تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الحسد

  1. #1

    افتراضي الحسد

    الحسد





    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده،وبعد..

    فهذه كلمات في "الحســد"؛ ذلكالمرض القلبي الخطير، الذي إذا استقر في القلوب أنهكها، وإذا سرى في المجتمعاتفرقها، وكان من ناتجه تشتت الجهود، وفشل المساعي.


    وكم حريٌّ بالمرء أن يتفقدأحواله بين الحين والآخر، ويصونها من هذاء الداء الخطير أن يسري إليها دون تيقظوانتباه.



    قال بعض الأدباء: "الحسد داء ينهك الجسد، ويفسد الود، علاجه عسر،وصاحبه ضجر، وهو باب غامض وأمر متعذر، وما ظهر منه فلا يداوى، وما بطن منه فمداويهفي عناء، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دب إليكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء"(1).



    وقال بعض الناس لجلسائه:" أي الناس أقل غفلة؟



    فقال بعضهم: صاحب ليل، إنما همه أن يصبح. فقال: إنه لكذا وليسكذا.



    وقال بعضهم: المسافر، إنما همه أن يقطع سفره. فقال: إنه لكذا وليسكذا.



    فقالوا له: فأخبرنا بأقل الناس غفلة. فقال: الحاسد، إنما همه أن ينزعالله منك النعمة التي أعطاكها، فلا يغفـل أبداً".



    ويروى عن الحسن أنه قال: الحسد أسرع في الدين من النار في الحطب اليابس.



    وما أتي المحسود من حاسدهإلا من قِبَل فضل الله عنده ونعمه عليه، قال الله عز وجل: {أَمْ يَحْسُدُونَالنَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَإِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاًعَظِيماً}(2).



    والحسد عقيد الكفر، وحليف الباطل، وضدالحق، وحرب البيان؛ فقدذم الله أهل الكتاب به فقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْيَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِأَنْفُسِهِمْ}(3).



    منه تتولد العداوة، وهو سبب كل قطيعة، ومنتج كل وحشة،ومفرق كل جماعة، وقاطع كل رحم بين الأقرباء، ومحدث التفرق بين القرناء، وملقح الشربين الخلطاء، يكمن في الصدر كمون النار في الحجر.



    ولو لم يدخل على الحاسدبعد تراكم الغموم على قلبه، واستمكان الحزن في جوفه، وكثرة مضضه ووسواس ضميره،وتنغص عمره وكدر نفسه ونكد عيشه، إلا استصغاره نعمة الله عليه، وسخطه على سيده بماأفاد غيره، وتمنيه عليه أن يرجع في هبته إياه، وأن لا يرزق أحداً سواه، لكان عندذوي العقول مرحوماً، وكان لديهم في القياس مظلوماً، وقد قال بعض الأعراب: "ما رأيتظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم".



    والحاسدمخذول وموزور، والمحسود محبوب ومنصور، والحاسد مغموم ومهجور، والمحسود مغشيومزور.



    والحسد -رحمك الله- أول خطيئة ظهرت في السموات، وأول معصية حدثت فيالأرض، خص به أفضل الملائكة فعصى ربه، وقايسه في خلقه، واستكبر عليه فقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}(4)، فلعنه وجعله إبليساً، وأنزلهمن جواره بعد أن كان أنيساً، وشوه خلقه تشويهاً، وموه على نبيه تمويهاً نسي به عزمربه، فواقع الخطيئة، فارتدع المحسود وتاب عليه وهدى، ومضى اللعين الحاسد في حسدهفشقي وغوى.



    وأما في الأرض فابنا آدم حيث قتل أحدهما أخاه، فعصى ربه وأثكلأباه، وبالحسد طوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين.



    لقد حملهالحسد على غاية القسوة، وبلغ به أقصى حدود العقوق، فأنساه من رحمه جميع الحقوق، إذألقى الحجر عليه شادخاً وأصبح عليه نادماً صارخاً.



    ومن شأن الحاسد إن كانالمحسود غنياً أن يوبخه على المال فيقول: جمعه حراماً ومنعه أثاماً، وألب عليهمحاويج أقاربه فتركهم له خصماء، وأعانهم في الباطن وحمل المحسود على قطيعتهم فيالظاهر، وقال له: لقد كفروا معروفك، وأظهروا في الناس ذمك، فليس أمثالهم يوصَلون،فإنهم لا يشكُرون.



    وإن وجد له خصماً أعانه عليه ظلماً، وإن كان ممن يعاشرهفاستشاره غشه، أو تفضل عليه بمعروف كفره، أو دعاه إلى نصر خذله، وإن حضر مدحه ذمه،وإن سئل عنه همزه، وإن كانت عنده شهادة كتمها، وإن كانت منه إليه زلة عظمها، وقال: إنه يحب أن يعاد ولا يعود، ويرى عليه العقود.



    وإن كان المحسود عالماً قال: مبتدع، ولرأيه متبع، حاطب ليل ومبتغي نيل، لا يدري ما حمل، قد ترك العمل، وأقبل علىالحيل، قد أقبل بوجوه الناس إليه، وما أحمقهم إذ انثالوا عليه، فقبحه الله من عالمما أعظم بليته، وأقل رعته، وأسوأ طعمته.



    وإن كان المحسود ذا دين قال: متصنعيغزو ليوصى إليه، ويحج ليثنى بشيء عليه، ويصوم لتقبل شهادته، ويظهر النسك ليودعالمال بيته، ويقرأ في المسجد ليزوجه جاره ابنته، ويحضر الجنائز لتعرفشهرته.



    وما لقيتَ حاسداً قط إلا تبين لك مكنونه؛ بتغير لونه وتخوص عينه،وإخفاء سلامه، والإقبال على غيرك والإعراض عنك، والاستثقال لحديثك، والخلافلرأيك.



    وكان عبد الله بن أبي، قبل نفاقه، نسيج وحده، لجودة رأيه وبُعدِهمته، ونبل شيمته، وانقياد العشيرة له بالسيادة، وإذعانهم له بالرياسة، وما استوجبذلك إلا بعدما استجمع له لبه، وتبين لهم عقله، وافتقدوا منه جهله، ورأوه لذلكأهلاً، لما أطاق له حملاً.



    فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وقدمالمدينة، ورأى هو عز رسول الله -صلى الله عليه وسلم، شمخ بأنفه، فهدم إسلامه لحسده،وأظهر نفاقه، وما صار منافقاً حتى كان حسوداً، ولا صار حسوداً حتى صار حقوداً، فحمقبعد اللب، وجهل بعد العقل، وتبوأ النار بعد الجنة.



    ولقد خطب النبي صلى اللهعليه وسلم بالمدينة فشكاه إلى الأنصار، فقالوا: يا رسول الله لا تلمه، فإنا كناعقدنا له الخزر قبل قدومك لنتوجه.



    ولو سلم المخذول قلبه من الحسد لكان منالإسلام بمكان، ومن السؤدد في ارتفاع، فوضعه الله لحسده، وأظهر نفاقه.



    وماخالط الحسد قلباً إلا لم يمكنه ضبطه، ولا قدر على تسجينه وكتمانه، حتى يتمرد عليهبظهوره وإعلانه، فيستعبده ويستميله، ويستنطقه لظهوره عليه فهو أغلب على صاحبه منالسيد على عبده، ومن السلطان على رعيته، ومن الرجل على زوجته ومن الآسر علىأسيره.



    والحاسد لا يغفل عن فرصته إلى أن يأتي الموت على رمته، وكيف يصبر مناستكن الحسد في قلبه على أمانيه، ولقد كان إخوة يوسف حلماء، وأجلة علماء، ولدهمالأنبياء، فلم يغفلوا عما قدح في قلوبهم من الحسد ليوسف، حتى أعطوا أباهم المواثيقالمؤكدة، والعهود المقلدة، والأيمان المغلظة، إنهم له لحافظون، وهو شقيقهم وبضعةمنهم، فخالفوا العهود ووثبوا عليه بالظلم والقوة، وألقوه في غيابة الجب، وجاءوا علىقميصه بدم كذب، فبظلمهم يوسف ظلموا أباهم، طمعاً أن يخلو لهم وجه أبيهم ويتفردوابحبه، وظنوا أن الأيام تسليه، وحبه لهم من بعد غمه يلهيه، فأسالوا عبرته وأحرقواقلبه.



    وكيف لا تقر أعين المحسودين بعد يوسف وقد ملكه الله خزائن الأرض،بصبره على أذى حساده ومقابلته إياهم بالعفو والمكافأة، وحسن العشرة والمواخاة، بعدإمكانه منهم لما أتوه ممتارين، ووفدوا عليه خائفين وهم له منكرون، فأحسن رفدهم،وأكرم قراهم، فأقروا له لما عرفوه بالإذعان، وسألوه بعد ذلك الغفران، وخروا لهسجداً لما وردوا عليه وفداً.



    فإذا أحسست -رحمك الله- من صديقك بالحسد فأقللما استطعت من مخالطته، فإنه أعون الأشياء لك على مسالمته، وحصن سرك منه تسلم من شرهوعوائق ضره، وإياك والرغبة في مشاورته، ولا يغرنك خدع ملقه، وبيان ذلقه، فإن ذلك منحبائل نفاقه.



    فلا تكن عن حاسدك غبياً، وعن وهمك بما في ضميره نسياً، إلا أنتكون للذل محتملاً، وعلى الدناءة مشتملاً، ولأخلاق الكرام مجانباً، وعن محمود شيمهمذاهباً، أو تكون بك إليه حاجة قد صيرتك لسهام الرماة هدفاً، وقد قيل: "الحرة تجوعولا تأكل بثدييها".



    وربما كان الحسود للمصطنع إليه المعروف أكفر له وأشداحتقاداً، وأكثر تصغيراً له من أعدائه.



    ومتى رأيت حاسداً يصوب إليك رأياً إنكنت مصيباً، أو يرشدك إلى صواب إن كنت مخطئاً، أو أفصح لك بالخير في غيبته عنك، أوقصر من غيبته لك، فهو الكلب الكلب، والنمر النمر، والسم القشب، والفحل القطم،والسيل العرم، إن ملك قتل وسبى، وعصى وبغى، حياتك موته، وموتك عرسه وسروره، يصدقعليك كل شاهد زور، ويكذب فيك كل عدل مرضي، لا يحب من الناس إلا من يبغضك، ولا يبغضإلا من يحبك، عدوك بطانة وصديقك علانية.



    وقلتَ: إنك ربما غلطت في أمره لمايظهر لك من بره.



    ولو كنت تعرف الجليل من الرأي، والدقيق من المعنى، وكنت فيمذاهبك فطناً نقاباً، ولم تك في عيب من ظهر لك عيبه مرتاباً، لاستغنيت بالرمز عنالإشارة، وبالإشارة عن الكلام، وبالسر عن الجهر، وبالخفض عن الرفع، وبالاختصار عنالتطويل، وبالجمل عن التفصيل.



    وإن رفعت القذى عن لحيته، وسويت عليه ثوبه فوقمركبه، وقبلت صبيه بحضرته، ولبست له ثوب الاستكانة عند رؤيته، واغتفرت له الزلة،واستحسنت كل ما يقبح من جهته، وصدقته على كذبه، وأعنته على فجرته، فلن يستقيم لكأمره.



    فما هذا العناء؟! كأنك لم تقرأ المعوذة، ولم تسمع مخاطبة الله عز وجللنبيه -صلى الله عليه وسلم-، في التقدمة إليه بالاستعاذة من شر حاسد إذاحسد.



    أتطلب ويحك أثراً بعد عين، أو عطراً بعد عروس، أو تريد أن تجتني عنباًمن شوك، أو تلتمس حلب لبن من حائل ، إنك إذاً أعيا من باقل، وأحمق من الضبع، وأغفلمن هرم.



    إن كنت تجهل ذلك، فأنت كمن أضله الله على علم فبطلت عنده المواعظ،وعمي عن المنافع، فختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة؛ فنعوذ بالله منالخذلان.



    إنه لا يأتيك ولكن يناديك ولا يحاكيك ولكن يوازيك، أحسن ما تكونعنده حالاً أقل ما تكون مالاً، وأكثر ما تكون عيالاً، وأعظم ما تكون ضلالاً، وأفرحما يكون بك ، أقرب ما تكون بالمصيبة عهداً، وأبعد ما تكون من الناسحمداً.



    فإذا كان الأمر على هذا فمجاورة الموتى، ومخالطة الزمنى، أهون منمعاشرته، والاتصال بحبله.



    والغل نتيج الحسد، وهو رضيعه، وغصن من أغصانه،وعون من أعوانه، وشعبة من شعبه، وفعل من أفعاله، كما أنه ليس فرع إلا له أصل، ولامولود إلا له مولد، ولا نبات إلا من أرض، ولا رضيع إلا من مرضع، وإن تغير اسمه؛فإنه صفة من صفاته، ونبت من نباته، ونعت من نعوته.



    ورأيت الله جل جلاله ذكرالجنة في كتابه فحلاها بأحسن حلية، وزينها بأحسن زينة، وجعلها دار أوليائه ومحلأنبيائه، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ، فذكر في كتابهما منّ به عليهم من السرور والكرامة عندما دخلوها وبوأها لهم فقال: {إِنَّالْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍمُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَابِمُخْرَجِينَ}(5) .



    فما أنزلهم دار كرامته إلا بعد ما نزع الغل والحسد منقلوبهم، فتهنوا بالجنة، وقابلوا إخوانهم على السرر، وتلذذوا بالنظر في مقابلةالوجوه لسلامة صدورهم، ونزع الغل من قلوبهم، ولو لم ينزع ذلك من صدورهم ويخرجه منقلوبهم، لافتقدوا لذاذة الجنة، وتدابروا وتقاطعوا وتحاسدوا، وواقعوا الخطيئة،ولمسهم فيها النصب، وأعقبوا منها الخروج، لأنه عز وجل فضل بينهم في المنازل، ورفعدرجات بعضهم فوق بعض في الكرامات، وسنى العطيات.



    فلمانزع الغل والحسد منقلوبهم ظن أدناهم منزلة فيها، وأقربهم بدخول الجنة عهداً، أنه أفضلهم منزلة،وأكرمهم درجة، وأوسعهم داراً بسلامة قلبه، ونزع الغل من صدره، فقرت عينه وطاب أكله؛ولو كان غير ذلك لصاروا إلى التنغيص في النظر بالعيون، والاهتمام بالقلوب، ولحدثتالعيوب والذنوب.



    وما أرى السلامة إلا في قطع الحاسد، ولا السرور إلا فيافتقاد وجهه، ولا الراحة إلا في صرم مداراته، ولا الربح إلا في تركمصافاته.



    فإذا فعلت ذلك فكل هنياً مرياً، ونم رضياً، وعش في السرورملياً.



    ونحن نسأل الله الجليل أن يصفي كدر قلوبنا، ويجنبنا دناءة الأخلاق،ويرزقنا حسن الألفة والاتفاق، وأن يحسنتوفيقنا".






    موقع الشيخ سالم العجمى



    --------------------------------------------------------------------------------


    (1) رواه أحمد والترمذي،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم: 2888.


    (2) سورة النساء،الآية:54.



    (3) سورة البقرة، الآية: 109.



    (4) سورة الأعراف،الآية:12.



    (5) سورة الحجر، الآيات 45-48.

  2. #2

    افتراضي رد: الحسد

    جزاك الله خيرا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المشاركات
    750

    افتراضي رد: الحسد

    جزاك الله خيرًا ..
    طهر الله قلوبنا وسرائرنا ..
    [والإجماع منعقد على وجوب التوبة ؛ لأن الذنوب مهلكات مبعدات عن الله ، وهي واجبة على الدوام ، فالعبد لا يخلو من معصية ، لو خلا عن معصية بالجوارح ، لم يخلُ عن الهم بالذنب بقلبه]
    (ابن قدامة المقدسي)

  4. #4

    افتراضي رد: الحسد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فهد السمراني مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرا

    وجزاك الله خيرا ، وبارك فيك

  5. #5

    افتراضي رد: الحسد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربوع الاسـلام مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرًا ..


    طهر الله قلوبنا وسرائرنا ..



    وجزاك الله خيرا ، وبارك فيك

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •