بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آلة وصحبه أجمعين .
وبعد ،
فإن كتاب الكاشف الصغير عن عقائد ابن تيمية كتاب ألفه سعيد عبد اللطيف فودة سنة 1997 مسيحية ، كما ذكره في خاتمة الكتاب ، وصدر الكتاب سنة 2000 مسيحية ، أي قبل تسع سنوات من كتابة هذه السطور .
ولم أقرأ هذا الكتاب ، لأن عنوانه إن كان منبئاً عن مضمونه فما حاجتي إليه ؟ فكتبُ ابن تيمية مبذولة للجميع ، وطالب العلم السني له بها عناية كبيرة ، فما حاجته لقراءة كتاب يكشف له عن عقائد ابن تيمية ؟!
ثم إنني وقفت على أوراق بعنوان : " أجوبة أبي الفداء سعيد فودة على أسئلة طلاب الرياحين " نشرت سنة 2008م : سئل فيها : هل اطلعت على بعض الردود التي صدرت حول كتبك ؟
الجواب: قد اطلعت على بعض الردود في منتدياتهم على الشبكة العنكبوتية، ولمَ أرَ لغاية الآن من استطاع أن يبتدئ ردَّاً ويكمله، أو يحسن نظمه، فكل واحد منهم عنده ملاحظة تدلُّ على جهله، أو تسرعه، فما إن يكتبها حتى تفرغ جعبته، وينقطع عن الكتابة ...
وقد التقيت ببعضهم ممن تقوده الحماسة لابن تيمية يعزم مرة بعد مرة على هدم ما أثبته في الكاشف وغيره، وما زال لغاية الآن يدور حول نفسه لا يدري ماذا يقول " .
وهذا الكلام جعلني أرجع لأنظر في الكتاب ، لأنه أشعرني أنه ليس مجرد كشف عن عقيدة الرجل ، وإنما هو من نمطٍ آخر ، ينتظر مؤلفُه رداً عليه .
فقرأت مقدمة المُقدِّم ، ومقدمة المؤلف ، واطلعت على فهرس الكتاب وخاتمته ، وقد اكتفيت بذلك عن قراءة سائر الكتاب ، وإن اطلعت على بعض المواضع .
وقد تحصل لدي مجموعة من الملاحظات على ما قرأته :
الملاحظة الأولى : قال المؤلف ص469 : " والمطلوب الحقيقي من هذا الكتاب هو تحقيق عقائد أهل السنة ، وتمييزها عن عقائد أهل البدعة ، أو إن شئت قلت تمييزها عن عقائد ابن تيمية .
وهذا التمييز ضروري جداً لأهل السنة خصوصاً في هذا الزمان الذي اختلطت فيه العقائد ، ولم يعد الواحد يميز عقيدته عن عقيدة مخالفه " .
قال مقيده عفا الله عنه : هذا المقصد يدل على سذاجة المؤلف ، فمن هذا الذي يزعم أن ابن تيمية موافق للأشعرية في عقائدهم ؟!
وإن كان الغرض منه ذلك ، فلم ينتظر منا رداً عليه ؟ نحن نسلم له ذلك ، ونقول له : نعم ، عقائد ابن تيمية مخالفة لعقائد الأشعرية والماتريدية .
وإن كان المنتسبون إلى الأشعري من المعاصرين مضطربين في موقفهم من ابن تيمية ، فما شأننا نحن بهم ؟! .
ثم هو يدل على الضعف العلمي الذي آل إليه هؤلاء في هذا الزمان ، وهذا ما أشار إليه مؤلف الكتاب بقوله : " ومن المصائب الكبيرة أن يحض كثير من مشايخ أهل السنة الناس على قراءة كتب ابن تيمية ، ظانين أن مسائل الخلاف إنما هي مجرد تعبير عن العقائد ، أو على الأكثر مسائل فرعية متناثرة هنا وهناك في كتبه ، وبناء على تصورهم حكموا بأنه لا ضير على الناس في ذلك .
وهم لا يدرون أنهم بهذا الموقف يحكمون على عقيدتهم بالفناء ... " إلى آخر كلامه .
وهذه الحالة التي صورها المؤلف ، تدل على همَّةٍ خسيسةٍ عند هؤلاء المشايخ ، فإن كانوا لا يعرفون مذهب ابن تيمية فلم لا يرجعون إلى كتبه ليعرفُوها ؟ أم أن كتب ابن تيمية مصنفة باللغة الهندية أو الفارسية فيحتاجون إلى من يترجم لهم كلامه ؟!
وهذه الحالة الضعيفة التي كان يعانيها هؤلاء المشايخ صورها واحد منهم في مقدمته لهذا الكتاب ص9 بقوله : " كنا نتربص عالماً ينهض ببيان أفكار ابن تيمية كما هي دون تزيد.
وظهر مثل هذا في ثنايا بعض المؤلفات والكتب ولم يكن منها كتاب مختص يعالج الأمر هذا على الخصوص دون إلحاق له بأمور أخرى مع شدة التربص والترقب حتى جاءني الأستاذ النابه البحاثة الجاد سعيد فودة بكتابه الكاشف الصغير فوجدته قد أربى على الغاية وأتى بما تنشرح له الصدور في جانب بيان أقوال ابن تيمية على ما هي عليه دون تزيد أو استنباط، وإنما حاول شرح هذا الكلام حسب جهده وطاقته لتتضح صورته ولتبين معالمه. مستمداً كل ذلك من كتب ابن تيمية وحده ولم يعمد إلى أي كتاب من كتب من خاصمه فينقل عنه مذهباً أو رأياً لابن تيمية وهذا مذهب قويم في تحقيق الأفكار ليبينَ صحيحها من سقيمها ويظهر عوجها من مستقيمها "
قال مقيده عفا الله عنه : فلا تستغرب بعد هذا أيها السني إذا رأيت جماعة فودة وأصحابه يبالغون في وصفه ، كوصفه بالعلامة والنظار والمتكلم ونحو ذلك ، لأن من كان مضطرباً حائراً ثم جاء من أخرجه من حيرته ؛ لا شك أن له عنده منزلة لا تضاهى .
ولا تستغرب أيضاً من طريقة فودة المضحكة في شرح كلام ابن تيمية لأن هؤلاء الذين يكتب لهم أعاجم لا يستطيعون فهم كلام ابن تيمية وحدهم .
فإن قال قائل : لا بد من رد على هذا الكتاب حتى نصحح تصورات هؤلاء المشايخ عن ابن تيمية بعد أن أفسدها فودة ؟
والجواب : أن هؤلاء المشايخ ما داموا على بدعتهم ، فالأولى أن ندعوهم لتصحيح عقيدتهم بأن يلتزموا الكتاب والسنة وإجماع السلف ، ويتركوا التقليد الأعمى ، فإن فعلوا تصحح تصورهم عن ابن تيمية تبعاً ، وهذا ظاهر .
فالحاصل أن الكتاب كما يصرح مؤلفه لتصحيح تصورات مشايخ الأشعرية المعاصرين عن ابن تيمية ، ونحن لا يهمنا هذا في شيء ، فلم ينتظر منا رداً عليه ؟! .
الملاحظة الثانية : إذا علمت أن الكتاب موجَّهٌ للأشعرية المعاصرين ، ليصححوا تصورهم عن ابن تيمية ، فإن المؤلف اعتمد في محاكمة عقائد ابن تيمية إلى الطواغيت المشتركة بينه وبين هؤلاء المشايخ ، ومنها : دليل حدوث الأجسام ، الذي يُلزَم من أنكره وخالف مقتضياته أن يكون مجسماً .
ولذلك استنصر في مقدمة الكتاب بأصحابِهِ من الرافضة والمعتزلة ، إذا الجميع يشترك في صحة التحاكم إلى هذه الطواغيت : " لم يختلف معهم لا المعتزلة ولا الشيعة ولا الزيدية ولا الإباضية ولا غيرهم من الفرق الإسلامية "
فلم يرجع هذا المؤلف الجهمي لا لكتاب ولا سنة ، ولم يحاكم ابن تيمية إليهما ، وإنما حاكمه إلى طواغيت جاهلية وأصول بدعية لا وزن لها عند المسلم السني ، وكذا لم يرجع إلى إجماع السلف ، وإنما ذنب ابن تيمية عنده أنه خالف إجماع الرافضة والمعتزلة والأباضية والأشعرية والماتريدية ! .
ولا يخفى عليك أن التحاكم إلى هذه الطواغيت لا يرفع خلافاً ولا يحل نزاعاً ، وإنما يزيد في هوة الخلاف وشقة النزاع .
ولو كان المؤلف يحاكم عقائد ابن تيمية إلى الكتاب والسنة ، ثم أثبت أنه خالفهما في أصل من أصول عقائده ، لوجد الجميع منصاعين لكلامه ، إذ هذه الحكومة يرضى بها كل مسلم .
فنحن لا نرضى بيننا وبينكم حكماً إلا كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، فإن شئتم إزالة الخلاف وردم الفرقة فهلموا إلى التحاكم إليهما .
قال تعالى : " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً " .
وقال تعالى : " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون " .
ولله در ابن القيم حين قال في بيان معنى الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
ويُحكِّم الوحي المبين على الذي= قال الشيوخ فعنده حكمان
لا يحكمان بباطل أبدا وكل=لعدل قد جاءت به الحكمان
وهما كتاب الله أعدل حاكم= فيه الشفا وهداية الحيران
والحاكم الثاني كلام رسوله=ما ثم غيرهما لذي ايمان
فاذا دعوك لغيرِ حُكمهمَا فلا=سمعاً لداعي الكُفر والعصيان
قل لا كرامة لا ولا نعمى ولا=طوعاً لمن يدعُو الى طغيانِ
وإذا دعيت الى الرسول فقل لهم= سمعاً وطوعاً لست ذا عصيان
الملاحظة الثالثة : المؤلف رَوَّج في هذا الكتاب لنفسه كثيراً ، وقد نجح في ذلك ، حيث رفع بكتابه هذا ذكره بين أصحابه ، ولناظر أن يدخل إلى منتداه على الشبكة ويرى احترامهم له ، وهذا ليس بغريب ، وإنما الغريب أن يحاول هذا المغرض أن يروج لنفسه بين أهل السنة والحديث ، فانظر إلى قوله في آخر كتابه ص490 : " ونعتقد أننا بهذا العمل نكون قد أسدينا خدمة جليلة إلى أتباع ابن تيمية ، وذلك بجمع شتات أفكاره وتنظيم مقدماته وغايته ، وعرض خلاصة عقيدته ..
فالكثير من أتباعه ليست لديهم الهمة والكفاءة لتعقب كلامه ، واستجماع أفكارهم لفهم ما يريد ، ونحن قد تكفلنا بهذه المهمة عنهم ، وبذلك فإننا نفتح الباب أمامهم لإكمال ما بدأناه وسد ما من الخروم تركناه " .
قال مقيده عفا الله عنه : ألم تدر أيها الجهول أن كتب شيخ الإسلام رحمه الله شاعت بين أهل السنة في مشارق الأرض ومغاربها يعكفون عليها حفظاً وفهماً ومدارسة ؟ وهل تظنهم مثل أصحابك الجهلة بحاجة لجهميٍّ مثلك ليفهمهم كلام ابن تيمية ؟
أما الكلام في الهمة والكفاءة ، فلا أدري كيف يجوز لمثلك الكلام فيه ! .
هذا ما أردت ذكره بهذا الصدد ، ولعل الأخوة الذين تحملوا ثرثرة فودة وقرأوا الكتاب كله وقفوا على حقائق غير ما ذكرت ، والله المستعان .