الأستاذ الفاضل أبا مالك،
كنتُ وقفتُ من سنواتٍ على بَحث الإمام ابن الجزري لهذه المسألة في كتابه "النشر"، ورأيتُ أن الكلام فيها على صور:
= الصورة التي ذكرتموها: "تحتها الانهار"، "سيرتها الاولى" ، وهي التي قبل لامِ التعريفِ المنقولِ إليها حرفُ مدّ.
= الصورة الثانية: (فمن يستمع الان)، (بل الانسانُ)، (عن الانفال)، وهي التي قبل لام التعريف ساكن غير المد.
= الصورة الثالثة: الابتداء بلام التعريف المنقول إليها.
- - - -
فأما الصورة الثالثة ففيها تفصيل.
وأمَّا الصورتان الأوليان فنصَّ ابنُ الجزري على أنَّ القرَّاء لا يجيزون إثبات حرف المد، ولا إثبات سكون الساكن مع تحريك اللام.
وهذا نص كلامه:
[[( الثَّالِثُ ) أَنَّهُ إِذَا كان قَبْلَ لامِ التَّعْرِيفِ المَنْقُولِ إِلَيْهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ المَدِّ، أَوْ سَاكِنٌ غَيْرُهُنَّ لَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُ حَرْفِ المَدِّ، وَلا رَدُّ سُكُونِ السَّاكِنِ مَعَ تَحْرِيكِ اللامِ.
لأنَّ التَّحْرِيكَ فِي ذَلِكَ عَارِضٌ، فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَقُدِّرَ السُّكُونُ؛ إِذْ هُوَ الأَصْلُ؛ وَلِذَلِكَ حُذِفَ حَرْفُ المَدِّ، وَحُرِّكَ السَّاكِنُ حَالَةَ الوَصْلِ، وَذَلِكَ نَحْوُ (وَأَلْقَى الالوَاحَ) ، وَ (سِيرَتَهَا الُاولَى) ، وَ (إِذَا الارْضُ) ، وَ (أُولِي الامْرِ) ، وَ (فِي الانْعَامِ) ، وَ (يُحْيِي الارْضَ) ، وَ (قَالُوا الانَ) ، وَ (أَنْكِحُوا الايَامَى) ، وَ (أَنْ تُؤَدُّوا الامَانَاتِ) وَنَحْوُ (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الانَ) ، وَ (بَلِ الِانْسَانُ) ، (وَأَلَمْ نُهْلِكِ الاوَّلِينَ) ، وَ (عَنِ الاخِرَةِ) ، وَ (مِنَ الارْضِ) ، وَ (مِنَ الُاولَى) ، وَ (أَشْرَقَتِ الارْضُ) ، و (فَلْيَنْظُرِ الِانْسَانُ) وَكَذَلِكَ لَوْ كان صِلَةً ، أَوْ مِيمَ جَمْعٍ نَحْوُ (وَبِدَارِهِ الارْضَ) ، وَ (لا تُدْرِكُهُ الابْصَارُ) ، وَ (هَذِهِ الانْهَارُ) ، وَ (هَذِهِ الانْعَامُ) ، (وَيُلْهِهِمُ الامَلُ) ، (وَأَنْتُمُ الاعْلَوْنَ).
وَهَذَا مِمَّا لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ القُرَّاءِ ، نَصَّ على ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ ، كَالحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الخَيَّاطِ وَأَبِي الحَسَنِ السَّخَاوِيِّ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَإِنْ كان جَائِزًا فِي اللُّغَةِ وَعِنْدَ أَئِمَّةِ العَرَبِيَّةِ 417 الوَجْهَانِ: الاعْتِدَادُ بِحَرَكَةِ النَّقْلِ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهَا، وَأَجْرَوْا على كُلِّ وَجْهٍ مَا يَقْتَضِي مِنَ الأَحْكَامِ، وَلَمْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ وَصْلاً وَلا ابْتِدَاءً، وَلا دُخُولَ هَمْزَةٍ وَلا عَدَمَ دُخُولِهَا، بَلْ قَالُوا: إِنِ اعْتَدَدْنَا بِالعَارِضِ فَلا حَاجَةَ إِلَى حَذْفِ حَرْفٍ مِنْ (فِي الارْضِ) وَلا إِلَى تَحْرِيكِ النُّونِ (مِنْ لانَ) وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ ثَعْلَبٌ ، عَنْ سَلَمَةَ ، عَنِ الفَرَّاءِ :
لَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حَبَّ سَمْرَاءَ خِيفَةً * * * فَبُحْ لانَ مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ
وَعَلَى ذَلِكَ قَرَأْنَا لابْنِ مُحَيْصِنٍ ( يَسْأَلُونَكَ عَن لَّهِلَّةِ ) ، وَ ( عَن لَّانْفَالِ ) ، وَ ( مِن لَّاثِمِينَ ) وَشِبْهَهُ بِالإِسْكَانِ فِي النُّونِ وَإِدْغَامِهَا ، وَهُوَ وَجْهُ قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَمَنْ مَعَهُ ( عَادًا لُّولَى ) فِي النَّجْمِ كَمَا تَقَدَّمَ .]]