هذا في جميع العلوم ويتأكد في علم الحديث خاصة
فكثرة كتب الحديث ودواوين السنن ومصادرها المكتوبة لا يستلزم توفرها لدى المتأخرين أنهم أعلم من المتقدمين
كما لا يستلزم إمكانية اطلاعهم على مالم يطلعوا عليه
لا أن الواحد منهم لا مجموعهم لا يمكن أن يفوته شيء
هذه المقدمة لا يشك فيها من كان من أهل الفن والصنعة
ومن عرف القوم وسعة علمهم
ودقق في كلامهم ومارسه
وكم من حقيقة علمية في فن من الفنون لا يشك أهلُها في كونها حقيقة متقررة ثابتة هي عند الغرباء عن هذا الفن أو من دخل فيه وليس من أهله أو من دخل فيه لكن وحده لم ينتهج في درسه نهج أهله قضية كاذبة أو خاطئة أو واهمة
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في رفع الملام ص18_19:
" فهؤلاء كانوا أعلم الأمة وأفقهها وأتقاها وأفضلها فمن بعدهم أنقص فخفاء بعض السنة عليهم أولى فلا يحتاج إلى بيان فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة أو إماما معينا فهو مخطئ خطأ فاحشا قبيحا
ولا يقولن قائل إن الأحاديث قد دونت وجمعت فخفاؤها والحال هذه بعيد لأن هذه الدواوين المشهورة في السنن إنما جمعت بعد انقراض الأئمة المتبوعين ومع هذا فلا يجوز أن يدعي انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين معينة ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها
فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم ولا يكاد ذلك يحصل لأحد بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط بما فيها
بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير لأن كثيرا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو بإسناد منقطع أو لا يبلغنا بالكلية فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين وهذا أمر لا يشك فيه من علم القضية".ا.هـ
ولذلك كان عصر الرواية وخاصة عصر النقاد الذين قام بهم علم العلل وبهم ارتسمت معالمه هو العصر الذهبي لعلم الحديث بشتى أنواعه