أسماء لاتدخل تحت قواعد الإحصاء ..
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، ولا إله إلا الله ، إله الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين ، الذي لا فوز إلا بطاعته ، ولا عز إلا بالذل لعظمته ، ولا هدى إلا في التمسك بهدايته ، ولا حياة إلا في حبه وطاعته ، ولا نعيم إلا في قربه وجنته ، إله عظيم كريم عزيز رحيم ، له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أمين الله على وحيه ، وخيرته من خلقه ، وسفيره بينه وبين عباده ، هو المبعوث بالدين القويم ، والمنهج المستقيم ، أرسله الله رحمة للعالمين ، وإماما للمتقين ، وحجة على الخلائق أجمعين ، صلى الله عليه ، وعلى آله الطاهرين ، وسائر أصحابه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد ..
فحديثنا اليوم بإذن الله تعالى يدور حول العلة في استبعاد الكثير من الأسماء الحسنى التي اشتهرت على ألسنة العامة والخاصة ، وأخذت بالتناقل والانتشار ، ودون سند في الأخبار أو الآثار ، وهذه الأسماء أغلبها من حيث المعنى الذي دلت عليه حق ، ولكن قواعد الحصر لم تنطبق عليها ، وسوف نذكرها اسما اسما إن شاء الله ، لكن نبدأ أولا بذكر القواعد التي تم من خلها حصر التسعة والتسعين اسما التي شرحنا وبينا الأدلة عليها :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العقيدة الأصفهانية : ( وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في الأسماء الحسنى المعروفة ومعناهما حق ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها ) ، وهذا الضابط للأسماء الحسنى من أصلح الضوابط وأفضلها في ذلك ، وقد اتبعناه في حصر الأسماء ويتمثل هذا الضابط في أن يتحقق في كل اسم تتبعناه الشروط الآتية :
أولا : أن يراد بالاسم العلمية ، فيرد في النص متميزا بعلامات الاسمية ، والاسم يتميز عن الفعل والحرف بخمس علامات جمعها بن مالك في قوله : بالجر والتنوين والندا وأل : ومسند للاسم تمييز حصل ، وهذا ما أشار إليه شيخ الإسلام بقوله : الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها ، تدخل عليها أداة النداء وعلامات الاسمية ، استنادا إلى قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (الأعراف:180) أي لا بد من أن تتحقق فيها علامات الاسمية ، فيكون المعنى محمولا علي الاسم مسندا إليه .
ثانيا : أن يرد الاسم في نص ثابت بالكتاب أو السنة الصحيحة ، لأنه ليس لنا أن نشتق باجتهادنا من أوصاف الله وأفعاله أسماء ، فهذا أمر توقيفي لأن معرفة الله بأسمائه وصفاته أمر غيبي مبني على ثبوت الخبر بالدليل ، وإلي ذلك أشار شيخ الإسلام بقوله : (الأسماء الحسنى المعروفة هي التي وردت في الكتاب والسنة ) ، مأخوذ من قوله تعالى : ولله الأسماء ، فالألف واللام هنا للعهد ، فالأسماء بذلك معهودة ، ولا يعرف في ذلك اسم معهود إلا ما نص الله عليه في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا بد في الاحتجاج على إثبات الاسم من حديث صحيح ، أما دلالة الاسم على الوصف فيدخل فيه الصحيح والحسن معا ، لأن الحديث الحسن عن علماء الحديث هو ما اتصل سنده بنقل عدل خف ضبطه قليلا عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة ، فاحتمال ضبط اللفظ في كونه اسما وارد بلا شك ، أما في كونه وصف فمتيقن ، ولذلك لم نعتد بالحسن في حصر الأسماء الحسنى وإنما في إثبات الأوصاف ودلالة الاسم على الصفة .
ثالثا : أن يرد الاسم على سبيل الإطلاق دون تقييد ، وذلك بأن يفيد الثناء بنفسه دون إضافة ، وهو ما أشار إليه شيخ الإسلام بقوله : ( الأسماء الحسنى المعروفة هي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها ) ، لأن الإضافة والتقييد يحدان من إطلاق الحسن والكمال على حسب شأن المضاف إليه وقدره ، والله ذكر أسماءه بالإطلاق التام للحسن والكمال فقال ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) وأيضا يدخل معنا الإطلاق المقترن بالعلو والفوقية كقوله : ( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (التوبة:39) فإن العلو يزيد الإطلاق في القدرة كمالا على كمال .
رابعا : أن يكون الاسم دالا على الصفة ، اسم على مسمى ، لأن الله عز وجل بين أن أسماءه أعلام وأوصاف فقال في علميتها : ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) (الإسراء:110) فكلها تدل على مسمى واحد ، وقال في كونها أوصاف : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (الأعراف:180) فدعاء الله بها يكون حسب حال العبد واضطراره ، مما يناسب حاجته ومطلوبه ، من ضعف أو فقر ، أو ظلم أو قهر ، أو غير ذلك من أحوال العباد ، فلكل وضع ما يناسبه من الأسماء ، كما أن أسماء الله لو كانت جامدة لا تدل على معنى الوصفية لم تكن حسنى حيث أثنى الله بها على نفسه فقال : ( ولله الأسماء الحسنى ) والجامد لا مدح فيه ولا دلالة له على الثناء ، فلابد وأن تكون دالة على الوصفية ، كما أنه يلزم أيضا من كونها جامدة لا معنى لها أنه لا قيمة لتعدادها أو كونها تسعة وتسعين اسما كما جاء في الحديث ، وهذا أمر يعرف فساده ببداهة العقول ، فالوصفية إذا من لوازم الاسم لأن الأسماء دلت على الذات بالعلمية وعلى المعنى الذي تضمنته بالوصفية ، فهي مترادفة في الدلالة على الذات ، متباينة في الدلالة على الصفات .
خامسا : أن يكون الاسم دالا على وصف الكمال المطلق ، فلا يكون الوصف عند التجرد منقسما على الكمال والنقص أو يحتمل وجها من أوجه النقص ، فذلك يحد من إطلاق الكمال والحسن ، والله عز وجل يقول : ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) (الرحمن:78) يعني تنزه وتقدس عن كل نقص ، فله العلو والجلال ، وله مطلق الكمال والجمال ، كما قال رب العزة والجلال : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) (الأعلى:1) .
هذه الشروط هي التي تتبعنا من خلالها الأسماء الحسني في الكتاب والسنة ، وقد ذكر العلماء الذين تكلموا في إحصاء الأسماء قرابة المائتين والثمانين اسما ، لم تنطبق هذه القواعد أو الشروط إلا على تسعة وتسعين اسما غير لفظ الجلالة ، وقد ساعدنا في ذلك التقنية الحديثة في استقصاء الاسم ومشتقات المعنى اللغوي في القرآن وكتب السنة من خلال الموسوعات الإلكترونية الضخمة ، فكانت النتيجة كما ذكر نبينا صلي الله عليه وسلم تسعة وتسعين اسما هي : الرب الإله ، الواحد الأحد ، السيد الصمد ، الحي القيوم ، المالك الملك المليك ، الحق المبين ، العلي الأعلى المتعال ، العظيم المجيد ، العليم الخبير ، القادر القدير ، المقتدر السميع البصير ، الأول الآخر ، الظاهر الباطن ، الكبير الحكيم ، العزيز الكريم ، القدوس السلام ، القوي المتين ، الغني الوارث الرقيب ، الجميل الوتر ، الرحمن الرحيم ، الخالق الخلاق ، البارئ المصور ، المؤمن المهيمن ، الجبار المتكبر ، القاهر القهار ، الغفور الغفار ، الشاكر الشكور ، الرازق الرزاق ، القابض الباسط ، الولي المولى ، الأكرم الوهاب ، المقدم المؤخر ، الديان الطيب اللطيف ، الودود الرءوف ، العفو التواب ، الحيي الستير ، الحكم الحليم ، البر النصير ، المعطي الوكيل ، القريب المجيب ، الواسع الفتاح ، الحميد السبوح ، المسعر المحسن ، الرفيق الجواد ، الشافي المنان ، الحفيظ المقيت ، الشهيد الحسيب .
أما بقية الأسماء التي لم تتوافق مع الضوابط السابقة فأغلبها على نوعين : النوع الأول : أسماء لم تتوافق مع الشرط الأول والثاني ، فهي إما أنها أوصاف أو أفعال اشتق العلماء منها باجتهادهم أسماء لله عز وجل ، لكن هذه الأسماء لم ترد في نص ثابت بالكتاب أو السنة الصحيحة ، فالعلمية في الاسم مرجعيتها إلى تسمية العلماء لربهم ، وليس لنص في القرآن أو السنة ، ونحن كما علمنا لا نسمي الله إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالأسماء توقيفية ، ونذكر من هذه النوعية ، تسميتهم لله بالخافض حيث ذكره من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة ، وكذلك ذكره أبو القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني وابن العربي المالكي والإمام البيهقي استنادا إلى حديث أَبِى مُوسَى الأشعري عند مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ ينبغي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ) ، وكذلك تسميتهم لله بالرافع ذكره هؤلاء السابقون بالإضافة إلى محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده ، وأبو عبد الله محمد بن المرتضى اليماني الشهير بابن الوزير ، استنادا إلى الحديث السابق .
ومن الأسماء التي لم تثبت أيضا المعز المذل ، فقد ذكره من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة وكذلك ذكره ابن منده وابن العربي والبيهقي في عدهم للأسماء استنادا إلى قول الله تعالى : ( وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (آل عمران:26) ، وكذلك تسميتهم لله بالعدل ، فقد ذكره من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وكذلك ذكره ابن منده وابن العربي والبيهقي استنادا إلى قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان ) (النحل:90) ، وتسميتهم لله بالجليل ، ذكره جمع كبير ، كمن أدرج الأسماء في حديث الوليد بن مسلم عند الترمذي وحديث عبد الملك الصنعاني عند ابن ماجة وحديث وعبد العزيز بن الحصين الحاكم وكذلك ذكره ابن منده وابن العربي والبيهقي ، مع أن هذا الاسم لم يرد في الكتاب أو السنة ، ولكن استندوا في إثباته إلى قوله تعالى : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) (الرحمن:27) وقوله أيضا : ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) (الرحمن:78) .
وأيضا تسميتهم لله بالباعث استنادا إلى الاشتقاق من الفعل في قوله تعالى : ( وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ) (الأنعام:36) ( ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (البقرة:56) والباعث ذكره من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة والحاكم وكذلك ذكره ابن منده والأصبهاني والبيهقي ، وتسميتهم لله بالمحصي فقد ذكره من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن العربي والبيهقي لقوله تعالى : ( لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ) (مريم:94) ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ) (المجادلة:6) .
وقد اشتق من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة والحاكم وكذلك ابن العربي والبيهقي ، اشتقوا لله أسماء كالمبدئ المعيد والمميت باجتهادهم من قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (العنكبوت:19) ( إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ) (البروج:13) والمميت استنادا إلى الاشتقاق من الفعل في قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (غافر:68) ، وسموه المنتقم استنادا إلى الاشتقاق من الوصف في قوله تعالى : ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) (إبراهيم:47) فقد ذكره من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن الوزير وكذلك العلامة ابن حجر .
والمقسط أيضا ذكره من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة وكذلك ذكره ابن منده والأصبهاني وابن العربي والبيهقي استنادا لا إلى وصف ولا إلى فعل ولكن إلى محبته للمقسطين في قوله تعالى : ( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (المائدة:42) ، وكذلك سموه المانع استنادا إلى الاشتقاق من الفعل في حديث مُعَاوِيَةَ وغيره عند البخاري ومسلم مرفوعا : ( اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ ) والمانع ذكره من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة وكذلك ذكره ابن منده والأصبهاني والبيهقي ، وسموه الضار النافع على ما ورد عند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضى الله عنها أنها قَالَتْ : قَالَتْ فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ اللَّهُ بِهَا ، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا ، فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ ، واستنادا إلى المفهوم من قوله تعالى : ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ) (الأعراف:188) وقد ذكر الضار النافع من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة والحاكم وكذلك ذكره ابن العربي والبيهقي ، وفي رواية الترمذي سموا الله بالمغني ، فقد ذكره من أدرج الأسماء في الحديث وكذلك البيهقي استنادا إلى الاشتقاق من فعل الغنى في قوله تعالى : ( وَلْيَسْتَعْفِف ِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (النور:33) ، وورد اسمه الباقي عند من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة والحاكم وكذلك ذكره ابن منده والأصبهاني وابن العربي والبيهقي ، ولم أجد دليلا استندوا إليه إلا ما ورد في قوله تعالى : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) (الرحمن:27) .
وقد أدرج من أدرج الأسماء في حديث ابن ماجة عدة أسماء اجتهد في تسمية الله بها ، وهي ذو القوة والمنير والتام ذو القوة استند فيه إلى الوصف في قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) (الذريات:58) والمنير أخذا من قوله تعالى : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (النور:35) أو جعله القمر منيرا في قوله تعالى : ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) (الفرقان:61) والتام : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (الصف:8) .
وابن منده سمى ربه بالدافع واستنادا إلى المصدر من الفعل دفع في قوله تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ) (البقرة:251) ، وسموا الله بالقاضي استنادا إلى الاشتقاق من الفعل في قوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) (غافر:20) وقد ذكر ذلك ابن منده وابن العربي والبيهقي ، أما قوله تعالى ( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) (الإنسان:3) فقد اشتق منه ابن منده وابن العربي اسم المقدر .
وابن منده انفرد بتسمية ربه المفضل والمنعم والمفرج والمعافي والمطعم والوفي ، المفضل من قوله : ( وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (البقرة:47) والمنعم من قوله : ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ) (الإسراء:83) ، والمفرج من قوله : ( وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ) (المرسلات:9) أو حديث ابْنِ عُمَرَ عند البخاري في حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار : ( فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ . إلى أن قال : فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ ) ، والمعافي من قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عند البخاري : ( مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ) ، والمطعم من قوله : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ َ) (الأنعام:14) ، والوفي من قوله : ( وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ) (التوبة:111) ذكر هذه الأسماء ابن منده فقط .
وأيضا جعلوا من أسمائه ذو الفضل العظيم ، ذكره من أدرج الأسماء في حديث والحاكم ، وكذلك ذكره ابن منده وابن العربي وابن الوزير والبيهقي واستندوا إلى ما ورد في قوله تعالى : ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم ِ) (آل عمران:74) ، وكذلك ذو العرش المجيد من قوله : ( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ) (البروج:15) فقد ذكره ابن منده وابن الوزير والبيهقي ، وذو الطول والإحسان من قوله : ( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) (غافر:3) فقد ذكره من أدرج الأسماء في حديث والحاكم وكذلك ذكره ابن منده وابن العربي وابن الوزير والبيهقي ، وذو الرحمة الواسعة من قوله : ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:147) فقد ذكره ابن منده وابن الوزير ، وذو الجبروت والملكوت واستندوا إلى ما ورد في حديث أبي داود وصححه الألباني عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال فِي رُكُوعِهِ : ( سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاء ِ وَالْعَظَمَةِ ) ذكره ابن منده فقط .
وقد ذكر الأصبهاني والبيهقي اسمين لله وهما الذارئ والصانع من قوله : ( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُون َ) (الملك:24) ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً ) (الأنعام:136) الصانع من قوله : ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون َ) (النمل:88) وما رواه البخاري في خلق أفعال العباد وصححه الألباني عن حذيفة مرفوعا ( إن الله تعالى صانع كل صانع وصنعته ) ، وابن العربي اشتق لربه باجتهاده عدة أسماء أخرى هي المريد والمحب والمبغض والسخط والممتحن والبالي والمبلي والفاتن والمعبود ، فالمريد من قوله : ( فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد ُ) (البروج:16) ، والمحب من قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (المائدة:54) ، والمبغض من حديث البراء عند البخاري مرفوعا : ( الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ ) ، والسخط من قوله : ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (المائدة:80) ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) (محمد:28) ، والممتحن من قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) (الحجرات:3) ، والبالي والمبلي من قوله تعالى : ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (الأعراف:168) ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (الملك:2) ، والفاتن اشتقه ابن العربي من قوله : ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (العنكبوت:3) والمعبود اشتقه من قوله : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (طه:14) .
وشارك ابن الوزير ابن العربي في الاجتهاد فاشتقا لله أسماء المبرم والمنذر والمبتلي ، المبرم من قوله : ( أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ) (الزخرف:79) ، والمنذر من قوله : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) (الدخان:3) ، والمبتلي من قوله : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) (البقرة:124) .
وشارك البيهقي ابن العربي في الاجتهاد فاشتقا لله اسم المدبر من قوله : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (الرعد:2) ، وانفرد ابن الوزير فسمى الله بالمستمع والكاتب والمنزل والمنشئ والمرسل ، المستمع من قوله : ( قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) (طه:46) ، الكاتب من قوله : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (الأنبياء:105) ، والمنزل من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى عند البخاري مرفوعا ( دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِىَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ) لكنه ترك المجري ، أما المنشئ فاشتقه من قوله : ( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ) (الرعد:12) ، والمرسل اشتقه من قوله : ( أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (الدخان:5) ( وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) (القصص:45) .
ومن أدرج الأسماء عند الحاكم سمى ربه بالمغيث استنادا إلى المعنى في قوله تعالى : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) (الأنفال:9) ، والبيهقي انفرد بتسمية الله بالطالب والكاشف استنادا إلى المعنى في قوله تعالى : ( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ) (الأعراف:54) ، والكاشف من قوله : ( ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) (النحل:54) أو من قوله : ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ ) (الأنعام:17) لكنه هنا مضاف والإضافة كما علمنا مانعة لشرط الإطلاق ، وابن منده سمى ربه بالمطهر من قوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (الأنفال: من الآية11) ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (الأحزاب: من الآية33) .
هذه هي الأسماء التي أحصيتها من كتب أهل العلم وهي عبارة عن اجتهادات منهم لم يسم الله بها نفسه ولم يسمها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإنما وضعوها اشتقاقا من وفعله ووصفه وهذا مخالف لكون الأسماء الحسنى توقيفية على النص ، وعلى ذلك ننبه إخواننا المسلمين على ما انتشر بين العامة من أسماء مبنية على اجتهادات العلماء في الاشتقاقات السابقة فهي ليست من الأسماء التي أمرنا الله بأن ندعوه بها .
والآن ننتقل إلى الأسماء التي لم تنطبق عليها الشروط لعلة الإضافة وعدم الإطلاق ، وهي المحيي ورد مقيدا في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (فصلت:39) ، والوالي ورد مقيدا في قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ) (الرعد:11) ، والنور ورد مقيدا في قوله تعالى : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (النور:35) ، والهادي ورد مقيدا في قوله تعالى : ( وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ) (الفرقان:31) ، والبديع ورد مقيدا في قوله تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (البقرة:117) ، والجامع ورد مقيدا في قوله تعالى : ( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (آل عمران:9) ، والرشيد وقد ذكره من أدرج الأسماء عند الترمذي ، وكذلك الراشد وقد ذكره من أدرج الأسماء عند ابن ماجة ولم أجد لهم دليلا في الكتاب أو السنة إلا استنادا إلى المعنى في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ) (الأنبياء:51) ، والصبور من حديث أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عن البخاري مرفوعا : ( مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ) ، والبرهان استنادا إلى المعنى في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) (يوسف:24) ، والشديد ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ِ) (البقرة:196) ، الواقي ورد مقيدا في قوله تعالى : ( وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ) (الرعد:34) ، البار ذكره من أدرج الأسماء عند ابن ماجة استنادا إلى قوله تعالى : ( إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) (الطور:28) مع أنه ثابت في الأسماء بما سمى الله نفسه به أنه البر ، القائم ورد مقيدا في قوله تعالى : ( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) (الرعد:33) ، والدائم ، ذكره من أدرج الأسماء عند ابن ماجة والحاكم ، لكن لم أجد له دليلا في كتاب أو سنة إلا إذا كان استنادهم إلى معنى البقاء في قوله تعالى : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ) (الرحمن:27) ، والحافظ ورد مقيدا في قوله تعالى : ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين َ) (يوسف:64) أي خير حافظ أو خير حفظا كما في القراءة الثانية ، والفاطر ورد مقيدا في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ويلزمهم الجاعل لقوله : ( جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ) ، والكافي ورد مقيدا في قوله تعالى : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) (الزمر:36) ، والأبد ذكره من أدرج الأسماء في حديث ابن ماجة ولا دليل عليه من كتاب أو سنة إلا إذا كان استنادهم إلى معنى البقاء ، العالم ورد مقيدا في قوله تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ) (الرعد:9) ، والعلام ورد مقيدا في قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ) (سبأ:48) .
وكذلك الصادق استندوا إلى قوله تعالى : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) (الزمر:74) ( ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُ مْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِين َ) (الأنبياء:9) أما قوله تعالى : ( وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) (الحجر:64) وهذا من كلام الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لوط ، والستار لم يثبت في كتاب أو سنة ولكن الثابت الستير ، رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ) ، والشاهد ورد مقيدا في قوله تعالى : ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ) (الأنبياء:78) ، والصاحب ورد مقيدا في حديث ابْنَ عُمَرَ عند مسلم مرفوعا : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ) ، والغافر والقابل ورد مقيدا في قوله تعالى : ( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) (غافر:3) ، والفاتح استندوا في إثباته إلى قوله تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (الفتح:1) ، والقيام ورد مقيدا في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ عند مسلم مرفوعا : ( وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) ، وأيضا في قراءة شاذة عند البخاري عن عمر أنه قرأ : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيامُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) (البقرة:255) ، والكفيل ورد مقيدا في قوله تعالى : ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) (النحل:91) ، والمعين ، ولم أجد له دليلا في الكتاب أو السنة أو حتى في رواية الترمذي التي أدرجت فيها الأسماء أو عند ابن ماجة أو الحاكم ، ومقلب القلوب ورد مقيدا في حديث بن عمر عند أبي داود وصححه الشيخ الألباني قال : ( أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف بهذه اليمين لا ومقلب القلوب ) والبادئ استندوا في إثباته إلى قوله تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ) (البروج:13) ، والمحيط ورد مقيدا في قول الله تعالى : ( وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) (البقرة:19) ( أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ) (فصلت: من الآية54) ، ومن ذلك أيضا ما ذكره ابن العربي وابن الوزير في الأسماء المقيدة ، رفيع الدرجات ، شديد المحال ، الطبيب ، عدو الكافرين ، الحفي الغيور مخزي الكافرين خير المنزلين خير الماكرين متم نوره المستعان أهل التقوى أهل المغفرة أحكم الحاكمين خير الحاكمين خير الرازقين أحسن الخالقين خير الحافظين ، وعند ابن الوزير فقط نعم القادر والأقرب والفاعل والأقوى خير الوارثين فالق الإصباح الأعظم نعم المولى نعم القاهر نعم الماهد الحاسب كاشف الضر الزارع مخرج الحي من الميت مخرج الميت من الحي جاعل الليل سكنا أسرع الحاسبين ولي المؤمنين الغالب على أمره البالغ أمره وعند البيهقي وابن الوزير الفعال لما يريد ذو الانتقام ، وعند البيهقي الغياث الوافي الفرد ، أما ما لم يثبت في السنة لضعفه أو عدم بلوغه الصحة ، الواجد الماجد الحنان الأعز النظيف المبارك الطاهر .
أما ما لم يتحقق فيه الدلالة على الوصف من الأسماء الجامدة اسمه الدهر كما ذكره ابن حزم ، فليس من أسماء الله لأنه كما ذكر الشيخ ابن عثيمين اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى ، ولأنه اسم للوقت والزمن ، قال الله تعالى عن منكري البعث : ( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ) (الجاثية:24) يريدون مرور الليالي والأيام ، فأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) ، فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى وذلك أن الذين يسبون الدهر إنما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث لا يريدون الله تعالى ، فيكون معنى قوله : ( وأنا الدهر ) ما فسره بقوله : بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه ، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار وهما الدهر ولا يمكن أن يكون المقلب هو المقلب ، وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مرادا به الله تعالى ، ويلحق بذلك أيضا من جعل الحروف المقطعة في أوائل السور من أسماء الله ، حيث قيل هي اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها ، وروي عن ابن عباس أيضا هي أسماء الله أقسم بها ، فقوله ألم قالوا الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل الإلف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه اللطيف والميم مفتاح اسمه مجيد وروي أبو الضحى عن ابن عباس في قوله : الم ، قال : أنا الله أعلم ، الر أنا الله أرى ، المص أنا الله أفصل ، فالألف تؤدي عن معنى أنا واللام تؤدي عن اسم الله والميم تؤدي عن معنى أعلم ، وهذه كلها آراء اجتهادية ليست مبنية على حديت ثابت مرفوع .
فوجب علينا أن نسمى الله بما سمى به نفسه وما سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم فالمؤمن الحق هو الذي يصدق خبر الله وينفد أمره كما قال سبحانه وتعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (البقرة:286) سبحانك الله وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .