محاضرة الفرق بين العقد والملح
س1/ يقول بعض العلماء: ((لا تأخذ القرآن من مُصحفي ولا العلم من صَحَفي)) فما هو ضابط العلم هذا؟ وهل القراءة في كتب الفقه والتفسير والتوحيد الميسرة من ذلك ((حاشية كتاب التوحيد)) ((والقول المفيد))، و((الشرح الممتع)) و((تفسير ابن سعدي))، ((وابن كثير)) و((زاد المعاد))، ونحوها من الكتب الميسرة وما هي التي لا بد لها من شيخ ومعلم؟
الجواب: لا تأخذ القرآن من مُصحَفي يعني ممن حفظ القرآن وقرأه من المصحف من قرأه على شيخ لا تأخذ منه القرآن لأنّه يكون ولابد يفوته بعض الأشياء إما في الضبط أو في آداب التلاوة، أو في التجويد أو في الوقف أو نحو ذلك مما يتميز به القارئ عن غيره، سابقا قبل أنْ يكون هناك شكل للمصحف يعني شكل تام بالحركات في وقت مقولة هذه الكلمة كانت المصاحف بلا شكل بنقطٍ ولكن لم تكن مشكولة فكان يحصل فيها خلل وتصحيف حتى نسب لبعض الكبار من المشهورين تصحيفات في ذلك مثل ما يروى عن ابن أبي شيبة عثمان ومثل ما يروى عن غيره من تصحيفات في التلاوة بل قد ذكرَ لي بعض الثقات أنّ أحد الأساتذة في جامعة من الجامعات غير الشرعية كان يدرس مادة ثقافةأو شيء من هذا فأتى وهو يقرأ بسرعة، يملي عليهم أو عنده أوراقه التي يطالع فيها، قال: وقال تعالى: ((وإذ نتقنا الجبل فوقهم)) نقل لي الثقة هذا وكان حاضرا، يقول: فقلنا له: يا شيخ الآية في سورة الآعراف: {وإذْ نتقنا الجبلَ فوقهم كأنه ظلة} مااستسلم هو للحق، قال: لا. لا. فيها قراءات: ((وإذ نتفنا الحبل فوقهم)) فيها قراءات!! هذا من الاستهانة بالعلم... طيب تعلم هذا أو تخلصا؟ إنْ كان تخلصا هذا والعياذ بالله تتخلص أنت من التبعة، وتنسب شيء لـ... يعني عدم احترام للعلم... الخ المقصود هذا من جهة الصَحَفي من جهة أنه يقرأ وهو ما يعرف، مرة أيضا واحد في مكتبة أنا سمعته لا بل سمعه غيري وهو الذي حدثني بها يقول يسأل وهو جاء من غير هذه البلاد وهو ما يعرف القرآن وعنده ولد عليه سورة الظاهر يحفظها قال السورة... السورة... هو عنده منهجه يبدأ من سورة الهَمْزة... الخ، وهي سورة الهُمزَة... يبدأ من سورة الهَمْزَة... الخ!!
فمثل هذا هو الذي قيل في هذه الكلمة لا تأخذ القرآن من مُصحفي لأنه يدرس بالباطل وبالغلط.
((ولا العلم من صحَفي)) وهي أصح من صُحُفي لأنّ النسبة للجمع لابد من إعادتها للمفرد، القاعدة في النسبة في النحو عند البصريين أنّ النسبة تكون للمفرد مثلا ستنسب للدول لا تقول دُوَلي وإنما تنسب إليه بالمفرد دَوْلَة، ترجع الجمع إلى مفرده ثم تنسب إليه فتكون النسبة دَوْلي ستنسب للصُحف لابد أنْ ترجعها إلى مفردها صحيفة فتنسب إليها صَحَفي.
في المدينة مدني وهذه هي القاعدة إلاّ في ما شذّ لأجل وقوع الالتباس مثل النسبة للمدائن -المدائن المعروفة- بالمدائني، وأشباه ذلك لأجل أنه لو أرجعت إلى أصلها مدينة ونسب إليها مدني لوقع الالتباس بين المدني نسبة إلى المدائن والمدني الذي هو نسبة إلى المدينة في بحث معروف في النحو.
المقصود أنّ صحتها صَحَفي بفتحتين وليس صُحُفي مثل ما هو شائع في الأخبار وفي بعض الجرائد إلى آخره.
((لا تأخذ العلم من صَحَفي))، يعني ممن قرأ في الكتب دون أشياخ لأنه سيرجح من عند نفسه سيرجح بناءً على ما قرأه والعلم لا يؤخذ هكذا العلم منه شيء للترجيح ومنه شيء للبحث الأقوال كثيرة وتنوع الأقوال وما أورده أهل العلم في شروحهم هذا طويل لكن منه شيء للإطلاع منه شيء لمعرفة ما قيل في المسألة للنظر لعله يكون له شواهد له قوة... الخ.
فمن كان علمه من الصُحُف فإنه لا يكون على الجادة السوية بل لابد أنْ تجد عنده شواذ وعنده أغلاط يخالف بها أهل العلم، ولهذا عابوا على ابن حزم مثلا أشياء في مسائل الحج، وهِم فيها وانتقدها ابن القيم في زاد المعاد وعقد لها فصلا طويلا، أغاليط ابن حزم في الحج لأنه ما حج أصلا، ولا تلقى كتاب الحج عن أحد من أهل العلم، وكذلك ابن القطان الفاسي العالم المشهور صاحب كتاب ((بيان الوهم والإيهام)) انتقده الذهبي وغيره بأنه لم يأخذ علم الرجال ولا علم الحديث عن المشايخ عن العلماء، لهذا وقع في أوهام وفي أشياء تفرد بها كثيرة ولهذا سلسلة العلم إذا اتصلت يكون الاجتهاد واقع في أصوله ما يكون بعيد، والذين خرجوا بأقوال شاذة في الأمة أو أقوال غريبة خالفوا بها قول المحققين من أهل العلم أو الجمهور لابد أنْ يكون فيهم هذا المَنْزَع أنهم فاتهم الأخذ عن الأشياخ في ذلك وهناك أمثلة في التاريخ كثيرة المرء يحرص على أنْ يستفيد من أهل العلم لأجل أنْ يكون طلبه للعلم على أصوله أما من أخذ من الصحف دون الأشياخ فإنّ هذا يكون عنده نقص إذا حصل أنه أخذ عن الأشياخ في أصول العلوم ثم توسع بالقراءة في الكتب فلا عيب، هذا سنة كثير من أهل العلم بل الأكثر من أهل العلم أنهم لا يظَلون أعمارهم يقرأون على المشايخ بل جملة من عمره يقرأ فإذا حصل الأصول وشهد له بذلك واستشار شيخه ممكن أنه بعد ذلك يترك القراءة للمشايخ ويأخذ يقرأ لوجود الأصول عنده الأصول في التوحيد والأصول في التفسير الأصول في الحديث وفي الفقه... الخ، يعني الأشياء التي يربط بها العلم وكما ذكرتُ لك في أول الكلام:
((كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى بطون الكتب ولكن بقيت مفاتيحه بأيدي الرجال)).
س2/ لو تكلمت أحسن الله إليك عن المراجعة والمذاكرة بين طلبة العلم؟
الجواب: هذا مهمة لا شك أنْ يكون لطالب العلم صديق في مثل همته يكون بينه وبينه مراجعة في العلم يحفظ ويُسمِّع عليه ويتراجعان وإذا ضبط مسألة أو شرح حديث تناقشا فيه أو ضبطا باب فقه تناقشا فيه هذا يورد إشكال وهذا يورد وهذا يشرح شيء منه وهذا يشرح شيء منه كما كان العلماء السالفون يتذاكرون العلم المحفوظ والمفهوم.
ولما قدم أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي المعروف الإمام قرين أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، لما قدم بغداد في مدة مُكْثه في بغداد لم يصلي الإمام أحمد نافلة كان يقتصر على الفرائض فقيل له في ذلك، فقال: ((استعضنا عن النوافل بمذاكرة أبي زرعة))، فمذاكرة العلم تقوي العلم وتثبته، ويكون معها قوة في الإدراك والفهم والحفظ... الخ.
لكن بشرط أنْ يكون الذي تذاكر معه في نفس مستواك كي يفهم مثل ما تفهم وتشترك أنت وإياه في حفظ ما تحفظون متدرجًا، كذلك في الحضور على العلماء،
أسأل الله جلّ وعلا لي ولكم التوفيق والسداد؛ وصلّ اللهم وسلّم على نبينا محمد.