التَّعريف بصحيح ابن السَّكن للشيخ عبدالله السَّعَد:
تمهيد: نبذة مختصرة عن المؤلِّف:
مؤلِّف هذا الصَّحيح هو: الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي، نزيل مصر.
ولد سنة أربع وتسعين ومائتين، وعني بهذا الشأن، ورحل كثيراً، وسمع صحيح البخاري من محمد بن يوسف الفربري، وكان أول من جلب صحيح البخاري إلى مصر وحدَّث به.
وأعانه على سعة الرحلة التكسب بالتجارة.
جمع، وصنَّف، وجرَّح، وعدَّل، وصحَّح، وعلَّل.
صنَّف الصَّحيح المنتقى وبعُد صِيْتُه.
مات في المحرم سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (16/116-117)، طبقات الحفاظ (1/379).
نبذة موجزة عن مكانة ومنهج صحيح ابن السكن مستفادة من كلام الشَّيخ عبدالله السَّعَد:
1- اشتراطه الصِّحَّة: كتاب ابن السَّكَن عدَّه العلماء أحد كتب الصِّحاح، فهو يضاف لكتب الصحاح التي اشترط مؤلفوها جمع الأحاديث الصحيحة مجردةً عن غيرها، مع صرف النظر عن التزامهم بشرط الصحة أو الأصحية؛ ككتاب البخاري ومسلم والحاكم وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والضياء.
2- منهجه:
قال ابن السكن في مقدمة صحيحه: " أما بعد، فإنك سألتني أن أجمع لك ما صحَّ عندي من السنن المأثورة التي نقلها الأئمة من أهل البلدان، الذين لا يطعن عليهم طاعن فيما نقلوه.
فتدبَّرت ما سألتني عنه فوجدت جماعةً من الأئمة قد تكلفوا ما سألتني من ذلك، وقد وعيت جميع ما ذكروه، وحفظت عنهم أكثر ما نقلوه، واقتديت بهم في ذلك، وأجبتك إلى ما سألتني من ذلك.
وجعلته أبواباً في جميع ما يحتاج إليه من أحكام المسلمين.
فأول من نصب نفسه لطلب صحيح الآثار: البخاري، وتابعه مسلم وأبو داود والنسائي، وقد تصفَّحت ما ذكروه، وتدبَّرت ما نقلوه؛ فوجدتهم مجتهدين فيما طلبوه.
فما ذكرته في كتابي هذا مجملاً فهو مما أجمعوا على صحته.
وماذكرته بعد ذلك مما يختاره أحد من الأئمة الذين سميتهم فقد بيَّنت حجَّته في قبول ما ذكره، ونسبته إلى اختياره دون غيره.
وماذكرته مما يتفرَّد به أحد من أهل النقل للحديث فقد بيَّنت علَّته ودللت على انفراده دون غيره، وبالله التوفيق ".
3- فصل: تساهل ابن السكن في التصحيح بالمثال والشرح:
قال الشيخ عبدالله السعد حفظه الله ووفقه في مقدِّمته الحافلة لكتاب تعليقة ابن عبدالهادي على علل ابن أبي حاتم، بتحقيق سامي الجادالله (ص/83-84): "ابن السكن عنده تساهل واضح، يعرف هذا من تتبَّع تصحيحاته.
فقد صحَّح أحاديث باطلة ومعلولة، وصحَّح لبعض المتروكين.
ومن الأحاديث التي تساهل ابن السكن في تصحيحها...".
ثم ضرب اثني عشر مثالاً [من ص/84 إلى 95] اذكر اثنتين منها باختصار:
1-حديث أبي سعيد في الفطر إجابة لدعوة الطعام وقضاء يوم مكانه.
صححه ابن السكن، وفي إسناده (محمد بن أبي حميد)؛ وهو متروك أو واهي الحديث!
2- حديث ابن مسعود: (أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها).
لفظة (لأول وقتها) لا تصِحُّ، إذ الحديث معل بالاضطراب، وفيه مجاهيل!
وتكلم بالتفصيل على بقية الأمثلة.
ثم قال حفظه الله (ص/95): "... وهناك أحاديث كثيرة تسهل ابن السكن في تصحيحها، وهي فيها نظر".
ثم أحال في الهامش إلى مصادر بها مزيد أمثلة لما ذكره.
ثم قال: "تبيَّن ممَّا سبق تساهل ابن السكن في تصحيح الأحاديث السابقة، فكلها لا تصحُّ، وأكثر الحفاظ على تضعيفها، وفي بعضها من هو متروك.
والقول بتساهل ابن السكن ليس معناه عدم الاستفادة من تصحيحه والاستئناس بذلك.. لا.
وإنَّما المقصود بيان تساهله في بعض تصحيحاته".
4- المقارنة بين أحاديثه وأحاديث بعض الكتب:
سنن النسائي أصحُّ من صحيح ابن السكن:
قال حفظه الله (ص/97): "تنبيهٌ: قال ابن حزم كما في سير أعلام النبلاء (18/202): (أولى الكتب بالتعظيم صحيحا البخاري ومسلم، وصحيح ابن السكن، ومنتقى ابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن أصبغ، ثم بعدها كتاب أبي داود، وكتاب النسائي، والمصنف لقاسم بن أصبغ، ومصنف أبي جعفر الطحاوي) ا. هـ.
قلتُ -يعني السَّعد-: لا شكَّ أنَّ كتاب النسائي أصحُّ من صحيح ابن السكن؛ فهو لم يخرِّج للواقدي، والحارث بن وجيه، ومحمد بن حميد الرازي، وكل هؤلاء ممن اشتهر ضعفهم.
وتجنَّب النَّسَائي أيضاً إخراج أحاديث معلولة خرَّجها ابن السكن".
فصلٌ: تصحيح الترمذي أقوى من تصحيح ابن السكن:
قال حفظه الله (ص/97): "وتصحيح أبي عيسى الترمذي أقوى منه [يعني: ابن السكن] بكثير.
وتقدَّم بعض الأحاديث التي ضعَّفها أبو عيسى بينما صحَّحها ابن السكن.
فما قاله أبو محمد بن حزم من تقديم كتاب ابن السكن بعد الصحيحين فيه نظرٌ بيِّن، ولا أعرف أنّ أحداً تابعه على هذا التقديم، والله تعالى أعلم".
خاتمة: خلاصة فوائد هذا الموضوع في نقاط:
أ - موضوع الكتاب: طلب الأحاديث الصحيحة على وفق ما عمل الأئمة قبله، وقد بينَّ أنهم: البخاري ومسلم وأبوداود والنسائي.
ب - ترتيب الكتاب: رتَبه على طريقة الجوامع، في أبواب فقهية وغيرها.
ج - درجة أحديث صحيحه: بيَّن ابن السكن رحمه الله أنَّ ما سكت عنه في كتابه بذكره مجملاً فهو صحيح متفق على صحته بين الأربعة السالف ذكرهم.
د - وبيَّن ابن السكن رحمه الله أنَّ الأحاديث التي لم يتفقوا على صحَّتها؛ فإنه يذكر من انفرد بتصحيحه منهم، مع بيان حجَّته في تصحيحه ذاك.
هـ - أنَّ ابن السكن رحمه الله يذكر ما يتفرَّد به بعض الرواة من الأحاديث، ثم يبيِّن علَّته، ويدلِّل على انفراده عمن عداه.
3- وجود الكتاب: المتأمل في نقل كثير من الأئمة عن كتاب صحيح ابن السكن يستدلُّ منه على أنهم قد وقفوا عليه، وخاصة من اشتغل بالتخريج والعزو إليه، كالحافظ ابن حجر، وابن الملقن وغيرهما.
4- كتاب صحيح ابن السكن لم يطبع للآن!
وأمَّا عن وجوده مخطوطاً، فلا يوجد منه الآن إلاَّ قطعة يسيرة.
5- الفائدة الحاصلة من الكلام على صحيح ابن السكن: كتاب ابن السكن يحيل إليه العلماء المشتغلون بتخريج الأحاديث الفقيهة وغيرها كما تقدَّم.
ولئلاَّ يحتجَّ محتجٌّ بصحِّة كل حديث يعزونه إليه فقد تقدَّم التنبيه على عدم لزوم الصحة لجميع أحاديث كتابه.
ثم مع عدم توفره الآن مطبوعاً فقد يطبع فيما بعد لو وجد.
يُنْظَر في جميع ما تقدَّم: مقدِّمة الشيخ عبدالله السعد لشرح ابن عبدالهادي لعلل ابن أبي حاتم (ص/95-97).
تتمة وتعقيب:
قال الكتاني في الرسالة المستطرفة في كلامه عن صحيح ابن السكن: "ويسمى بالصحيح المنتقى، وبالسنن الصحاح المأثورة عن رسول الله ، لكنه كتاب محذوف الأسانيد!
جعله أبوابا في جميع ما يحتاج اليه من الاحكام، ضمَّنه ما صحَّ عنده من السنن المأثورة". انتهى المقصود منه.
قال أبوعاصم: ما ذكره الكتاني من كون صِحَاح ابن السَّكن (محذوف الأسانيد) قول غريبٌ، ولعل هذا وهمٌ منه رحمه الله.
ثم هو عزا بعض كلامه عن الصحاح إلى شفاء السِّقام للسبكي، فلا أدري هل هذا القول منه أو من السبكي؟!
والظاهر من تخريجات الأئمة وعزوهم لصحيحه أنَّه مسندٌ، والله أعلم.
تمَّ الكلام وربُّنا محمُودُ وله المكارمُ والعُلا والجُودُاللهم صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ، كما صلَّيْتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمَّد وآل محمَّدٍ، كما باركتَ على إبراهيم وآل إبراهيم، إنَّك حميٌ مجيدٌ.
وعلى النَّبِيِّ محمِّدٍ صلواتُهُ ما ناح قُمْريٌّ وأوْرَقَ عودُ