حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم عُبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في سرية إلي بطن رابغ في شوال علىٰ رأس ثمانية أشهر من الهجرة، وعقد له لواءً أبيض، وحمله مِسْطَحُ بن أُثاثة بن عبد المطلب ابن عبد مناف، وكانوا في ستين من المهاجرين ليس فيهم أنصاريٌّ، فلقي أبا سفيان بن حرب، وهو في مائتين علىٰ بطن رابغ، علىٰ عشرة أميال من الجحفة، وكان بينهم الرميُ، ولم يَسُلُّوا السيوف، ولم يَصْطَفُّوا للقتال، وإنما كانت مناوشة، وكان سعد بن أبي وقاص فيهم، وهو أول مَن رمىٰ بسهم في سبيل الله، ثم انصرف الفريقان إلي حاميتهم. قال ابن إسحاق: وكان علىٰ القوم عكرمة بن أبي جهل([1])وفي شوال من السنة الأولى: كانت سرية عُبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه إلىٰ بطن رابغ.وفي شوال مِن هذه السنة بنىٰ النبيعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَنِي وَأَنَا بنتُ سَبْعٍ أَوْ سِتٍّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَ نِسْوَةٌ، فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ، وَأَنَا عَلَىٰ أُرْجُوحَةٍ، فَذَهَبْنَ بِي، وَهَيَّأْنَنِي، وَصَنَعْنَنِي، فَأُتِيَ بِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَبَنَىٰ بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ، فَوَقَفَتْ بِي عَلَىٰ الْبَابِ، فَقُلْتُ: هِيهْ هِيهْ، قَالَ أبو دَاوُد: أَيْ تَنَفَّسَتْ، فَأُدْخِلْتُ بَيْتًا فَإِذَا فِيهِ نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقُلْنَ: عَلَىٰ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ([2]). وعنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ، وَبَنَىٰ بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَىٰ عِنْدَهُ مِنِّي؟([3]).صلى الله عليه وسلم بأمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها.حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص إلىٰ الخرَّار في ذي القعدة علىٰ رأس تسعة أشهر، وعقد له لواءً أبيض، وحمله المقداد بن عمر، وكانوا عشرين راكبًا يعترضون عيرًا لقريش، وعهد أن لا يجاوز الخرَّار، فخرجوا علىٰ أقدامهم فكانوا يكمنون بالنهار، ويسيرون بالليل حتىٰ صبّحوا المكان صبيحة خمس، فوجدوا العير قد مرت بالأمس([4]).وفي ذي القعدة من هذه السنة: كانت سرية سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه إلىٰ الخرَّار.وفي ذي القعدة من هذه السنة: آخىٰ النبيآخىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخىٰ بينهم علىٰ المواساة، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلىٰ حين وقعة بدر، فلما أنزل الله تعالى:{وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض}[الأحزاب: 6] ردَّ التوارث إلىٰ الرحم دون عقد الإخوَّة([5]). وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: حَالَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ فِي دَارِي الَّتِي بِالْمَدِينَةِ([6]). وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ الْأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ النَّخْلَ، قَالَ: لَا، قَالَ: يَكْفُونَنَا الْمَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَنَ ا فِي الثمْرِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا([7]). وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم آخَىٰ بَيْنَ أبي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ، وَبَيْنَ أبي طَلْحَةَ([8]).قال تعالى:{والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}[ الحشر: 9]. عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَىٰ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عبد الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ وَسَعْدِ بن الرَّبِيعِ قَالَ لِعبد الرَّحْمَنِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا، قَالَ: بَارَكَ الله لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ؟ فَدَلُّوهُ عَلَىٰ سُوقِ بني قَيْنُقَاعَ فَمَا انْقَلَبَ إِلَّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ([9])، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَهْيَمْ»، قَالَ: تَزَوَّجْتُ، قَالَ: «كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟» قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ([10]). فهذا الموقف من الصحابي الجليل سعد بن الربيع يوضح حجم الحب والمودة الذي كان بين الأنصار وبين إخوانهم الذين هاجروا إليهم. وآخىٰ النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر رضي الله عنه وخارجة بن زيد، وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك، وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك، وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب، وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت، وغيرهم([11]).صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار.
([1]) (زاد المعاد)3/147.
([2]) صحيح: أخرجه مسلم (1422)، كتاب: النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة، وأبو داود (4933) كتاب: الأدب، باب في الأرجوحة، واللفظ لأبي داود.
([3]) صحيح: أخرجه مسلم (1423)، كتاب: النكاح، باب: استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه.
([4]) «زاد المعاد» 3/147.
([5]) «زاد المعاد» 3/56، 57.
([6]) متفق عليه: أخرجه البخاري (7340)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما ذكر النبي وحض علىٰ اتفاق أهل العلم وما أجمع عليه الحَرَمان مكة والمدينة وما كان بها من مشاهد النبي والمهاجرين والأنصار ومصلىٰ النبي والمنبر والقبر، مسلم (2529)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مؤاخاة النبي بين أصحابه.
([7]) صحيح: أخرجه البخاري (3782)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار. ومعنىٰ قولهم: يكفوننا المئونة ويشركوننا في الثمر؛ يكفونهم العمل في الأرض ويشاركونهم في الثمار التي تخرج منها.
([8]) صحيح: أخرجه مسلم (2528)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مؤاخاة النبي بين أصحابه.
([9]) أي تابع الذهاب إلىٰ السوق فكان يذهب كثيرًا.
([10]) صحيح: أخرجه البخاري (3780)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار، وظاهر هذه الرواية الإرسال ولكنه جاء موصولاً في مواضع في الصحيح منها حديث (3781) عن أنس وفيه أن النبي قال له: أولم ولو شاة.
([11]) انظر: «سيرة ابن هشام» 2/67، 69.