بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛فهده كلمات نورانية بحسب الخاطر، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب ويسدد رمينا، وأن ينفعنا بها في العاجل والآجل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.رأيت جماعة من العلماء يتفسحون ويظنون أن العلم يدفع عنهم، وما يدرون أن العلم خصمهم وأنه يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب، وذاك لأن الجاهل لم يتعرض بالحق، والعالم لم يتأدب معه، ورأيت بعض القوم يقول: أنا قد ألقيت منجلي بين الحصادين ونمت، ثم كان يتفسح في أشياء لا تجوز.فتفكرت فإذا العلم الذي هو معرفة الحقائق، والنظر في سير القدماء، والتأدب بآداب القوم، ومعرفة الحق وما يجب له، ليس عند القوم، وإنما عندهم صور ألفاظ يعرفون بها ما يحل وما يحرم، وليس كذلك العلم النافع.إنما العلم فهم الأصول ومعرفة المعبود وعظمته وما يستحقه، والنظر في سير الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، والتأدب بآدابهم، وفهم ما نقل عنهم، هو العلم النافع الذي يدع أعظم العلماء أحقر عند نفسه من أجهل الجهال.ورأيت بعض من تعبد مدة ثم فتر، فبلغني أنه قال: قد عبدته عبادة ما عبده بها أحد، والآن قد ضعفت، فقلت: ما أخوفني أن تكون كلمته هذه سبباً لرد الكل، لأنه قد رأى أنه عمل مع الحق شيئا، وإنما وقف يسأل النجاة بطلب الدرجات ففي حق نفسه فعل، وما مثله إلا كمثل من وقف يكدي، فلا ينبغي أن يمن على المعطي.وإنما سبب هذا الانبساط الجهل بالحقائق، وأين هو من كبار علماء المعاملة الذين كان فيهم مثل صلة بن أشيم إذا رآه السبع هرب منه وهو يقول إذا انقضى الليل عند صلاته: يا رب أجرني من النار، أو مثلي يسأل الجنة !، وأبلغ من ذا قول عمر: وددت أن أنجو كفافاً لا لي ولا علي، وقول سفيان عند موته لحماد بن سلمة: أترجو لمثلي أن ينجو من النار، وقول أحمد: لا بعد.فأنا أحمد الله عز وجل إذ تخلصت من جهل المتسمين بالعلم من هؤلاء الذين ذممتهم، وبالزهد من هؤلاء الذين عبتهم فإني قد اطلعت من عظمة الخالق وسير المحققين على ما يخرس لسان الانبساط، ويمحو النظر إلى كل فعل.وكيف أنظر إلى فعلي المستحسن ؟ وهو الذي وهبه لي وأطلعني على ما خفي عن غيري، فهل حصل ذلك بي أو بلطفه؟ وكيف أشكر توفيقي الشكر!، ثم أي عالم إذا سبر أمور العلماء من القدماء لا يحتقر نفسه، هذا في صورة العلم، فدع معناه، وأي عابد يسمع بالعباد ولا يجري في صورة التعبد، فدع المعنى.نسأل الله عز وجل معرفة تعرفنا أقدارنا، حتى لا يبقى للعجب بمحتقر ما عندنا أثر في قلوبنا، ونرغب إليه في معرفة لعظمته تخرس الألسان أن تنطق بالإدلال، ونرجو من فضله توفيقاً نلاحظ به آفات الأعمال التي بها نزهو حتى تثمر الملاحظة لعيوبها الخجل من وجودها، إنه قريب مجيب.