بسم الله الرحمن الرحيم حياة الأخلاق والصفات المحمودة التي هي حياة راسخة للموصوف بها، فهو لا يتكلف الترقي في درجات الكمال ولا يشق عليه لاقتضاء أخلاقه وصفاته لذلك، فحياة من قد طبع على الحياء والعفة والجود والكرم والسخاء والمروءة والصدق والوفاء ونحوها أتم من حياة من يقهر نفسه ويغالب طبعه حتى يكون كذلك، فإن هذا بمنزلة من تعارضه أسباب الداء وهو يعالجها ويقهرها بأضدادها، وذلك بمنزلة من قد عوفي من ذلك، وليس المعافى كالمبتلى، وأما من عدم مكارم الأخلاق ولم يتكلفها وما أكثرهم اليوم فسرعان ما يغرق في الانحلال والمسخ، ويغشاه ضباب الشح والبخل، وتغلب عليه أخلاق الكلاب والغربان وغيرها كل بحسبه.وكلما كانت الأخلاق الحميدة في صاحبها أكمل كانت حياته أقوى وأتم، فأكمل الناس حياة أكملهم حياء، فإن الروح إذا ماتت لم تحس بما يؤلمها من القبائح فلا تستحي منها، فإذا كانت صحيحة الحياة أحست بذلك فاستحيت منه، وكذلك سائر الأخلاق الفاضلة والصفات الممدوحة تابعة لقوة الحياة وضعفها، ولهذا كانت حياة الشجاع أكمل من حياة الجبان، وحياة السخي أكمل من حياة البخيل، وحياة الفطن الذكي أكمل من حياة الغبي البليد، ولهذا لما كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أكمل الناس حياة حتى إن قوة حياتهم تمنع الأرض أن تبلى أجسامهم كانوا أكمل الناس في هذه الأخلاق ثم الأمثل فالأمثل من أتباعهم.والحمد لله رب العالمين