بسم الله الرحمن الرحيمبقلوب مكلومة، وعيون دامعة، ونفوس مفجوعة، تلقينا صباح هذا اليوم 13 جمادى الآخرة 1432هـ / 17 ماي 2011م نبأ وفاة الأديب البارع، والشاعر المفلق، والفقيه المقتدر، السيد عبد الله بن محمد العاطفي التتكي العبدلاوي السوسي بمنزله الكائن بحي سيدي يوسف بمدينة أكادير وذلك ليلة يومه الثلاثاء 13 جمادى الآخرة 1432هـ 17 ماي 2011م بعد معاناة مع مرض السرطان الذي ألم به في معدته، واستعصى عليه علاجه، وبهذه المناسبة الأليمة، والرزية الفادحة، والخسارة الكبيرة، نتقدم إلى أسرة الفقيد وإلى جميع معارفه وأصدقائه وزملائه بأحر التعازي، داعيا الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحماته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يتقبله في عباده المؤمنين، بجوار المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، آمين يارب العالمين.
كل نفس ذائقة الموت
نبذة من حياة الفقيد
بقلم زميله الأستاذ الأديب امحمد بن علي إيهوم التناني:مولده ونسبه:
ولد الشاعر الموهوب، الأديب المحلق, الفقيه عبد الله بن محمد العاطفي التتكي بقرية (تَسْمْكُوتْ) بنواحي مدينة (تارودانت) التي هاجر إليها أجداده من (تتكي) بـ (أيت عبد الله) يوم 26 شعبان 1369هـ الموافق: 6 دجنبر 1950م, وينتمي من جهة الأب إلى أسرة (أيت أعدي) بقرية (تِيتْكي) بقبيلة (أيت عبد الله) دائرة (ايغرم) إقليم (تارودانت), وأسرة أيت أعدي هي الأسرة العالمة المذكورة في الجزء السادس عشر من كتاب (المعسول) ص: 235-237. للمؤرخ المغربي السوسي محمد المختار السوسي، ومن جهة الأم ينتمي إلى الأسرة العلمية الجشتيمية التِّملية, فجد الشاعر الأعلى من جهة أمه هو العلامة أبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله الجشتيمي المترجم في الجزء السادس من كتاب (المعسول) أيضا ص: 21-77.
في الكُتَّاب:
التحق الشاعر التتكي في صغره بمسجد قريته (تسمكوت) كعادة أبناء البادية فتعلم فيه الحروف الهجائية والكتابة, ثم شرع في حفظ القرآن الكريم على يد خاله المقرئ أحمد بن عبد الرحمان الجشتمي كما حفظ بعض القصائد العربية كالبردة والهمزية في والسيرة للبوصيري, واستغرق في حفظ القرآن الكريم نحو خمس سنوات, من سنة 1956م إلى 1961م.
يفتتح العلوم:
وفي سنة 1962م افتتح على يد والده محمد التتكي حفظ ودراسة بعض المتون الفقهية والنحوية في قرية (تَاتَاوْتْ) بـ (إندوزال) التي كان والده مشارطا في مسجدها, ومكث هناك نحو سنتين, ثم ألم به مرض خطير كاد يودي فيه وعاقه عن مواصلة الدراسة نحو سنتين.
التحاقه بالمدارس العلمية:
وفي أواخر سنة 1967 التحق بالمدرسة العتيقة: (عين المديور) بنواحي (تارودانت) فاستأنف دراسة النحو والفقه على يد أستاذها الفقيه محمد رشاد, ومكث هناك سنة واحدة.
وفي سنة 1968 التحق بالمدرسة العتيقة: (إداومنوا) بـ (هشتوكة) لدى أستاذها الشيخ الحاج عبد الله بن الحسين الصوابي حيث درس لديه معظم الفنون والعلوم, وفي هذه المدرسة إبتدأت رحلته مع الشعر, وقضى بها نحو سبع سنوات, وكان مجموع السنوات التي قضاها في مرحلة الدراسة العتيقية 15 سنة, والأساتذة الذين أخذ عنهم خلال تلك الفترة هم:
(1) خاله أحمد بن عبد الرحمن الجشتيمي.
(2) والده محمد بن عابد التتكي.
(3) رشاد محمد أستاذ مدرسة عين المديور.
(4) عبد الله أغوري الصوابي أستاذ (مدرسة إداومنوا).
وله أساتذة آخرون في الفترة التي قضاها في التعليم الرسمي بتارودانت ما بين 1977 ـ 1979 وعلى رأسهم العلامة أحمد بن المحفوظ الأدوزي اليعقوبي السملالي.
المهن التي مارسها الشاعر:
مارس الشاعر عبد الله التتكي عدة مهن,.
* أولها المشارطة في المسجد.
ففي أواخر سنة 1975م سافر للبحث عن (الشرط) إلى عدة جهات إلا أنه لم يحظ ببغيته, لكونه لا يتوفر على الشروط المرغوبة في نظر كثير من الناس, وفي نفس السنة قصد قرية من قرى (وِيرْكَانْ) بمراكش, فشارطه أهلها في مسجدهم, وبقي هناك نحوا من سنة, إلا أن الشرط في المساجد لا يروقه، فأنشأ أثناء ذلك قصيدة يذم فيها (الشرط بالمساجد)، ويكشف عيوبه فيقول:
لا ترمْ في مساجد القوم (شرطا) * إن عندي عنها لعلما يقينا
فليكن من يرومه عبدَ بطن * أو جهولا يلقَ المُقام الامينا
أنا من جنس معشر العلم أصبحـ * ـتُ شقيا بعشرة الجاهلينا
لا أداري الجهال كي لايقولوا: * هو لاشيء حين يستسخرونا
لا أبالي إذا صدعتُ بحق * رضِي الناس أم هموا ساخطونا
إلى أن قال:
شَرَطَ الجاهلونَ شتى شروط * لم تكن في مذاهب السابقينا
أن يكون الإمامُ فظَّا غليظا* سافلُ القدر منْ رأوا فيه لينا
عابسَ الوجه مشمئزا خبيثا* يبعث الرعب في نفوس البنينا
فإذا سار في حمى (شارطيه) * ملأ الحي هيبة وسكونا
لحيةٌ كثة وقد طويل * ومن الندب أن يكون سمينا
لا الذي يرشد العباد إلى معـ * ـرفة الحق هم له كارهونا
واستحبوا بل أوجبوا كونه الكا * هن يشفي مطامع الطامعينا
فإذا ما هووا حليلة مرء * وحمت نفسها من الفاسقينا
قدموا للفقيه ما يشتهيه * كي (يقود) المسكين من يشتهونا
إلى أن قال في آخرها:
ربِّ إنْ كان هكذا كل حظي * أينما كنت فالمنونَ المنونا
وسلام على المساجد ما انقا * دت وذلَّتْ لدولة الجاهلينا
وقصيدة أخرى يتأسف فيها على مفارقة الأهل و الأحباب والوطن ,مطلعها :
أسلمت نفسي بهذا البين للغرر * متى لقائي أُصَيحابي متى ظفري
* ثانيها العمل الإداري:
ففي سنة 1976م عمل في مركز سبت الكردان حوالي 3 أشهر مؤظفا في مكتب الحالة المدنية وبعدها عمل محررا ومذيعا بقسم (تاشْْلْحيتْ) في الإذاعة الجهوية بأكادير ما بين سنة 1979م إلى سنة 1983م.
ثم التحق بالعمل في المحكمة الابتدائية بتزنيت, إبتداء من 7 مارس 1983م وبقي هناك حوالي سنتين.
وفي أواخر مارس 1985م انتقل إلى المحكمة الابتدائية بأكادير حيث عين كاتبا للضبط, وظل في عمله إلى أن أحيل على المعاش في دجنبر 2009م.
ولكنه في آخر المطاف وبعد أن مارس العمل في الإدارة أعلن توبته من هجوه (الشرط) وصب جام هجوه على العمل في الوظيفة العمومية، وقد سجل لنا ذلك في قصيدة له تصور لنا آلام ما يعاني منها بسبب وضعيته المادية بعنوان:
(لا سكنى تليق ولا وظيف يناسب)
لمن أشكوا وهل يكفي اشتكائي * ومن في الناس يؤسفه بكائي
أبوح بما أكابده وأبدي * له ما كنت فيه من العناء
وأرسم صورة لحياة بؤس * علي بها قضى حكم القضاء
(أكادير) الحديثة لم تفدنا * فتيلا في التقدم والرخاء
فمن يسكن بها قصرا بديعا * فلي بجواره كوخ بدائي
بلا ماء ينظف أو يروي * ولا ضوء ينير ولا هواء
إذا ما الصيف حلَّ يكون فرنا * ونحن ببطنه مثل الشواء
ووقت البرد تلفينا كأنا * على (تُبْقَالَ) أيام الشتاء
فلا سقف يظلله متين * ولا جدران مُحْصَََنةُ البناء
تكاد الريح إن هبت عليه * تسوق غطاءه نحو الفضاء
فحظي من مناصبها كحظي * لديها في الإقامة والثواء
ففي (دار العدالة) صنفونا * مع الأعوان والخدم الغثاء
أنفذ ما به حكمت قضاة * بظلمهم قضى قاضي السماء
وفي (دار الإذاعة) قبل هذا * أعدونا لتقديم الغناء
بما يحويه من فسق صريح * وما يندى له وجه الحياء
وإضلال العباد بكتم حق * ونشر الزور والقول الهراء
فصرت لصائغي الأنباء ذيلا * يردد ما حكوا كالببغاء
فلا سكنى تليق ولا وظيف * يناسب أو يريح من العناء
فهل من مسجد ـ شيخي المفدى ـ * أفر إليه من هذا الشقاء
وأعلن توبتي من كل شعر * يذم (الشرط) من فرط الغباء
وأنصح من يحاول قفوَ خطوي * بإخلاص, ليرجع للوراء
وعلى الرغم من كون الشاعر أمازيغيا إلا أنه كان مُناهضا للتَّطرف الأمَازيغي, الحاقد على اللغة العربية, وقد اصطدمَ ببعض رموزه, وخاصة حين أنشأ قصيدته التي ألقاها في ندوة (أيت وقفا) يقول فيها:
يا حماةَ العلوم و"الضاد" والإسـ * ـلام كونوا الأقطابَ والأوتادَا
نبئونا كي لا يزلزلنا الجهـ * ـلُ وصونوا للأمة الإتحادا
فعداها بالأمس عادوا وبثوا * في الصفوفِ الشكوكَ والإلحادا
بشَّرونا أن التحررَ ألا * نقبل الدين رابطا والضادا
أرشدونا للبحث عن ذاتنا في * "حفريات" إن كان ذا إرشادا
زعموا أن للبرابر حرفا * مستقلا, فحاولوا الإبعادا
وعدوهم نارا تُضيء ولكنْ * لم يروا في "الكهوف" إلا الرمادا
يا "تهيا" لا تطمعي في ودادي * لستُ بعد الإسلام أرضى ارتدادا
أصحيحٌ ما قيل: أنك قاتلـ * ـت عن الكفر فاتحينَ شدادا؟
عربا حاملين راية دين الحـ * ـق كي ينقذوا الورى والبلادا
فمنعتِ الإسلامَ أن يدخل الأقـ * ـصى زمانا حَمِيَّة وعنادا
لستِ لي جدة وإن نسبوني * لكِ زورا, فلا ترومي انقيادا
طاعتي لـ " ابن نافع" و"ابن زيا * د" هما المبلغان قومي الرشادا
لست شيئا قبل "الحنيفية السمـ * ـحةِ" لا تاريخا ولا أمجادا
فبها وحدة الشعوب, وأن كا * نوا لغىً أو ثقافة أضدادا
هل بغير الإسلام يُمكن توحيـ * ـدٌ يضم الأعرابَ والأكرادا؟
ويفك الأغلالَ حتى غدا العُبـ * ـدان فيه الأحرار والأسيادا
قابلتْه هنا البرابرُ بالترحيـ * ـب دينا وسنة واعتقادا
وحموه حماية اللغة الفصـ * ـحـى, سلوا عنهم الهدى والضادا
واقرءوا "للمختار" ما خطَّ عن سو * سٍ لتلقوْا في كتبه الإشهادا
يا دعاة "التمزيغ" لن تُقنعونا * لن نعق الآباء والأجدادا
إن قومية العروبة قد أمـ * ـضت عقودا وما أنالت مرادا
أفترجى "مزغية" وهي لازا * لت جنينا يراقب الميلادا؟
لوا أردوا بالشعب خيرا لما ظـ * ـلت عداهُ تُمدهم إمدادا
حاولت أمس شقَّه فحمته * وحدة قد أبت له أن يُكادا
حين ثاروا برابرا وأعاريـ * ـبَ وقالوا: لم نرض إلا اتحادا
ورغم مغادرته للإذاعة فإنه بقي متعاونا معها, يقوم بتقديم برامج ونشرات إخبارية, ومن بين البرامج الهادفة التي يقدما ويعدها البرنامج الأسبوعي (تربيت نلسلام) الذي استمر إلى غاية أكتوبر 1992م
وقد حاول الشاعر اقتحام أسوار المدرسة العصرية من أجل الحصول على الشهادات العلمية المكتوبة على الأوراق لكنه وجد الأبواب موصدة في وجهه، فسجل لنا ذلك في قصيدة رائعة تحتوي على كثير من السخرية والاستهزاء من الواقع إذ يقول حينما لم ينجح في امتحان البكالوريا الحر:
غبتُ إني للعلم أغدوا وأمسي * لا تسلني عن ذكرياتي وأمسي
صَخَبُ الامتحان أخرس سمعي * وطوَى صفحة البيان وأنسي
غير أني فوجئتُ بعد رجوعي * بدواعي تعيدُ نطقي ونبسي
سألتني (أسماءُ) هل من نجاح؟ * يا أبي يرتجى فتسعد نفسي
قلت: سيان يا ابنتي لا تظني * في نجاحي شيئا يرفِّّع نفسي
كم أعاني وكم كدحت فتاتي * بعد سعيي وبعد كدي بعكس
إن أكن راسبا فلا ذنب إلا* أنني أجهل الكلام الفرنسي
لغة الأنجليز لا حظ لي فيـ * ـها سوى (تَانْكْيُو) مترجم (مِرْسِي)
وكذاك الرياضيات فلا أفـ* ـهم منها إلا كتابة (إِِكْْسِِ)
لو أتاهم رسولهم طالبا يبــ * ـغي امتحانا وكان حافظ درس
لأعادوه بالرسوب وألفى * وحيه دون علم روم وفرس
ولقالوا: تقدم فرض التقـ * ـليد للغرب رغم كفر ورجس
أصبحت حجة الفقيه على صـ * ـحة ذا الدين دون حجة قس
لست ضد التعليم لكن أرى جنـ * ـس بني يعرب كأحقر جنس
هل فرنسا تقرر الضاد في التد * ريس تقريرنا اللسان الفرنسي
وإذا شئتِ فانسب الذنب للعر * ب وللمسلمين من كل جنس
لغة الضاد لا تساوي لديهم * أي شيء ولا فصاحة (قُس)
لم يزالوا مستعمرين فهذي * لغة الوحي في قيود وحبس
غرس الغزو بغضها في ذويها * فنما الغرس منتجا كلَّ بخس
حاربوها فلا تجوز امتحانا * غير مقرونة بنطق (فرنسي)
أو سواه من اللغات فصارت * ذنبا بعد كونها خير رأس
فلماذا نـهين (شكرا) ويحظى * بالرضى والتكريم منطق (مِرْسِي)
وقد كان الشاعر التتكي محبا ومخلصا للمدرسة العتيقة, وقد دفعه الحب والغيرة عليها، وعلى وضعيتها المزرية إلى أن يحمل شيوخها ما تعيشه من جمود وركود وتخلف فيقول:
نَشكوا إلى الله أحبارَ العتيقات * خانوا وقد كلفوا أسمى المهماتِ
خانوا مدارسَ ساسوها وقد علموا * أن الخيانة من إحدى الكبيراتِ
زاغوا عن الحق إيثارا لمصلحة * وكلهم راهبٌ في ديره عات
هم فقهاءَ تسموا من حماقتهم * أنى من الفقه تجويز الخيانات؟
كم من تلاميذ تشقى في مدارسهم * حالا وأنى لها الإسعاد في الآتي؟
ما علموهم سوى نبذ الحقائق في * دين (الخليل) وتقديس الخرافاتِ
والبغض كل فريق مضمر لأخ * سوءا يكيل له سيل اتهامات
إذا دعوتَ إلى توحيد كلمتهم * ودفع ما حل فيهم من مصيبات
وقلتَ: ياقوم جد الأمر فانخرطوا * إن رمتم النجحَ في سلك الجماعات
إن الذئاب إذا ما هاجمت غنـما * تلق الفرائس من بين الشريدات
إلى أن قال:
هلا طلبتم نشورا للمـدارس إذ * أمست بتفريطكم أجداثَ أموات
خَرْقُ (العتيقة) في ذا القطر متسع * هلا سعينا لترقيع العــتيقات
صلاحنا لو أردنا في تَكَتُّـلِـنَـا * وفي تجاوزنا تـلــك الخلافات
شهادات العلماء والأدباء فيه:
على الرغم من أن الشاعر عبد الله العاطفي وقع في مصادمات مع أقزام يكرهون الحق، ويحبون التملق واستعباد الأحرار، ويهرفون بما لايعرفون، ويدعون ما لا أقول على التتكي معروف في الأوساط العلمية والأدبية بسوس, غني عن التعريف, فإذا كان لا بد من شهادة على ما نقول, فسنكتفي بهذه الشهادات:
أولا: قال فيه شيخه الأستاذ الحاج عبد الله بن الحسين الصوابي في إجازته له ـ بعد الحمدلة والتصلية والتعريف بالشاعر والمدة التي قضاها في المدرسة – ما يلي
" فأخذ عنا خلال هذه المدة معظم الفنون التي تدرس في المدرسة كجل مدارس سوس العتيقة من نحو, وصرف, وفقه, وتوحيد, وميراث, وحساب, وعروض, ومنطق, وتوقيت, وبيان, ومصطلح الحديث, والتفسير, والأدب, والتاريخ, وأصول الفقه, وكان له امتياز خاص في فن الأدب ونظم القوافي الشعرية والبداهة في ذلك.
ولتحصيله على ملكته في هذه الفنون تؤهله لخدمتها وتعليمها لمن أرادها أذنا له في ذلك بشروط مقررة عند أربابها, وأجزنا له تدريسها وتعاطيها بشرط استعمال كلمة (لا أدري) فيما لم يتحقق لديه منها, والنية الحسنة في ذلك المبنية على أساس تقوى الله والتخوف من استحقاق الوعيد في آية (إن الذين يكتمون ما أنزل الله ....الآية) ... إلى أخر الإجازة.
ثانيا :قال فيه الأستاذ الأديب محمد العثماني رحمه الله في رسالة جوابية إلى بعض مراسليه ما يلي:"لا أكتمكم أنني جد يائس من أن أقرأ لناظم من سوس بل حتى في الأقاليم الأخرى إنتاجا يحالفه التوفيق يستحق التصنيف حتى قرأت نماذج طيبة للأديب السيد عبد الله التتكي والأديب الصاعد محمد الخطاب وهما بحق في طريق الصعود إذا وفقهما الله وزادهما طاقة الطموح وجنبهما النفور والجموح .
ثالثا: قال فيه الأستاذ أحمد بن المحفوظ اليعقوبي الأدوزي رحمه الله في رسالة منه إلى المجلس العلمي بتزنيت: "وبعد, فالطالب النجيب والأستاذ الأديب السيد عبد الله التتكي رغب مني إن أكتب إليكم كتابا قصد تمكينه من المجلس بالشهادة والتزكية, بأنه أهل للقيام بالوعظ والإرشاد,والسيد التتكي مشهور بأدبه الغض وثقافته العالية وليس نكرة بين الخاص والعام .... الخ الرسالة."
آثاره العلمية والأدبية:
تعدد إنتاج الشاعر وتنوع ما بين مكاتبات أدبية رائعة مع زملائه, وبين بحوث فقهية قيمة تنم عن تضلعه في الخلاف ودرايته بمكامن العلل والأقيسة في مذهب الفقهاء, وبين ردود ورسائل ومقامات ومنظومات جدية وهزلية, ومقالات نقدية متنوعة, علاوة على ديوانه الشعري الضخم, الذي أصدره تحث عنوان: (آمال وآلام) وضمنه مجموعة من القصائد الشعرية في مختلف الأغراض والأوزان, ويضم حوالي 4390 بيتا في نحو 40 قصيدة وقطعة كلها من الشعر العربي العمودي الأصيل, وقد تناول في شعره شتى القضايا والموضوعات المختلفة, وتوزعت محاوره بين الوطنيات والإخوانيات والإسلاميات, وجلها قصائد ساخنة وثائرة, يعيش القارئ حرارتها وثورتها، ويلامس فيها قلبا نابضا بقضايا وهموم المسلمين أينما كانوا، كإلغاء الخلافة الإسلامية، واحتلال فلسطين، واغتيال الملك فيصل، وحرب لبنان، وإعلان الحرب الصليبية على العراق، وإبادة المسلمين في البوسنة والهرسك، وحرب الشيشان.
كما كان مهموما بقضية المدارس العتيقة بالمغرب التي تخرج منها, ويتمنى إعادة الاعتبار لها, والاعتراف بمجهودها, والاعتناء بخريجيها من طرف المسؤولين على غرار خريجي المدارس والمعاهد والجامعات الرسمية الأخرى, بالإضافة إلى هموم شخصية تجسد معاناة كل إنسان بسيط مجرد من الألقاب, محروم من دعم المراكز, ويعيش همه بكل ثقله, ويحس بأنه في بؤرة البائسين, فعاش آلامهم أجمعين.
وقد قرأ بعضهم الديوان فانتقد عنوانه (آمال وآلام) قائلا للشاعر: إننا بحثنا في ديوانك فلم نجد إلا آلاما ولم نجد أثرا للآمال, فأجابه قائلا:
رَأَى صاحبٌ آلامَ شعري كثيرةً * تَزيدُ على الآمال, قُلتُ ترفَّق
فهبْ هذه الآمالَ كُثْرا أَلمْ تَكن * تُحوَّلُ آلاما إذا لَـمْ تُحقَّـق
وله عدة قصائد أخرى ساخنة ورائعة سينشرها في ديوانه: الجزء الثاني إن شاء الله.
نظمه بغير العربية :
ولكون الشاعر أعجميا أمازيغيا قبل أنْ يتعربَ فإنه لم ينس لهجته السوسية, بل نظم بها عدة قصائد رائعة لا يتسع المجال لذكرها, حاذيا في ذلك حذو أجداده, القائل أحدهم:
الحمد لله الـذي قد سخَّرا * لي الناظمين ولا مُفتخرا
أنظم طورا باللسان العربي * وتارة بالأعجمي الأعذب
ومما نظم في هذا الميدان قوله:
(أشْلْحِي كِيخْتَ حُوبِّيخْ نِيتْ أوَالْ نَّخ * نْحُوبّو إشلحِين كِين دَاري زُدْ أرّاو
أوالْ نْلقُرَانْ لْحُبْ نْسْ نتَّانْ أوكْرْنْ أكْ * إوالِيوْنْ نمِدّنْ نِيكْ غِيكَادْ أسْ أومَنخْ)
معناه : أنا أمازيغي أحب لغتي وأحب قومي محبة أولادي,ولكن اللغة العربية التي نزل بها القرآن أحبها أكثر من أي لغة أخرى, وهذا الحب من صميم عقيدتي وإيماني.
ومنه هذه المنظومة الهزْلية التي زاوج فيها بين العربية و(تاشلحيت): اللهجة السوسية قال فيها:
أحمدُ رب العالمين (وَحْدُوتْ) * يَسَّر نهج النظم لي (إِسُوسْعُوتْ)
أنظمُ ما أشاء من (أَمَارْكِي) * ينزلُ من فكري كمثل (أَنْكِي)
صلى على نبيه (لِّلدْيُوزْنِي) * إلى بني الجن وكلِّ (مِدْنِي)
وبعد فالرحلة قصدي (سْفْلْدَاتَاسْ) * يا إخوتي قمتُ بها (يَانْ إِمَلاَسْ)
إلى أن قال في آخرها:
وهكذا تَمَّتْ بلا (تَاسَّاسْتِي) * منْ أعجبته في الورى (إِحْسُوتِّي)
من يَصعب الفهم عليه (إِيغْرْتِّي) * من يعسر الحفظ عليه (إِيسُوتِّي)
إني رجوتُ كل (وَنَّاتْ ِإغْرَانْ) * أن يسأل العفوَ لـ (لوَلِّليتْ إِنْظْمْنْ)
فإنما القصدُ بها (لْفْرَاجْتِي) * إذْ لم يكن ما ذكرته (صَّاحْتِي)
وبالجملة فالعاطفي شاعر مفلق، ولو أنصفه دهره واعتُرف له بما يحمل من موهبة شعرية عالية, وثقافة عربية وإسلامية لتسلق أعلى السلالم الوظيفية, وأرقى المناصب الإدارية، ولكن الشعراء قلما يسلمون من آفة حرفة الأدب، وقد عبر عن ذلك بقوله:
سِمَةُ النَّحْسِ فِي امْرئٍ أَن تَرَاهُ * مُولعاً بالْقَصِيدِ والأَسْجَاعِ
وحين أصدر ديوانه الشعري المذكور أعجبت به فخاطبته بقصيدة متواضعة بعنوان: (يا شاعرَ الذوق الرفيع)، ونصها:
يَا من يحبُّ الشعرَ في عَلْيائِهِ * ويَهُزُّهُ الشعراءُ والكتابُ
إن كنتَ تعشقُ في القريضِ بليغَه * فقصائدُ (الآمالِ) صاحِ عِذابُ
ديوانُ شعرٍ منتقىً من نبعه * وبه من السّحْرِ الحلالِِ لُبَابُ
كمْ من قَصَائدَ رائعاتٍ ساقها * سِحرُ البيانِ بمتنها مُنسابُ
يشدو ويمرحُ من تذوق حُلْوَها * لا الهمُّ يُقلقه ولاَ الأوصابُ
يا ليتني في الشعرِ (شَوْقِي) مُبدعاً * لقصائدٍ تُسبَى لها الألبابُ
فأخاطب (التّتكِيْ) هنا بقصيدةٍ * عنواُنها التمجيدُ والإعجابُ
فالشعرُ حقاً ما حوى ديوانُه * وسواهُ محضُ خرافةٍ وسرابُ
لو كانَ (حَافِظُ) ما يزال على الثرى * لأتتهُ منهُ إشادة وخِطابُ
يا بلبلاًً يشدو على أزهارِ رَوْ * ضِ الشعرِ لَحْنُك رائعٌ جذَّابُ
كَم مدَّعٍ للشعرِ يطرق بابَه * فيظلٌّ منغلقاً لهٌ ذا البابُ
كمْ كان يلقي في المحافلِ لغوَه * والشعرٌ منه طلاسمٌ وضَبَابُ
الشعرُ في ذا العصرِ غابَ دفاعه * ومنابرُ الشعرِ البليغِ خرابُ
غابَ الهزارُ عن الحديقةِ واختفى * وأشاعَ في الروضِ الفسادَ غرابُ
يُلقي عصائدَ في الحشودِ عقيمةً * ويُصفقُ المخبولُ والكذَّابُ
يا شاعرَ الذوقِ الرفيعِ قد ارتقى * لسماءِ فنٍ شعرُكَ الخلابُ
قل لي بربك: كيف حُزت زمَامَه * فمتى دعوتَ بليغَه فمجابُ
هذي قصائدكم تذاع على الملأ * لينالَها العشاق والأحبابُ
دافعتَ فيها عن قضايا أُمتي * ومدحتَ من يبني فأنتَ مُتابُ
هاجمتَ أعداءَ العروضِ (وحُرََُّْهمْ) * فأزحت عن صنعِ الخليلِ نقابُ
وهجوتَ أبواقَ الفسادِ وفكرَهم * والهجوُ منك قنابلٌ وشِهابُ
أَحْرقتَ أوهامَ البغاة بنارِها * وفضحتَ بغيَهم، ولستَ تهابُ
إن الأديبَ الحرَّ ليسَ يخيفُه * مكرُ العدَا والبطشُ والإرهابُ
منْ كان ذلك في القريظ سبيلَه * لاشك من ربِِّ السماءِ يُثابُ