد "مرتين")).
    - وقد بَوَّبَ البُخَارِي في "صحيحه" أيضاً لهذه المسألة فقال: "باب رفع الأيدي في الدعاء"، وأشار ضمن هذه الترجمة لهذين الحديثين وغيرهما.
    - وفي الصحيحين عن سهل بن سعد، في قصة صلاة أبي بكر بالصحابة، لما ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - للصلح بين بني عمرو بن عوف، وفيه -: "فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره أن يُصَلِّي، فرفع أبو بكر - رضي الله عنه - يديه فحمد الله عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ" الحديثَ. ومعلوم أن هذا كان في الصلاة؛ ففي غيرها من المواضع أولى وأحرى؛ وقال الباجي في "المنتقى": "ورَفْعُ أبي بكر يديه في الصلاة للدُّعاء دليلٌ على جواز ذلك في الصلاة. وقد روي عن مالك جواز رفع اليدين في موضع الدعاء".
    - وقد نصَّ أهل العلم على أن أحاديث رَفْعَ اليدين في الدعاء بلغت مبلغ التَّواتُر المعنوي
    - قال الإمام النَّوَوِي في "شرح مسلم": "قد ثبت رفع يديه في الدعاء في مواطن، وهي أكثر من أن تُحْصَى. قال: وقد جَمَعْتُ منها نحواً من ثلاثين حديثاً من "الصحيحين". اهـ.
    - وقال الإمام السيوطي في الألفية:
    - خَمْسٌ وَسَبْعُونَ رَوَوْا "مَنْ كَذَبَا" = وَمِنْهُمُ الْعَشْرَةُ ثُمَّ انْتَسَبَا
    - لَهَا حَدِيثُ "الرَّفْعِ لِلْيَدَيْنِ" = وَ"الْحَوْضِ" وَ"الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ"
    - قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في "الفتاوى الكبرى": "ويُسَنُّ للداعي رفع يديه والابتداء بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يختِمَهُ بذلك كله وبالتأمين". وقال: "وأما رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه في الدعاء: فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة".
    ولا يخرج عن هذا الأصل إلا ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه دعا ولم يرفعْ يديه فيها؛ كالدعاء بين السجدتين، وفي آخِرِ التَّشَهُّد، ودعاء الاستفتاح وفي خطبة الجمعة للإمام - في غير الاستسقاء – فإنَّ السُّنَّةَ للإمام الإشارةُ بالإصْبَع فالأدِلَّةُ فيها خاصة.
    قال النووي في "المجموع" -: فرع: في استحباب رفع اليدين في الدعاء خارج الصلاة، وبيان جملة من الأحاديث الواردة فيه -: "اعلم أنه مُسْتَحَبٌّ؛ لما سنذكره إن شاء الله تعالى عن أنس - رضي الله عنه – "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى ورفع يديه وما في السماء قَزَعَة؛ فثار سحابٌ أمثال الجبال, ثم لم ينزل من مِنْبَرِهِ حَتَّى رأيت المطرَ يَتَحَادَر من لحيتِهِ"؛ رواه البخاري ومسلم، وَرَوَيَا بمعناه عن أنس من طرق كثيرة، وفي رواية للبخاري: "فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو ورفع الناس أيديَهُمْ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعون فما خرجنا من المسجد حتى مُطِرنَا، فَمَا زلنا نُمْطَرُ حتى كانت الجمعة الأُخرَى"، وذكر تمام الحديث.
    وثبت رفع اليدين في الاستسقاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية جماعة من الصحابة غير أنس، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
    وعن أنس - رضي الله عنه - في قصة القُرَّاءِ الذين قُتِلُوا قال: "لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُلَّمَا صلَّى الغداة رفع يديه يدعو عليهم، يعني: على الذين قتلوهم"؛ رواه البيهقي بإسناد صحيح حسن.
    وقد سبق عن عائشة - رضي الله عنها - في حديثها الطويل في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل إلى البقيع للدعاء لأهل البقيع والاستغفار لهم قالت: أتى البقيع؛ فقام فأطال القيام، ثم رفع يَدَيْهِ ثَلاثَ مرَّات ثم انحرف، وقال: ((إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: إن ربك يأمُرُكَ أن تأتي أهل البَقِيع وتستغفر لهم))؛ رواه مسلم .
    وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه قال -: ((لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه يقول: اللهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وعدتني, اللهم آت ما وعدتني، فمازال يهتف بربه مادّاً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه))؛ رواه مسلم. (قوله) يهتف - بفتح أوله وكسر التاء المُثَنَّاة فوق - يقال: هتف يهتف إذا رفع صوته بالدعاء وغيره.
    وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((أنه كان يرمي الجمرة سبع حصيات يكبر على أثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يستقبل؛ فيقوم مستقبل القبلة؛ فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال؛ فيستقبل ويقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة ولا يقف عندها ثم ينصرف؛ فيقول: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يفعله))؛ رواه البخاري.
    وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((صَبَّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر بكرة، وقد خرجوا بالمساحي فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال: اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خيبر))؛ رواه البخاري في آخر علامات النبوة من صحيحه.
    وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: ((لما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من خيبر بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس وذكر الحديث وأن أبا عامر - رضي الله عنه - استشهد فقال لأبي موسى: يا ابن أخي أَقْرِئِ النبي - صلى الله عليه وسلم - السَّلاَمَ وقل له: استغفر لي، ومات أبو عامر قال أبو موسى: فرجعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعبدك أبي عامر ورأيْتُ بياض إبطيه ثم قال: اللهُمَّ اجعَلْهُ يوم القيامة فوق كثير من خلقك ومن الناس، فقلت: ولي فاستغفر فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مُدخَلاً كريماً))؛ رواه البخاري ومسلم.
    وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول: إنما أنا بشر فلا تعاقبني، أيما رجل من المؤمنين آذيته أو شتمته فلا تعاقبني فيه)).
    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة وتهيأ ورفع يديه وقال: اللهم اهدِ أوساً وأْتِ بهم)).
    وعن جابر - رضي الله عنه -: ((أن الطفيل بن عمرو قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل جابر في حِصْنٍ حصينٍ ومَنَعَةٍ ؟ وذكر الحديث في هجرته مع صاحب له، وأن صاحبه مرض فجزع فجرح يديه فمات فرآه الطفيل في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما شأن يديك؟ قال: قيل: لن يصلح منك ما أفسدت من نفسك؛ فقصها الطفيل على النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: ((اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فاغفر - رفع يديه)).
    وعن علي - رضي الله عنه - قال: ((جاءت امرأة الوليد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه زوجها أنه يضربها؛ فقال: اذهبي إليه فقولي له: كيت وكيت، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول، فذهبت ثم عادت؛ فقالت: إنه عاد يضربني فقال: اذهبي فقولي له: كيت وكيت فقالت: إنه يضربني فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فقال: اللهم عليك الوليد)).
    وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رافعاً يديه حتى بدا ضبعاه يدعو لعود عثمان، رضي الله عنه)).
    وعن محمد بن إبراهيم التيمي قال: ((أخبرني من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه)).
    وعن أبي عثمان قال: ((كان عمر - رضي الله عنه - يرفع يديه في القنوت وعن الأسود أن ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يرفع يديه في القنوت)).
    هذه الأحاديث من حديث عائشة: ((إنما أنا بشر فلا تعاقبني)) إلى آخرها رواها البخاري في كتاب "رفع اليدين" بأسانيد صحيحة، ثم قال في آخرها: "هذه الأحاديث صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وفي المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرته، وفيما ذكرته كفاية، والمقصود أن يعلم أن من ادَّعى حصر المواضع التي وردت الأحاديث بالرفع فيها فهو غالط غلطاً فاحشا والله تعالى أعلم". اهـ.
    وقد أفتى بعض المعاصرين بأن رفع اليدين عند التأمين على دعاء الإمام يوم الجمعة بدعة.
    واحتج أولاً: بعدم نقله عن الصحابة، مع كثرة الجُمَع التي صلاها النبي، صلى الله عليه وسلم.
    ويُجَابُ: بِأَنَّ عدم العلم بالشيء لا يقتضي العِلْمَ بالعَدَم، وبِأَنَّ ما ذكروه مُعَارَض بعموم حديث سلمان وأبي هريرة السابقين، ومجموع الأحاديث الأخرى التي نقلها النووي عن البخاري، وبأن الأصل المُقَرَّر هو أن رفع اليدين من آداب الدعاء عموماً، ولا يخرج عن هذا العموم إلا بدليل، وبأن حصر مواضع رفع اليدين في الدعاء بما ورد من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - خطأ محض؛ لأنه فرد من أفراد العام فلا يخصصه، وقد قرر الأصوليون أن موافق العام لا يخصصه.
    واحتجَّ ثانياً: بحديث أنس في "الصحيحين": ((لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء)).
    وقد أجاب الحافظ ابنُ حجر في "الفتح" عن هذا الاستدلال بقوله: "إن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع، وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء, وحاصله أن الرفع في الاستسقاء يُخَالِفُ غيره، إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه – مثلاً - وفي الدعاء إلى حذو المنكبين, ولا يُعَكِّر على ذلك أنه ثبت في كل منهما: ((حتى يُرَى بياض إبطيه))، بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره, وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء. قال المنذري: وبتقدير تَعَذُّر الجمع؛ فجانب الإثبات أرجح".
    واحتج ثالثاً: بما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رُوَيبة: "أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه, فأنكر ذلك وقال: قَبَّحَ اللهُ هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يَزِيدُ على أن يقول بيده هكذا. وأشار بإصبعه المُسَبِّحَة.
    ويجاب: بأن هذا الحديث أخصُّ من محلِّ النزاع؛ فإنه مُخْتَص بالإمام ولا يشمل المأمومين، ولو سَلَّمْنَا أنه يشملهم، فيكون دالاً على استحباب رفع الإصبع في الدعاء يوم الجمعة، وهم لا يقولون به أيضاً، ثم ليس استدلالهم بهذا الحديث بأولى من الاستدلال بحديث أبي هريرة في رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - كلتا يديه في دعائه على المنبر للاستسقاء، فإن قيل هذا الرفع خاص بدعاء الاستسقاء؟! قلنا: وكذلك حديث عمارة بن رُوَيبة خاص بالإمام دون المأمومين.
    ثم إن إنكار عمارة على بشر برؤيته النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشير بأصبعه لا يعد دليلا على عدم جواز رفع اليدين بمفرده، لأن عمارة روى ما رأى، وهذا لا ينفي أن يكون رآه غيره على غير هذه الهيئة.
    قال الحافظ: "ورده – يعني الإمام الطبري - بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة, وهو ظاهر في سياق الحديث؛ فلا معنى للتَّمَسُّكِ به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها".
    وقد جرى الجمهورُ على تقييد عدم جواز رفع اليدين في الدعاء يوم الجمعة بالإمام دون المأموم؛
    قال شيخ الإسلام في "الفتاوى": "ويُكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة وهو أَصَحُّ الوجهين لأصحابنا; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يشير بأصبعه إذا دعا، وأما في الاستسقاء فرفع يديه لما استسقى على المنبر".
    وقال البهوتي في "كشاف القناع": "(و) يُسَنُّ أن (يدعو للمسلمين)؛ لأن الدعاء لهم مسنون في غير الخُطبة ففيها أولى ... يكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة؛ قال المجد: هو بدعة وفاقاً للمالكية والشافعية وغيرهم. (ولا بأس أن يشير بإصبعه فيه) أي دعائه في الخطبة".
    وقال الرملي – الشافعي - في "نهاية المحتاج": "(و) يسن (رفع يديه) فيه (أي في القنوت عندهم)، وفي سائر الأدعية اتباعاً، كما رواه البيهقي فيه بإسناد جيد، وفي سائر الأدعية الشيخان وغيرهما".
    وحاصل ما تضمنه كلام الشارح هنا أن للأول دليلين:
    فإنه استدل على القول بأن الرفع سنة للاتباع، وأن القائل بعدم سنيته استدل عليه بالقياس على غير القنوت من أدعية الصلاة كدعاء الافتتاح والتَّشَهُّد والجلوس بين السجدتين . وأفاد بقوله كما قيس الرفع فيه إلى آخره أن القائل بالأول استدل أيضا بالقياس المذكور، ومقابل الأصَحِّ عَدَمُ رفعه في القنوت لأنه دعاء صلاة فلا يُسْتَحَبُّ الرفع فيه قياساً على دعاء الافتتاح والتشهد، وفرق الأول بِأَنَّ لِيَدَيْهِ فيه وظيفة ولا وظيفة لهما هنا، وتحصل السنة برفعهما سواء أكانتا متفرقتين أم مُلْتَصِقَتَيْن ِ، وسواء أكانت الأصابع والراحة مستويتين أم الأصابع أعلى منها، والضابط أن يجعل بطونها إلى السماء وظهورها إلى الأرض، كذا أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، وخبر: ((كان - صلى الله عليه وسلم - لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء))، نُفِيَ، أو محمول على رفع خاص وهو للمبالغة فيه، ويجعل فيه وفي غيره ظهر كفيه إلى السماء إن دعا لرفع بلاء ونحوه، وعلى النقيض من ذلك إن دعا لتحصيل شيء أخذاً مما سيأتي في الاستسقاء، ولا يعترض بأنَّ فيه حركة وهي غير مطلوبة في الصلاة إذ محله فيما لم يَرِدْ، ولا يَرُدُّ ذلك على الإطلاق ما أفتى به الوالد - رحمه الله تعالى - آنفاً إذ كلامُهُ مخصوص بغير تلك الحالة التي تقلب اليد فيها، وسواء فيمن دعا لرفع بلاء في سن ما ذكر أكان ذلك البلاء واقعاً أم لا كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، واستحب الخطابي كشفهما في سائر الأدعية".
    وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوتار": "الحديثان المذكوران في الباب يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة".
    وبهذا البيان يتبين أن قياس المأموم على الإمام في عدم رفع اليدين حال التأمين فاسد الاعتبار، وأن رفع اليدين في الدعاء عموماً مشروع وثابت؛ فمن دعا ورفع يديه حال الدعاء، لا يُنْكَرُ عليه، إلا في الحالات السابقة، التي صحَّ أن النبي- صلى الله عليه وسلم - ترك رفع اليدين فيها.
    وقد سُئِل ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" عن رفع اليدين بعد فراغ الخطبتين يوم الجمعة هل هو مُسْتَحَب أو بدعة؟ فأجاب:
    "رفع اليدين سُنَّة في كل دعاء خارج الصلاة ونحوها ومن زعم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرفعهما إلا في دعاء الاستسقاء فقد سها سهواً بَيِّناً وغلط غلطاً فاحِشاً. وعبارة العباب مع شرحي له (يُسَنُّ للداعي خارج الصلاة رفع يديه الطاهرتين) للاتِّبَاع ... وقال: من ادَّعَى حصرها فهو غالط غلطاً فاحشاً، وهذه لكونها مثبتة مقدمة على روايتهما كان صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، واستَحَبَّ الخطَّابي كشفهما في سائر الأدعية، ويكره للخطيب رفعهما في حال الخطبة كما قاله البيهقي".
    وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: "ما لم يرد فيه الرفع ولا عدمه؛ فالأصل الرّفع؛ لأنه من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله حَيِيٌّ كريمٌ يَستَحْيِي من عبده إذا رفع إِلَيْهِ يَدَيْهَ أن يرُدَّهُمَا صِفْراً))، لكن هناك أحوال قد يُرَجَّحُ فيها عدم الرّفع وإن لم يرد؛ كالدعاء بين الخطبتين - مثلاً - فهنا لا نعلم أن الصحابة كانوا يدعون فيرفعون أيديهم بين الخطبتين، فرفع اليدين في هذه الحال محلّ نظر، فمن رفع على أن الأصل في الدعاء - رفع اليدين - فلا يُنْكَرُ عليه، ومن لم يرفع بِناءً على أن هذا ظاهر عمل الصحابة، فلا يُنكَرُ عليه؛ فالأمر في هذا إن شاء الله واسع".
    هذا؛ وسر الإطالة في هذا الجواب؛ هو التماس من التمس ذلك مني، ولأنَّ هذه المسألةَ قد كَثُرَ فيها اللَّغَط، والكلام بغير علم، مع الإنكار على المُخَالِف بل والتَّقَحُّم عليه أحياناً أخرى، وأنت خبير بأنَّ المسائلَ الخلافية لا يجوز فيها إلا النُّصح مع بيان الدليل، واعْتَبِر - رعاك الله - بعبارة العلامة العثيمين: "فمن رَفَعَ على أَنَّ الأصْلَ في الدعاء - رفع اليدين - فلا يُنْكَرُ عليه ..."، فكأنه بتلك الكلمات يرسم طريقة التعامل مع المسائل الخلافية.
    قال الإمام النَّسَفي - الحنفي –: "إنه يجب علينا إذا سُئِلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفنا في الفروع أن نجيب بأنَّ مَذْهَبَنَا صوابٌ يحتمل الخَطَأَ، وَمَذْهَب مخالفنا خطأ يحتمل الصواب".
    وما أَحْسَنَ قولَ الزركشي: "قد راعى الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وأصحابه خلاف الخصم في مسائل كثيرة، وهذا إنَّما يتمشَّى على القول بأن مُدعيَ الإصابة لا يقطع بخطأ مُخَالِفِهِ؛ وذلك لأن المجتهد لما كان يُجَوِّزُ خلافَ ما غلبَ على ظنه، ونظر في متمسك خصمه فرأى له موقعاً راعاه على وجه لا يُخِلُّ بما غلب على ظنه، وأكثره من باب الاحتياط والورع، وهذا من دقيق النَّظَر والأخذ بالحزم".
    وقال القرطبي: "وَلِذَلِكَ راعى مالك - رضي الله تعالى عنه - الخلافَ، قال: وَتَوَهَّمَ بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلاف، وهو جهل أو عدم إنصاف. وكيف هذا وَهُوَ لم يراعِ كل خلاف وإنما راعى خلافاً لشدة قوته". اهـ. نقلاً عن "الفتاوى الفقهية الكبرى "،، والله أعلم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    19

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    جزاك الله خيرا وبارك الله فيك لقد جمعت الأدله ووفيت..نفع الله بما كتبت..وجعله حجة لك لاعليك..ورزقك اللهم الأجر ولاحرمك منه.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    19

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    ولكن يا شيخ أرجو توضيح معنى التواتر المعنوي

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    رفع اليدين بالدعاء في خطبة يوم الجمعة
    هذا جزء من بحث رفع اليدين في الدعاء، متعلق برفعهما أثناء دعاء الخطيب يوم الجمعة.

    في الباب حديث وخمسة آثار تستنكر رفع اليدين بالدعاء أثناء دعاء الخطيب يوم الجمعة، وللأسف كثير من الخطباء لا ينكرون ذلك، ولا يُعرّفون الناس أنه خلاف فعل السلف، بل ربما فعله بعضهم، والنبي صلى الجمعة بأصحابه عشر سنين في المدينة، فلم ينقل لنا ولا بخبر ضعيف أنهم رفعوا أيديهم أثناء دعائه حال الخطبة، بإستثناء رفعه يديه أثناء طلبه الإستسقاء.
    وأول من أحدث رفع اليدين يوم الجمعة على المنبر بنو أمية. وقد رأى الصحابي الجليل عمارة بن رؤيبة بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه، فقال: قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه.
    أخرجه مسلم (الجمعة ح 874).
    أما الأحاديث والأثار فهي:
    1
    . حديث سهل بن سعد
    (ما رأيت رسول الله شاهرا يديه قط يدعو على منبر ولا غيره، ما كان يدعو إلا يضع يديه حذو منكبيه ويشير بإصبعه إشارة).
    أخرجه أحمد بن حنبل (5/337)، وأبو داود (ح 1105)، وأبو يعلى (13/545)، وابن حبان (3/165)، وابن خزيمة (2/351)، والطبراني في الكبير (6/206)، والحاكم (1/536) وصححه ووافقه الذهبي، وابن أبي شيبة في المصنف (2/320) ولم يذكر إشارة الإصبع. من طريق: (عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن بن أبي ذباب عنه..)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/167): "فيه عبدالرحمن بن إسحق الزرقي المدني وثقه ابن حبان وضعفه مالك وجمهور الأئمة وبقية رجاله ثقات". وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (ص 105 ح 240). و لشواهده صححه الأرنأوط محقق الإحسان، وحسنه حسين أسد محقق مسند أبي يعلى.
    قال البيهقي في سننه (3/210): "من السنة أن لا يرفع يديه في حال الدعاء في الخطبة ويقتصر على أن يشير بأصبعه".
    2.
    أثر طاوس
    (كان يكره دعائهم الذي يدعونه يوم الجمعة وكان لا يرفع يديه).
    إسناده حسن. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/475). قال: (حدثنا جرير بن عبدالحميد عن ليث عن طاوس…).
    علته: (ليث هو ابن أبي سليم).
    قال في الميزان (3/420): "قال احمد: مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس، وقال يحيى والنسائي: ضعيف. وقال ابن معين أيضا: لا بأس به. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره. وقال الدراقطني: كان صاحب سنة، وإنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب. وقال عبدالوارث كان من أوعية العلم". قال في التقريب: "صدوق أختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك". والأثر يشهد له ما قبله.
    3.
    أثر مسروق
    (رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر، فرفع الناس أيديهم فقال: مسروق قطع الله أيديهم).
    إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/475). قال: (حدثنا ابن نمير وأبو معاوية عن الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق…).
    4.
    أثر الزهري
    (رفع الأيدي يوم الجمعة محدث، وأول من أحدث رفع الأيدي يوم الجمعة مروان).
    إسناده صحيح.
    أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/475)، قال: (حدثنا عبدالأعلى بن معمر عن الزهري…).
    عبدالأعلى هو ابن عبدالأعلى بن محمد وقيل ابن شراحيل القرشي قال في التقريب: "ثقة".
    5.
    أثر غضيف بن الحارث الثمالي
    (قال: بعث إِليّ عبدالملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين! قال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر. فقال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما. قال: لم؟ قال: لأن النبي قال: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من احداث).
    إسناده حسن. أخرجه أحمد في المسند (4/105) قال: (ثنا سريج بن النعمان قال: ثنا بقية عن أبي بكر بن عبدالله عن حبيب بن عبيد الرحبي عن غضيف بن الحارث الثمالي…).
    علة الحديث:
    1- بقية هو ابن الوليد. قال في التقريب: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء. وقد عنعن وشيخه.
    2- أبو بكر بن عبدالله هو ابن أبي مريم. قال في التقريب: ضعيف وكان قد سرق بيته فاختلط. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/188): "رواه أحمد والبزار وفيه أبو بكر بن عبدالله بن أبي مريم، وهو منكر الحديث".
    والحديث إسناده ضعيف، لكن يشهد له أحاديث الباب فيرتقي إلى درجة الحسن بالشواهد.
    6.
    أثر محمد سيرين
    (أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن معمر).
    إسناده صحيح. أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/398)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/475). من طريق (ابن عون عن محمد بن سيرين…). وابن عون، هو عبدالله بن عون بن أرطبان. قال في التقريب: ثقة ثبت فاضل.
    أما ابن معمر ففي الجرح والتعديل (5/332): "والى البصرة وكان يحسن الثناء عليه روى عنه بن سيرين قال أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن معمر سمعت أبى يقول ذلك".

    الحمد لله على توفيقه
    منقوول من ملتقى اهل الحديث
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  5. #5

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    الأخت ريم السلام عليكم
    التواتر المعنوي كما قال الخطيب البغدادي رحمه الله في الفقيه والمتفقه(1/276،277) : الإسناد فضربان تواتر وآحاد فأما التواتر فضربان أحدهما تواتر من طريق اللفظ والآخر تواتر من طريق المعنى
    فأما التواتر من طريق اللفظ فهو مثل الخبر بخروج النبي من مكة إلى المدينة ووفاته بها ودفنه فيها ومسجده ومنبره وما روي من تعظيمه الصحابة وموالاته لهم ومباينته لأبي جهل وسائر المشركين وتعظيمه القرآن وتحديهم به واحتجاجه بنزول وما روي من عدد الصلوات وركعاتها وأركانهاوترتيبه ا ، وفرض الزكاة والصوم والحج ، ونحو ذلك وأما التواتر من طريق المعنى : فهو أن يروي جماعة كثيرون يقع العلم بخبرهم ، كل واحد منهم حكما غير الذي يرويه صاحبه ، إلا أن الجميع يتضمن معنى واحدا ، فيكون ذلك المعنى بمنزلة ما تواتر به الخبر لفظا ، مثال ذلك : ما روى جماعة كثيرة عمل الصحابة بخبر الواحد ، والأحكام مختلفة ، والأحاديث متغايرة ، ولكن جميعها يتضمن العمل بخبر الواحد العدل
    .ا.ه
    وقال الإمام أبو إسحاق إبراهيم الشيرازي في اللمع اعلم ان الخبر ضربان متواتر وآحاد فأما المتواتر فهو كل خبر وعلم مخبره ضرورة وذلك ضربان تواتر من جهة اللفظ كالأخبار المتفقة عن القرون الماضية والبلاد النائية وتواتر من طريق المعنى كالأخبار المختلفة عن سخاء حاتم وشجاعة علي رضي الله عنه وما أشبه ذلك ويقع العلم بكلا الضربين ا هـ

    وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين في معرض كلامه على استعمال الصحابة رضي الله عنهم للقياس في الأحكام وأنهم كانوا يسمونه الأشباه والنظائر والأمثال :
    "ولا يلتفت إلى من يقدح في كل سند من هذه الأسانيد وأثر من هذه الآثار فهذه في تعددها واختلاف وجوهها وطرقها جارية مجرى التواتر المعنوي الذي لا يشك فيه وإن لم يثبت كل فرد فرد من الأخبار به " 49
    وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول
    انقسام التواتر إلى: لفظيّ و معنويّ
    وهو ينقسم إلى اللفظي(1728)(1729) وهو: أن تقع الشَّرِكة بين ذلك العدد(1730) في اللَّفظ المرويِّ(1731). والمعنوي: وهو وقوع الاشتراك في معنىً(1732) عامٍّ؛ كشجاعة عليٍّ رضي الله عنه وسخاء حاتمٍ(1733).
    الشرح
    اللفظي كما نقول: إنّ القرآن الكريم متواتر؛ أي: كل لفظةٍ منه اشترك فيها(1734) العدد الناقل للقرآن، وكذلك " دمشق " و" بغداد " أي جميع النَّقَلة نطقوا بهذا اللفظ.
    وأما المعنوي: فلا تقع الشَّرِكة في اللفظ(1735) كما يُروى أن علياً رضي الله عنه قتل ألفاً في الغزوة الفلانية، وتروى قصص أخرى بألفاظٍ أخرى، وكلها تشترك(1736)(1737) في معنى الشجاعة، فنقول: شجاعة علي رضي الله عنه ثابتة بالتواتر المعنوي. ويُروى أن حاتماً(1738) وهب مائة ناقةٍ، ويروي(1739) آخر(1740) أنه وهب ألف دينار ونحو ذلك، حتى تتحصَّل حكايات مجموعها يفيد القطع بسخائه، وإن كانت(1741) كل حكاية من [تلك الحكايات](1742) لم يتواتر لفظها، فهذا هو التواتر المعنوي.
    وللكتاني كلام طويل في مقدمة نظم المتناثر (ص14) وما بعدها.

  6. #6

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    الأخ الفاضل أبا محمد الغامدي - رعاه الله ووفقه -
    من المعلوم عند العلماء أنه يجب قبل التقحم في مسألة ما، تحرير محل النزاع وقد لاحظت أنك - وفقك الله – لم تحرر موضع النزاع في مسألتنا؛ فخلطت في رفع اليدين بين الإمام والمأموم، وجعلتهما مسألة واحدة وهما مسألتان؛ على الرغم من أني بينت في كلامي - من صدره إلى عجزه - أني أتكلم عن المشروع في حق المأموم لا الإمام!
    وسأبين إن شاء الله أن ما ذكرته من أدلة لا يختص بمسألتنا، ولا حجة فيه وإن احتج به بعض الفضلاء.
    أما قولك: "وأول من أحدث رفع اليدين يوم الجمعة على المنبر بنو أمية. وقد رأى الصحابي الجليل عمارة بن رؤيبة بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه، فقال: قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه"
    فالجواب: أن إنكار عمارة كان على رفع الإمام يديه على المنبر وليس على رفع المأمومين؛ لأن بشر بن مروان كان خطيب القوم، يوضحه استدلال عمارة بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم - ومعلوم أن النبي كان يصلي الجمعة إماما! فإن قيل يقاس المأموم على الإمام، فقد بينت في كلامي أنه قياس فاسد الاعتبار.
    وأما حديث سهل بن سعد فضعيف الإسناد، وعلى فرض صحته فليس في محل النزاع - أيضا- لأن كلامنا على رفع اليدين للمأموم وليس الإمام على المنبر، ولو سُلم أنه يشمل الإمام والمأموم، فليس فيه نفي مطلق الرفع، وإنما فيه نفي صفة معينة في الرفع وهي: الرفع الشديد الذي قد يُرى فيه بياض الإبط؛ كما ظاهر من قوله: ((شاهرًا))، ثم أثبت سهل بن سعد الرفع المعتدل في قوله ((ما كان يدعو إلا يضع يديه حذو منكبيه ويشير بإصبعه إشارة))
    أما الآثار المذكورة فلا حجة فيها لأوجه:
    منها: أنه لا حجة في قول أحد مع النبي – صلى الله عليه وسلم - وأهل العلم يستدل لهم ولا يستدل بهم؛ والعجب ممن يُحتج عليه في مسألة بأقوال الرسول – صلى الله عليه وسلم - فيجيب بأقوال التابعين فمن دونهم، وكل هذا لا يروج سوق الاستدلال كما هو مقرر.
    ثانيا: بالنسبة لأثر طاوس:
    * فإسناده ضعف؛ كما يدرك ذلك أهل الاختصاص.
    * وعلى فرض صحته، فأن الظاهر من عدم رفعه ليديه حال الدعاء، هو كراهيته لدعاء الأئمة يوم الجمعة؛ يبينه قوله: " كان يكره دعاءهم الذي يدعونه يوم الجمعة وكان لا يرفع يديه".
    * كما أنها حكاية فعل يتطرق فيها الاحتمال فتلبس ثوب الإجمال.
    وأما أثر الزهري: فظاهر – أيضا – في أن كراهية رفع اليدين للإمام على المنبر؛ لأن قوله: "وأول من أحدث رفع الأيدي يوم الجمعة مروان" ومروان كان هو إمام القوم وخطيبهم.
    وأما أثر غضيف بن الحارث الثمالي، ومحمد سيرين :ففيهما مثل سابقيها؛ قال عبدالملك بن مروان:... رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة" وقال محمد سيرين: "أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن معمر"

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    نفع الله بكم يا شيخ خالد وبارك الله في علمك .
    وبارك الله في مشرفنا الغالي وشيخنا الحبيب أبي محمد الغامدي.
    جزاكما الله خيرًا على هذه المدارسة النافعة إن شاء الله.
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    الشيخ الكريم خالد وفقه الله
    اولا الموضوع ليس لي وانمامنقول من ملتقى اهل الحديث ونقلته لانه هو القول الصواب في نظري في المسالة
    ثانياانه اذالم يصح في حق الامام وهو الداعي وهوالاصل فكيف يصح في حق المامومين وهم الفرع
    ثالثا ان اثار السلف تدل على ذم الائمة الذين احدثوه وان الناس المامومين احدثته تبعا لهم كما قلناقلد الفرع الاصل
    وانظر الى اقوال السلف في مقالي المنقول
    ومنهاأثر مسروق رحمه الله
    (رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر، فرفع الناس أيديهم فقال: مسروق قطع الله أيديهم).
    إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/475). قال: (حدثنا ابن نمير وأبو معاوية عن الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق…).
    أثر الزهري رحمه الله
    (رفع الأيدي يوم الجمعة محدث، وأول من أحدث رفع الأيدي يوم الجمعة مروان).
    إسناده صحيح.
    أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/475)، قال: (حدثنا عبدالأعلى بن معمر عن الزهري…).
    عبدالأعلى هو ابن عبدالأعلى بن محمد وقيل ابن شراحيل القرشي قال في التقريب: "ثقة".
    رابعا انت استدللت باحاديث عامة ليست في محل النزاع وهوفي حال الخطبة ولايستدل بالاعم على الاخص كما قال العلماء رحمهم الله

    وفقنا الله واياك للصواب
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  9. #9

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    الأخ الفاضل أبا محمد الغامدي – حفظه الله ورعاه -
    فقولك - وفقك الله - "إذا لم يصح في حق الإمام وهو الداعي وهو الأصل فكيف يصح في حق المأمومين وهم الفرع"
    فهذه اصطلاحات لم أقف على مثلها لأهل العلم، والواجب علينا أن نلتزم اصطلاحات الأئمة في المسائل العلمية والعملية. فتدبر يرحمك الله.
    • ثم فما دليل هذا الكلام؟ ومن قائله؟ وهل هو مضطرد ومنعكس في كل مسألة أم لا؟ فمعلوم أن للخطيب أحكام غير أحكام المأمومين من القيام ورفع الصوت وغيرها فهل نقول فيها الإمام أصل والمأمومين فرع؟ أم نقول هي خرجت بالنص أو الإجماع أم ماذا؟
    • تعلم أن السُّنة في حق الإمام – وهو الأصل على قولك - رفع الإصبع؛ فهل تقول برفع المأمومين للإصبع حال الدعاء أم ماذا؟
    • ثم ينظر في هذا القياس وهل هناك جامع في إلحاق المأموم بالإمام في عدم مشروعية رفع اليدين بالدعاء؟ إلا إن ثبت عندنا أن الإمام منع لعلة موجودة في المأموم، وإلا فالأحاديث الدالة على مشروعية رفع اليدين حال الدعاء مطلقا عامة تشمل المأموم والإمام يوم الجمعة، وخرج الإمام بنص خاص وهو حديث عمارة؛ فأين دليل إخراج المأمومين؟
    وقولك "وانظر إلى أقوال السلف في مقالي المنقول": فقد نظرت أنا فيها فعلا ورددت عليها قولاً قولاً وبَيَّنْتُ ضعفها سندًا ودرايةً واستدلالاً، وإن كانت سأبسط مرة ثانية.
    وأما قولك: "ثالثًا إن آثار السَّلَف تدل على ذم الأئمة الذين احدثوه".
    فهنا مسألة هامة وخطأ علمي جسيم يجب التنبيه عليه، وهو أن كثيرًا من طلاب العلم يحتجون بقول لبعض التابعين، ثم يجعله قولا لجميع السلف، فيظن غير المحقق أنه إجماع، ولذلك أرجو من إخواني أن تكون الاصطلاحات دقيقة وغير موهمة؛ فنقول في تلك المسألة : وهذا قول مسروق، وروي عن طاوس ولم يصح، وروي أيضًا عن غضيف بن الحارث وإسناده ضعيف، وروى عن الزهري أنه محدث في حق الإمام، وكذلك روي عن محمد سيرين وهو غير ظاهر في شمول المأموم.
    وقولك: "وإن الناس المأمومين أحدثته تبعًا لهم كما قلنا قلد الفرع".
    فليس فيما ذكرت من آثار ما يشهد لما قلت! وهل المعهود عن خير القرون أن يأخذوا دينهم تقليدًا للأمراء. ويتركوا الاقتداء بعلماء التابعين المتكاثرين في ذلك الوقت؟!
    وقولك : "أنت استدللت بأحاديث عامة ليست في محل النزاع وهو في حال الخطبة، ولا يستدل بالأعم على الأخص، كما قال العلماء، رحمهم الله"
    فليس هناك ما يسمى عامًّا وليس في محل النزاع، بل كونه عامًّا لا يصح إلا بدخول محل النزاع فيه؛ فدلالة العام على جميع الأفراد قطعية؛ قال الغزالي في "المستصفى": "والعام عبارة عن اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدًا"، وقال الآمدي في "الإحكام": "هو اللفظ الواحد الدال على مسميين فصاعدًا مطلقًا معًا".
    وقولك: "ولا يستدل بالأعم على الأخص كما قال العلماء، رحمهم الله " فلعلك تقصد أن الخاص يقضي على العام ولا يقضي العام على الخاص؛ قال الزركشي في البحر المحيط: "الخاص يقضي على العام ، فإن الخاص أقرب إلى التعيين من الجملة إذ لا يبعد أن يقصد بها تمهيد الأصول" وراجع كشف الأسرار للبزدوي و قواطع الأدلة في الأصول" لأبى المظفر السمعانى.
    ولتعلم رعاك الله أن العلماء نصوا على عكس ما ذكرتَ أنتَ؛ قال العلامة العثيمين "الشرح الممتع 5/237": "لأنه لا يصح الاستدلال بالأخص على الأعم، لكن يستدل بالأعم على الأخص؛ لأن العام يشمل جميع أفراده".
    نعم؛ إذا ثبت الحكم بنص خاص فلا يحكم بالأعم على الأخص في تلك الحال ولكن أين النص الخاص في مسألتنا؟! والعام يجب العمل بعمومه في جميع أفراده إلا بدليل، ولا دليل هنا.
    أما ما زعمته من أدلة خاصة فهي تدور بين أدلة ضعيفة، وأخرى صحيحة لكن دلالتها في غير موضع النزاع، وأخرى صحيحة وفي موضع النزاع – وهو أثر مسروق – ولكنها لا حجة فيها ولا تعارض عمومات السنة التي تشمل موضع النزاع؛ وقد ذكر الأصوليون أن العام لا يُخصص بأقوال الصحابة – إلا لو قيل بحجيتها - فضلا عن أقوال التابعين.
    تتمة في حكم الأحاديث والآثار التي أوردها الأخ المشرف
    قال الأخ الفاضل: [حديث سهل بن سعد ((ما رأيت رسول الله شاهرا يديه قط يدعو على منبر ولا غيره، ما كان يدعو إلا يضع يديه حذو منكبيه ويشير بإصبعه إشارة).
    أخرجه أحمد بن حنبل (5/337)، وأبو داود (ح 1105)، وأبو يعلى (13/545)، وابن حبان (3/165)، وابن خزيمة (2/351)، والطبراني في الكبير (6/206)، والحاكم (1/536) وصححه ووافقه الذهبي، وابن أبي شيبة في المصنف (2/320) ولم يذكر إشارة الإصبع. من طريق: (عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن بن أبي ذباب عنه..)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/167): "فيه عبدالرحمن بن إسحق الزرقي المدني وثقه ابن حبان وضعفه مالك وجمهور الأئمة وبقية رجاله ثقات". وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (ص 105 ح 240). و لشواهده صححه الأرنأوط محقق الإحسان، وحسنه حسين أسد محقق مسند أبي يعلى.
    قال البيهقي في سننه (3/210): "من السنة أن لا يرفع يديه في حال الدعاء في الخطبة ويقتصر على أن يشير بأصبعه".]
    قلت وبالله التوفيق:
    أما قول الهيثمي: فيه عبدالرحمن بن إسحق الزرقي المدني إلخ، فلا أدري أَثَمَّ سقط في المجمع، أم أن الهيثمي رحمه الله تعالى قد وهم؟ فإن الزُّرَقي هو عبد الرحمن بن معاوية شيخ عبد الرحمن بن إسحاق، وهو الذي ذكروا تضعيف مالك له كما في ترجمته من تهذيب التهذيب (6/245)، وهذه النسبة إلى بني زُرَيق، وهم بطن من الأنصار كما في أنساب السمعاني (3/147). وأما عبد الرحمن بن إسحاق، فهو قرشي عامري، من مواليهم، أو ثقفي مدني.
    وأما تصحيح الحاكم لإسناده في المستدرك، فلا يُعتمد عليه، لما عرف من تساهله الشديد في ذلك، وبالرغم من تلخيص الحافظ الذهبي له، فقد قال في ترجمة الحاكم من السير(17/176) وهو يتكلم عن المستدرك: قد اختصرته، ويعوز عملًا وتحريرًا ، وذكر تلميذه الحافظ ابن الملقن عنه في طبقاته أنه صَنَّفه في صغره.
    وقد قال الحاكم في عبد الرحمن بن إسحاق: لا يحتجان به ـ يعني الشيخان ـ ولا واحد منهما، وإنما أخرجا له في الشواهد، كما في ترجمته من تهذيب التهذيب (6/125).
    وأما تصحيح الشيخ الأرنؤوط لإسناده في تعليقه على ابن حبان، فقد عاد وضعفه في تعليقه على المسند؛ لوجود عبد الرحمن بن معاوية في إسناده.
    وأما تحسين الأستاذ حسين سليم أسد، فهو مما لا يركن إليه الطالب، فالرجل له جهود لا تنكر في مجال تحقيق السنة النبوية، لكن الأمر كما قال ابن معين عندما سئل عن محمد بن عبد الله الأنصاري، فأثنى عليه في القضاء، فسئل عنه في الحديث، فأنشد:
    للحرب والضرب أقوامٌ لها خلقوا **** وللدواوين كُتَّابٌ وحُسَّابُ
    وبالرغم من تضعيف الشيخ الألباني له في ضعيف أبي داود كما ذكر الأخ الكريم، إلا أنه حسن إسناده في إرواء الغليل (3/77).
    وممن صحح الحديث الإمام ابن حبان (3/165)، وابن خزيمة (2/351)، بإدخاله في صحيحهما، فلو احتج الأخ الكريم بتصحيحهما لكان أولى لإمامتهما، لكن الحديث لا يثبت لضعف عبد الرحمن بن معاوية كما تقدم، وكذا الراوي عنه، وهو عبد الرحمن بن إسحاق متكلم فيه.
    قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/20): "في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق القرشي المدني، ويقال له: عباد بن إسحاق، وعبد الرحمن بن معاوية، وفيهما مقال".
    قلت: المقال في الثاني أبين من الأول، و قد قال أبو داود: "قال مالك: قدم علينا سفيان، فكتب عن قوم يُذمون بالتخنيث، يعني أبا الحويرث منهم ـ وأبو الحويرث كنية عبد الرحمن بن معاوية ـ قال أبو داود: وكان يخضب رجليه، وكان من مُرجئي أهل المدينة، وقال النسائي: ليس بذاك، وقال ابن عدي: ليس له كثير حديث، ومالك أعلم به؛ لأنه مدني، ولم يرو عنه شيئًا، واختلفت الرواية عن ابن معين فيه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يُكتب حديثه، ولا يُحتج به". اهـ.
    قلت: فإذا اجتمع إلى ما قيل فيه ما قيل في الراوي عنه من تضعيف ـ وهو أهون مما قيل فيه ـ وكان الحديث مدار طرقه عليهما، عُلم أن تحسين إسناد الحديث ليس بحسن، إلا أن يقال: إن المتن يصلح كشاهد لغيره من الأحاديث الواردة في الباب؛ فإن تلك الدعوى ليست ببعيدة.
    قال الأخ الكريم:[أثر طاوس "كان يكره دعائهم الذي يدعونه يوم الجمعة وكان لا يرفع يديه"؛ إسناده حسن. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/475). قال: (حدثنا جرير بن عبدالحميد عن ليث عن طاوس.
    علته: (ليث هو ابن أبي سليم قال في الميزان (3/420): "قال احمد: مضطرب الحديث، ولكن حدث عنه الناس، وقال يحيى والنسائي: ضعيف. وقال ابن معين أيضا: لا بأس به. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره. وقال الدراقطني: كان صاحب سنة، وإنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب. وقال عبدالوارث كان من أوعية العلم". قال في التقريب: "صدوق أختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك". والأثر يشهد له ما قبله].
    قلت وبالله التوفيق: حسَّن كاتب البحث إسناده، ونقل ذلك الناقل، ولم يعلق، وهذا عجيب؛ فإن الأخ الكريم قد بَيَّن أن في إسناده ليث بن أبي سليم، ونقل أقوال أهل الحديث في تضعيفه من الميزان، ثم عَقَّب بأن الأثر يشهد له ما قبله.
    ومعلوم أن الحكم على الإسناد بالحسن يفهم منه خُلُو إسناده من شيء من الضعف، وإلا فلا يحكم على الإسناد، وإنما يحكم على معنى مشتركٍ بين المتن والذي يسبقه ـ وهو رفع اليدين ـ إن سلمنا بأن مثل هذا الأثر يصلح في الشواهد.
    وليث مجمع على سوء حفظه، ونص ابن معين على ضعف روايته عن طاوس بعينها، فإسناده لا يُحَسَّن حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط، وما هو بفاعل.
    قال الأخ الكريم: [أثر مسروق "رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر، فرفع الناس أيديهم فقال: مسروق قطع الله أيديهم"
    إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/475). قال: (حدثنا ابن نمير وأبو معاوية عن الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق.
    قلت وبالله التوفيق: وهو كما قال، وإن كان من جهة الدراية لا حجة فيه على المطلوب،
    لأن غايته أنه قولٌ لمسروق – رحمه الله – ولا حجة فيه كما هو مقرر؛ فمسروق وإن كان من كبار التابعين إلا أن الأدلة الشرعية للأحكام محصورة وليس منها قول التابعين
    قال الأخ الكريم: [أثر الزهري رفع الأيدي يوم الجمعة محدث، وأول من أحدث رفع الأيدي يوم الجمعة مروان" إسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/475)، قال: (حدثنا عبدالأعلى عن معمر عن الزهري…).عبدالأ لى هو ابن عبدالأعلى بن محمد وقيل ابن شراحيل القرشي قال في التقريب: "ثقة".
    قلت وبالله التوفيق: إسناده صحيح إن لم يكن عبد الأعلى سمعه من معمر حين قدم عليهم البصرة؛ فإن عبد الأعلى بصري، وقد قال الحافظ ابن رجب في شرح العلل (2/766) عن معمر: حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير، وحديثه باليمن جيد.
    قال أحمد في رواية الأثرم: (( حديث عبد الرزاق عن معمر أحب إلى من حديث هؤلاء البصريين ، كان يتعاهد كتبه وينظر - يعني باليمن - ، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة )) .
    وقال يعقوب بن شيبة : ((سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب ،لأن كتبه لم تكن معه)). اهـ.
    لكن رواية عبد الأعلى عن معمر في الصحيحين، فهذا مما يُركن إليه، إلا أن تكون مما انتقاه الشيخان، والله أعلم.

    قال الأخ الكريم: [ أثر غضيف بن الحارث الثمالي قال: بعث إِليّ عبدالملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين! قال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر. فقال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما. قال: لم؟ قال: لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث). إسناده حسن. أخرجه أحمد في المسند (4/105) قال: (ثنا سريج بن النعمان قال: ثنا بقية عن أبي بكر بن عبدالله عن حبيب بن عبيد الرحبي عن غضيف بن الحارث الثمالي)
    علة الحديث:
    -1- بقية هو ابن الوليد. قال في التقريب: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء. وقد عنعن وشيخه.
    -2- أبو بكر بن عبدالله هو ابن أبي مريم. قال في التقريب: ضعيف وكان قد سرق بيته فاختلط. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/188): "رواه أحمد والبزار وفيه أبو بكر بن عبدالله بن أبي مريم، وهو منكر الحديث".
    والحديث إسناده ضعيف، لكن يشهد له أحاديث الباب فيرتقي إلى درجة الحسن بالشواهد.
    قلت وبالله التوفيق: أما تدليس بقية، فقد أَمِنَّاه؛ لأن المروزي روى الحديث في كتاب السُّنَّة (ص32) قال: حدثنا إسحاق ـ هو ابن راهويه الإمام الجليل ـ أنبأ عيسى بن يونس ـ وهو ثقة جليل ـ عن أبي بكر بن أبي مريم به. فانحصر الكلام فيمن فوق بقية، فنقول وبالله التوفيق:
    أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، مجمع على ضعف حفظه مع صدقه وزهده، حتى قال فيه أحمد: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف، منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، لكن كان رديء الحفظ يحدث بالشيء، فيهم، فكثر ذلك منه، حتى استحق الترك، وقال ابن عدي: الغالب على حديثه الغرائب، وقلما يوافقه الثقات، وقال الدارقطني: متروك، كما في ترجمته من تهذيب التهذيب (12/33).
    فمن كان بهذه المثابة، فينبغي التأني في ذكر حديثه في الشواهد والمتابعات.
    وغضيف بن الحارث مختلف في اسمه وصحبته، فقيل: بالضاد المعجمة، وقيل: بالطاء، وقيل: هما رجلان. انظر: الإصابة لابن حجر (5/323ـ326).
    وللأمانة العلمية أقول: إن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قد جوَّد إسناد حديث غضيف في فتح الباري (13/253،254)، ولكن البحث العلمي يأبى ذلك كلَ الإباء، وما في العلم محاباة.
    وقد مر تضعيف الهيثمي، وكذا ضعفه المنذري فيما نقله عنه المناوي في فيض القدير (5/526)، ولم أرَ هذا في المطبوع من الترغيب (1/45) حيث ذكر الحديث، وعزاه لأحمد والبزار فحسب، واستنكر المناوي رمز السيوطي له بالحُسن في الجامع الصغير.
    قال الأخ الكريم: [أثر محمد بن سيرين "أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن معمر"
    إسناده صحيح. أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/398)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/475). من طريق (ابن عون عن محمد بن سيرين…). وابن عون، هو عبدالله بن عون بن أرطبان. قال في التقريب: ثقة ثبت فاضل.
    أما ابن معمر ففي الجرح والتعديل (5/332): "والى البصرة وكان يحسن الثناء عليه روى عنه بن سيرين قال أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن معمر سمعت أبى يقول ذلك".]
    قلت وبالله التوفيق: وهو كما قال، ولا حجة فيه على المطلوب؛ لأن عبيد الله بن معمر والى البصرة كان هو الخطيب وبحثنا في رفع المأموم.
    وختاما فالمسألة محل خلاف بين العلماء فلا ينبغي تبديع من رفع يديه، ولا تبديع من ترك ذلك.
    والحق أن المسألة طويلة الذيل قليلة النيل! ولكن الفائدة من ورائها هو تدريب الطلاب على طرق الاستدلال، والتجرد في المناقشة، وعدم ردّ الأقوال لمخالفتها للإلف والعادة والمشهور .
    واللهَ أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.
    هذا؛ وصلى الله على محمد آله وصحبه وسلم.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    الاخ الكريم خالد حفظه الله ورعاه
    فقولك - وفقك الله - "إذا لم يصح في حق الإمام وهو الداعي وهو الأصل فكيف يصح في حق المأمومين وهم الفرع"
    فهذه اصطلاحات لم أقف على مثلها لأهل العلم،
    اقول لامانع من ان تستفيد من الاخرين كل يوم فائدة
    وهذه المسالة قد ذكرها العلماء ومثالها
    وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ؟

    فأجاب : " لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ، لأن صلاة المأموم صحيحه ، والأصل بقاء الصحة ، ولا يمكن أن تبطل إلا بدليل صحيح ، فالإمام بطلت صلاته بمقتضى الدليل الصحيح ، ولكن المأموم دخل بأمر الله فلا يمكن أن تفسد صلاته إلا بأمر الله ، والقاعدة : ( أن من دخل في عبادة حسب ما أُمر به ، فإننا لا نبطلها إلا بدليل ) .

    ويستثنى من ذلك ما يقوم به مقام المأموم مثل السترة ، فالسترة للإمام ستره لمن خلفه ، فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم ، لأن هذه السترة مشتركة ، ولهذا لا نأمر المأموم أن يتخذ سترة ، بل لو اتخذ سترة لعد متنطعاً مبتدعاً " انتهى .
    قولك للخطيب أحكام غير أحكام المأمومين من القيام ورفع الصوت وغيرها فهل نقول فيها الإمام أصل والمأمومين فرع؟
    نقول هي خرجت بالنص كماذكرت

    هات حديثا صحيحا صريحا في انه صلى الله عليه وسلم كان يختم خطبه كلها بالدعاءغير حديث الاستسقاء
    الم يكن يخطب احيانا بالقران كقراءةسورة ق وغيرها
    قولك ولا يستدل بالأعم على الأخص، كما قال العلماء، رحمهم الله" فليس هناك ما يسمى عامًّا وليس في محل النزاع،
    بل كونه عامًّا لا يصح إلا بدخول محل النزاع فيه
    اقول كلامك صحيح وهوالاصل ولكن بقيد مالم يدل دليل خاص كمافي مسالتنا هذه
    وبالامثلة يتضح المقال حتى للعوام يجوز الكلام مع الناس خارج الصلاة فهل يجوز في الصلاة ؟؟
    يجوز قضاء الحاجة خارج المسجدفهل يجوز في المسجد ؟؟
    وختاما فالمسألة محل خلاف بين العلماء فلا ينبغي تبديع من رفع يديه، ولا تبديع من ترك ذلك.
    اقول ماقولك في امام السنة في زمانه الزهري رفع الأيدي يوم الجمعة محدث،
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    19

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    لم يعجبني ردودكم على الأخ خالد رغم انه فصل الموضوع تفصيلا لم يدع مجالا للمناقشة وأعتقد أن كلامه واضح ومفهوم ومقنع جدا والذي أثار دهشتي هو أن الأخ أبو محمد الغامدي رد بكلام ليس له علاقة بالموضوع والأعجب من هذا انه يقول: ((اقول لامانع من ان تستفيد من الاخرين كل يوم فائدة ))فهذا من العيب الشديد لأننا نحن المستفيدون بعلومه الرائعة وبالفتاوى التي تنشر له على الموقع فمن يقرأها يعلم مدى اجتهاده وعلمه
    وأيضا قول الأخ سيف العلم: ((أراك تتعصب لرأيك وتحاول بذل أقصى جهد للدفاع عنه))
    ليس من أدب الاختلاف لأن فيه تعدي
    ولم أرى منكم سوي محاولة الانتصار لرأيكم فحسب دون النظر إلى أن هذه مسألة خلافية

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    23

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    شكر الله للشيخين الفاضلين اجتهادهما .
    وكم كنت أود لو ترك الأمر للشيخين يتحاوران ويتناقشان دون تدخل أطراف أخرى تفسد حلاوة النقاش وتخرج الموضوع عن مساره العلمي.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    الاخت ريم هداك الله
    هل تريدين الوقيعة بين طلبة العلم ومن انكر فضل الشيخ خالد وعلمه وفقه الله
    تقولين ان قولي للشيخ ((اقول لامانع من ان تستفيد من الاخرين كل يوم فائدة )) من العيب الشديد
    هذاليس بعيب ان يزداد الانسان علما فمازلت انا وغبري من طلبة العلم كل يوم نستفيدفائدة علمية من الكتب
    ومن مقالات الاخوة والله امرنبينا صلى الله عليه وسلم في كتابه ان يدعو ربه (( وقل رب زدني علما())
    ثم ان قولي جاء ردا على مقولة الشيخ لي
    ((فهذه اصطلاحات لم أقف على مثلها لأهل العلم، والواجب علينا أن نلتزم اصطلاحات الأئمة في المسائل العلمية والعملية.
    فتدبر يرحمك الله.))
    فاذا لم يقف عليها فانا وقفت عليها وانا لم استخد م الاعبارات اهل العلم واصطلاحات الائمة رحمهم الله
    والله قدقال في كتابه(( ومااوتيتم من العلم الاقليلا))
    وقد استفاد موسى من الخضر عليهما السلام في رحلته لطلب العلم
    غفرالله لجميع من شارك في هذا الموضوع والله الموفق
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    162

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
    بارك الله في الشيخ الكريم خالد عبد المنعم الرفاعي ونفعنا بعلمه ، وجزى الله الشيخ ابا محمد على ما ذكره في المسالة وبعد :
    فقد أجاد الشيخ خالد وذكر جملة من أدلة القولين و إن كنت لا أوافق الشيخ الفاضل فيما ذهب إليه لأمور :
    أولاً : ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله : ( قاعدة شرعية شرعُ الله ورسوله للعمل بوصف العموم والاطلاق لا يقتضى أن يكون مشروعاً بوصف الخصوص والتقييد فان العام والمطلق لا يدل على ما يختص بعض أفراده ويقيد بعضها فلا يقتضى أن يكون ذلك الخصوص والتقييد مشروعا ولا مأمورا به فان كان في الأدلة ما يكره ذلك الخصوص والتقييد كره وإن كان فيها ما يقتضي استحبابه استحب وإلا بقى غير مستحب ولا مكروه .
    مثال ذلك أن الله شرع دعاءه وذكره شرعا مطلقا عاما فقال اذكروا الله ذكرا كثيرا وقال ادعوا ربكم تضرعا وخفية ونحو ذلك من النصوص فالاجتماع للدعاء والذكر في مكان معين أو زمان معين أو الاجتماع لذلك تقييد للذكر والدعاء لا تدل عليه الدلالة العامة المطلقة بخصوصه وتقييده لكن تتناوله لما فيه من القدر المشترك فان دلت أدلة الشرع على استحباب ذلك كالذكر والدعاء يوم عرفة بعرفة أو الذكر والدعاء المشروعين في الصلوات الخمس والأعياد والجمع وطرفي النهار وعند الطعام والمنام واللباس ودخول المسجد والخروج منه والأذان والتلبية وعلى الصفا والمروة ونحو ذلك صار ذلك الوصف الخاص مستحبا مشروعا استحبابا زائدا على الاستحباب العام المطلق ... ) مجموع الفتاوى ( 20 / 196 – 197 )

    ثانياً : لو سلم بمشروعية الرفع مطلقاً فلا يسلم هذا حال الخطبة ؛ لأن الخطبة عبادة والعبادة تفعل بتفاصيلها كما ورد في الشرع فكما لا يشرع رفع اليدين في الدعاء في صلاة الجنازة وفي الجلوس بين السجدتين فكذلك هنا ففرق بين المشروعية المطلقة غير المقيدة بعبادة و بين إدراج عبادة ضمن عبادة أخرى فهذا التركيب يحتاج إلى دليل خاص غير دليل العموم لو سلم به .

    ثالثاً : أنه لا يقال هنا تعارض النفي والإثبات في مشروعية رفع اليدين في الدعاء في حق النبي ؛ لأن من أثبت إنما أثبت أمراً عاماً وهو رفع اليدين في الدعاء مطلقاً أو في حالات خاصة ليس منها حال الخطبة ، ومن نفى نفي أمراً خاصاً وهو عدم رفع اليدين في الخطبة في غير الاستسقاء .

    رابعاً : لو سلم بوجود التعارض فهنا من نفى هم خاصة النبي الملازمين له كأنس ررر .

    خامساً : أن صلاة الجمعة مما تفعل كل أسبوع فيبعد جداً أن يكون رفع اليدين في الخطبة سواء في حق الإمام أو المأموم مشروعاً ولا ينقل فيه خبر واحد لا عن النبي ولا عن أصحابه ، وقد رأينا أنهم نقلوا المواضع التي رفع فيها النبي يديه في الدعاء حتى بلغت مبلغ التواتر وعليه فلا يخلو الأمر من حالين :
    - إما انهم فعلوه ولم ينقل وهذا بعيد كما سبق .
    - أو أنهم لم يفعلوه فما لم يكن مشروعاً في حقهم ولم يفعلوه فنحن تبع لهم ؛ إذ هم أحرص على الخير منا .

    سادساً : أن الأصل في حق المأموم استماع الخطبة وعدم الكلام والحركة حتى إنه منع _ تحريماً أو كراهة على خلاف _ من رد السلام وتشميت العاطس وإسكات المتكلم ، ومنع من مسح الحصى وتخطي الرقاب .
    وعليه فلا فرق بين الإمام والمأموم هنا بل المأموم أولى بعدم الفعل لما سبق من نهيه عن بعض الأفعال ، والخطبة عبادة مشتركة بين الإمام والمأموم فالإمام فيها متكلم والماموم فيها مستمع .

    وما ذكر من عدم مشروعية رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة في غير الاستسقاء نص عليه غير واحد من أهل العلم وهو اختيار الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ المحدث الألباني رحمهم الله جميعاً .

    وينظر :
    الاختيارات ( ص 48 ) الباعث على إنكار البدع والحوادث ( ص 84 ) شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد للسفاريني ( 2 / 679 ) إقامة الحجة للكنوي ( ص 27 ) حاشية ابن عابدين ( 1 / 768 ) الجوبة النافعى عن أسئلة مسجد الجامعة للشيخ الألباني ( ص 73 ) تعجيل المنفعة ( ص 274 ) تاريخ دمشق لابن عساكر ( 26 / 166 ) ( 48/ 82 )

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الشيخ الفاضل ابو حاز م الكاتب شكرا لك على اضافتك القيمة .و. بارك الله فيك ...
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  16. #16

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    بارك الله في الجميع على إثراء الموضوع

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    شكرا لك ... بارك الله فيك ...
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    9

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    قال الشاطبي في الاعتصام 1/257:
    فصل : [من البدع الإضافية كل عمل اشتبه أمره]
    ويمكن أن يدخل في البدع الإضافية كل عمل اشتبه أمره فلم يتبين أهو بدعة فينهى عنه؟ أم غير بدعة فيعمل به؟ فإنا إذا اعتبرناه بالأحكام الشرعية وجدناه من المشتبهات التي قد ندبنا إلى تركها حذراً من الوقوع في المحظور، والمحظور هنا هو العمل بالبدعة، فإذاً العامل به لا يقطع أنه عمل ببدعة، كما أنه لا يقطع أنه عمل بسنة، فصار من جهة هذا التردد غير عامل ببدعة حقيقية، ولا يقال أيضاً: إنه خارج عن العمل بها جملة.

    وبيان ذلك أن النهي الوارد في المشتبهات إنما هو حماية أن يقع في ذلك الممنوع الواقع فيه الاشتباه، فإذا اختلطت الميتة بالذكية نهيناه عن الإقدام، فإن أقدم أمكن عندنا أن يكون آكلاً للميتة في الاشتباه؛ فالنهي الأَخف إذاً منصرف نحو الميتة في الاشتباه، كما انصرف إليها النهي الأشد في التحقيق...

    ولهذا النوع أمثلة:
    أحدهما : إذا تعارضت الأدلة على المجتهد في أن العمل الفلاني مشروع يتعبد به أو غير مشروع فلا يتعبد به ولم يتبين جمع بين الدليلين أو إسقاط أحدهما بنسخ أو ترجيح أو غيرهما فقد ثبت في الأصول أن فرضه التوقف فلو عمل بمقتضى دليل التشريع من غير مرجح لكان عاملا بمتشابه لإمكان صحة الدليل بعدم المشروعية فالصواب الوقوف عن الحكم رأسا وهو الفرض في حقه
    والثاني : إذا تعارضت الأقوال على المقلد في المسألة بعينها فقال بعض العلماء : يكون العمل بدعة وقال بعضهم : ليس ببدعة ولم يتبين له الأرجح من العالمين بأعلمية أو غيرها فحقه الوقوف والسؤال عنهما حتى يتبين له الأرجح فيميل إلى تقليده دون الآخر فإن أقدم على تقليد أحدهما من غير مرجح كان حكمه حكم المجتهد إذا أقدم على العمل بأحد الدليلين من غير ترجيح فالمثالان في المعنى واحد

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الشيخ الفاضل سيف العلم شكرا لك على اضافتك القيمة .و. بارك الله فيك ...
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    9

    افتراضي رد: رفع اليدين يوم الجمعة تأمينًا على دعاء الإمام

    عفوا شيخنا الجليل أبا محمد الغامدي
    إنما أنا تلميذكم أشرف بالتعلم من مشاركاتكم العظيمة في هذا المجلس
    جزاك الله كل خير ونفعنا دوما بعلمكم وآرائكم السديدة
    وجعلها في ميزان حسناتكم
    اللهم اجعل عملنا وقولنا خالصين لوجهك الكريم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •