بسم الله الرحمن الرحيم
حكم رواية أبي الزبير عن جابر في صحيح مسلم
عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
العنوان/ ص ب 242230 الرياض 11322
البريد الالكتروني/ adogaither@gawab.com
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، له الحمد كله وله الشكر كله وإليه يرجع الأمر كله، منَّ على عباده ببعثة المرسلين سيد المرسلين وإمام المتقين محمد صلى الله عليه وسلم:" لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" (آل عمران: ) ومنّ على نبيه خصوصا بإنزال الوحيين عليه وتعليمه فقال:"وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم"(النساء:113)، وذلك كله استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام:" ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم" (البقرة :231)، وصلى الله على نبينا محمد الذي خاطبه تعالى بقوله:"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون"(النحل:44) ، فصار نطقه وحيا :"وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى"(النجم: )، وفعله أسوة وقدوة:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"(الأحزاب: )، وسكوته تقريرا، قال صلى الله عليه وسلم:"ذروني ما تركتكم..."، وطاعته طريق الفوز والرحمة:" ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما"(الأحزاب: 71،" وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"(آل عمران:132)، بل إن الله أنزل آية المحنة في وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم:"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"(آل عمران:31)، فصلوات اله وسلامه عليه عدد ما صلى عليه المصلون وغفل عن الصلاة عليه الغافلون، ثم أما بعد:
فلما كانت السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع كما قال صلى الله عليه وسلم:"ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه"، وقال صلى الله عليه وسلم:" تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي"، اتجه علماء الإسلام إلى هذا العلم الشريف دراسة وحفظا وتصنيفا وكان أشهر وأصح المصنفات في السنة صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، فقد تلقتهما الأمة بالقبول، وتناولهما العلماء بالشرح والاستخراج والاختصار والترجمة للرواة. وكان من أبرز المسائل التي كثر حولها الجدل مسألة : هل يجوز النظر في أسانيدهما والحكم عليهما بتطبيق قواعد مصطلح الحديث أم لا؟
وتحت هذه المسألة مسألة عنعنة المدلس في الصحيحين هل هي محمولة على السماع.
وفي هذا البحث أردت أخذ مثال على هذه المسألة وهي رواية أبي الزبير عن جابر في صحيح مسلم هل هي محمولة على السماع أم نحكم عليها بالانقطاع.
والله أسأل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ترجمة أبي الزبير:
هو محمد بن مسلم بن تدرس، الإمام الحافظ الصدوق، أبو الزبير القرشي الأسدي، مولى حكيم بن حزام رضي الله عنه، من أوساط التابعين .
شيوخه من الصحابة:
1- عائشة رضي الله عنها، قال البيهقي في السنن الكبرى: وفي سماعه من عائشة نظر، قاله البخاري . وقال أبو حاتم:أبو الزبير لم يسمع من عائشة . وقال الذهبي في السير: وحديثه عن عائشة أظنه منقطعا . وذكر الذهبي في الميزان أن رواية أبي الزبير في الكتب الستة إلا البخاري .وفي تحفة الأشراف نجد أنه لم يرد في الكتب الستة عنها من طريق أبي الزبير إلا حديث واحد مقرون مع ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل . قال ابن القيم: هذا الحديث غلط بين..." ، وضعفه أبو الحسن ابن القطان فيما نقله ابن القيم فقال: وأبو الزبير مدلس ولم يذكر هاهنا سماعا من عائشة، وقد عهد أنه يروي عنها بواسطة".
2- عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ورمز له المزي بأن روايته عنه في الكتب الستة إلا البخاري ، وقال الذهبي في الميزان: وروايته عن ابن عباس في الكتب إلا البخاري ، والذي في تحفة الأشراف أن البخاري روى له معلقا، وروى له ابن ماجه حديثا آخر .وسأل الترمذي محمد بن إسماعيل البخاري عن سماع أبي الزبير من ابن عباس فقال: أما ابن عباس فنعم . وذكر أبو الحسن ابن القطان فيما نقله ابن القيم في الزاد: أن أبا الزبير عهد عنه أنه يروي عن ابن عباس بواسطة وإن كان قد سمع منه فيجب التوقف فيما يرويه أبو الزبير عنه مما لا يذكر فيه سماعه منه لما عرف به من التدليس . وفي المراسيل قال سفيان بن عيينة: يقولون لم يسمع من ابن عباس .
3- عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ورمز المزي له بأن روايته عنه في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي ، وقد ذكر الذهبي في الميزان أن رواية أبي الزبير عن ابن عمر في صحيح مسلم، ومما يدل على أنه سمع منه ما رواه مسلم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الجر والدباء والمزفت". وقد قال ابن معين: لم يسمع –يعني أبا الزبير- من ابن عمر ولم يره ، وتقدمت الرواية الدالة على ثبوت سماعه منه.
4- عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وروايته عنه في سنن ابن ماجه . وقال أبو حاتم: إنه لم يلق عبدالله بن عمرو . وقال الترمذي: سألت محمدا قلت له: أبو الزبير سمع من عبدالله بن عمرو؟ قال: قد روى عنه ، ولا أعرف له سماعا . ونفى السماع أيضا ابن معين .
5- عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما . وروايته عنه في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي .
6- أبو الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه، وروايته عنه عند مسلم والأربعة .
7- جابر بن عبدالله رضي الله عنه، وقد أكثر عنه، وروايته عنه في الكتب الستة ، وكان له به مزيد اختصاص ففي تحفة الأشراف من رواية أبي الزبير عن جابر ثلاثمائة وستين حديثا فهو أكثر الرواة عن جابر، وحيث أن هذا البحث مخصص لهذه الرواية فنرجئ التفصيل فيها إلى موضعها.
شيوخه من غير الصحابة :
روى أبو الزبير عن كبار التابعين مثل ابن جبير وعكرمة وطاووس وغيرهم.
تلاميذه :
روى عنه جمع كبير من أقرانه من أوساط التابعين وصغارهم وأتباع التابعين، مثل عطاء- وهو من شيوخه، والزهري وأيوب والأعمش وابن جريج ومالك وهشيم والثوري وخلق كثير.
يتبع إن أعان الله....