تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 67

الموضوع: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    مَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِين َ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
    قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله:
    (( وقد شاع عند كثير من علماء أصول الفقه الاحتجاج بهذه الآية، لكون إجماع علماء الإسلام على حكم من الأحكام حجّة، وأوّل من احتجّ بها على ذلك الشافعي. قال الفخر: «روي أنّ الشافعي سئل عن آية في كتاب الله تدلّ على أنّ الإجماع حجّة فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة حتّى وجد هذه الآية. وتقرير الاستدلال أنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام، فوجب أن يكون اتّباع سبيل المؤمنين واجباً. بيان المقدمة الأولى: أنّه تعالى ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسول ويتّبع غير سبيل المؤمنين، ومشاقّة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد، فلو لم يكن اتّباع غير سبيل المؤمنين موجباً له، لكان ذلك ضمّا لما لا أثر له في الوعيد إلى ما هو مستقلّ باقتضاء ذلك الوعيد، وأنّه غير جائز، فثبت أنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام، فإذا ثبت هذا لزم أن يكون اتّباع سبيلهم واجباً». وقد قرّر غيره الاستدلال بالآية على حجّيّة الإجماع بطرق أخرى، وكلّها على ما فيها من ضعف في التقريب، وهو استلزام الدليل للمدّعي، قد أوردت عليها نقوض أشار إليها ابن الحاجب في «المختصر». واتّفقت كلمة المحقّقين: الغزالي، والإمام في «المعالم»، وابنِ الحاجب، على توهين الاستدلال بهذه الآية على حجّيّة الإجماع )).
    [التحرير والتنوير: 2 / 201 ، دار سحنون].

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    قال ابن بدران - بعد أن نقل اختلاف العلماء فيمن يُعتد بقوله في الإجماع - :
    "
    وهذه أقوال تعصب وشذوذ، وربما أدت إلى أن يقول أهل كل مذهب: الإجماع ما أجمع عليه علماء مذهبنا، فلا عبرة بخلاف غيرهم ولا بوفاقه".
    [روضة الناظر: 1 / 435 ، بشرح ابن بدران وتعليق الشثري]

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    لخص ابن تيمية طرفاً مهماً في قصة الإجماع، فكان مما قال:
    "أهل العلم والدين لا يعاندون، ولكن قد يعتقد أحدهم إجماعا ما ليس بإجماع، لكون الخلاف لم يبلغه، وقد يكون هناك إجماع لم يعلمه، فهم في الاستدلال بذلك كما هم في الاستدلال بالنصوص: تارة يكون هناك نص لم يبلغ أحدهم، وتارة يعتقد أحدهم وجود نص، ويكون ضعيفا أو منسوخا.

    وأيضا فما وصفهم هو به قد اتصف هو به، فإنه يترك في بعض مسائله ما قد ذكر في هذا الكتاب أنه إجماع. وكذلك ما ألزمهم إياه [أي ابن حزم] من تكفير المخالف غير لازم؛ فإن كثيرا من العلماء لا يكفرون مخالف الإجماع.

    وقوله [أي ابن حزم]: " إن مخالف الإجماع يكفر بلا اختلاف من أحد المسلمين " هو من هذا الباب، فلعله لم يبلغه الخلاف في ذلك، مع أن الخلاف في ذلك مشهور مذكور في كتب متعددة، والنَّظَّامُ نفسه المخالف في كون الإجماع حجة لا يكفره ابن حزم والناس أيضا. فمن كفَّر مخالفَ الإجماع إنما يكفره إذا بلغه الإجماع المعلوم، وكثير من الإجماعات لم تبلغ كثيرا من الناس، وكثير من موارد النزاع بين المتأخرين يَدَّعي أحدهما الإجماع في ذلك، إما أنه ظني ليس بقطعي، وإما أنه لم يبلغ الآخر، وإما لاعتقاده انتفاء شروط الإجماع.

    وأيضا: فقد تنازع الناس في كثير من الأنواع: هل هي إجماع يُحتج به؟ كالإجماع الإقراري، وإجماعِ الخلفاء الأربعة، وإجماعِ العصر الثاني على أحد القولين للعصر الأول، والإجماعِ الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض عصرهم، فإنه مبني على انقراض العصر، بل هو شرط في الإجماع، وغيرِ ذلك. فتنازعُهم في بعض الأنواع، هل هو من الإجماع الذي يجب اتباعهم فيه، كتنازعهم في بعض أنواع الخطاب، هل هو مما يحتج به، كالعموم المخصوص، ودليل الخطاب، والقياس، وغير ذلك. فهذا ونحوه مما يتبين به بعض أعذار العلماء".

    نقد مراتب الإجماع لابن تيمية ، ملحق بـ "مراتب الإجماع" [ص 286-287] ، لابن حزم، عناية/ حسن اسبر.


  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    ...وبعد هذا كلّه - وإن كنت لم أعط الموضوع حقه من الإتيان على كل ما في كتب الأصول المشهورة من مباحث - سوف استعرض معكم إن شاء الله: كيف نشأ الإجماع ؟ و كيف تحدّث عنه الشافعي وكيف صوّره ؟ فإن هذه الجزئية هي عندي أهم ما في الموضوع كله، فبتحليل كلام الإمام الشافعي في كتابي "الرسالة" و"جماع العلم" على وجه الخصوص، وبضم بعض كلامه إلى بعض، تتبين أموراً كثيرة، وقد جمعتُ في ذلك طرفاً وحللتُ فصولاً من كلامه بإزاء بعضها البعض، والله المستعان وعليه التكلان.

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    المشاركات
    178

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    الإخوة الكرام رجاءا التثبت في نقل أقوال إبن حزم فهو لا يكفر من خالف الإجماع مطلقا إنما يختصر الكلام في بعض الأحيان ولا يذكر كل شروط التكفير أو موانعها لأنها من ضروريات العلم عنده ويعلمها كل من تعاطى هذا الشأن ومن نظر في كتبه يرى أنه أحيانا يطنب وأخرى يوجز فيفهمه من لم يتدرب على منهجه على غير ما يريد ويقصد ثانيا الإتفاق عند إبن حزم غير الإجماع بل هو فرع من فروعه أو مشتق منه ومن لم يدرك هذا أيضا تعسف على الرجل ونبزه بعدم الإحاطة والإستيعاب والإتفاق عند أبي محمد إنما يقصد به الحد الأدنى الذي أتفق عليه العلماء من وجوب أو تحريم أو إجزاء أو غيره ولا يعني إتفاقهم مثلا على وجوب غسل اليدين إلى مبتدأ المرفقين أنهم يقولون بإجزائه فقد إختلفوا فيما فوقه فالإتفاق بلغة الرياضيات هو الحد المشترك وهذا ما يقصده الفارسي رحمه الله فالحق يمكن أن يكون مساويا للإتفاق أو أكثر منه لكنه لا يكون أبدا دونه وأخيرا أستعطف الإخوة أن لا يتعالوا على إبن حزم وتسفيهه بحق وباطل حتى أن أحد الإخوة وصفه بكثرة الغلط وقلة الإصابة وهذه والله لإحدى الكبر

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    والمسألة ليست بالبساطة التي تتصورها إذا ما توسعت في القراءة والإطلاع توسعاً كبيراً
    أحسن الله إليك، أين وجدت في كلامي ما يوحي بأني أتصورها "بسيطة"؟ أنت تطالب "بضوابط وشروط محكمة" وتتصور أن عدم وقوفك على تحرير جامع لها = افتقار أهل الشأن إليها! فحررت لك الفرق بين "الحجية" و"الظنية" وأن ثبوت الثاني لا يستلزم انتفاء الأول، وبينت أن ظنية حكاية الإجماع - بمجردها - تجعله في كثير من الأحيان عرضة لأن يرد ويقبل باجتهادات من جنس ما يصح أن يطعن به على كل دليل يوصف بأنه ظني، والأمر يُعرف بمجموع قرائنه في كل مسألة! فأين ما يوحي "بالتبسيط" في ذلك؟
    يا شيخنا الفاضل أنت طالب علم مؤصل، والظن فيك أنك تدري تمام الدراية أن صفة "الثقة" هذه ليست عند العقلاء فضلا عن العلماء على درجة واحدة في كل ما يصح أن تطلق عليه! فإن كنت ممن يقصرون قبول دعوى الإجماع على ما كان إنكاره كفرا مخرجا من الملة (مثلا)، فما دليلك على هذا القصر إن كنت في ذات الوقت ممن يرون أن الظن الراجح يوجب العمل كالقطع سواء بسواء؟
    هذا ما يظهر لي أنه حرف المسألة!
    أنا أقول إن الشأن في الإجماع كالشأن في غيره من مصادر التقلي، منه ما هو عند درجة القطع، ومنه ما دون ذلك درجات، فنقف فيه موقف الوسط بين من يغلو فيدعي القطع في حكاية للإجماع يوجد ما يمكن أن يكون دليلا على وهم من حكاها أو على نقص استقرائه أو على بطلان نسبتها إليه، وبين من يفرط فيسقط حجية قسم كبير من أقسام الإجماع جملة واحدة لمجرد أنه لا يأتينا إلا منقولا عن إمام واحد، بدعوى أنه يفتقر إلى الضوابط والشروط المحكمة!
    فإن أردت التنقيب في الكتب عن علماء كبار وقفوا في كل طرف من هذين الطرفين، فستجد ولا شك، ولكن ما هكذا ينضبط لطالب العلم منهجه، وما هكذا يتحقق له القرار على ما يقتضيه الدليل!
    ولو كانت الثقة تتم بكل إجماع محكي فقط لأن ناقله إمام لحصل إشكال كبير. ولكن امنح نفسك بعض الوقت لسبر المسألة بتوسع ومطالعة جوابنها فقهياً وأصولياً، عندها تعلم - إن جاز ذلك - لم اقتصر بعض الأئمة على الثقة بإجماعات الصحابة أو التابعين دون غيرها.
    بل الثقة تتم بالإجماع الذي يحكيه إمام حافظ، ما لم يثبت من منقول أقرانه وجود الخلاف في زمانه (أو قبله) عند من يعتبرون بخلافه! تماما كما تتم الثقة في حديث وصل إلينا بنقل الثقات، ما لم يثبت ما يطعن في صحته!! فما زلت لا أدري ما وجه دعواك أن الأمر يفتقر إلى ضوابط وشروط "محكمة" وكأن مسألة الإجماعات المحكية هذه قد قد وصلت إلينا دون أن تمر بمفارز الأولين في قرون من المدققين والمحققين قبلنا!
    ولا أدري صراحة ما وجه نقلك - في سياق هذا الكلام - كلام الطاهر بن عاشور في المشاركة رقم 41! هل غايتك الطعن في حجية الإجماع نفسها، أم البحث عما ينضبط به قسم بعينه من أقسام الإجماع (الإجماع المحكي عن إمام حافظ)؟ هذا أمر يحتاج منك إلى انتباه وحسن تحرير.
    وقد ساءني منك حقيقة - عفا الله عنك - التعريض باتهام محاورك بالقصور في مطالعة المسألة، فهذه دعوى كل أحد يحسنها، وليس أخوك هذا - ولله الحمد - بالذي يحلو له التعلق بالشذوذات من الدعاوى والأقوال، والله المستعان.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    ثم إنني أراك تسوق إلينا أقوال بعض أهل العلم دون أن يتضح لنا ما تريد من كل نقل!
    فهل غايتك بيان أن العلماء اختلفوا في الإجماع بدءا من تحرير القول في بعض دعاواه، ووصولا إلى النظر في حجيته نفسها؟ هذا معروف يا أخي الفاضل ولا يخفى!
    فما إضافة نقل كهذا إلى الموضوع؟:
    "وهذه أقوال تعصب وشذوذ، وربما أدت إلى أن يقول أهل كل مذهب: الإجماع ما أجمع عليه علماء مذهبنا، فلا عبرة بخلاف غيرهم ولا بوفاقه".
    أقول معقبا: لو سلمنا بأن كل نظر في معرفة من يعتبر بخلافه ووفاقه يفضي إلى التعصب والشذوذ لا محالة، للزم من ذلك ترك تحري مواطن الإجماع في القرن الأول كذلك، وإلا فإن وصفنا طريق الصحابة بأنه (سبيل المؤمنين) وبأن الحق لا يخرج عنه، فطريق من سلك طريقهم من بعدهم تنسحب عليه تلك الصفة كذلك ولابد، وإلا فليس في سائر ما تلا الصحابة الذين زكاهم القرءان من أهل القرون من يصح أن يوصف بأنه على سبيل المؤمنين، ومن ثمّ يلزم أن يكون اتباع سبيل المؤمنين الذي نصت الآية على وجوبه = ممتنعا، بغض النظر عما إذا كانت الآية دليلا قطعيا أو ظنيا على حجية الإجماع!
    فهذا عالم يريد أن يقول إن تحري من يعتبر بخلافه ومن لا يعتبر في هذه العصور المتأخرة يلزم منه حصر سبيل المؤمنين في طائفة بعينها وهذا باطل (بزعمه)، فهل يختلف العقلاء في أن اتباع سبيل المؤمنين يلزم من تصور وقوعه أن يتسلسل ذلك الاتباع في طائفة من الطوائف - ولا بد - قرنا بعد قرن؟ وهل هذا النقل يطعن به على صحة الاستناد إلى دعوى إمام من الأئمة وقوع الإجماع في زمانه؟ هذا ما نحتاج إلى مناقشته إن كنا فاعلين!
    وفي منقولك من كلام ابن تيمية رحمه الله، أراك تعلم باللون الأحمر على بعض كلامه:
    ولكن قد يعتقد أحدهم إجماعا ما ليس بإجماع
    فهل أنكر أحدنا وقوع هذا الأمر؟ كلا! ولكننا لا نستلزم منه ما تريد!
    ثم علمت على قوله رحمه الله:
    وأيضا: فقد تنازع الناس في كثير من الأنواع: هل هي إجماع يُحتج به؟ كالإجماع الإقراري، وإجماعِ الخلفاء الأربعة، وإجماعِ العصر الثاني على أحد القولين للعصر الأول، والإجماعِ الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض عصرهم، فإنه مبني على انقراض العصر، بل هو شرط في الإجماع، وغيرِ ذلك. فتنازعُهم في بعض الأنواع، هل هو من الإجماع الذي يجب اتباعهم فيه، كتنازعهم في بعض أنواع الخطاب، هل هو مما يحتج به، كالعموم المخصوص، ودليل الخطاب، والقياس، وغير ذلك. فهذا ونحوه مما يتبين به بعض أعذار العلماء
    فهذا مما نشهد به ولا نماري فيه، فكان ماذا؟
    لم يزعم أحد ههنا أن العلماء لم يختلفوا، بارك الله فيك.
    فحبذا التأمل في غاية كل نقل وفائدته في مجرى النقاش قبل سوقه.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    حبيبي العاقل الفاهم أبا الفداء. فضلاً تأمل منهجي وقف عند ظاهر كلامي تجد ما أقوله من جملة ما تنازع فيه العلماء فقلت أنت بالنص على سبيل الاستدراك:
    فهذا مما نشهد به ولا نماري فيه، فكان ماذا؟
    أحسن الله إليك، أين وجدت في كلامي ما يوحي بأني أتصورها "بسيطة"؟ أنت تطالب "بضوابط وشروط محكمة" وتتصور أن عدم وقوفك على تحرير جامع لها = افتقار أهل الشأن إليها!
    ليس هذا تصوري فحسب، إذ النزاع في أنواع الإجماع وشروطه وصفات المجمع عليه، بل حتى في تفسير مراد الشافعي نفسه...الخ ، موجود في القديم والحديث، وبنص شيخ الإسلام، لا ينكر ذلك إلا جاهل أو متعالم، وهذا ما دعاني – ولعلك الآن لمست لماذا - أن أطلب منك التوسع في مطالعة المسألة لتتحقق من ذلك بنفسك (وما العيب في هذا؟). ولا أدري من هم أهل الشأن هؤلاء فحتى أهل الشأن في مبحث الإجماع فيهم نزاع معروف ، أم أنه لأنه غير معروف لدى البعض فإنه ليس موجود أو موجود ولكنه في حكم غير الموجود ! بل أزيد أنه حتى الشافعي رحمه الله طلب من مناظره أن يعرّف من هم أهل الشأن اللذين يحصل بهم الإجماع ويحدهم بحد واضح كمّاً (عددهم) وكيفا (علمهم وصفتهم) فلم يستطع.
    فحررت لك الفرق بين "الحجية" و"الظنية" وأن ثبوت الثاني لا يستلزم انتفاء الأول
    جزاك الله خيرا، وهذا هو أقرب وأجود ما فعلت فيما يتعلق بصلب الموضوع. ولكن هذا عندي هو محل النزاع. إن الظنية التي تُدخل الأخبار المسندة في حيز القبول فيحتج بها غير الظنية التي تؤسس لحجية إجماع محكي، ومعنى محكي أي غير مُسند ، وهذه مشكلة كبيرة – بالإضافة إلى إشكالات أخر - مهدت لتوليد إجماعات مغلوطة كثير منها لا أصل له، كما حققه ابن القيم رحمه الله بأوضح عبارة ( انظر: كتاب الصلاة، ص75، تحقيق/ المنشاوي). فالظنية أيضاً لا تستلزم الحجية إلا في نطاق محدد، وفي نطاق الأحاديث التي يمكن سبرها ودراسة أسانيدها ومعرفة أحوال رواتها، لدينا مستند واضح ويمكن التعامل معه في الأخذ والرد، ولم يخالف أحد من علماء السنة في حجية الأحاديث الثابتة بالظن، ولكنهم اختلفوا – أي أهل السنة فضلاً عن غيرهم – في حجية الإجماعات غير القطعية ، بل الجمهور على أنها ليست بحجة ولا إجماع، ففي "تنقيح الفصول" : (وإذا حكم بعض الأمة وسكت الباقون فعند الشافعي والإمام ليس بحجة ولا إجماع). [ص259 ، دار الفكر]. بل آخر أقوال الشافعي أنه "ليس بحجة ولا إجماع" كما حققه بعض أصحابه حتى قال الغزالي: "نص عليه في الجديد" [انظر: الغيث الهامع شرح جمع الجوامع: جـ 2 / ص 597، تحقيق: حسن عباس].
    فأين ما يوحي "بالتبسيط" في ذلك؟
    هنا اسمح لي أن أكون شديداً معك ولكنها شدة أخوية. كيف يا حبيبي أبا الفداء تريدني أن أفعل وأنا أحرر أقوالي قدر المستطاع بمذاهب العلماء وأقوالهم، توثيقاً وعزواً ونقلاً، وأنت تأتي لتحرير المسائل هنا بتفكير عام مُرسَل. وآية كلامي مقارنة عابرة بين مشاركاتي ومشاركاتك من أول الموضوع إلى آخره. ولازلت أرى أنك من التبسيط قد أُتيت.
    .... أن صفة "الثقة" هذه ليست عند العقلاء فضلا عن العلماء على درجة واحدة في كل ما يصح أن تطلق عليه! فإن كنت ممن يقصرون قبول دعوى الإجماع على ما كان إنكاره كفرا مخرجا من الملة (مثلا)، فما دليلك على هذا القصر إن كنت في ذات الوقت ممن يرون أن الظن الراجح يوجب العمل كالقطع سواء بسواء؟
    هذا ما يظهر لي أنه حرف المسألة!
    حرف المسألة أن الخلط بين ظنية الطريق التي توجب الاحتجاج بالأحاديث ليست بالضرورة ملزمة لتأسيس الاحتجاج بكل إجماع محكي ولو انفرد بحكايته إمام، وبالذات في العصور التالية لعصور الصحابة و التابعين والأئمة الأربعة. فالظنية التي تُدخل الأحاديث في حيّز الاحتجاج ليست هي الظنية التي تدخل كل إجماع محكي – ولو حكاه إمام كما أثبت ذلك بالأمثلة في مشاركة سابقة والأمثلة كثيرة – حيز الاحتجاج. وفي هذا يقول الزركشي رحمه الله :" إذا قلنا بالاكتفاء بالآحاد في نقله (أي الإجماع) كالسنة ، فهل يُنزّل الظن المتلقى من أمارات وحالات منزلة الظن الحاصل من نقل العدول، قال الإبياري : فيه خلاف، وذهب الإمام إلى أنه لا يصح أن يكون مستَنَدَاً لعمل، وإن غلب على الظن منها ما يغلب على الظن من قول الشارع فيما يظهر من لفظه مما يشعر به ظاهره". [البحر المحيط: جــ3 / 494 ، طبعة العلمية]. فلِم يظهر من كلامك وكأني أتحدث بشيء جديد أو لا مجال للخلاف فيه ؟ مرة أخرى، لازلت أقول بكل براءة وصدق إن شاء الله: اطلع بتوسع واكف نفسك مؤونة الاعتراض المتكرر، لا أقول هذا تعريضاً بالتنقص لك أو اتهاماً لك – كما اقتنص ذلك ذهنك – وإنما أقوله لتقف بنفسك على قوة الخلاف في هذه المسائل، ولا أظن في ظاهر دعوتي ما يدعو للقلق.
    فنقف فيه موقف الوسط بين من يغلو فيدعي القطع في حكاية للإجماع يوجد ما يمكن أن يكون دليلا على وهم من حكاها أو على نقص استقرائه أو على بطلان نسبتها إليه، وبين من يفرط فيسقط حجية قسم كبير من أقسام الإجماع جملة واحدة لمجرد أنه لا يأتينا إلا منقولا عن إمام واحد، بدعوى أنه يفتقر إلى الضوابط والشروط المحكمة!
    جميل أخي. هذا لا خلاف عندي فيه بشكل عام إلا شيء واحد وهو عدم دقة عبارتك الأخيرة وهي قولك :
    " فيسقط حجية قسم كبير من أقسام الإجماع جملة واحدة لمجرد أنه لا يأتينا إلا منقولا عن إمام واحد"
    ، فأقول نعم هذه هي أغلب الإجماعات، وهذا هو النوع الذي أنكر فيه أحمد والشافعي وغيرهما الجرأة على دعوى الإجماع، قال ابن القيم رحمه الله: ( وقد أنكر الأئمة كالإمام أحمد والشافعي وغيرهما دعوى هذه الإجماعات التي حاصلها عدم العلم بالخلاف لا العلم بعدم الخلاف فإن هذا مما لا سبيل إليه إلا فيما علم بالضرورة أن الرسول جاء به). [كتاب الصلاة، 59، تحقيق/ المنشاوي]. يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق أخي أبا الفداء، أما موقفي الواضح من الإجماع فإنه لم يتحرر إلا في الثابت المنقول من إجماع الصحابة، فهي التي لا يشكل على عالم ولا طالب علم حريص استقراءها واستحضارها عند الحاجة إليها. فهذا عندي هو الإجماع الذي امنحه ثقتي الكاملة، وفاقاً لشيخ الإسلام رحمه الله، وأما ما يُحكى ويُنقل بعد عصرهم وعصر الأئمة الأربعة من إجماعات هي من جنس عدم العلم بالمخالف (أو السكوتي) – وهي الكثرة الكاثرة - فلا أضعها موضع الاحتجاج الذي لا يسع أحدٌ مخالفته، أو بحيث تؤسس من خلاله الأحكام استقلالاً، وإنما موضع الحجة القوية المفيدة في الترجيح لا أكثر، وفاقاً للجمهور [البحر المحيط: جــ3 / 538 ] ، ووفاقاً لصنيع الأئمة ، قال أحمد في رواية المروزي: (كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم لو قال إني لا اعلم مخالفا كان أسلم).
    وقال في رواية أبي طالب: (هذا كذب ما اعلمه أن الناس مجمعون ولكن يقول ما اعلم فيه اختلافا فهو أحسن من قوله اجمع الناس).
    و رواية أبي الحارث: ( لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا).
    وعن الشافعي- إمام هذا الشأن - في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن: (لا يكون لأحد أن يقول أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يَقبَلُ على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة، فقال لي: تُضيّقُ هذا جداً؟ ، قلتُ له: وهو مع ضيقه غير موجود). [انتهى بتصرف يسير من "كتاب الصلاة"، لا بن القيم، ص59].

    ولكن الهدف من الموضوع هو محاولة استثارة الإخوة لتكييف وتوصيف وضبط حقيقة هذا الإجماع المسمى بالظني قدر الإمكان ومحاولة وضع ما يمكن أن يساعد في تسهيل تقريره ما دام أن هناك من يرى أنه حجة توجب العمل (وهذا تكليف كما ترى) ، وهم كثير من يميل إلى الاحتجاج بهذا النوع من الإجماع، وهذا حقٌ لهم لا أنازع فيه ما دام قد أدى إليه اجتهاد لهم فيه سلف.

    أما الدافع الحقيقي وراء النقولات المتنوعة في مشاركات سابقة فمتروك لتفسير القراء ، وإن كنت في باطني قد لا ارتضي بعضها، إلا أن الانشغال بتبرئة نفسي من بعض تلك التفسيرات ليس مما تنشط (ولا أريد أن تنشط) نفسي لتتبعه وتفنيده في كل مرة. وقد تركت جملاً من كلامك في المشاركة رقم 47 بلا تعليق، لعل فيما سبق غنية.

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    جزاك الله خيرا.
    ولكن ليس ما دعاني "للاعتراض" أنك تثبت الخلاف، فهو معروف ولم ننكره، إنما الذي دعاني إلى الاعتراض أن رأيتك تنقل من كلام أهل العلم ما يصل بعضه إلى حد التوهين من حجية الإجماع بعموم، لا هذا القسم بالذات، (ولست وحدي من لاحظ ذلك!!) مع أنك أنت نفسك لا ترتضي - على ما فهمت من كلامك الأخير - بعض ما في تلك النقول! فكيف يا أخي يستقيم النقاش وأنت تضطرب فيما تنقل - وأحيانا لا تزيد على أن تنقل - وتترك الأمر ليبدو وكأن هذا الأصل العظيم الباب فيه مفتوح لكل قول؟ والله ما رأيتك بدأت في الولوج إلى صلب الموضوع حقا إلا في مشاركتك الأخيرة، فكان حريا بك أن تبدأ بها النقاش! أما أن تمكث وعلى امتداد أربعين مشاركة كاملة لا تزيد على أن تنقل ما تثبت به خلاف الأصوليين في كل صغيرة وكبيرة من مباحث الإجماع، فلا عجب أن يأتيك المعترضون كما صنعتُ وكما صنع من قبلي الشيخ أبو مالك وفقه الله!
    وقد سبقني بقوله الموجز البليغ (جزاه الله خيرا):
    والمقصود أن عدم وضع ضوابط دقيقة تحدد منطقتي القبول والرد لا يقدح في الأصل المتفق عليه.
    وغالبا ما يكون وضع مثل هذه الضوابط غير ممكن، فأكثر الضوابط والحدود التي يضعها أهل العلم منقوضة أو معترضة.
    تقول:
    وأنا أحرر أقوالي قدر المستطاع بمذاهب العلماء وأقوالهم، توثيقاً وعزواً ونقلاً، وأنت تأتي لتحرير المسائل هنا بتفكير عام مُرسَل
    سبحان الله! أولو كان ما نقلته وعزوته لم يصل بنا فيما قررتَ أنه غاية الموضوع إلى شيء أصلا؟
    إن كنت تظن أن أمثال هذه النقولات المجردة سيصل بنا إما إلى وضع تلك "الضوابط والشروط" التي تزعم أن مخالفك يفتقر إليها، أو إلى إثبات أن مخالفك لا يصح له الاحتجاج بشيء من تلك الحكايات أصلا، فهذا أمر يلزمك إعادة النظر فيه يا أخي الحبيب.
    حرف المسألة أن الخلط بين ظنية الطريق التي توجب الاحتجاج بالأحاديث ليست بالضرورة ملزمة لتأسيس الاحتجاج بكل إجماع محكي ولو انفرد بحكايته إمام
    الجملة يبدو أن فيها سقطا، أرجو مراجعتها.
    أما الدافع الحقيقي وراء النقولات المتنوعة في مشاركات سابقة فمتروك لتفسير القراء
    لا يصح هذا الصنيع يا حبيب، فإنك ما جئت مقررا، وإنما جئت مناقشا مباحثا، ثم إنك فتحت الباب بتلك النقولات المرسلة واسعة التشعب للكلام فيما لن يصل بك أكثره إلى مبتغاك! إلا إن كان مبتغاك مطلق التوهين من حجية الإجماع عموما، فهذا شأن آخر!
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    ولكن الهدف من الموضوع هو محاولة استثارة الإخوة لتكييف وتوصيف وضبط حقيقة هذا الإجماع المسمى بالظني قدر الإمكان ومحاولة وضع ما يمكن أن يساعد في تسهيل تقريره ما دام أن هناك من يرى أنه حجة توجب العمل
    فلنترك النقولات المتناثرة إذن، ولنفرغ إلى هذا الهدف إن كنا فاعلين، بارك الله فيك.
    إن الظنية التي تُدخل الأخبار المسندة في حيز القبول فيحتج بها غير الظنية التي تؤسس لحجية إجماع محكي، ومعنى محكي أي غير مُسند ، وهذه مشكلة كبيرة – بالإضافة إلى إشكالات أخر - مهدت لتوليد إجماعات مغلوطة كثير منها لا أصل له
    أما قولك إنها تختلف فصحيح إجمالا. وأما قولك إن كونها غير مسندة = مشكلة كبيرة، فهذا مطروح للنقاش، ولا أوافقك في إطلاقه على هذا النحو.
    نعم ثمَّ اختلافات ولا شك بين درجات الظنية التي يُقبل معها الحديث، ودرجات الظنية التي تقبل معها حكاية الإجماع، ولا تستوي طرق القبول والرد الظني في كلا النوعين (إجمالا)، ولكن ما تأثير ذلك على مطلق الحجية الظنية نفسها من حيث الأصل؟ إن كنت ترى أن كون الإجماع المحكي إنما يصل إلينا بطريق ظني = هذا لا يسقط حجيته من حيث الأصل، وإنما يضيق دائرة القبول فيه (وما زلت إلى الآن لم أقف لك على تحرير واضح لقولك في هذا)، فقد اتفقنا على أن القول بإهمال هذا الصنف من الإجماعات جملة واحدة، مردود على من قال به!
    فقبل أن نواصل النقاش، هل نتفق على هذا القدر؟
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    ...وجزاك من الخير أضعافه.
    ولكن ليس ما دعاني "للاعتراض" أنك تثبت الخلاف، فهو معروف ولم ننكره، إنما الذي دعاني إلى الاعتراض أن رأيتك تنقل من كلام أهل العلم ما يصل بعضه إلى حد التوهين من حجية الإجماع بعموم، لا هذا القسم بالذات، (ولست وحدي من لاحظ ذلك!!) مع أنك أنت نفسك لا ترتضي - على ما فهمت من كلامك الأخير - بعض ما في تلك النقول! فكيف يا أخي يستقيم النقاش وأنت تضطرب فيما تنقل - وأحيانا لا تزيد على أن تنقل - وتترك الأمر ليبدو وكأن هذا الأصل العظيم الباب فيه مفتوح لكل قول؟ والله ما رأيتك بدأت في الولوج إلى صلب الموضوع حقا إلا في مشاركتك الأخيرة، فكان حريا بك أن تبدأ بها النقاش! أما أن تمكث وعلى امتداد أربعين مشاركة كاملة لا تزيد على أن تنقل ما تثبت به خلاف الأصوليين في كل صغيرة وكبيرة من مباحث الإجماع، فلا عجب أن يأتيك المعترضون كما صنعتُ وكما صنع من قبلي الشيخ أبو مالك وفقه الله!
    النقولات مقصودة ، ومن ضمن رسائلها المقصودة إشعار القارئ أن مسألة الإجماع ليست قصة جميلة سهلة مستقيمة المأخذ، يكفي فيها تقليد المسلم دينه حجة محكية لا يدري ما حقيقة ثبوتها وما قيل فيها، ولو تطلب ذلك إحداث صدمة بنقل بعض ما قاله أهل العلم ، وهم علماء ثقات وليسوا من أهل الأهواء والبدع. والآية التي استدل بها الشافعي – على سبيل المثال – حولها خلاف كبير وكما قال العلامة الشنقيطي : لم تسلم من بحوث ومناقشات. وليس المقصود استقصاء هذه النقول وإنما إبراز طرفاً منها كالتمهيد للموضوع ، والتمهيد لموضوع كهذا قد يطول بسبب طول الإلف أو التمذهب على طريق واحد. وقصدت بقولي "لا ارتضي" أي لا ارتضي بعض التفسيرات لدوافعي من وراء هذه النقولات. وأما الاعتراض فقد يكون وجيهاً وقد لا يكون.
    اقتباس:والمقصود أن عدم وضع ضوابط دقيقة تحدد منطقتي القبول والرد لا يقدح في الأصل المتفق عليه.
    وغالبا ما يكون وضع مثل هذه الضوابط غير ممكن، فأكثر الضوابط والحدود التي يضعها أهل العلم منقوضة أو معترضة.
    إن انتهى النقاش إلى عدم إمكان وضع ضوابط، فليكن، فإن هذه نتيجة بحد ذاتها تعين الإنسان في اتخاذ موقف ما وبالتحديد تجاه الإجماعات الظنية المنعقدة بعد عصر الصحابة والتابعين.
    اقتباس:حرف المسألة أن الخلط بين ظنية الطريق التي توجب الاحتجاج بالأحاديث وظنية الطريق التي توجب – على حد قول الطرف الآخر – الاحتجاج بالإجماع الظني. فالقدر المشترك بين ظنية طرق إثبات الأخبار وظنية طرق إثبات الإجماع المحكي ليس بالضرورة ملزماً لتأسيس الاحتجاج بكل إجماع محكي ولو انفرد بحكايته إمام الجملة يبدو أن فيها سقطا، أرجو مراجعتها.
    لا يصح هذا الصنيع يا حبيب، فإنك ما جئت مقررا، وإنما جئت مناقشا مباحثا، ثم إنك فتحت الباب بتلك النقولات المرسلة واسعة التشعب للكلام فيما لن يصل بك أكثره إلى مبتغاك! إلا إن كان مبتغاك مطلق التوهين من حجية الإجماع عموما، فهذا شأن آخر!
    أحبك الله ، قد مضى جزءاً من الجواب واما توهين مطلق حجية الإجماع فشأن بعيد وليس شأناً آخر. ولعله تبين من المناقشات الأخيرة ومما سيأتي إن شاء الله أن المقصود إجماعات من نوع معين.
    فلنترك النقولات المتناثرة إذن، ولنفرغ إلى هذا الهدف إن كنا فاعلين، بارك الله فيك.
    لم افترع هذا الموضوع لأكتب فيه لوحدي وإنما هي دعوة للجميع كما هو واضح من عنوان المشاركة ومن مقدمتها. فجزاك الله خيرا على المبادرة وجزى الله أبا مالك وسائر الإخوة كذلك، ولكن في الموضوع متسع لكل من يريد الإضافة.
    أما قولك إنها تختلف فصحيح إجمالا. وأما قولك إن كونها غير مسندة = مشكلة كبيرة، فهذا مطروح للنقاش، ولا أوافقك في إطلاقه على هذا النحو.
    نعم ثمَّ اختلافات ولا شك بين درجات الظنية التي يُقبل معها الحديث، ودرجات الظنية التي تقبل معها حكاية الإجماع، ولا تستوي طرق القبول والرد الظني في كلا النوعين (إجمالا).
    "إجمالاً" كلمة صحيحة وهي أيضاً كلمة تلطيفية لا تحل الإشكال على مستوى التطبيق والممارسة.
    ولكن ما تأثير ذلك على مطلق الحجية الظنية نفسها من حيث الأصل؟
    هذا أيضاً من مواضع النزاع ، فهل مجرد دخول بعض الإجماعات في مطلق الحجية الظنية يجعلها حجة مُلزمة استقلالاً، بحيث لا يسع أحد مخالفتها ؟ فيها خلاف كبير تقدم الإشارة إلى بعضه ولعل البقية تأتي.
    إن كنت ترى أن كون الإجماع المحكي إنما يصل إلينا بطريق ظني = هذا لا يسقط حجيته من حيث الأصل، وإنما يضيق دائرة القبول فيه
    نعم، بلا خلاف، فإن هناك إجماع قطعي لا يسع أحد مخالفته وهناك إجماع هو فوق كونه كالمتعذر فهو ليس بحجة على معنى أنه يستقل بقوة في تأسيس أحكام شرعية أو بحيث لا يسع أحداً مخالفته. فالحجية بهذا المعنى محفوظة لإجماع الصحابة على وجه التحديد، لعدم انضباط – وهذا أيضاً محل للخلاف – الإجماعات المتأخرة (وهي الأكثر) عن عصورهم، كما قال الأصفهاني رحمه الله :"لم يتعذر الوقوف على حصول الإجماع في زمان الصحابة – رضي الله عنهم – لأنهم كانوا محصورين قليلين غير منتشرين في البلاد" [شرح المنهاج: جــ 2 / 582]. وهذا كما ترى مبني على قول من يشترط إجماع الجميع، وأن يكون هذا الجميع بلغ الاجتهاد، وأنا أقول به.
    (وما زلت إلى الآن لم أقف لك على تحرير واضح لقولك في هذا)،
    لم يتحرر لعلماء من قبلي فكيف يتحرر لي في بضعة أيام ؟ ونحن هنا لمحاولة المساهمة ولو بشيء يسير في هذا الاتجاه.
    فقد اتفقنا على أن القول بإهمال هذا الصنف من الإجماعات جملة واحدة، مردود على من قال به!
    ليس هذا تصوير المسألة ، هذه الإجماعات معتبرة ولكن ليس لغرض الاستقلال بتأسيس الأحكام حتى بالغ بعضهم وادعى إمكان انعقادها مع عدم عزوب مستندها من كتاب أو سنة أو ما في حكمهما من خبر صحابي له حكم الرفع وغيره ، وهذا ما دعا ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله ، للتشنيع على أصحاب هذا المذهب بالذات، وسوف أنقل كلامهما إن شاء الله فيهم. فهذه الإجماعات- بحسب ما تحرر لي إلى الآن – حجة ظنية معتبرة للترجيح والاعتضاد في الاستدلال فقط، وفاقاً للآمدي وابن الحاجب وغيرهما.

    وجزاك الله خيراً فقد قال عمر بن عبدالعزيز: "رأيت ملاحاة الرجال تزيد في ألبابهم"، وهذا لوحده مطلب.

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    عفواً وقع خطأ
    ...حتى بالغ بعضهم وادعى إمكان انعقادها مع عدم عزوب مستندها من كتاب أو سنة أو ما في حكمهما من خبر صحابي له حكم الرفع وغيره
    الصواب حذف "عدم".

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    النقولات مقصودة ، ومن ضمن رسائلها المقصودة إشعار القارئ أن مسألة الإجماع ليست قصة جميلة سهلة مستقيمة المأخذ، يكفي فيها تقليد المسلم دينه حجة محكية لا يدري ما حقيقة ثبوتها وما قيل فيها، ولو تطلب ذلك إحداث صدمة بنقل بعض ما قاله أهل العلم ، وهم علماء ثقات وليسوا من أهل الأهواء والبدع
    يا أبا ضياء إن كنت ترى أن محاوريك ههنا منهم من يظن أن مسألة الإجماع "قصة جميلة سهلة مستقيمة المأخذ" فأنت إذن لا ترى في أحد منهم أهلية المناقشة أصلا، فانتبه. (ابتسامة)
    لذا أشرتُ في مشاركة آنفة إلى الفرق بين من جاء مقررا (داعيا إلى ما انتهى إليه) ومن جاء مناقشا للمدارسة والمباحثة. والذي نحن بصدده الآن أن نثبت العرش قبل النقش: نحرر مواضع الوفاق قبل الدخول في مادة الخلاف، كما هو المنهج العلمي الصحيح عند المباحثة.
    فيا أيها الحبيب الأريب، لم يقل أحد من الإخوة ههنا إن أمر الإجماع "قصة جميلة سهلة"، فلماذا بدأت بهذا الافتراض؟
    على أي حال دعنا من كل هذا الآن، فقد شرعنا أخيرا في الكلام في لب المسألة المراد مناقشتها، والله المعين.
    إليك ما أرجو أن يكون محلا للوفاق بيننا، قبل أن نشرع في التأسيس عليه:
    أن الإجماع حجة إذا ما ثبت.
    أن منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني.
    أن مجرد إمكان وقوع الخلاف في صحة انعقاد إجماع محكي (من جهة العقل)، انتهاء إلى إبطال كثير من دعاوى الإجماع من ذلك الطريق = لا يلغي حجية الإجماع المحكي بإطلاق، كما لا يلغي الخلاف في قبول حديث ما، حجية الحديث الحسن والحسن لغيره .. الخ!
    فما قولك؟
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    أبو الفداء;527721]يا أبا ضياء إن كنت ترى أن محاوريك ههنا منهم من يظن أن مسألة الإجماع "قصة جميلة سهلة مستقيمة المأخذ" فأنت إذن لا ترى في أحد منهم أهلية المناقشة أصلا، فانتبه. (ابتسامة)

    ابتسامة قبل أوانها ! هذا أولاً.
    ثانياً: حبكت افتراضاً يُناسب أن تختمه بابتسامه، بيانه أن قولك "محاوريك ههنا" فيه تمويه و يوهم أن كلامي موجه لـ "محاوري ههنا" ، بل هو صريح في ذلك ! وهذه من عندك ليست من عندي. أنا قلت "القراء" ، فانتبه للفرق، وتحرّى الدقة رعاك الله.
    ثم إذا دخل من دخل من القراء في الموضوع للحوار يتبين من خلال النقاش أهو من جملة من ذكرت أم لا. وعلى كلٍّ حمل كلامي على محمل حسن ليس متعذراً، وهذا يختلف باختلاف المتلقين.

    أن الإجماع حجة إذا ما ثبت.
    هذا محل نزاع : عندي إجماع غير الصحابة متعذر الثبوت وفي أحسن الأحوال في حكم المتعذر.
    أن منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني.
    نعم. ولكن الظني المنضبط هو المعتبر عندي، والمنضبط عندي هو ما كان في عصر الصحابة وعصر من عاصرهم من التابعين.

    أن مجرد إمكان وقوع الخلاف في صحة انعقاد إجماع محكي (من جهة العقل)، انتهاء إلى إبطال كثير من دعاوى الإجماع من ذلك الطريق = لا يلغي حجية الإجماع المحكي بإطلاق.
    فما قولك؟
    عندي إجماعات غير الصحابة و التابعين ممكنة عقلاً ولكنها طبعاً وواقعاً ووعادةً في حكم المتعذر أو كالمتعذر، لأني اشترط أن يكون كل واحد من هؤلاء المجمعين أهلاً للاجتهاد، واشترط اتفاق جميع العلماء، بأن يكون قد بلغ كل واحد منهم الأمر الديني، والسكوت وما يترتب عليه من عدم المخالفة أكثر احتمالاً لأن يكون دليلاً على الرضا في عصر الحصابة والتابعين لتقاربهم فهو أضبط وأما بعد تفرق العلماء وكثرة المجتهدين فالسكوت أكثر بعداً من يكون دليلاً على الموافقة أو الرضا. والشرع - بالشروط المذكورة - لا يُكلّف المسلم تطلب كل ممكن عقلي أو التحقق مما هو متعذر أو في حكم المتعذر.

    أما قولك:
    كما لا يلغي الخلاف في قبول حديث ما، حجية الحديث الحسن والحسن لغيره .. الخ!
    فهذا القياس هو أساس الغلط، فالحديث حسن شيء ، بل سبيل التحقق من ثبوت الأحاديث شيء ، وسبيل التثبت التثبت من تحقق الإجماع شيء آخر، لا يجتمعان إلى كليات عامة جداً من حيث الحجية. لنبدأ بالأحاديث عموماً:
    الأحاديث لها كتب الرجال والتراجم والأسانيد وعلماء العلل ونقاد الرواة ، وفوق ذلك آلية مفهومة ويمكن التعامل معها لتمييز المردود من المقبول. ولذلك فالعملية منضبطة ولله الحمد (ولذلك كان الوقوف على إجماعات الصحابة والتابعين غير متعذر بجامع الانضباط الذي امتازت به أيضاً علم أصول الرواية). وقد فطن لهذا الفرق بين الاثنين (طرق التثبت من الأحاديث وطرق التحقق من الإجماع، خاصة النوع الذي تقصده) الأئمة وأولهم الشافعي حيث قال:" ولا يَقبَلُ على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة، فقال لي: تُضيّقُ هذا جداً؟ ، قلتُ له: وهو مع ضيقه غير موجود". ولاحظوا الإشكال المترتب على هذا القياس وفي ذلك قال الزركشي:"" إذا قلنا بالاكتفاء بالآحاد في نقله (أي الإجماع) كالسنة ، فهل يُنزّل الظن المتلقى من أمارات وحالات منزلة الظن الحاصل من نقل العدول، قال الإبياري : فيه خلاف، وذهب الإمام إلى أنه لا يصح أن يكون مستَنَدَاً لعمل، وإن غلب على الظن منها ما يغلب على الظن من قول الشارع فيما يظهر من لفظه مما يشعر به ظاهره".

    فالحديث الحسن لم يدخل حيز الاحتجاج لأنه تفرد بنقله إمام وسكت الباقون عنه، وإنما دخل حير الاحتجاج لعد مروره من خلال ما هو معلوم في علم أصول الرواية. ولو أردنا الدقة في التمثيل من علم الحديث لقلنا أن اقرب مثال هو تفرد الثقة بزيادة لم ينكرها عليه أحد فضلاً عن أن يُخالف من هو مثله أو من هو أوثق منه. هذا ما أمكنني كتبته على عجل، فالضيف اقترب من باب الدار للإفطار، وياليتك كنت قريباً فتشرفنا واعذرني على أية أخطاء وعلى ضعف التنسيق.
    أخوك.

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    ...إضافة
    قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله :"وقد ادعى الإجماع في مسائل الفقه غير واحد من مالك ومحمد بن الحسن والشافعي وابن[1] عبيد في مسائل وفيها خلاف لم يطّلعوه".
    [المسودة: جــ2 / 618 ، تحقيق الذروي]


    قلت: هذا في زمن تقاربهم وقلة انتشارهم وقربهم من عصر الصحابة وكذلك مع جلالتهم وثقتهم وسعة اطلاعهم، فكيف بمن بعد ذلك؟ وكيف باليوم؟

    = = = = = = = =
    [1] هكذا في طبعة الذروي، والصواب: "أبي" ، فهو أبو عبيد القاسم بن سلام، غني عن التعريف.

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    ...وقد قال قبل ذلك بقليل: "الذي أنكره أحمد دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة أو بعدهم وبعد التابعين أو بعد القرون الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث "
    [نفس المصدر، ص618].



  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    وقال في "المنهاج" :"وإذا ظهر خطأ الواحد المخالف للإجماع ثبت أن الإجماع كان صوابا وأن ذلك الواحد الذي عُرف خطؤه بالنص [1] شاذ لا يعتد به بخلا ف الواحد الذي يظهر حجة شرعية من الكتاب والسنة فإن هذا يسوغ خلافه، وقد يكون الحق معه، ويرجع إليه غيره".
    [منهاج السنة: جــ 8 / 330 ، تحقيق محمد رشاد رحمه الله].

    قلت: يُفهَم من كلام شيخ الإسلام "أشياء كثيرة" يطول التعليق عليها لمن تدبر ظاهر كلامه بتجرد.
    = = = = = = = = = = = = = = =
    [1] عُرف بالنص و لم يعرف خطؤه ولم يوصم بالشذوذ لمجرد أنه خالف الإجماع، وهذا التقرير يأتي كنتيجة طبيعية لإيمان شيخ الإسلام بضرورة وجود وظهور مستند الإجماع من النصوص وإن غاب عن البعض، كما حقق ذلك في مواضع أخرى، فعاد فضل الحجية أساساً للنص المحفوظ الذي أجمعت على ما فهمت من معناه، لا النص الغائب المجهول كما ادعى البعض !




  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    ...عذراً ، في إجازة ، وبعيد عن الكتابة في هذا المنتدى، لبضعة أيام، تقل أو تزيد.
    دعاؤكم بظهر الغيب...أخوكم.

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    ابتسامة قبل أوانها ! هذا أولاً.
    بارك الله فيك. إن كان أوان ظهور الابتسامة عندك أن نصل إلى اتفاق، فلعلها لا تظهر في هذه الصفحة أصلا إلا أن يشاء الله. ولا ضير على أي حال. إنما أردت كسر حدة النقاش بعض الشيء، فإن أبيت إلا الحزم في النقاش، فلك ما تريد!
    ولكن أرجو منك – بارك الله فيك – أن تتروى وألا تكتب على عجالة حتى نقصد فيما نريد ولا يتشعب بنا الطريق. سألتك هل توافقني في أن الإجماع حجة إذا ما ثبت أم لا، فأجبتني بأن الإجماع فيما بعد عصر الصحابة متعذر الثبوت! فهل هذا جواب السؤال يا شيخنا الفاضل؟
    فرق بين إمكان ثبوت الجنس "س" (عقلا) وتحقق ثبوته (أي في الواقع). قد يكون "س" هذا ممكن الثبوت عقلا ولكن أكثر ما يعده الناس منه لا يثبت في الواقع، أو لا يثبت إلا بشروط وضوابط كثيرة، أو لم يثبت إلا في قرن من قرون الزمان دون غيره أو في أحوال مخصوصة دون غيرها.. الخ. فسؤالي هذا كان عن جنس الإجماع كدليل، وكان عن أمر لم أتصور أنك تخالفني فيه أصلا (بغض النظر عن كونه قد تنازع الناس فيه)! صحيح إنك لا ترى إمكان ثبوت الإجماع بعد القرن الأول، ولكن حتى على هذا القول، يظل جوابك عن هذا السؤال هو الموافقة لزاما (ما لم تكن تنفي حجية الإجماع مطلقا بجميع صوره)، لأن شرط القبول عندي وعندك وعند جميع من يرون حجية الإجماع = ثبوت الإجماع.
    أما قولك:
    عندي إجماعات غير الصحابة و التابعين ممكنة عقلاً ولكنها طبعاً وواقعاً ووعادةً في حكم المتعذر أو كالمتعذر، لأني اشترط أن يكون كل واحد من هؤلاء المجمعين أهلاً للاجتهاد، واشترط اتفاق جميع العلماء، بأن يكون قد بلغ كل واحد منهم الأمر الديني، والسكوت وما يترتب عليه من عدم المخالفة أكثر احتمالاً لأن يكون دليلاً على الرضا في عصر الحصابة والتابعين لتقاربهم فهو أضبط وأما بعد تفرق العلماء وكثرة المجتهدين فالسكوت أكثر بعداً من يكون دليلاً على الموافقة أو الرضا. والشرع - بالشروط المذكورة - لا يُكلّف المسلم تطلب كل ممكن عقلي أو التحقق مما هو متعذر أو في حكم المتعذر.
    فغاية ما قررتَه ههنا، بارك الله فيك، أن الإجماع الظني تتفاوت درجة ثبوته أو قوة ثبوته فيما بين عصر الصحابة وما تلاه من عصور، وهذا محل اتفاق بيني وبينك أصلا (على خلاف ما قد تتصور). أما قولك الشرع لا يكلف المسلم تطلب كل ممكن عقلي، فلا أدري عن أي شيء تجيب به؟ ليس في كلامي ما يلزم المسلمين بتطلب كل ممكن عقلي، ولا ما يحملهم على التحقق مما هو متعذر أو في حكمه! فعندما يأتيني إجماع محكي عن إمام حافظ مشهود له في زمانه وفيما يليه من القرون بالإتقان والضبط وحسن الاستقراء، وكنت أثق في ضبطه لمن يعتبر بخلافه ومن لا يعتبر (بمعنى أني على مذهبه في تلك القضية) ولا أجد خلافا منقولا في المسألة بين أقرانه في زمانه أو فيمن سبقوه، فإنني أعد ذلك الإجماع دليلا في المسألة، من باب أن الخلاف إن وجد فيمن يُعتبر بخلافهم عنده، (وهؤلاء ليسوا بأخفياء في أي عصر من العصور مهما كثروا: فإن الناس ترجع إليهم في الفتوى والقضاء ويذيع أمرهم في البلاد ولابد، لذا فمن المستبعد – وإن كان ممكنا في العقل – أن يخفى الخلاف عليهم، مع ظهور الداعلي لنقله، لا سيما وقد اجترأ منهم من اجترأ على ادعاء الإجماع).
    ومع هذا فأنا أقول هذا دليل ظني = لذا فالعقل لا يمنع من أن يظهر بالتنقيب في هذه الحكاية المنقولة أو تلك أنها منقوضة معلولة، كما هو الشأن في كل ما يوصف بأنه دليل ظني. فإن وقفت على من يدعي بطلان ذلك الإجماع، فسأجد ما يدعوني إلى استفراغ الوسع في التنقيب والاستقراء في أقوال أئمة ذلك العصر الذي حُكي فيه الإجماع وما قبله، فإن أمكنني أن أقف على خلاف معتبر في المسألة لم يقف عليه صاحب دعوى الإجماع، (فلا أرد دعواه الإجماع بإثبات خلاف من لم يكن يرى الاعتبار بخلافه أصلا)، فحينئذ أرد تلك الحكاية وأهملها البتة، ولا أرى في ذلك أنني أتكلف التحقق مما لا يمكن التحقق منه!
    أما مسألة القياس على الحديث ظني الثبوت، فأنا لم أدع أن ضوابط قبول الإجماع المحكي هي بعينها ضوابط قبول الحديث، أو حتى أنها تشبهها، ولكن دعواي أن هذا الاختلاف لا يلزم منه عري الإجماع المحكي (كجنس من أجناس الإجماع) عن ضوابط ترجيحية عامة يستعملها كل مجتهد في قبوله أو رده.
    أخوك.
    -------------
    ملحوظة:
    حبذا لو تكبر فونت الكتابة بعض الشيء لسهولة القراءة، وجزاك الله خيرا.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟

    تنبيه:
    لا أدعي وجود "نص غائب مجهول" وراء الإجماعات المحكية! وإنما أرى إمكان ذلك في إجماعات الصحابة والسلف الأول، وبما أننا نتفق على حجية إجماعات الصحابة، فلا داعي للنقاش في هذه القضية.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •