قال الامام ابن القيم - رحمه الله - في الشافية الكافية
واتى ابْن حزم بعد ذَاك فَقَالَ مَا ** للنَّاس قُرْآن وَلَا إثنان
بل أَربع كل يُسمى بالقرآ ** ن وَذَاكَ قَول بَين الْبطلَان
هَذَا الَّذِي يُتْلَى وَآخر ثَابت ** فِي الرَّسْم يدعى الْمُصحف العثماني
وَالثَّالِث الْمَحْفُوظ بَين صدورنا ** هذي الثَّلَاث خَلِيقَة الرَّحْمَن
وَالرَّابِع الْمَعْنى الْقَدِيم كعلمه ** كل يعبر عَنهُ بِالْقُرْآنِ
وَأَظنهُ قد رام شَيْئا لم يجد ** عَنهُ عبارَة نَاطِق بِبَيَان
إِن الْمعِين ذُو مَرَاتِب أَربع ... عقلت فَلَا تخفى على إِنْسَان
فِي الْعين ثمَّ الذِّهْن ثمَّ اللَّفْظ ثمَّ ... الرَّسْم حِين تخطه ببنان
وعَلى الْجَمِيع الِاسْم يُطلق لَكِن ال ... أولى بِهِ الْمَوْجُود فِي الاعيان
قال الشيخ احمد بن عيسى -رحمه الله -
“ قَول ابْن حزم هَذَا وَحَيْثُ ذكره النَّاظِم فَلَا بُد من بَيَان مَعْنَاهُ فَقَوله بل أَربع كل يُسمى بِالْقُرْآنِ
1- هَذَا الَّذِي يُتْلَى
2-وَالثَّانِي الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف
3-وَالثَّالِث الْمَحْفُوظ فِي الصُّدُور وَالْمرَاد بالرسم الْخط وَقَوله هَذِه الثَّلَاث خَلِيقَة الرَّحْمَن وَهَذَا القَوْل من أبطل الاقوال الَّتِي قيلت فِي الْقُرْآن وَلذَلِك قَالَ النَّاظِم وَذَاكَ قَول بَين الْبطلَان
4- قَوْله وَالرَّابِع الْمَعْنى الْقَدِيم الخ كَأَنَّهُ وَالله أعلم وَافق الاشاعرة والكلابية فِي إِثْبَات الْمَعْنى النَّفْسِيّ وَقد تقدم القَوْل فِي الْمَعْنى النَّفْسِيّ بِمَا أغْنى عَن الاعادة
وَقَول النَّاظِم وَأَظنهُ قد رام شَيْئا لم يجد الى قَوْله ان الْمعِين ذُو مَرَاتِب أَربع الخ أَي ان الْمعِين كزيد مثلا لَهُ أَربع وجودات وجود خارجي وَوُجُود ذهني وَوُجُود لَفْظِي أَي فِي اللَّفْظ اذا تلفظت بِلَفْظ زيد وَوُجُود رسمي أَي خطي فَهَذِهِ الوجودات الاربعة وَهِي الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي قَوْله {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان من علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم}
فَذكر الْمَرَاتِب الاربعة وَهِي الْوُجُود الْعَيْنِيّ الْخَارِجِي الَّذِي هُوَ خلقه وَذكر الْوُجُود الرسمي المطابق للفظي الدَّال على العلمي فمذهب ابْن حزم أَن الْقُرْآن فِي الْمَرَاتِب الثَّلَاثَة مَخْلُوق وَهِي وجوده الْعَيْنِيّ واللفظي والرسمي وَلَكِن الاولى بِالتَّسْمِيَةِ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ وجوده الْعَيْنِيّ بَقِي عِنْده الْمَعْنى الْقَدِيم فَهُوَ غير مَخْلُوق كَالْعلمِ“