فوائد في الحج

الفائدة 1:

الحج : بفتح الحاء وكسرها ، وهما لغتان ، وقراءتان سبعيتان متواترتان في قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (قاله الشيخ حمد الحمد في شرح الزاد ملزمةص1).
والفتح أشهر(قاله البسام في توضيح الأحكام ج3ص243).
وقال بعض أهل العلم : الحج بفتح الهاء هو المصدر ، وبالفتح والكسر هو الاسم منه(انظر الإعلام لابن الملقن ج6ص7 ، وانظر النيل للشوكاني ج4ص777).
وذكر ابن الملقن – رحمه الله تعالى- في (الإعلام)ج1ص8،7 عن الخطابي : أن الحج قصد فيه تكرار ، أي : يرجعون إلى الشيء ويختلفون إليه ، وبيت الله عزوجل يرجعون إليه ويتقربون في كل عام ، ولأن الحاج يكون وروده على البيت عند القدوم ، وعند الإفاضة ، وعند الوداع ، وفيه تكرار الطواف.
وقال القاضي عياض : الحج أيضا العمل .
وقال الخليل-كما في لسان العرب- الحج: كثرة القصد إلى من تعظم.
الفائدة 2:

كم حجة حجها النبي – صلى الله عليه وسلم -؟
النبي – صلى الله عليه وسلم – حج حجتين قبل الهجرة ، وأما بعد الهجرة فقد حج حجة واحدة بلا خلاف ، وكانت سنة عشر بلا خلاف أيضا .(انظر الزاد لابن القيم ج2ص101 ) والدليل حديث جابر – رضي الله عنه – في جامع الترمذي (أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حج ثلاث حجج ، حجتين قبل أن يهاجر ، وحجة بعدما هاجر ومعها عمرة..)صححه الألباني برقم(815).
وقال العلامة ابن عثيمين في حديث الخثعمية في شرح البلوغ:
( وهذا الحديث في حجة الوداع ، وحجة الوداع هي الحجة التي حجها النبي – صلى الله عليه وسلم – آخر عمره ، ولم يحج قبلها بعد هجرته ، وهل حج قبل الهجرة ؟ فيه حديث رواه الترمذي بسند فيه نظر ، أنه حج مرتين ، والظاهر أنه حج عدة مرات ، لأن المعروف في السير أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يخرج إلى الموسم – موسم الحج – فيعرض نفسه على القبائل ويدعوهم إلى الله عزوجل)اهـ.
الفائدة 3 :

من طاف حاملا ولده الذي هو دون سن التمييز وقد أحرم به ، هل يصح طوافهما؟.
قال العلامة ابن عثيمين في شرح كتاب الحج من بلوغ المرام في حديث ابن عباس (ألهذا حج؟) :
( فإن كان يطوف لنفسه ونوى عن نفسه وعن وليه ، فقال بعض العلماء : إنه لا يصح الطواف ، ويكون الطواف للمحمول دون الحامل ، وقيل بالعكس للحامل دون المحمول .
وقيل لهما جميعا.
والصحيح أنه لا يصح إذا كان الصبي لا يعرف النية ، لا يصح أصلا أن ينوي عنه وعن الطفل لأنه لا يمكن أن يقع فعل واحد بنيتين عن شخصين ، لأن الطفل الآن ، وليس منه عمل ، فلا يمكن أن يصح ، أن يكون عمل هذا الولي وهو دورانُه بهذا الطفل عن اثنين بنيتين .
أما إذا كان يحسن النية ، فلا بأس أن أقول : انو الطواف ، وأنا أحمله أنوي عن نفسي ، ويكون هذا الطواف صحيحا لأنه الآن نوى أن يطوف ، فإذا نوى أن يطوف ، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إنما الأعمال بالنيات ) ، وغاية ما فيه أنه كان محمولا من أجل العجز ، وهذا التفصيل هو أقرب ما قيل في هذه المسألة ، أن ينظر إن كان الصبي يعقل النية ، قيل له انو الطواف ، وحمله وليه وطاف به ، ولو كان الولي ينوي الطواف عن نفسه)اهـ.
قلت : القول بأن الطواف يكون للمحمول دون الحامل قال به الحنابلة ، وهو أحد قولي الشافعي – رحمه الله تعالى - .
والقول بأنه للحامل دون المحمول هو قول هو أحد قولي الشافعي – رحمه الله تعالى - .
والقول بأنه لا يصح عن أحد منهما – وهو الذي رجحه العثيمين هنا- قال به أبو حفص العُكْبَرِي في شرحه ، كما ذكر ذلك عنه الموفق في "المغني" قال " لا يجزئ الطواف عن واحد منهما".
والقول بأنه يصح للحامل والمحمول هو مذهب الحنفية ، وهو قول في مذهب الإمام أحمد ، واستحسنه الموفق في المغني فقال : (وهذا القول حسن) ، واختاره الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ورجحه شيخنا حمد الحمد في (شرح الزاد) ، ورجحه الشيخ البسام في توضيح الأحكام ج3 ص 258 وقال : ( .. وأما إذا كان دون التمييز ، والناوي عنه حامله ، فظاهر الحديث إجزاء ذلك ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر المرأة التي سألته ، (لم يأمرها) أن تطوف له وحده ، ولها وحدها ، ولو كان واجبا لبينه.. )اهـ.
قلت: وهذا الأخير هو الراجح لظاهر الحديث ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمرها أن تطوف طوافين منفصلين لها ولوليدها ، ومعلوم في علم الأصول أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
والله أعلم.
الفائدة 4 :

من طاف بالبيت وعليه نجس أو محدثا حدثا أكبر أو أصغر هل يصح طوافه أي هل تشترط الطهارة بقسميها : الطهارة من الأحداث والطهارة من الأنجاس في الطواف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : قول جمهور أهل العلم واختاره من المعاصرين العلامة الألباني وغيره : يشترطون ذلك ، فلو طاف جنبا أو غير متوضئ أو عليه نجاسة لم يجزئه ذلك ، واستدلوا بحديث في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنه – قالت :
( أول شيء بدأ به النبي – صلى الله عليه وسلم – حين قدم البيت أن توضأ ثم طاف بالبيت ) ، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم – ( لتأخذوا عني مناسككم)-كما في الصحيح-.
واستدلوا أيضا بما رواه النسائي والترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – مرفوعا: (الطواف بالبيت صلاة ، فمن نطق فيه فلينطق بخير).وصححه الألباني – رحمه الله تعالى – في صحيح الجامع وفي منسكه.
قالوا : فلما كان الطواف صلاة فيشترط فيه ما يشترط في الصلاة.
القول الثاني : مذهب أبي حنيفة وقول في مذهب أحمد ومذهب طائفة من السلف واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، واختاره من المعاصرين العلامة العثيمين وغيره.ذهبوا إلى أن ذلك ليس بشرط ، بل هو مشروع مستحب.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فليس فيه حجة ، أما حديث أم المؤمنين فهو حكاية فعل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يدل على الوجوب فضلا عن الشرطية ، وإنما غايته أن يدل على الاستحباب كما هو مقرر في علم الأصول. أما قوله : ( لتأخذوا عني مناسككم ) فإن الوضوء خارج عن المناسك ، فأنتم - أي الجمهور - لم توجبوا الاضطباع ولا الرمل ولا غير ذلك مما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في طوافه ، وهما أولى بالإيجاب من الوضوء الخارج عن المناسك .
والاضطباع والرمل من سنن الطواف بالإجماع ، فأولى من ذلك الوضوء الخارج عن الطواف.
وأما حديث ابن عباس – رضي الله عنه - فإنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً بل هو موقوف على ابن عباس ، قال شيخ الإسلام : ( أهل العلم لا يرفعونه ) .
ونحوه عن ابن عمر في النسائي .
ولكن هذا الجواب يمكن أن يقال في رده : إنه قول صحابي اشتهر ولا يعلم له مخالف فيكون إجماعاً .
والجواب عن ذلك هو: ما ذكره شيخ الإسلام وتلميذه - من أن قول الصحابي هنا - : ( الطواف بالبيت صلاة ) لا يقتضي اشتراط ما ذكرتموه بدليل أن استقبال القبلة ليس بشرط في الطواف ، والحركة الكثيرة المبطلة للصلاة لا يبطل الطواف اتفاقاً ، وبدليل جواز الأكل والشرب فيه ، وبدليل جواز الكلام فيه وغير ذلك مما ينهى عنه في الصلاة .
فكل هذه المنهيات والشروط التي في الصلاة ، من استقبال قبلة ونحوها، ليست ثابتة في الطواف بالاتفاق ، فيتعين أن يكون مراد الصحابي أنه في حكم الصلاة في الإقبال على الله عز وجل والتعبد له ، وهذا نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم في الماكث ينتظر الصلاة –كما في الصحيحين- هو : ( في صلاة ) ، مع أنه لا يشترط عليه ما يشترط على المصلين وهو مع ذلك في صلاة .
أو أن الطواف يجتمع هو والصلاة في كونهما حول البيت ، فكما أن المصلي يتوجه إلى القبلة ، فإن الطائف يتعلق طوافه بالبيت ، وهذا هو الجامع بين الطواف والصلاة ، والمفارقات بينهما كثيرة جداً .
وحيث كانت كذلك ، فلا يمكننا أن نلحق ما اشترطه الجمهور والمفارقات على هذه الطريقة وعلى هذه الكثرة .
فالراجح : ما اختاره شيخ الإسلام من أن الطهارة من الأحداث والأنجاس ليست شرطاً في الطواف .
.(انظر شرح الزاد لشيخنا حمد الحمد ص123ملزمة).
يتبع....