تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 30

الموضوع: الاستواء جلوس

  1. #1

    افتراضي الاستواء جلوس

    الاستواء جلوس (1)

    قال الله تعالى الرحمن على العرش استوى

    والاستواء إذا انضم إليه على لا يكون عند أهل اللغة إلا بجلوس

    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ خَارِجَةَ، يَقُولُ: " الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ بَلِّغُوا نِسَاءَهُمْ أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ، وَأَنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ لِأَزْوَاجِهِنّ َ لَا تَعُودُوا مَرْضَاهُمْ وَلَا تَشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، ثُمَّ تَلَا {طه} [طه: 1] {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَهَلْ يَكُونُ الِاسْتِوَاءُ إِلَّا بِجُلُوسٍ "

    وخارجة مضعف في الرواية لكنه لا تأثير له هنا إذ هو لا يروي هنا شيئا إنما يتكلم في معاني الآية وهو من أهل العلم وقد تناقل أئمة السلف تفسيره هذا في كتبهم المؤلفة في المعتقد والرد على أهل الزيغ من غير نكير كعبد الله بن أحمد والخلال وابن بطة وغيرهم

    وبه فسره أئمة التفسير من الصحابة والتابعين

    قال الحكم بن معبد في كتاب الرؤيا: "ثنا موسى، ثنا روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: {الرحمن على العرش استوى}، فقال: جالس. اهــ

    قال محمد بن المختار المصري في بحثه في المسألة: "والشعبي رحمه الله لم يسمع من ابن مسعود رضي الله عنه، وسمع كبار أصحابه،
    ومن المعروف عنه توقي التفسير بغير علم وإنكار ذلك أشد الإنكار،

    قال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا علي بن مسهر، عن الحسن بن عمرو، عن الشعبي قال: أدركت أصحاب عبد الله، وأصحاب علي، وليس هم لشيء من العلم أكره منهم لتفسير القرآن،

    قال: وكان أبو بكر يقول: «أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم». اهــ"

    وقال الطبري: وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: «والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله».

    وقال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها، ويقول: «تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن». اهـ كلامه

    - قال الحكم بن معبد في كتاب الرؤية: حدثنا محمد بن حاتم، ثنا الفضل بن عباس، ثنا عبد الرحمن بن ثابت، عن يزيد بن هارون، عن عباد بن منصور، قال: سألت الحسن وعكرمة، عن قوله {الرحمن على العرش استوى}، قالا: جلس. اهـ وإسناده حسن

    قال الخلال: أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبدالوهاب يقول: {الرحمن على العرش استوى} قال: «قعد»

    وقيل للإمام أحمد بن حنبل: من نسأل بعدك؟ فقال: سل عبد الوهاب.وقال الإمام أحمد: عبدالوهاب أهل يُقْتَدَى به، عافا الله عبدَالوهاب، عبدُالوهابِ إمامٌ، وهو موضعٌ للفتيا.

    قال الإمام النسائي في سننه: " قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]

    أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ جَارِيَةً لِي كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لِي، فَجِئْتُهَا وَفَقَدْتُ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ، فَسَأَلْتُهَا , فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا، وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ، أَفَأُعْتِقُهَا ؟ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ اللهُ؟» , قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «فَمَنْ أَنَا؟» , قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «فَأَعْتِقْهَا»

    أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا الْأَسَدِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَعْلَمَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } [الزخرف: 14]، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ "هـــ

    وما ذكر الحديث الثاني في تفسير الآية إلا ليبين أن "الاستواء على" معناه في اللغة الجلوس

    قال شيخ الإسلام الأنصاري الهروي في تفسيره لآية الاستواء: "الاستواء في اللغة جلوس وصعود والاستقرار" ثم رد على قول الجهمية الذين فسروه بالاستيلاء فقال: " والعرش في اللغة العرب يأتي بمعنى"السرير". وعلى هذا الاعتقاد أئمة أهل السنة والجماعة من لدن مصطفى عليه الصلاة والسلام ومن تبعه بإحسان" هــــ

    إذا فالجلوس إحدى معاني الاستواء وتفاسيره الثابتة عن سلف الأمة وأئمتها المعروفة في اللغة العربية

    سئل ابن عثيمين: عثمان الدارمي في رده على بشر المريسي أورد أن الاستواء يأتي بمعنى الجلوس، ما رأي فضيلتكم؟

    الجواب
    الاستواء على الشيء في اللغة العربية يأتي بمعنى الجلوس، قال الله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } [الزخرف:12-13]، والإنسان على ظهر الدابة جالس أم واقف؟ هو جالس، لكن هل يصح أن نعديه إلى استواء الله على العرش؟ هذا محل نظر، فإن ثبت عن السلف أنهم فسروا ذلك بالجلوس فهم أعلم منا بهذا، وإلا ففيه نظر هـ

    وسنذكر في الحلقات التالية ما ورد في السنة النبوية والآثار من أدلة إثبات صفة الجلوس لله تعالى ومن أثبت الجلوس من سلف الأمة وأئمتها

  2. #2

    افتراضي

    الاستواء جلوس (2)

    أما السنة ففيها أحاديث متعددة بذكر الجلوس منها ما هو ثابت ومنها ما لم يثبت
    أما حديث عبد الله بن خليفة المشهور وفيه: "«إِذَا جَلَسَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْكُرْسِيِّ سُمِعَ لَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ».

    وهذا الحديث روي من وجوه منهم من أسنده منهم من أرسله ومنهم من أوقفه على عمر رضي الله عنه

    وقد أعله قوم بعلل لكن أكثر أهل السنة قبلوه واحتجوا به

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبِلُوهُ " الفتاوى 16/435

    أما ما أعلوا به الحديث فنجيب عليه علة علة

    العلة الأولىقولهم عبد الله بن خليفة مجهول وقد تفرد به

    والجواب من عدة أوجه

    الأول أن من الناس من وثقه

    قال ابن حبان في الثقات: " 3683 - عبد الله بن خليفه الهمداني يروى عن عمر عداده في أهل الكوفة روى عنه أبو إسحاق السبيعي"

    قال السيوطي في أسماء المخضرمين: " وترجمته مشهورة وهو ثقة"

    قال الهيثمي وهو يتكلم على هذا الحديث: " ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن خليفة الهمذانى وهو ثقة"

    الثاني قد صحح قوم من كبار أئمة الجرح والتعديل كأحمد بن حنبل وكيع بن الجراح والدارمي والطبري وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهم هذا الحديث فلو لم يكن ابن خليفة عندهم في حيز القبول لما استساغوا ذلك

    كما صحح أسانيد فيها ابن خليفة الحاكم في مستدركه وابن حجر العسقلاني في نتائج الأفكار وغيرهم من المشتغلين بالحديث

    الثالث أن عبد الله بن خليفة شيخ من أكابر التابعين بل ومخضرم بل وذُكرت له صحبة ولا تصح

    قال الذهبي في الميزان: " عبدالله بن خليفة الهمداني، تابعي مخضرم" وذكره السيوطي في المخضرمين أيضا

    ومثل هذه الطبقة من الأئمة من قال لا تضر فيها الجهالة

    قال الذهبي (( ديوان الضعفاء ))(ص374): " أما المجهولون من الرواة ؛ فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ"

    ثم هناك شاهد لهذا الحديث من حديث جبير بن مطعم بسند قوي وفي ألفاظ الحديثين تطابق حتى ذكر البزار وابن القيم وغيرهما بعضها كشاهد لبعض وهو يدل على أن عبد الله بن خليفة ضبط هذا الحديث

    ثم فإن عبد الله بن خليفة يظهر على مروياته أنه يضبط

    قال ابن أبي شيبة: " حَدَّثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ انْقَطَعَ شِسْعُهُ فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: كُلُّ مَا سَاءَك: مُصِيبَةٌ
    حَدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى, قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: انْقَطَعَ قِبَالُ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفي قِبَالِ نَعْلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ شَيْءٍ أَصَابَ الْمُؤْمِنَ يَكْرَهُهُ، فَهُوَ مُصِيبَةٌ"

    فقد وافقت روايته هنا رواية الثقات

    الرابع: قال الدارقطني في سننه: " أهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر يتفرد بروايته رجل غير معروف ، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلاً مشهوراً ، أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه ، وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعداً"

    وابن خليفة روى عنه اثنان أبو إسحاق السبيعي ويونس بن أبي إسحاق

    العلة الثانية قول بعضهم: "وفي سماعه عن عمر نظر"

    وهذه العلة ليست بشيء والجواب عنها من وجهين

    الأول كيف يكون فيه نظر وهو رجل مخضرم قد كان يمكنه أن يسمع عن النبي لو أدركه فكيف بعمر؟

    الثاني قال هناد في الزهد: " حدثنا أبو الأحوص عن أبي اسحاق عن عبدالله بن خليفة قال كنت مع عمر في جنازة فانقطع شسعه فاسترجع ثم قال كل ما ساءك مصيبة " فهذا تصريح باللقاء

    العلة الثالثة قولهم إنه مضطرب

    فالجواب أن يقال إن الاضطراب لا يصار إليه إلا عند عدم إمكان الترجيح فكيف والترجيح ممكن أعمله أهل العلم بالحديث؟

    والذين رووا هذا الحديث وموقوفا شعبة وسفيان الثوري وكل واحد منهما يُرجح على إسرائيل الذي اختلف عليه في روايته

    قال البزار مشيرا إلى هذا: " ولم يسنده إلا إسرائيل وقد رواه الثوري عن أبي إسحاق عن خليفة عن عمر موقوفا "

    وإن لشيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه مؤلفا مستقلا في بيان المحفوظ من هذا الحديث

    قال ابن عبد الهادي في العقود الدرية ساردا مؤلفات الشيخ: " والكلام على حديث عبدالله بن خليفة عن عمر وهل هو ثابت أم لا وأي ألفاظه هو المحفوظ"

    والموقوف في مثله حجة فهل يظن أحد أن الفاروق يتكلم في مثله برأيه وهواه؟!

    العلة الرابعة زعمهم أن أبا إسحاق مدلس وقد عنعن

    وهذا ليس بشيء فإنه رجل مقل في التدليس والأصل قبول روايته أمثاله

    قال يعقوب بن سفيان: "حديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش ما لم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة"

    هذا وقد قال شعبة: " كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبو إسحاق وقتادة"

    وشعبة نفسه راوي هذا الحديث!

    قال المزي: " روى له بن ماجة في كتاب التفسير في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى من رواية شعبة عن أبي إسحاق عنه عن عمر موقوفا "

    فكيف وقد صحح هذا الحديث بعينه أئمة الحديث الكبار الذين عليهم الاعتماد في التمييز بين الصحيح والسقيم؟

    فبهذا يتم الجواب عما أعلوا به الحديث ولله الحمد والمنة

    ولنذكر من صححه واحتج به

    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة: " سئل عما روي في الكرسي، وجلوس الرب عز وجل عليه؟ رَأَيْتُ أَبِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُصَحِّحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَحَادِيثَ الرُّؤْيَةِ وَيَذْهَبُ إِلَيْهَا وَجَمَعَهَا فِي كِتَابٍ وَحَدَّثَنَا بِهَا"
    حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا وَكِيعٌ، بِحَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «إِذَا جَلَسَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْكُرْسِيِّ» فَاقْشَعَرَّ رَجُلٌ سَمَّاهُ أَبِي عِنْدَ وَكِيعٍ فَغَضِبَ وَكِيعٌ وَقَالَ: أَدْرَكْنَا الْأَعْمَشَ وَسُفْيَانَ يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَا يُنْكِرُونَهَا" هـــ

    قال إمام أهل المشرق أحد أئمة الحفاظ عثمان بن سعيد الدارمي بعد روايته حديث ابن خليفة مباشرة: " فَهَاكَ أَيُّهَا الْمَرِيسِيُّ خُذْهَا مَشْهُورَةً مَأْثُورَةً فَصُرَّهَا، وَضَعْهَا بِجَنْبِ تَأْوِيلِكَ الَّذِي خلقت فِيهِ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"

    قال صالح بن أحمد بن حنبل في مسائله: قال أبي حدث وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة إذا جلس الرب سبحانه على العرش فاقشعر زكريا بن عدي فقال له وكيع وغضب أَدْرَكْنَا الْأَعْمَشَ وَسُفْيَانَ يُحَدِّثُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَا يُنْكِرُونَهَا"

    وقد قال ابن جرير في تفسير آية الكرسي بعد سرد الأقوال الواردة في تفسير الكرسي: "قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ هُوَ [ص:540] أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا جَاءَ بِهِ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ثم ذكر حديث ابن خليفة

    وقد صححه ابن الزاغوني في كتاب مستقل والمقدسي في المختارة وابن تيمية والذهبي في العرش

    قال الذهبي: " هذا حديث محفوظ من حديث أبي إسحاق السبيعي إمام الكوفيين في وقته، سمع من غير واحد من الصحابة، وأخرجا حديثه في الصحيحين، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة. تفرد بهذا الحديث عن عبد الله بن خليفة من قدماء التابعين، لا نعلم حاله بجرح ولا تعديل، لكن هذا الحديث حدث به أبو إسحاق السبيعي مقرًا له كغيره من أحاديث الصفات، وحدث به كذلك سفيان الثوري وحدث به أبو أحمد الزبيري، ويحي بن أبي بكير ووكيع عن إسرائيل.وأخرجه أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة والرد على الجهمية" له، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله ابن خليفة، عن عمر رضي الله عنه، ولفظه "إذا جلس الرب على الكرسي، سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد" ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا وكيع بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر "إذا جلس الرب على الكرسي" فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها
    قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان فلا أدري أخرجه أم لا؟، فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح، فإن ذلك إسناد صحيح.
    فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري، والأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل.
    قال الإمام أحمد: "لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت وإن نَبَت عن الأسماع"
    فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث" هـــ


    قال الإمام الدشتي: " وقد أخرج هذا الحديث عامة العلماء من أئمة المسلمين في كتبهم التي قصدوا فيها نقل الأخبار الصحيحة وتكلموا على توثقة رجاله ، وتصحيح طريقه ، وممن رواه الإمام أحمد بن حنبل، وأبو بكر الخلال، وصاحبه أبو بكر عبد العزيز، وأبو عبدالله ابن بطة. وقد رواه أبو محمد الخلال في كتاب الصفات له، ورواه أبو الحسن الدارقطني في كتاب الصفات الذي جمعه، وضبط طرقه، وحفظ عدالة رواته، وكان الدارقطني من أصحاب الحديث من أصحاب الشافعي وأخرجه أبو الحسن ابن الزاغوني في كتاب له، وقال في بعض مصنفاته: «وقد أوردته في غير هذا الكتاب على وجهٍ لا سبيل إلى دفعه ورده إلا بطريق العناد، ولا طُعِنَ في صحته إلا بطريق المكابرة». وقد أخرجه شيخنا أبو عبدالله المقدسي في كتاب المسند الصحيح، ورواه غيرهم من الأئمة والحفاظ"

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا الحديث نقله عامة أئمة الحديث في كتبهم التي قصدوا فيها نقل الأخبار الصحيحة وتكلموا على توثقة رجاله وتصحيح طرقه"

    قال ابن القيم: " كَانَ أَفْصَحَ النَّاسِ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهَا وَإِيضَاحِهَا وَكَشْفِهَا بِكُلِّ طَرِيقٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بِإِشَارَتِهِ وَحَالِهِ.. (فذكر بعض الأحاديث فقال): " وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ الْأَطِيطِ، وَقَوْلُهُ: " «إِنَّ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّهُ لَيَقْعُدُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ إِذَا رُكِبَ مِنْ ثِقَلِهِ» " وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «إِذَا جَلَسَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْكُرْسِيِّ سُمِعَ لَهُ أَطِيطُ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ» ، فَاقْشَعَرَّ رَجُلٌ عِنْدَ وَكِيعٍ وَهُوَ يَرْوِيهِ فَغَضِبَ وَقَالَ: أَدْرَكْنَا الْأَعْمَشَ وَسُفْيَانَ يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَا يُنْكِرُونَهَا"

    أما من احتج به في تفسير آية الاستواء والرد على الجهمية وتثبيت المعتقد فقد قال عادل آل حمدان: "ممن احتج بهذا الحديث عبد بن حميد في التفسير وابن ماجه في التفسير والمروذي في ذكر المقام المحمود والدارمي في الرد على بشر المريسي وابن أبي عاصم في السنة وعبد الله بن أحمد بن حنبل في السنة والطبري في التفسير والخلال في السنة والنجاد والطبراني في السنة وغلام الخلال وأبو الشيخ في العظمة والدارقطني في الصفات وابن بطة في الإبانة والزاغوني في الجزء المستقل والعطار في الفتيا في الاعتقاد والضياء في المختارة والدشتي في إثبات الحد وابن تيمية في الفتاوى والذهبي في العرش" (بالاختصار والتصرف اليسير)

    وبهذا كله يتبين أن حديث عبد الله بن خليفة صحيح بغير ريب وأن من ضعفه فقد غلط وغالب من ضعفه من المخالفين لأهل السنة في باب الصفات أمثال الإسماعيلي وابن الجوزي وابن عساكر فهل نترك ما عليه السلف ونتبع أمثال هؤلاء؟

    ولنذكر بإذن الله في الحلقة التالية ما ورد في هذا الباب من الآثار

  3. #3

    افتراضي

    الاستواء جلوس (3)

    ننتقل إلى دليل آخر وهو قصة مشهورة في مقدم جعفر وأصحابه إلى أرض الحبش

    قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ بنت عُمَيْسٍ "أَنَّ جَعْفَرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَاءَهَا إِذْ هُمْ بِالْحَبَشَةِ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَتْ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ فَتًى مُتْرَفًا مِنَ الْحَبَشَةِ شَابًّا جَسِيمًا مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ، فَطَرَحَ دَقِيقًا كَانَ مَعَهَا، فَنَسَفَتْهُ الرِّيحُ، فَقَالَتْ: أَكِلُكَ إِلَى يَوْمٍ يَجْلِسُ الْمَلِكُ عَلَى الْكُرْسِيِّ فَيَأْخُذ للمظلوم من الظَّالِم"

    ورويت القصة من طرق كثيرة ورواها ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي التزم فيه إيراد الصحيح

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"هذا حديث محفوظ" فتح الحميد 1678

    فهذا صحابة رسول الله يتناقلون القصة فيها تصريح بلفظ الجلوس فيقرونه ولا ينكره منهم أحد ثم يأتينا هؤلاء المتحذلقة فيقولون هذا تجسيم أو صفة المخلوقين أو هذا عندي منكر إلخ!

    واحتج بالأثر ابن تيمية وابن القيم في النونية وسيأتي كلامهما

    دليل آخر: ما رواه محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في تفسير قوله تعالى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ " وقد ثبت مثله عن الجريري وهو تابعي أيضا

    وفيه إثبات جلوس الله تعالى على العرش

    وهذا التفسير اتفق عليه سلفنا الأوائل وإن كان بعض المتأخرين من أهل الجفى أنكره لقلة علمه ووثوقه بالسلف

    وقد ردوا هذا الأثر عدة أمور نجيب عليها شيئا فشيئا

    العلة الأولىقولهم إن في سند الليث وهو ضعيف الحفظ فلا يثبت هذا عن مجاهد

    والجواب من وجهين

    الوجه الأول إن أهل الجرح والتعديل الذين إليهم في مثله مرجع وعليهم معول وإلى قولهم مذهب اتفقوا على صحته وتلقوه بالقبول فهل يستجيز أحد أن يظن أن أحمد بن حنبل وأبا داود وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد القاسم بن سلام وإبراهيم الحربي وعبد الله بن أحمد بن جنبل وابن أبي شيبة وأبا العباس الدوري وابن جرير الطبري وابن سريج وابن خزيمة والساجي والسراج والدارقطني وغيرهم من الأئمة الذين أثبتوا هذا الأثر وصححوه وقالوا به ونقلوا الاتفاق على مضمونه يجهلون حال الليث بن أبي سليم حتى اكتشفتَ عنه بقراءة كتب نفس هؤلاء الأئمة؟!

    بل الأمر أن القواعد التي وُضعت اعتمادا على أقوال هؤلاء السلف لا يجوز أن يعارض بها ما اتفق عليه هؤلاء الأئمة أنفسهم!

    فضَعْفُ حفظ الراوي لا يمنع أن يحفظ أفراد الآثار جيدا كما أن أن قوة حفظ الحافظ لا يمنع أنه قد يغلط في أفرادها

    قال الإمام البخاري: "كل رجل لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه لا أروي عنه ولا أكتب حديثه"

    والمعول في التمييز بين هذه الأنواع إلى هؤلاء الأئمة الأسلاف فما صححوه صححناه وما ضعفوه ضعفناه وما اختلفوا فيه نذهب إلى أقوى أقوالهم وجها

    وهذا الأثر مما حفظه وضبطه الليث وعرف الأئمة ذلك ولذلك صححوه وقالوا به

    ويزيد الأمر إيضاحا الوجه الثاني وهو أن الحفاظ قد نصوا على أن رواية الليث عن مجاهد في التفسير خاصة صحيحة لأنه روى عنه التفسير من نسخة لا من حفظه

    قال ابن حبان "ما سمع التفسير عن مجاهد أحد غير القاسم بن أبى بزة نظر الحكم بن عتيبة وليث بن أبى سليم وابن أبى نجيح وابن جريج وابن عيينة في كتاب القاسم ونسخوه ثم دلسوه عن مجاهد"

    قال سفيان بن عينة: "لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابه الحكم وليث وابن أبي نجيح"

    أما اعتراضهم الثاني فقولهم إن الصفات لا تُثبت بقول التابعي ولو ثبت عنه

    فالجواب عنه من أوجه

    الأول: أن يقال إن مثله لا يقال بالرأي فهو من قبيل المرسل

    ومراسيل مجاهد قوية تعد حجة مستقلة عند كثير من أهل العلم

    قال الذهبي: " وإن صَحَّ الإسنادُ إلى تابعيٍّ متوسِطِ الطبقة ، كمراسيل مجاهد ،وإبراهيم ، والشعبي فهو مرسَل جيّد ، لا بأسَ به ، يقَبلُه قومٌ"

    فكيف وقد جاء هذا الأثر من وجه آخر عن تابعي آخر وهو الجريري؟

    فكيف وقد اتفق أئمة السلف على القول به وتضليل من أنكره؟

    قال الشيخ ابن عثيمين : "والمرسل من أقسام الضعيف؛ لأن الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين من رفعه مجهول إلا في المواضع التالية:الأول: إذا علم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلّم ومن رفعه، فيحكم بما تقتضيه حاله.الثاني: إذا كان الرافع له صحابيًّا.الثالث: إذا علم أن رافعه لا يرفعه إلا عن طريق صحابي.الرابع: إذا تلقته الأمة بالقبول."

    الثاني: أن الحديث الذي فيه ضعفٌ إذا تلقي بالقبول واتُفق على معانه يصير حجة

    قال الشافعي في حالات قبول المرسل: " وكذلك ان وجد عوام من أهل العلم يفتنون بمثل معنى ما روى عن النبي "

    قال أبو عمر بن عبد البر: "وَهَذَا إِسْنَادٌ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ وَجَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ طَهُورٌ بَلْ هُوَ أَصْلٌ عِنْدَهُمْ فِي طَهَارَةِ الْمِيَاهِ الْغَالِبَةِ عَلَى النَّجَاسَاتِ الْمُسْتَهْلِكَ ةِ لَهَا وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْمَعْنَى يُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ الْإِسْنَادِ الْمُنْفَرِدِ"

    قال الباجي: " وَالْحَدِيثُ إذَا تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إسْنَادٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ عَمَلَ الْأُمَّةِ بِهِ يَقْتَضِي الْعِلْمَ بِصِحَّتِهِ بِتَقْرِيرِ الشَّرْعِ وَتَصْحِيحِ إسْنَادِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَقْوَى"

    قال ابن حجر في " النكت " 1/ 494 - 495 "من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فإنه يقبل حتى يجب العمل به. وقد صرح بذلك جماعة من أئمة1 الأصول.ومن أمثلته قول الشافعي - رضي الله عنه -: "وما قلت من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم -من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله1، ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافا".وقال في حديث: "لا وصية لوارث": "لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية للوارث"

    قال شيخ الإسلام: " و هو (أي القطع بالحديث التي تلقي بالقبول) مذهب أهل الحديث قاطبة و مذهب السلف عامة"

    ]والنقول مسفتادة من بحث الغامدي[

    ولنذكر هنا من نقل الإجماع على القول به وتلقيه بالقبول من الأئمة

    قال الإمام أحمد: " قد تلقته العلماء بالقبول"

    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جَمَاعَةٍ , وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يُنْكِرُهُ , وَكَانَ عِنْدَنَا فِي وَقْتٍ مَا سَمِعْنَاهُ مِنَ الْمَشَايِخِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا تُنْكِرُهُ الْجَهْمِيَّةُ , وَأَنَا مُنْكَرٌ عَلَى كُلِّ مَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ , وَهُوَ مُتَّهِمٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

    قال أبو عبيد القاسم بن سلام لما سئل عن هذا الحديث: " هَذِهِ الأَحَادِيثُ حَقٌّ لاَ يُشَكُّ فِيهَا , نَقَلَهَا الثِّقَاتُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى صَارَتْ إِلَيْنَا , نُصَدِّقُ بِهَا , وَنُؤْمِنُ بِهَا عَلَى مَا جَاءَتْ"

    قال إسحاق بن راهويه: "يَجب الإِيمَانُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ: مَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ فَهُوَ جَهْمِي"

    قال الطبري: " ليس في فرق المسلمين من ينكر هذا"

    قال الصغاني: " لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ , وَلاَ فِي عَصْرِنَا هَذَا إِلاَّ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِمَا أَحْدَثَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رَدِّ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ , فَهُوَ عِنْدَنَا جَهْمِيُّ , يُهْجَرُ وَنَحْذِرُ عَنْهُ قَدْ أَتَى عَلَيَّ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا رَدَّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ إِلاَّ جَهْمِيُّ , وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ الأَئِمَّةُ فِي الأَمْصَارِ , وَتَلَقَّتْهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ مُنْذُ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ وَمِئَةِ سَنَة.. فَعَلَيْكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ بِالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَالاِتِّبَاعِ"

    قال أبو العباس الدوري: " لاَ يَرُدُّ هَذَا إِلاَّ مُتَّهَمٌ"

    قال أبو داود السجستاني: "مَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَهُوَ عِنْدَنَا مُتَّهَمٌ , وَقَالَ : "مَا زَالَ النَّاسُ يُحَدِّثُونَ بِهَذَا , يُرِيدُونَ مُغَايَظَةَ الْجَهْمِيَّةِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ يُنْكِرُونَ أَنَّ عَلَى الْعَرْشِ شَيْء"

    قال إبراهيم الحربي: " ما ينكر هذا إلا أهل البدع"

    وقال إبراهيم الحربي يَوْمًا , وَذَكَرَ حَدِيثَ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ , فَجَعَلَ يَقُولُ : هَذَا حَدَّثَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ فَكَمْ تَرَى كَانَ فِي الْمَجْلِسِ , عِشْرِينَ أَلْفًا , فَتَرَى لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا قَامَ إِلَى عُثْمَانَ , فَقَالَ لاَ تُحَدِّثْ بِهَذَا الْحَدِيثِ , أَوْ أَظْهَرَ إِنْكَارَهُ , تَرَاهُ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثَمَّ إِلاَّ وَقَدْ قُتِلَ , قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ , وَصَدَقَ , مَا حُكْمُهُ عِنْدِي إِلاَّ الْقَتْلُ"

    قال الخلال: " رَدَّ (أي الجهمي) هَذَا الْحَدِيثَ وَخَالَفَ الأَئِمَّةَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ , وَانْسَلَخَ مِنَ الدِّينِ"

    قال النجاد: "وعلى ذلك من أدركتُ من شيوخنا أصحاب أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل، فإنّهم مُنكِرون على من رَدّ هذه الفضيلة، ولقد بيّن اللهُ ذلك على ألسِنَةِ أهل العلم، على تقادم الأيامِ، فتلقَّاهُ النَّاسُ بالقبولِ، فلا أحد يُنكرُ ذلك، ولا يُنازِعُ فيه"

    قال الآجري: " وَأَمَّا حَدِيثُ مُجَاهِدٍ فِي فَضِيلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَفْسِيرُهُ لِهَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهُ يُقْعِدُهُ] عَلَى الْعَرْشِ , فَقَدْ تَلَقَّاهَا الشُّيُوخُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّقْلِ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَلَقَّوْهَا بِأَحْسَنِ تَلَقٍّ , وَقَبِلُوهَا بِأَحْسَنِ قَبُولٍ , وَلَمْ يُنْكِرُوهَا , وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ رَدَّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ إِنْكَارًا شَدِيدًا وَقَالُوا: مَنْ رَدَّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ قُلْتُ: فَمَذْهَبُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَبُولُ مَا رَسَمْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ , وَقَبُولُ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ , وَتَرْكُ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُنَاظَرَة ِ فِي رَدِّهِ"

    قال ابن بطة وهو يذكر عقائد أهل السنة: " وَيَجْلِسُ مَعَ رَبِّهِ عَلَى العَرْشِ وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرَهُ.. وَهَكَذَا فَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ فِيمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ اَللَّيْثِ عَنْهُ"

    قال شيخ الإسلام الأنصاري الهوري في تفسيره: " وجاء عن ليث عن مجاهد فى قوله عز و جل عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال يجلسه العرش". اعلم ان أصحاب الحديث الذين هم نقلة الاخبار و خزنة الآثار اتفّقوا على ان هذا التأويل صحيح و أن اللَّه عز و جل كان قبل خلقه الاشياء قائما بذاته ثم خلق الاشياء من غير حاجة له إليها بل إظهارا لقدرته و حكمته ليعرف وجوده وتوحيده وكمال علمه وقدرته بظهور أفعاله المتقنة المحكمة وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء و هو الآن مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه وإن لم يكن قبل ذلك مستويا عليه وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربّوبيةّ أو مخرجا ايّاه عن صفة العبوديةّ بل هو رفع لمحله و إظهار لشرفه و تفضيل له على غيره من خلقه"

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول "

    وقال: "فَقَدْ حَدَثَ الْعُلَمَاءُ الْمَرْضِيُّونَ وَأَوْلِيَاؤُهُ الْمَقْبُولُونَ : أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْلِسُهُ رَبُّهُ عَلَى الْعَرْشِ مَعَهُ . رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ فَضِيلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ؛ فِي تَفْسِيرِ : { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } وَذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ وَغَيْرِ مَرْفُوعَةٍ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَهَذَا لَيْسَ مُنَاقِضًا لِمَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الشَّفَاعَةُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ وَيَدَّعِيه لَا يَقُولُ إنَّ إجْلَاسَهُ عَلَى الْعَرْشِ مُنْكَرًا وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْجَهْمِيَّة وَلَا ذكره فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مُنْكَرٌ"

    قال ابن القيم: "في ذكر تفسير المقام لأحمد ... ما قيل ذا بالرأي والحسبان
    إن كان تجسيما فإن مجاهدا ... هو شيخهم بل شيخه الفوقاني
    وقد أتى ذكر الجلوس به وفي ... أثر رواه جعفر الرباني
    أعني ابن عم نبينا وبغيره ... أيضا والحق ذو التبيان
    والدارقطني الإمام يثبت الآثار ... في ذا الباب غير جبان
    وله قصيد ضمنت هذا وفيها ... لست للمروي ذا نكران
    وجرت لذلك فتنة في وقته ... من فرقة التعطيل والعدوان
    والله ناصر دينه وكتابه ... ورسوله في سائر الأزمان
    لكن بمحنة حزبه من حربه ... ذا حكمة مذ كانت الفئتان"

    وكلام أهل العلم في تثبيت أثر مجاهد والقول به أكثر مما ذكرته بكثير لكن فيما ذُكر كفاية إن شاء الله

    وقد ذكر عادل آل حمدان أنه جمع أسماء القائلين به من الأولين والآخرين ففاق عددها مئة نفس ولم أحفظ عن أحد من المتقدمين رده إنما تكلم فيه بعض المتأخرين ولا يقبل قولهم بعد انعقاد الإجماع في القرون الثلاثة الأولى

    وإن قال المتحذلق: أولم يقل كثير من أهل العلم أن المقام المحمود شفاعة؟

    قيل له: هذا اختلاف تنوع في التفسير وليس اختلاف تضاد

    قال محمد بن نصر: "سمعت إسحاق يقول في قوله (وأولي الأمر منكم) قد يمكن أن يكون تفسير الآية على أولي العلم وعلى أمراء السرايا لأن الآية الواحدة يفسرها العلماء على أوجه وليس ذلك باختلاف وقد قال سفيان بن عيينة ليس في تفسير القرآن اختلاف إذا صح القول في ذلك وقال أيكون شيء أظهر خلافا في الظاهر من الخنس قال ابن مسعود هي بقر الوحش وقال علي هي النجوم قال سفيان وكلاهما واحد لأن النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل والوحشية إذا رأت إنسيا خنست في الغيضان وغيرها إذا لم تر إنسيا ظهرت قال سفيان فكل خنس قال إسحق وتصديق ذلك ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم في الماعون يعني أن بعضهم قال هو الزكاة وقال بعضهم عارية المتاع قال وقال عكرمة الماعون أعلاه الزكاة وعارية المتاع منه قال إسحاق وجهل قوم هذه المعاني فإذا لم توافق الكلمة الكلمه قالوا هذا اختلاف وقد قال الحسن وذكر عنه الاختلاف في نحو ما وصفنا فقال إنما أتى القوم من قبل العجمة"

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وذلك صنفان:أحدهما: أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة كما قيل في اسم السيف: الصارم والمهند..الصنف الثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، مثل سائل أعجمي سأل عن مسمى [لفظ الخبز] فأرى رغيفًا، وقيل له: هذا، فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده.." ثم ضرب الأمثلة الكثيرة لذلك انظر المقدمة في أصول التفسير 13-14 "

    إذا تبين هذا فكذلك هاهنا فإنه لا تضاد بين أن يكون المقام المحمود شفاعة وإجلاسا

    قال القصاب في تفسيره: " وتفسير مجاهد من رواية ليث عنه لا يقوم للمعتزلة والجهمية والتفسير الذي روي عنه أنه قال هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي لا يدفع تفسير مجاهد وجاز أن تكون شفاعته في ذلك الموضع وكل موضع يحل به المرء فهو مقامه"

    قال صاحب رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز مجيبا على هذا الاعتراض: "قلت: المقام المحمود مطلقٌ في كل ما يجب الحمد للنبي - صلى الله عليه وسلم - من أنواع الكرامات والشفاعة، والقعود على العرش نوعان مما يتناوله الإطلاق، فحينئذ لا منافاة بين القولين، ولا مناقضة بين الروايتين"

    قال السخاوي: "وعلى تقدير صحة هذه الأقوال لا تنافي بينها لإحتمال أن يكون الإجلاس علامة الأذن في الشفاعة "

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: " قيل الشفاعة العظمى، وقيل إِنه إِجلاسه معه على العرش كما هو المشهور من قول أَهل السنة.والظاهر أَن لا منافاة بين القولين، فيمكن الجمع بينهما بأَن كلاهما من ذلك. والإِقعاد على العرش أَبلغ"

    والله تعالى أعلم

    - ومما يستأنس به في هذا البابأثر ابن عباس الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة

    قال الدارقطني: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} ، قَالَ: «الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا يَقْدِرُ قَدْرَ الْعَرْشِ شَيْءٌ» وهذا صحيح عن ابن عباس وروي عن أبي موسى وغيرهم

    وهذا ظاهر في تأييد مسألة الجلوس

    وهذا الأثر اتفق أهل السنة على صحته والقول به خلافا لبعض المعاصرين الذين زعموا أنه قد يكون من الإسرائيليات!!

    قال الدارقطني: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ، وَذَكَرَ الْبَابَ الَّذِي، يَرْوِي فِيهِ الرُّؤْيَةَ وَالْكُرْسِيَّ وَمَوْضِعَ الْقَدَمَيْنِ، وَضَحِكِ رَبِّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ، وَأَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ، وَأَنَّ جَهَنَّمَ لَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، وَأَشْبَاهَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَقَالَ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صِحَاحٌ، حَمَلَهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وهِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ لَا نَشُكُّ فِيهَا، وَلَكِنْ إِذَا قِيلَ كَيْفَ وَضَعَ قَدَمَهُ وَكَيْفَ ضَحِكَ؟ قُلْنَا لَا يُفَسَّرُ هَذَا وَلَا سَمِعْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهُ" والسند صحيح

    سئل أبو زرعة الرازي عن هذا الأثر فأجاب: "صحيح ولا نفسر نقول كما جاء كما هو الحديث" (توحيد ابن منده)

    قال حرب الكرماني في عقيدته التي نقل عليها اتفاق أئمة الأمصار وشيوخه كأحمد والحميدي وسعيد بن منصور: "والكرسي موضع القدمين"

    قال ابن أبي زمنين في أصول السنة: "وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَلْكُرْسِيَّ بَيْنَ يَدَيْ اَلْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَوْضِعُ اَلْقَدَمَيْنِ"

    يتبع

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    السؤال

    ما قولكم في أن الله يجلس على العرش وقد أشكل علينا قول شيخ من أهل السنة والجماعة أن الله يجلس على العرش؟.

    الإجابــة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
    فقد فسر السلف ـ رحمهم الله ـ الاستواء بالارتفاع والعلو، ومنهم من فسره بالاستقرار، وأما تفسيره بالجلوس فليس مشهورًا ولا معروفًا عنهم، وإن كان ابن القيم قد أورد هذا التفسير في الصواعق عن خارجة بن مصعب، وأثبت الجلوس للرب تعالى الدارقطني في نظم له مشهور، ولكن الورع ترك إطلاق هذه العبارة والوقوف في تفسير الاستواء على ما اشتهر نقله عن السلف ـ رحمهم الله ـ
    قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله: الله تعالى وصف نفسه بأنه على العرش استوى في سبعة مواضع من القرآن، وفسر العلماء الاستواء بما يدل على العلو والارتفاع والاستقرار، والتزموا نفي العلم بالكيفية وتفويضها إلى الله، ولا أذكر في كتب السلف التفسير بالجلوس، فنسبته إلى أهل السنة أو أئمة الدعوة كذب عليهم. انتهى.

    وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: فأما تفسير استواء الله تعالى على عرشه باستقراره عليه فهو مشهور عن السلف، نقله ابن القيم في النونية وغيره، وأما الجلوس والقعود فقد ذكره بعضهم، لكن في نفسي منه شيء. انتهى.والإكثار من الخوض في هذا والتماري فيه مما لا ينبغي، فلتسلك جادة السلف المطروقة وهي إمرار الصفات كما جاءت من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، بل نثبت الصفات على ما يليق بجلال الرب تعالى، فكما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين فكذا صفاته لا تشبه صفات المخلوقين، والمقطوع به أن من فسر الاستواء بالجلوس إن ثبت هذا عن السلف أو من جوز تفسيره به من أهل العلم وجعله من معانيه يجريه على هذه القاعدة المتينة التي رسخها كتاب الله تعالى في مثل قوله جل اسمه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {الشورى:11}.
    وقوله تعالى:
    هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {مريم:65}.
    وقوله:
    وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه:110}.
    فعض على هذا الأصل بالنواجذ والزم طريقة السلف من إثبات ما أثبته الله لنفسه ورسوله صلى الله عليه وسلم مجانبًا التمثيل والتعطيل.
    والله أعلم.

    http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...waId&Id=172147






    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  6. #6

    افتراضي

    الإثبات مقدم على النفي وما ليس معروفا لبعضهم قد يكون معروفا لغيرهم ومن علم حجة على من لم يعلم

    بل من تأمل في مخارج تفاسير الاستواء الخمسة (ارتفع - علا - صعد - استقر - جلس) وجد الجلوس أكثر ذكرا في كلام السلف من غيرها

    وإنما اشتهر الأربع الأولى في المعاصرين لحفظهم أبيات النونية التي ذكر ابن القيم فيها هذه الأربع

    فالخامس ذكره ابن القيم نفسه وأثبته شيخ الإسلام ابن تيمية وكثير من أئمة الدعوة النجدية

    وسأتي في الحلقات القادمة مزيد النقل عن سلف الأمة وأئمتها في إثبات الجلوس

    أما الإمرار كما جاء فنعم نمره كما جاء وقد جاء تفسير الاستواء بالجلوس وإثبات الجلوس فأمررناه

    وبالله التوفيق

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو أمينة المصري مشاهدة المشاركة
    قال الإمام النسائي في سننه: " قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]

    وما ذكر الحديث الثاني في تفسير الآية إلا ليبين أن "الاستواء على" معناه في اللغة الجلوس
    الاستواء على معان في اللغة، فلم قصرت مراد النسائي على الجلوس دون غيره ؟!
    معناه : علا واستقر على راحلته ، فيكون رحمه الله موافقا لتفسير الاستواء عند أكثر السلف ، وهو العلو والارتفاع والاستقرار.
    وأنا لا أنفي تفسير الاستواء - فيما نحن بصدده - قد يأتي بمعنى الجلوس ، لكن أكثر السلف على المعنى المشهور الذي نقلته لك آنفا .
    لكني أناقشك في قصرك على تفسير الجلوس في صنيع النسائي ومراده منه.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    36

    افتراضي

    اللهم إنا نبرأ إليك من هذا التجسيم الصراح
    و نبرأ سلفنا المبارك عن القول بالتجسيم و التشبيه
    الاستواء في اللغة تمام الشيء
    اتقوا الله اتقوا الله اتقوا الله
    وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال إنّ الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسمًا لخروجه عن معنى الجسميّة ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل" اهـ ونقله الحافظ البيهقي عنه في "مناقب أحمد" (ص/42). ونقل أبو الفضل التميمي في كتاب "اعتقاد الإمام أحمد" (ص/6) مخطوط، عن الإمام أنه قال: "والله تعالى لا يلحقه تغيّر ولا تبدّل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش، وكان يُنكر – الإمام أحمد – على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة"

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    36

    افتراضي

    قال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في "السيف الصقيل" (ص/87) ما نصه: "ومن أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الأجسام قال شيئًا لم تشهد به اللغة فيكون باطلاً وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤخذ بإقراره ولا يفيد إنكاره" اهـ.


    وقال الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (ت 597هـ) في كتابه الباز الأشهب (ص/126) ما نصه: "الخالق سبحانه وتعالى لا يجوز أن يوصف بالجلوس على شيء فيفضل من ذلك الشيء لأن هذه صفة الأجسام" اهـ.


    وقال الذهبي (748هـ) في كتابه "الكبائر" (ص/157) ما نصه: "ولو قال إن الله جلس للإنصاف أو قام للإنصاف كفر" اهـ.


    وقال الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (1/403) ما نصه: "من قال الله جسم لا كالأجسام كفر" اهـ.


    وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي (974هـ) في "المنهاج القويم" (ص/224) ما نصه: "واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم وهو حقيقون بذلك" اهـ.


    وفي "مختصر الإفادات" (ص/489) : لابن بلبان الدمشقي الحنبلي من أهل القرن الحادي العشر تكفير من قال إن الله في مكان أو قال إنه تعالى بكل مكان بذاته وتكفير من قال إن الله جسم أو جسم لا كالأجسام.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    للفائدة :
    - الجلوس والقعود

    إثبات صفة الجلوس والقعود لله عزَّ وجلَّ كصفة الاستواء والإتيان والمجيء وغيرها من الصفات، لا تستحيل عليه سبحانه، ولا يستوحش الموحِّد من إثباتها بما يليق به سبحانه، إنما يستوحش ذلك أهل التجهم والتعطيل، وقد أثبتها عددٌ من أئمة أهل السنة، لكن لم يثبت فيها حديث صحيحٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا موقوفٌ على أحدٍ من الصحابة، وكلُّ ما ورد في ذلك ففي إسناده نظر، لذلك فهو ليس على شرط تأليف هذا الكتاب ، أمَّا إطلاق هذا اللفظ تفسيراً لمعنى الاستواء فهذا لا إشكال فيه وقد ورد عن كثيرٍ من أئمة السلف، كما ورد عنهم تفسير الاستواء بالارتفاع والاستقرار، لكن لا نقول الارتفاع والاستقرار من صفات الله عزَّ وجلَّ.
    قال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي: (نثبت أنه استوى على عرشه استواء يليق بجلاله، سواء فُسِّر ذلك: بالارتفاع، أو بعلوه على عرشه، أو بالاستقرار، أو الجلوس، فهذه التفاسير واردة عن السلف، فنثبت لله على وجه لا يماثله ولا يشابهه فيها أحد، ولا محذور في ذلك إذا قرنَّا بهذا الإثبات نفي مماثلة المخلوقات)

    الجلوس والقعود

  11. #11

    افتراضي

    كلام د. علي السقاف فيه نكتتان

    الأولى أثبت تفسير السلف للاستواء بالجلوس فجزاه الله خيرا
    الثانية: قال إنه لم يثبت في هذا عن النبي وأصحابه شيء وهذا ينازع فيه بما أوردته سابقا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو أمينة المصري مشاهدة المشاركة
    وهذا ينازع فيه بما أوردته سابقا
    هو يشير إلى ما أوردته سابقا ، حيث قال : وكلُّ ما ورد في ذلك ففي إسناده نظر.

    قلت : وما صح ليس صريحا ، وما كان صريحا فيدخل فيما فيه نظر كما قال آنفا.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء المالكي مشاهدة المشاركة
    قال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي في "السيف الصقيل" (ص/87) ما نصه: "ومن أطلق القعود وقال إنه لم يرد صفات الأجسام قال شيئًا لم تشهد به اللغة فيكون باطلاً وهو كالمقر بالتجسيم المنكر له فيؤخذ بإقراره ولا يفيد إنكاره" اهـ.


    وقال الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (ت 597هـ) في كتابه الباز الأشهب (ص/126) ما نصه: "الخالق سبحانه وتعالى لا يجوز أن يوصف بالجلوس على شيء فيفضل من ذلك الشيء لأن هذه صفة الأجسام" اهـ.


    وقال الذهبي (748هـ) في كتابه "الكبائر" (ص/157) ما نصه: "ولو قال إن الله جلس للإنصاف أو قام للإنصاف كفر" اهـ.


    وقال الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (1/403) ما نصه: "من قال الله جسم لا كالأجسام كفر" اهـ.


    وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي (974هـ) في "المنهاج القويم" (ص/224) ما نصه: "واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بتكفير القائلين بالجهة والتجسيم وهو حقيقون بذلك" اهـ.


    وفي "مختصر الإفادات" (ص/489) : لابن بلبان الدمشقي الحنبلي من أهل القرن الحادي العشر تكفير من قال إن الله في مكان أو قال إنه تعالى بكل مكان بذاته وتكفير من قال إن الله جسم أو جسم لا كالأجسام.
    ولكن صاحب الموضوع لم يقل بأن الله جسم؛ أنت دخلت في مسألة أخرى.
    والسؤال هنا: هل أنت تثبت صفة الاستواء أم لا تثبتها؟ وأيضًا هل تثبت صفة كصفة اليدين أم لا تثبتها؟
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    قال ابن حبان في الثقات: " 3683 - عبد الله بن خليفه الهمداني يروى عن عمر عداده في أهل الكوفة روى عنه أبو إسحاق السبيعي"

    قلت : توثيق ابن حبان معروف ، فهو متساهل بل يوثق المجاهيل .

    قال السيوطي في أسماء المخضرمين: " وترجمته مشهورة وهو ثقة"

    قلت : ولو كان ثقة إنه لا يرقى أن يكون ممن يحتمل حديثه ، فهو لا يحتمل تفرده


    الثاني قد صحح قوم من كبار أئمة الجرح والتعديل كأحمد بن حنبل وكيع بن الجراح والدارمي والطبري وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهم هذا الحديث فلو لم يكن ابن خليفة عندهم في حيز القبول لما استساغوا ذلك

    كما صحح أسانيد فيها ابن خليفة الحاكم في مستدركه وابن حجر العسقلاني في نتائج الأفكار وغيرهم من المشتغلين بالحديث

    قلت : مسألة الاحتجاج أوسع من مسألة التصحيح الاصطلاحي ، فقد يكون الإمام قد صحح واحتج بناء على قرائن احتفت بالمسألة ، وهذه له شواهد عند العلماء في مسألة التصحيح والاحتجاج ، كتصحيح البخاري حديث عدد تكبيرات صلاة العيد سبعا وخمسا ، وهو يحتج به لفعل الصحابة ، أما الحديث فلا يصح .

    الثالث أن عبد الله بن خليفة شيخ من أكابر التابعين بل ومخضرم بل وذُكرت له صحبة ولا تصح

    قال الذهبي في الميزان: " عبدالله بن خليفة الهمداني، تابعي مخضرم" وذكره السيوطي في المخضرمين أيضا

    ومثل هذه الطبقة من الأئمة من قال لا تضر فيها الجهالة

    قلت : الإشكال ليس في الجهالة فحسب كما سلف ، بل إن كان ثقة ، فلا يحتمل تفرده بمثل هذه اللفظة .

    قال الذهبي (( ديوان الضعفاء ))(ص374): " أما المجهولون من الرواة ؛ فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ"

    قلت : هذه الأمور مما يستأنس بها لتقوية حديث التابعي ، وهي معروفة عند بعض العلماء ، لكنها وحدها لا تكفي لصحة الأخبار ، لا سيما وأن تلك الألفاظ لم يأت بها الأئمة الحفاظ في رواياتهم ، فلم تكن محفوظة إلا عند المجهولين أو ممن لم يبلغوا مرتبة الثقات الحفاظ.
    لذا قال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث 1 / 293 : ... ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لهم بالخير، فإنه يستأنس بوايته، ويستضاء بها في مواطن .
    وانظر فتح المغيث 2 / 44 .

    ثم فإن عبد الله بن خليفة يظهر على مروياته أنه يضبط

    قال ابن أبي شيبة: " حَدَّثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّهُ انْقَطَعَ شِسْعُهُ فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: كُلُّ مَا سَاءَك: مُصِيبَةٌ
    حَدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى, قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: انْقَطَعَ قِبَالُ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفي قِبَالِ نَعْلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ شَيْءٍ أَصَابَ الْمُؤْمِنَ يَكْرَهُهُ، فَهُوَ مُصِيبَةٌ"

    فقد وافقت روايته هنا رواية الثقات

    قلت : ألا تلحظ معي أن روايته التي أتيت بها إنما توافق الثقات في الموقوفات فحسب ، أما المرفوع فلا يقوى أن يتفرد بشيء .

    الرابع: قال الدارقطني في سننه: " أهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر يتفرد بروايته رجل غير معروف ، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلاً مشهوراً ، أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه ، وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعداً"

    قلت : مسألة رفع الجهالة شيء وإثبات العدالة وتوثيقه شيء آخر أيضا ، ألا ترى قولهم في هذا .
    قال الخطيب البغدادي رحمه الله في الكفاية ص 149 : وترتفع الجهالة عن الرواي بمعرفة العلماء له ، أو برواية عدلين عنه ..
    قال : لا يثبت له حكم العدالة - المقصود هنا التوثيق بمعناه الاصطلاحي - بروايتهما عنه .
    وانظر اختصار علوم الحديث لابن كثير 1 / 293 .

    وابن خليفة روى عنه اثنان أبو إسحاق السبيعي ويونس بن أبي إسحاق

    قلت : فعلى هذا قد ترتفع عنه الجهالة ، لكن لا تثبت له عدالة وتوثيق .

    العلة الثانية قول بعضهم: "وفي سماعه عن عمر نظر"

    وهذه العلة ليست بشيء والجواب عنها من وجهين

    الأول كيف يكون فيه نظر وهو رجل مخضرم قد كان يمكنه أن يسمع عن النبي لو أدركه فكيف بعمر؟

    قلت : هذا ليس بلازم ، فقد يسمع الرواي من أبي بكر ولم يسمع من عمر أو العكس ، وهكذا ، فليس بالضروري أن يسمع ممن بعده أو قبله ،
    نعم هذا ممكن للسماع ، لكن ليس بلازم ، كما هو معروف في علم الحديث.

    العلة الثالثة قولهم إنه مضطرب

    فالجواب أن يقال إن الاضطراب لا يصار إليه إلا عند عدم إمكان الترجيح فكيف والترجيح ممكن أعمله أهل العلم بالحديث؟

    والذين رووا هذا الحديث وموقوفا شعبة وسفيان الثوري وكل واحد منهما يُرجح على إسرائيل الذي اختلف عليه في روايته

    قال البزار مشيرا إلى هذا: " ولم يسنده إلا إسرائيل وقد رواه الثوري عن أبي إسحاق عن خليفة عن عمر موقوفا "

    عدم معرفته بالحفظ دليل على إمكان اضطرابه لا سيما في المرفوعات وقد روي مرفوعا وموقوفا ومرسلا وهذا اضطراب.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    فالخلاصة أن من علماء السلف من فسر الاستواء بالجلوس، ومنهم من رأى أنه من الأولى ترك ذلك.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    دليل آخر: ما رواه محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في تفسير قوله تعالى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ " وقد ثبت مثله عن الجريري وهو تابعي أيضا

    وفيه إثبات جلوس الله تعالى على العرش

    وهذا التفسير اتفق عليه سلفنا الأوائل وإن كان بعض المتأخرين من أهل الجفى أنكره لقلة علمه ووثوقه بالسلف

    أما اعتراضهم الثاني فقولهم إن الصفات لا تُثبت بقول التابعي ولو ثبت عنه

    فالجواب عنه من أوجه

    الأول: أن يقال إن مثله لا يقال بالرأي فهو من قبيل المرسل

    ومراسيل مجاهد قوية تعد حجة مستقلة عند كثير من أهل العلم

    فكيف وقد جاء هذا الأثر من وجه آخر عن تابعي آخر وهو الجريري؟

    فكيف وقد اتفق أئمة السلف على القول به وتضليل من أنكره؟

    قال الشيخ ابن عثيمين : "والمرسل من أقسام الضعيف؛ لأن الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين من رفعه مجهول إلا في المواضع التالية:الأول: إذا علم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلّم ومن رفعه، فيحكم بما تقتضيه حاله.الثاني: إذا كان الرافع له صحابيًّا.الثالث: إذا علم أن رافعه لا يرفعه إلا عن طريق صحابي.الرابع: إذا تلقته الأمة بالقبول."

    قال أبو عمر بن عبد البر: "وَهَذَا إِسْنَادٌ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْأَمْصَارِ وَجَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ طَهُورٌ بَلْ هُوَ أَصْلٌ عِنْدَهُمْ فِي طَهَارَةِ الْمِيَاهِ الْغَالِبَةِ عَلَى النَّجَاسَاتِ الْمُسْتَهْلِكَ ةِ لَهَا وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْمَعْنَى يُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنَ الْإِسْنَادِ الْمُنْفَرِدِ"

    قلت : ابن عبد البر نفسه ينكر تفسيره لهذه الآية بما ذكر ، وقد نقل إجماع الصحابة ومن بعدهم على مخالفته في تفسيرها ، قال رحمه الله في التمهيد 7 / 158:
    ... عَنْ مُجَاهِدٍ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا قَالَ :
    يُوسِعَ لَهُ عَلَى الْعَرْشِ فَيُجْلِسَهُ مَعَهُ.
    وَهَذَا قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَالَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ المقام المحمود الشفاعة ..

  17. #17

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    هو يشير إلى ما أوردته سابقا ، حيث قال : وكلُّ ما ورد في ذلك ففي إسناده نظر.

    قلت : وما صح ليس صريحا ، وما كان صريحا فيدخل فيما فيه نظر كما قال آنفا.
    الاستدلال المفصل مع رد الاعتراض لا يعارض باعتراض مجمل

  18. #18

    افتراضي

    أما ابن عبد البر وابن كثير وغيرهم ممن رد تفسير المقام المحمود بالإجلاس فإنهم محجوجون بالإجماع السلفي الذي انعقد قبل وجودهم ونقله أكابر أئمة السلف

    وخرق هذا الإجماع لا يكون إلا بإثبات الخلاف المتقدم وهيهات

    وقد سبق تقرير أن تفسير المقام المحمود بالشفاعة لا يخالف تفسيره بالإجلاس إذ هو من اختلاف التنوع

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    قد بان الرد المفصل ، مع تذكيرك بأنني قلت سابقا :
    وأنا لا أنفي تفسير الاستواء - فيما نحن بصدده - قد يأتي بمعنى الجلوس ، لكن أكثر السلف على المعنى المشهور الذي نقلته لك آنفا .

  20. #20

    افتراضي

    قولك: " قلت : ولو كان ثقة إنه لا يرقى أن يكون ممن يحتمل حديثه ، فهو لا يحتمل تفرده"

    بل يحتمل تفرده فقد احتمله الأئمة كأحمد ووكيع وأمثالهم ممن ذكرت وصححوا هذا الحديث

    وذكرت أن غالب ألفاظه أتت في حديث جبير بن مطعم وغيره

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَلَفْظُ " الْأَطِيطِ " قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ . وَابْنُ عَسَاكِر عَمِلَ فِيهِ جُزْءًا وَجَعَلَ عُمْدَةَ الطَّعْنِ فِي ابْنِ إسْحَاقَ . وَالْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ كَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا لَهُ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى"

    قال ابن القيم: "وقد روى هذا المعنى عن النبي من غير حديث ابن إسحاق فقال محمد بن عبد الله الكوفي المعروف بمطين حدثنا عبد الله ابن الحكم وعثمان قالا حدثنا يحيى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر قال أتت النبي امرأة فقالت ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم أمر الرب ثم قال إن كرسيه فوق السموات والأرض وإنه يقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع ثم قال بأصابعه فجمعها وإن له أطيطا كأطيط الرحل الحديث"

    فلا تفرد ولا نكارة

    أما قولك: "ألا تلحظ معي أن روايته التي أتيت بها إنما توافق الثقات في الموقوفات فحسب ، أما المرفوع فلا يقوى أن يتفرد بشيء"

    فالراجح أنه أثر موقوف على عمر كما سبق بيانه فلزمك قبول روايته!

    قولك: "قلت : مسألة رفع الجهالة شيء وإثبات العدالة وتوثيقه شيء آخر أيضا"

    فقد قال الدارقطني: "وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلاً مشهوراً ، أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه"

    فمن ارتفع اسم الجهالة عنه فقد ثبت العلم بخبره والحمد لله

    قولك: " قلت : هذا ليس بلازم ، فقد يسمع الرواي من أبي بكر ولم يسمع من عمر أو العكس ، وهكذا ، فليس بالضروري أن يسمع ممن بعده أو قبله ، نعم هذا ممكن للسماع ، لكن ليس بلازم ، كما هو معروف في علم الحديث"

    فما أدري ما هذا أولم أنقل ما فيه تصريح بالسماع؟ قلت: "الثاني قال هناد في الزهد: " حدثنا أبو الأحوص عن أبي اسحاق عن عبدالله بن خليفة قال كنت مع عمر في جنازة فانقطع شسعه فاسترجع ثم قال كل ما ساءك مصيبة " فهذا تصريح باللقاء والسماع "

    أما الاضطراب فالاضطراب على إسرائيل فقط الذي في روايته عن أبي شيء أصلا

    قال صالح بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : إسرائيل عن أبى إسحاق فيه لين ، سمع منه بأخرة


    أما شعبة وسفيان فكل منهما رواه موقوفا بغير اضطراب ولله الحمد

    وإسرائيل كلا شيء أمام كل واحد منهما فكيف إذا كانت روايته عن أبيه التي وإن لم تكن مردودة بالكلية لكن فيها بعض اللين

    خاصة في هذا الحديث إذ الظاهر أنه لم يضبطه أما شعبة وسفيان فضبطاه ولم يختلفا فيه

    فالاضطراب لا يرد به الحديث إلا عند تعذر الترجيح والترجيح ظاهر هنا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •