نص غير واحد من أهل العلم..ولاسيما شيخ الإسلام وتلميذه الإمام..
أن حجب الله للكافرين عن نفسه المقدسة أعظم نكالا ووبالا على هؤلاء من عذاب النار نفسه
والأمر لأول وهلة..بل حتى بعد التأمل ..لا يخلو من غرابة
لأنك إذا قايستها بالنظر العقلي المجرد لم تتوصل إلى شيء
فتخيل سيدا وعبدا-ولله المثل الأعلى-وهذا العبد أبق من سيده..
فقرر سيده أن يعاقبه بأن يحرمه لقاءه..وقارن ذلك فيما لو قرر سيده أن يجلده ألاف الجلدات
أيكون مجرد عدم اللقي أسوأ من هذا العذاب الأليم؟
وقد توصّلت بعد هداية الله وعونه إلى ما قد يفسر هذا الأمر المقطوع به..
وبيانه كما يأتي:-
-لمّا كان أعظم نعيم الجنة للمؤمنين هو النظر إلى الرب الجليل كما في قوله"للذين أحسنوا الحسنى وزيادة"
كان أشد عذاب حجب الكافرين عنه سبحانه
فإن قيل:لا يلزم هذا من هذا..
لأن عذاب النار..ألم جسدي ظاهر لا يحتمله أحد..مع ما نعلمه من كون النار الآخرة فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها-أجارنا الله وإياكم-
بخلاف نعيم الجنة الذي هو تفكهٌ بالنعم..على اختلافها..فيتصور عقلا أن يكون النظر إلى وجه الكريم الخالق لهذه النعم أعظم نعيما..
أقول..جوابا على هذا
إن العذاب النفسي كثيرا ما يكون أشد وقعا من العذاب الجسدي
حتى في الدنيا..
فالحرة العفيفة قد ترى أن قتلها أو قل تعذيبها..ولو بالحرق..أشد إيلاما ..من أن تقع في الزنى أو تقذف به..
فهذا متصور حتى في الدنيا إذن..فكيف يكون الحال مع الحالة المذكورة؟
ثانيا-أن الله تعالى يخلق الخلق يومئذ على هيئة مختلفة..كما ورد في الصحيح أن أطوالهم ستون ذراعا..كأبيهم آدم..عليه السلام..فهذا وجه آخر يتصور معه بيان أن المشاعر نفسها..والأحاسيس ..تكون مغايرة..ولاتقاس على الدنيا
ثالثا-أن الله تعالى وهو الخالق لهؤلاء حين يحجبهم عن نفسه الجليلة..
يقطع طمعهم في النجاة من النار وهذا وحده أعظم عذاب للنار..فإنهم قالوا في الدنيا"لن تمسنا النار إلا أياما معدودات"..وإن كانت وردت في اليهود ..لكن غير اليهود يقولها بلسان الحال
رابعا-أن الكافر الذي كان يكذب بالله ويجحد أو يعاند أو يكفر حتى مع استبانة الحق له..
يهينه الله تعالى بأن يحرمه من رؤيته إياه..فهذا من جنس العذاب المهين..
ولم يرد في القرآن قط..كما يقول شيخ الإسلام أن الله هدد مسلما بالعذاب المهين..
فالإهانة لا تكون إلا لكافر..
خامسا-أن الله تعالى ذو الصفات العلية والأسماء الحسنى..تقدس وجل وعز..
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير..
فحجب نفسه عنهم..يقتضي حجب صفات الرحمة عنهم من جهة
كما أنه حجب للمخلوق الفقير المتصف بكل نقص..عن الخالق الجليل العظيم المتصف بكل كمال
وهذا وحده..لا تدرك العقول كنهه..وأثره..وهول ه..فليس مما يُتطلب له تصور إذ هو من جنس تصور عظمة النعيم الحاصل برؤية الرب سبحانه وتعالى..
رزقنا الله وإياكم لذة النظر إلى وجهه الكريم
والله تعالى أحكم وأعلم