قال المارودي في أدب الدنيا والدين ص 319 :
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَلَّمَا يَعْرَى مِنْ الْمِزَاحِ مَنْ كَانَ سَهْلًا ، فَالْعَاقِلُ يَتَوَخَّى بِمِزَاحِهِ إحْدَى حَالَتَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا:
إحْدَاهُمَا: إينَاسُ الْمُصَاحِبِينَ وَالتَّوَدُّدُ إلَى الْمُخَالِطِينَ . وَهَذَا يَكُونُ بِمَا أَنِسَ مِنْ جَمِيلِ الْقَوْلِ، وَبُسِطَ مِنْ مُسْتَحْسَنِ الْفِعْلِ.
وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِهِ: اقْتَصِدْ فِي مِزَاحِك فَإِنَّ الْإِفْرَاطَ فِيهِ يُذْهِبُ الْبَهَاءَ، وَيُجَرِّئُ عَلَيْك السُّفَهَاءَ، وَإِنَّ التَّقْصِيرَ فِيهِ يَفُضُّ عَنْك الْمُؤَانِسِينَ ، وَيُوحِشُ مِنْك الْمُصَاحِبِينَ .
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْفِيَ بِالْمِزَاحِ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ سَأَمٍ، وَأَحْدَثَ بِهِ مِنْ هَمٍّ.
فَقَدْ قِيلَ: لَا بُدَّ لِلْمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُثَ.
وَأَنْشَدْت لِأَبِي الْفَتْحِ الْبُسْتِيِّ:
أَفْدِ طَبْعَك الْمَكْدُودَ بِالْجِدِّ رَاحَةً ... يُجَمُّ وَعَلِّلْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَزْحِ
وَلَكِنْ إذَا أَعْطَيْتَهُ الْمَزْحَ فَلْيَكُنْ ... بِمِقْدَارِ مَا تُعْطِي الطَّعَامَ مِنْ الْمِلْحِ
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْزَحُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ... اهـ