في كتاب الانتقاء لابنِ عبد البرّ أنّ رجُلاً سألَ مالكاً فقال : منْ أهلُ السّنّة ؟ قال : أهل السّنّة الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به ، لا جهمي ولا قَدَري ولا رافضي .
قال ربيعُ الأديب : ولا مُرجِئي ولا خَارِجِي . وللعلاّمة بكر أبي زيد رحمه الله كلامٌ نفيس في هذا الباب لعلّ من الخير إثباتُه هنا لتعمّ الفائِدة / يقولُ رحمه الله : أهلُ الإسلام ليسَ لهم سِمةٌ سوى الإسلام والسّلام : فيا طالبَ العلم ! بارك الله فيك وفي علمك ، اطلب العلم ، واطلب العمل ، وادْعُ إلى الله على طريقة السّلف .
ولا تكن خرّاجاً ولاّجاً في الجماعات ، فتخرج من السّعة إلى القوالب الضّيّقة ، فالإسلام كلّه لك جادّةً ومنهجاً ، والمسلمون جميعهم هم الجماعة ، وإنّ يدَ الله مع الجماعة ، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام . وأعيذكَ بالله أن تتصدّع ، فتكونَ نهّابا بينَ الفِرَقِ والطّوائف والمذاهب الباطلة والأحزاب الغالية ، تعقدُ سلطان الولاء والبراء عليها .
فكن طالبَ علم على الجادّة ، تقفو الأثرَ ، وتتّبع السّنن ، تدعو إلى الله على بصيرة ، عارفا لأهل الفضلِ فضلَهم وسابقَتَهم .
وإنّ الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السّلفُ من أعظم العوائق عن العلم ، والتفريق عن الجماعة ، فكم أوهنت حبْلَ الإتحاد الإسلامي ، وغشيت المسلمين بسببها الغواشي .
فاحذر رحمك الله أحزابا وطوائفَ طاف طائفها ، ونجمَ بالشّرّ ناجمها ، فما هي إلا كالميازيب ، تجمع الماء كدَراً وتُفرِّقه هدَراً ، إلا من رحم ربّك ، فصار على مثل ما كان عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابُه رضي الله عنهم .
وقال في موضعٍ آخرَ : فيا أيها الأخُ كنْ سلفيّاً على الجَادّة [ ليسَ سلفية الإرجاء ] ، واحذر المُبتدعة أنْ يفْتِنوكَ ، فَإنّهم يُوَظِّفونَ للاقتناص والمُخاتلةِ سُبُلاً ، يَفْتَعِلُونَ تَعْبيدَها بالكلامِ المَعسُول _ وهو عسل مقلوب _ وهطولِ الدّمعةِ ، وحسنِ البزّة ، والإغراء بالخيالات ، والإدهاشِ بالكرمات ، ولحسِ الأيدي ، وتقبيل الأكتاف ...
وما وراء ذلكَ إلاّ وحَمُ البِدْعة ، ورهَجُ الفتنة ، يغرسُها في فؤادكَ ، ويَعْتَمِلُكَ في شِراكِهِ ، فوالله لا يَصْلُحُ الأعمى لِقيادة العميان وإرشادهم .وفّقكَ اللهُ لِرُشْدِكَ ، لتنهلَ من ميراثِ النبوّة صافيا ، وإلاّ ، فليبكِ على الدينِ من كانَ باكياً . " اهـ كلام بكر أبي زيد بتصرّف يسير ! .
اهـ
حليةُ طالب العلم [دار ابن حزم القاهرة ]