الشيخ: صالح بن علي الوادعي
عناوين الخطبة:
النهي عن السخرية
النهي عن الهمز واللمز
النهي عن التنابز بالألقاب
الآثار المترتبة على السخرية
سوريا جرح المسلمين
الدعاء
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الفحشاء والإثم والعدوان، حبب إلى عباده الإيمان، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، أحمده تعالى وهو المحمود بكل لسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة نعدها للأيام ذخراً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله شرح له ربه صدراً، ورفع له ذكراً، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون!
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
أيها الإخوة المؤمنون!
وقفتنا في هذه الجمعة مع النداء الرابع من نداءات رب العالمين تبارك وتعالى في سورة الحجرات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11].
في الآية المباركة نهي عن خلال ذميمة ثلاث: السخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب.
النهي عن السخرية:
أيها الناس!
خلق الله تعالى البشر وفاضل بينهم، وجعل بعضهم في خدمة بعض ابتلاءً وتسخيراً، كما قال الله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف:32] أي: مسخر بعضهم لبعض.
وهذه الرفعة في أمور الدنيا لا تستلزم الرفعة عند الله تعالى، بل يتفاضل الناس عند ربهم بالإيمان والعمل الصالح والتقوى، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، ولهذا كان واجباً عليهم أن يتخلقوا فيما بينهم بالأخلاق الحسنة؛ فلا يسخر قويهم من ضعيفهم، ولا يهزأ سيدهم بمسودهم، ولا يحقر غنيهم فقيرهم، وقد نهاهم الله تعالى عن التخلق بأخلاق الكافرين والمنافقين فيما بينهم من السخرية واللمز والتنابز بالألقاب.
إن السخرية بالناس خلق ذميم اتصف به من أبغضهم الله تعالى ومقتهم من الكفار والمنافقين، وقد ذكر الله تعالى سخريتهم بالمؤمنين، واستهزاءهم بهم، ولمزهم لهم، والحط منهم في غير ما آية من كتاب الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة:212]، وفي آية أخرى يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29-30]، ويقولون ساخرين بالمؤمنين، محقرين لشأنهم، مصغرين أمرهم: {أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا} [الأنعام:53].
أما المنافقون فهم أكثر الناس سخرية بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من الحق والهدى، قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [البقرة:14]، وقال الله تعالى عنهم: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِين َ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79].
ولسوف يجد الكافر والمنافق يوم القيامة عاقبة سخريته، كما قال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُو هُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:109-111]، لكن في الآخرة يكون الضحك للمؤمنين من الكفار الذين كانوا يستهزئون بهم في الدنيا، حين يدخل المؤمنون الجنة، ويتنعمون فيها، ويتكئون على الأرائك وهم ينظرون.. حينها يضحكون من الكفار والمنافقين المجرمين.. حين يكون الكفار والمنافقون في العذاب المهين الأليم -والعياذ بالله- قال الله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:34-36].
أيها الأحباب في الله!
إذا كانت السخرية من أخلاق الكفار والمنافقين فلا يليق بمسلم أن يتخلق بأخلاقهم؛ فيسخر من إخوانه المسلمين، أو يلزمهم، أو ينبزهم بالألقاب التي فيها تحقير لهم، وحط من شأنهم، وقد نهى الله تبارك وتعالى عن ذلك كله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم» [رواه مسلم].
فيا عباد الله!
علامَ السخرية من الناس؟! إن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب مفسد للإخوة الإيمانية التي أمر الله تعالى بها في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] وأمر بها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «وكونوا عباد الله إخواناً».
السخرية لا تنشأ إلا عن رجل متكبر، وهي تنم عن كبر في قلب صاحبها، وتعالٍ على من سخر بهم، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، ثم فسر النبي عليه الصلاة والسلام الكبر بقوله: «الكبر بطر الحق، وغمص الناس» أي: احتقارهم وازدراؤهم. هذه علامة المتكبرين والعياذ بالله!
حينما ينظر الإنسان إلى نفسه بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص، حينها يسخر.. حينها يحتقر.. حينها يزدري، وقد يكون الدافع للسخرية الحسد، فعندما يرى الإنسان أخاه المسلم على نعمة، ويرى في نفسه أنه أولى بها؛ فإنه يحتقره، ويتنقصه، ويحط من قدره، وينزله من مكانته؛ ليعلي هو من شأن نفسه، ويلفت الأنظار إليه.
النهي عن الهمز واللمز:
عباد الله!
صاحب السخرية لا بد أن كون همازاً لمازاً، وقد ذكر الله تعالى هذه الأمور في كتابه في آية واحدة؛ لأن المترفع والمتعالي على الناس، والساخر بهم لا بد أن يلمز غيره وأن يهمزه، واللمز هو المباشرة في السوء باللسان، والهمز هو العيب والقدح بالعين والحركات والالتفات، وغير ذلك من الأمور الفعلية.
أيها الإخوة!
تأملوا قول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} [الحجرات:11]، فالمؤمن إذا لمز أخاه المؤمن كأنما يلمز نفسه، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29]، أي: لا يقتل المسلم أخاه؛ لأنه إذا قتل أخاه أنقص عدد المسلمين وأضعفهم، وقد يكون معنى {ولا تلمزوا أنفسكم} [النساء:29]، أي: لا تلمزوا غيركم فيؤدي لمزكم إليهم أن يلمزوكم، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108]، وكما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لعن الله من لعن والديه، قالوا: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه»، أي: أنه تسبب في لعن أبيه وفي لعن أمه.
والله تبارك وتعالى توعد الهمازين اللمازين بقوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]، فالهماز يسعى بالنميمة وهي من كبائر الذنوب، وقد حذر الله تبارك وتعالى من ذلك نبيه عليه الصلاة والسلام فقال: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:10-11].
النهي عن التنابز بالألقاب:
أيها المؤمنون!
لبقاء الأخوة الإيمانية نهى الله تبارك وتعالى كذلك عن التنابز بالألقاب والتنادي بالعيوب والمعاير، فمن نبز أخاه بلقب يكرهه دخل في وعيد: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات:11]، قال أبو جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ} [الحجرات:11]، قال: «قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا فلان! فيقولون: مه يا رسول الله! إنه يغضب من هذا الاسم؛ فنزلت هذه الآية» [رواه أبو داود].
ولما عير أبو ذر رضي الله عنه رجلاً بأمه، غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «يا أبا ذر! أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية» [رواه البخاري ومسلم].
ولما عابت عائشةُ رضي الله عنها صفيةَ رضي الله عنها غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين لها عظيم فعلها، روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: حسبك من صفية أنها كذا وكذا -تعني أنها قصيرة- فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» لو خالطته لغيرته.
وقالت عائشة رضي الله عنها: وحكيت له إنساناً -أي: قلدته في حركة من حركاته - فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا» [رواه أبو داود].
السخرية موجبة للعداوة والخصومات، وكم من خصومات ومشاجرات أضرت بأصحابها، ولربما كان فيها قاتل ومقتول، كانت شراراتها الأولى لمز أو نبز باللقب أو سخرية، نفخ الشيطان في نارها حتى آلت بأصحابها إلى المقاتلة.
عباد الله!
السخرية بالناس ولمزهم ونبزهم باب من الشر عظيم يفتح أبواب العذاب -نسأل الله تبارك وتعالى العافية- ويملأ القلوب ضغائن وأحقاداً وعداوات، {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [آل عمران:162]. أعاذنا الله وإياكم من النار!
نفعني الله وإياكم بآيات الذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الآثار المترتبة على السخرية:
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس!
كان سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم ورحمهم يتوقون عيب غيرهم وقدحهم، والسخرية بهم، والحط منهم؛ حفاظاً على الأخوة، وتأليفاً للقلوب، وخوفاً من الإثم، وحذراً من الوقوع في عيوب أهل العيوب؛ لأنه من سخر من إنسان بعيب ابتلاه الله تبارك وتعالى بذلك العيب.
كان ابن مسعود رضي الله عنه من أشد الناس نهياً عن ذلك، حتى نقل عنه أنه قال:" لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلباً"، وكان رضي الله عنه يقول:" البلاء موكل بالقول".
وجاء عن أبي موسى رضي الله عنه:" لو رأيت رجلاً يرضع شاةً في الطريق فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها".
وكان إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى يقول:" إني لأرى الشيء أكرهه؛ فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله".
ويقول يحيى بن جابر رحمه الله تعالى:" ما عاب رجل رجلاً قط بعيب إلا ابتلاه الله تعالى بمثل ذلك العيب".
وهذا واقع مشاهد قد يجده الإنسان في نفسه، فيسخر من شخص في صفة اتصف بها، أو فعلة فعلها، ثم إذا هو يقع في ذلك، ويفعل مثل ذلك الفعل، ويتخلق بتلك الصفة التي عابها أو ضحك منه بسببها، ويكون ذلك عاجلاً أو آجلاً، مع ما يُدخر من الإثم عند الله سبحانه وتعالى.
إذا لم تصبه أصابت ولده حتى يراها فيه، والجزاء من جنس العمل، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]، وفي الحديث: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء».
ومن هنا نفهم -أيها الأحباب في الله- جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «الفم والفرج»، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من يتكفل لي ما بين فخذيه ولحييه أتكفل له بالجنة» أي: أضمن له الجنة.
وفي حديث معاذ قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ يوصيه: «أملك عليك لسانك، قال: أونؤاخذ بما تكلمنا به يا رسول الله؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم»، وحصائد الألسن سبب في دخول النار، والله تعالى يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].
أيها المؤمن!
انشغل بعيبك عن عيوب الناس، فعيوبنا كثيرة نعالجها ونراجع أنفسنا فيها، في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي جُرين الهُجيمي رضي الله تعالى عنه: «وإن امرؤ عيرك بشيء يعلمه منك فلا تعيره بشيء تعلمه منه، دعه يكون وبالك عليه، وأجرك لك»، الأجر لك ووبال الذنب على العبد.
وقد جاء في الترمذي -وإن كان به ضعف ولكن هذا الحديث يشهد له- قال عليه الصلاة والسلام: «من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله».
فاتق الله عبد الله، واحفظ نفسك؛ فإنك إن حفظت الله تبارك وتعالى في لسانك حفظك الله تبارك وتعالى.
قال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى:" من سلم منه الخلق رضي عنه الرب".
وقال بعض السلف:" احذر الناس، واكفهم نفسك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك، وإذا رأيت عاثراً فاحمد الله الذي عافاك، ولا تأمن الشيطان أن يفتنك".
أيها الأحباب في الله!
هذه وصايا حتى نلتزم شرع الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}، إما في الدنيا أو في الآخرة {وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ} [الحجرات:11] بئس أنكم استبدلتم اسم الإيمان ورضيتم اسم الفسوق؛ لأن من يفعل هذه الأمور استحق اسم الفسوق، والعياذ بالله!
أيها الأحباب في الله!
نسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يحفظ علينا ألسنتنا وأعيننا وآذاننا وسائر جوارحنا، ونعوذ بالله سبحانه وتعالى من شر ألسنتنا، وشر أعيننا، وشر قلوبنا وشر أمانينا، إنه على كل شيء قدير.
سوريا جرح المسلمين:
أيها الأحباب في الله!
ختاماً نذكر بما يحصل في أرض سوريا.. أرض الشام.. الأرض المباركة.. الأرض التي دعا لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشرفها الله تبارك وتعالى، وبارك فيها ربنا تبارك وتعالى، ما يحصل في أرض سوريا تتقطع له القلوب في صمت عجيب من العرب المسلمين والدول الكافرة، كان أهل سوريا ينتظرون من قمة العرب في العراق أمراً ينقذهم من ذلك السفاح الذي استباح الدماء، وانتهك الأعراض، واغتصب الأطفال!
لكم الله يا أهل سوريا.. لكم الله يا أهل سوريا.. لكم الله يا أهل سوريا.. فاعتصموا بالله، وارجعوا إلى الله، واستمسكوا بالله؛ لأن عبيد العرب عبيد لأسيادهم في الغرب لا يستطيعون أن يتكلموا.. إذاعات تتكلم، ودول تتكلم، ولكن لا عمل ولا حركة، ترك إخوانكم للذباحين وللسفاحين الذين هم عطشا للدماء البريئة، ولكن العاقبة للمتقين، والنصر من عند الله رب العالمين؛ فاثبتوا يا أهل سوريا، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.
إن لله سبحانه وتعالى حكم، هو الأرحم وهو الأحكم وهو العدل تبارك وتعالى، فإذا جاء وعد الله لا يستطيع أحد أمام وعده، ولا يستطيع أحد أمام قوته إذا نزلت وأمام نصره إذا نزل، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعجل النصر لإخواننا.
يا دعاة الإسلام.. يا علماء الأمة! اقصدوا البحر وخلوا القنوات، إياكم وبنيات الطريق، أعداء الله تبارك وتعالى يريدون أن يلهوكم وأن يشغلوكم بلعب وأمور ليس فيها مخرج لهذه الأمة، لعبة الديمقراطية يتهافت عليها الدعاة والعلماء وينسون الأمر الأهم الدعوة والتربية والعلم والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، يذرون الرماد في أعينهم، ويعتقد الدعاة والعلماء أنهم إذا صعدوا على هذه المنابر الجاهلية أنهم حققوا النصر، فينشغلون عن وظيفة الأنبياء من بيان انحراف هذه الأنظمة، وبيان جاهليتها، وبيان عمالتها.. ينشغلون عن ذلك والأمة تعيش في تيه وفي ضياع وطريقها مرسوم واضح، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].
الدعاء:
منبر علماء اليمن:
http://olamaa-yemen.net/main/articles.aspx?selected_article _no=13246