حقيقة الخلاف في المستعلي المفتوح سواء تبعه ألف أم لا :
من نظر في كثير من تقسيمات الأئمة وجد أن أكثر هذه التقسيمات والفروق هي خلافات نظرية لا تتعلق بحقيقة الصوت الخارج ، فمثلا اختلاف الأئمة في مخرج الجوف .. وهل للجوف مخرج أم لا ؟ وفي الحقيقة الخلاف نظري ، فمن جهة خروج الصوت لا يختلف الفريقان من جهة الأداء ، إنما الخلاف من جهة تحليل المسألة ، فمن نظر إلي بداية خروج أحرف الجوف ـ الحروف المدية ـ نسب كل حرف إلي مخرجه ( الألف من مخرج الهمزة والياء من وسط اللسان ، والواو من الشفتين ).
ومن نظر إلي نهاية أحرف الجوف ـ أي نهاية الصوت في أحرف المد ـ حكم لها بالجوف لأن هذه الأحرف قد تجاوزت مخرجها التي تحدثنا عنها إلي مكان خالٍ سمَّوه هم بمخرج الجوف ، فلا فرق حقيقة بين الفريقين في نطق أحرف المد .
وكذا من جعل مخرج اللام والنون والراء مخرجا واحدا ، ومن جعل مخارجها ثلاثا ، لا فرق بينهما في كيفية الأداء . فمن نظر إلي أن هذه الأحرف كلها من جهة واحدة النون تحت اللام والراء تحت النون عدها مخرجا واحدا ، ومن نظر إلي علو اللام وانخفاض النون عن اللام وإدخال الراء غاير بينهم .
وكذا الخلاف في حكم النون الساكنة مع النون في نحو " من نعمة" هل هو إدغام ناقص ـ باعتبار أن الغنة غنة الحرف الأول ـ ؟
أم هو إدغام كامل ـ باعتبار أن الغنة غنة الحرف الثاني ـ ؟
ومن نظر في مسألتنا وجدها من هذا النوع ـ أي الخلاف اللفظي ـ ، لأن حرف الاستعلاء يبقي كما هو عند اتصاله بالألف ، بل الذي يطرأ عليه زيادة تفخيم الألف ، فالألف حرف مغاير لحرف الاستعلاء بمعني أنك إن أردت تفخيم ما بعده ألف مثل " صابرا " فإنك تفخم حرفين لا حرفا واحدا . أي تنتقل من تفخيم المستعلي إلي تفخيم الألف ، وحرف الاستعلاء لا يطرأ عليه تغير في الحقيقة ، والمشهور عند العلماء أن أحرف المد تخرج بعد الحرف ، فالصاد في صابرا تخرج قبل الألف ، ثم بعد نطق الصاد كاملة تخرج الألف .
وبهذا قال الإمام عبد الوهاب القرطبي في الموضح بعد أن حكي أخطاء بعض القراء في زمانه :
( والذي يتعين اعتماده والأخذ به أن يجعل كلَّ حرف من الحروف في حال وصله بالألف كما هو في حال فصله ، يبقي المجهور علي جهره والمهموس علي همسه والمطبق علي إطباقه ولا يزيد اتصاله بالألف شيئا عما كان عليه .....)ص72
ولذلك قال من قال بأن مراتب التفخيم ثلاث مراتب ، لأنه لحظ عدم تغير الحرف قبل الألف حقيقة ، ومن قال بالخمسة لحظ امتداد الصوت بالألف مع الحرف المستعلي وراعي الصوت ـ الألف ـ الداخل علي الحرف فحكم بالتفرقة بينهما .
ولا يقول قائل : أن هذا ينطبق علي نحو : " صرفكم " لأننا قمنا بتفخيم الصاد ثم قمنا بتفخيم الراء فهذا أيضا يعد تفخيم حرفين ؟
الجواب : هناك فرق كبير لمن تأمل المسألة ، فأحرف المد لابد أن تكون ناتجة عن حركة ، وهذه الحركة تكون موجودة علي الحرف فهي علاقة امتداد ولذا سمِّيت أحرف المد .
وهذه العلاقة غير موجودة عند نطق حرفين آخرين معا من أحرف التفخيم .
والخلاصة : عدم ترتب خلاف صوتي في التفرقة بين ما بعده ألف وبين ما تجرد من الألف في حقيقة الأمر . والله أعلم .
وأعود لإيراد بعض الملاحظات :
والملاحظة الأولي : في قول الشيخ محمد مكي نصر أنه مثَّل في تفصيل الساكن بالقاف ولم يذكر غينا ولا خاء هذه من جهة ، والإشكال الذي أورده المتولي في سؤاله ذَكَرَ الغين "غل" والخاء " يتخذ "
هل يمكن المساواة بين القاف الساكنة من جهة وبين كل من الغين والخاء من جهة أخري ؟
أقول : لا يمكن المساواة بينهما لأن القلقلة في القاف أضافت للقاف قوة ـ في حال سكونها ـ مما كان له الأثر في قوة صوت القاف وهذا بخلاف " الغين والخاء " لعدم وجود القلقلة وهذا واضح جلي وقد ذكر الشيخ المرصفي ـ رحمه الله ـ القلقلة من صفات القوة فقال : فالصفات القوية إحدى عشرة صفة وهي: الجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة و الانحراف والتكرير والتفشي والاستطالة والغنة.)ا.هـ
فلا شك أن إضافة القلقلة للقاف تكسبها قوة مع قوتها وهذا بخلاف الغين والخاء . والله أعلم
وبهذا القول يجاب علي الإشكال الذي أورده الشيخ محمد يحيي شريف ـ حفظه الله ـ في بحثه حيث قال :
" رابعاً : وكيف يمكن أنّ نجعل القاف في [ اقْتَرب ] في نفس المرتبة مع القاف في { قِيل } حيث لو قمنا بتطبيق ذلك في القراءة لأنكره معظم المشايخ حتّى الذين يقولون بذلك. وقد سمعنا الكثير من المشايخ يأمرون الطلبة بترقيق - إن صحّ التعبير - الغين والخاء في نحو { تُزِغْ } { إخْواناً } ويبالغون في ترقيقها حتّى تصير كالمكسورة ولا دليل لهم في ذلك وقد علمنا أنّ في الساكن لا ينخفض الفك فلماذا التسوية ؟ ))ا.هـ
وهذا مع ما فصلَّه المتولي ـ رحمه الله ـ وبينه من أن الغين والخاء ـ في حالة الكسر ـ يشبه صوتها الأحرف المرققة وهي ليست مرققة في الحقيقة . إلا أن الضعف الشديد لصوتها واضح ظاهر .
الملاحظة الثانية :