«القبة الحديدية» .. تلك الأسطورة التقنية التي هللت لها إسرائيل، وصالت وجالت في كافة وسائل الإعلام من أجل كسب الحرب النفسية والدعائية، حيث اعتبرها المعلق السياسي لصحيفة "معاريف" (بن كاسبيت): «فخرًا إسرائيليًا» خصوصاً وأن «القبة الحديدية» تمّ تطويرها إسرائيليًا، الأمر الذي جعل قادة الحرب الصهيوني يتناسون في خضم أنشوداتهم المدائحية سلبيات تلك المنظومة، وأنها عمليا واقتصاديا ليست الحل السحري الذي تبحث عنه الدولة العبرية من أجل أمنها واستقرارها.
وبادئ ذي بدء لا بد أن يتفطن الجميع إلى أن هذه القبة، ما هي إلا منظومة «دفاعية» وليست هجومية على عكس سياسة الجيش الإسرائيلي العريقة في نقل أحداث المعارك إلى أرض العدو، فضلا عن أنها لن تكون أبدا بديلا عن المقاتلين الأكفاء على الأرض، وهذا هو سر أزمة الجيش الإسرائيلي التي أكدها مراقبون إسرائيليون أنفسهم، من أن تصدي «القبة الحديدية» لصواريخ المقاومة الفلسطينية لا يكفي، ولا يمكن أن يكون بديلاً لكفاءة الجندي والقادة؛ فالعنصر البشري يظل العامل الأساسي في المعركة، وهو ما يفتقده جيش الاحتلال. حيث قال المحلل السياسي (يسرائيل هرئيل) في صحيفة "هآرتس" أن: «الجيش الإسرائيلي الذي عُرف في الماضي بأصالته وشجاعته فقد الجرأة والأصالة. وهو ينفق ميزانيته على صواريخ اعتراض باهظة الكلفة في مواجهة قذائفنا الصاروخية الساذجة».
واضطربت المعلومات والإحصاءات عن مدى فاعلية تلك القبة الصاروخية، حيث أشارت المصادر الرسمية الإسرائيلية أن المنظومة تمكنت من إسقاط نسبة لا يستهان بها من الصواريخ المنطلقة من غزة بلغت (85%)، مع العلم أن مصادر إعلامية إسرائيلية متعددة ذكرت أنه من بين 116 صاروخ أطلقت من قطاع غزة تم إسقاط 35 صاروخ منها، مما يعني أن نسبة النجاح لم تتجاوز 35% من مجمل الصواريخ الغزاوية التي حقق بعضها إصابات مباشرة في إسرائيل.
وعلاوة على هذا لم تستطع القبة الحديدية إعادة الحياة الطبيعية لبلدات الجنوب الإسرائيلي، حيث لجأ الجيش الإسرائيلي إلى توزيع "مواسير" الصرف الصحي، بطول ثمانية أمتار، وعرض مترين في شوارع المستوطنات الصهيونية، كي يحتمي فيها اليهود لحظة سقوط صورايخ المقاومة.
هذا بالإضافة إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية أطلقت خلال أيام العدوان الأربعة الأخيرة ما يزيد على 200 صاروخ مما يعني امتلاكها مخزوناً ضخماً من الصواريخ، وقدرتها على الاستفادة من كثرة الصواريخ الممكن إطلاقها بحيث تنحسر معها فعالية منظومة «القبة الحديدية». وهذا سيكون له مردود سلبي أكبر للجانب الصهيوني إذا قامت فصائل المقاومة مجتمعة بإطلاق صواريخ أبعد مدى وأقوى سرعةً.
أما على الصعيد الاقتصادي فتمثل تلك القبة استنزاف مدمر للاقتصاد الإسرائيلي، فبحسب تقرير نشره موقع "غلوبس" الإسرائيلي الاقتصادي فإن القاعدة الواحدة تكلفت 100 مليون دولار أميركي. وتزيد تكلفة صاروخ واحد من طراز «تامير» المستخدم في منظومة «القبة الحديدية» على 220 ألف شيكل (55 ألف دولار أمريكي تقريبًا)، وهو ما يعني أن إسقاط المنظومة لصاروخ واحد تطلقه المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة، سيكلف إسرائيل مبلغاً يقترب من ربع مليون شيكل.
وعقب وزير المالية (يوفال شتاينتس) قائلا: «إنه على الرغم الثناء الكبير على القبة الحديدية إلا أنه لا يمكن التوهم والاعتقاد بأن إسرائيل قد تمول شراء بطاريات بما يكفي لتغطية البلاد بأسرها».
وبين الجدوى الأمنية والتكلفة الاقتصادية للقبة الحديدية، لا زالت هذه الوسيلة الدفاعية تواجه مشاكل فنية أيضًا، فهناك حالات أطلقت فيها قذائف صاروخية من القبة الحديدية لكنها سقطت على الأرض ولم تنفجر نتيجة خلل في أحد أجزاء القذيفة. وفي المقابل نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية، مؤخرًا عنواناً بالبنط العريض يقول: «بسبب خلل في القبة الحديدية لا مدارس غداً».
وتعصف ميزانية الأمن الصهيوني حاليًا باقتصاده، حيث يتحدث العديد من المسئولين الصهاينة عن أنّ تلك الميزانية أخذت حيزًا أكثر من اللازم، وأنّه على الحكومة الصهيونية أن تهتم بالوضع الاجتماعي بدلًا من استهلاك ميزانية كبيرة في تحقيق الجانب الأمني الذي يبدو حتى الآن بعيد المنال، خاصة مع تطور قدرات المقاومة في قطاع غزة.
هذه أكذوبة «القبة الحديدة» التي وصفها أحد المحللين العرب بقوله: قصة وحش يبدو مرعبا لكنه في غاية السخافة -وحش مغفل- أعطاه أحد اللصوص الكبار ثقته ليحرس أرضا مسروقة، ظنه الناس مخيفا في البداية؛ لكنهم عرفوا مع الوقت أنه ضعيف جدا ولا يستحق الثقة.
أما مسلسل استنزاف إسرائيل عسكريا واقتصاديا في جنونها التسليحي فيبدو أنه لن ينتهي، حيث قام الصهاينة مؤخراً بنشر أنظمة «صولجان مشع» للإنذار المبكر ضد الصواريخ المضادة للدروع والدبابات على السياج الأمني المحيط بقطاع غزة، وهذه المنظومة تمكن من الكشف عن الأسلحة الموجهة أو تلك التي يتم تشغيلها بواسطة الليزر، وتستطيع التعرف على وجهة ونوع الصاروخ وتقوم بالتالي بنقل هذه المعلومات بصورة بصرية وصوتية إلى القائد الميداني، ليتم معرفة أين سيصيب الصاروخ. وهذه المنظومة تساعد الدبابة على توجيه المدفع نحو التهديد، كما أنها توفر غطاء دفاع من خلال التشويش، حيث تُمكن من تشويش مسار الصاروخ بوسائل تكنولوجية مختلفة, بحيث لا يُصيب المركبات التي توجد عليها هذه المنظومة.
فهل سينجح الكيان الصهيوني في تحقيق الأمن لمواطنيه بهذا السعار التسليحي الباهظ التكلفة أم أن البدايات الخطأ حتما يكون آخرها خطأ بالضرورة.

د/ خالد سعد النجار

كاتب بجريدة القدس العربي
محلل بموقع جلوبال فويس الأمريكي
alnaggar66@hotmail.com