حين تصبح حقوق المرأة سلعة رخيصة بيد كل أحد، وأداة للوصول إلى أطماع منظمة أو شخصية فإن الواجب تقعيد تلك الحقوق ومن ثم وضعها في مسارها الصحيح البعيد عن كل هوى أو مصلحة ترتجى من وراءها. كما أن بيان حقيقة وأسس تلك الدعوات القديمة والحديثة والتي ذرفت على حقوق المرأة ومازالت دموع التماسيح، يصبح واجباً أيضاً.
هنا أضع بين أيديكم حقائق، وددت لو أن أولئك النسوة اللواتي ظنن ولو للحظات أن تلك الشعارات البراقة تحمل الخير لهن، وهي في آخر الأمر ومبدأه حفرة سوداء ما لها من قرار.
الحقيقة الأولى: إن من أهم ما يجب أن تعلمه المرأة المسلمة هو أن وضع المرأة الغربية في القرون الوسطى يختلف كثيراً عن وضع المرأة المسلمة في ذلك الوقت وهذا الزمان. فالمرأة الغربية عانت الأمرين في أوروبا وغيرها نتيجة لتلك التراكمات الفكرية الدينية – النصرانية واليهودية– والتي تعتبر المرأة مخلوقاً حقيرا وسبباً لأغلب المشكلات، كما أنها ليست جديرة بالحياة من أصلها فضلاً عن الحياة العادلة التي تكفل بها الإسلام لها.
الحقيقة الثانية: أنه على الرغم من كل الظلم الذي وقع على المرأة الغربية إلا أنها ظلمت تارةً أخرى باسم رفع الظلم، فلقد تم استغلال أمران عصفا بالمجتمعات الغربية في فترات متفاوتة.
الأول يخص أمريكا بالذات وذلك قبيل بدء الثورة الصناعية الأمريكية في 1830 وهو بدء ظهور الدعوات بإخراج المرأة إلى سوق العمل من أجل مساعدة الرجل في الحصول على قوت أسرته ومن يعيلهم، رافق ذلك دعوات معارضة لخروج المرأة من بعض المنظمات في ذلك الوقت والتي طالبت الحكومات بتحمل مسؤوليتها تجاه شعوبها بفرض أجور كافية للرجال دون الحاجة إلى خروج المرأة للمساعدة خوفاً من تدمير الأسرة.
الثاني هو ما خلفته تلك الحروب العالمية والتي حصدت ملايين الرجال والشباب الغربي، مما أجبر الكثير من نساء تلك المجتمعات على الخروج لتسد النقص.
الحقيقة الثالثة: لقد كان المقصود الحقيقي لتحرير المرأة هو تحرير جسدها من كل مانع، سواء كان ذلك المانع زواجاً أو حتى لباساً. كما أن الانتصار لحقوق المرأة في الغرب انتهت إلى كذبة أو خدعة جعلت المرأة أداة يستخدمها الرجال لقضاء الوطر ثم يقذفون بها بعيداً.
الحقيقة الرابعة: أنه لا توجد قواعد يمكن أن نتبعها لكي نحرر المرأة، فلا مدرسة معينة، ولا منهج، ولا أفكار، بل حتى الأهداف المستقبلية غير واضحة. فكيف يمكن لأمة أن تتبع اجتهادات فردية لمسائل حساسة كحقوق المرأة؟!!
إن الحركة النسوية في الغرب بدأت بالدعوة إلى خروج المرأة للعمل وكانت ترفع شعارات مناهضة للإجهاض ثم حاربت من أجل حق الإجهاض حتى حصلت عليه، ثم انتهت إلى ما آلت عليه اليوم من مطالبات بحقوق الجنس الرابع. إذاً لم يكن هنالك معايير واضحة لخطى تلك الحركات والمطالبات، بل هي عبارة عن تجارب تعقبها أخرى، وعلى الأمم أن تتحمل خطر تلك التجارب وإن كانت ستؤدي إلى هلاكها.
الحقيقة الخامسة: علينا أن نعترف أن المرأة في المجتمعات المسلمة والعربية خصوصاً تعاني من ظلم قد يصل في أحيان كثيرة إلى شديد، لكن هذا الظلم مهما تصاعدت درجاته فإن الدين منه براء. ومن أسباب هذا الظلم هو تراكمات الفكر العربي البعيد عن تعاليم الشريعة والمتأثر بهوى نظرية السيادة والفحولة من خلال استعباد المرأة.
الحقيقة السابعة: أن على سادة الأمة من علماء ومفكرين ومنظرين وأصحاب قرار أن يعيدوا غربلة المجتمعات المسلمة من خلال إخراج تلك الأفكار وقتلها ومن ثم دفنها وكذلك العادات القبيحة والتي ألصقت بالدين.
الحقيقة الثامنة: أن الأمة المسلمة ليست بحاجه إلى أن تخوض غمار تجارب معروفة النتيجة مسبقاً، كما أن عليها أن تقتنع بأن لديها منهج قويم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فعليها أن تتمسك بهذا المنهج وتعتز به أيضاً كهوية بارزة نفتخر بالانتماء إليه.
تلك الثمان هي المفتاح لموضوع حقوق المرأة الشائك، والباب حين يشرع سيرى كل أحد أن كذبة الدفاع عن تلك الحقوق ستسقط أمام الماضي الأسود لتلك المنظمات التي كذبت على العالم ثم هي نفسها صدقتها!!