شكرا أيها الأخ على طرح مثل هذه المواضيع المهمة لطالب العلم..
وهذه فائدة لعل الله ينفع بها في الفرق ما بين طالب العلم المُؤَصَّل وطالب العلم الذي يقرأ فقط ؛ قال فضيلة شيحنا العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ-حفظه الله تعالى-( شرح كتاب الأربعون النووية ): " الحمد لله حق الحمد وأوفاه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الاهتمام بشرح الأحاديث يثري طلاب العلم في مادته، وفي فهمه للشريعة عامة، والأحاديث منها ما يشتمل على أصول وقواعد، فهمها يريح طالب العلم في فهم مسائل كثيرة إذا اشتبهت عليه ردها إلى هذه الأصول الواضحات، فاتضح له علم ما ربما أشكل أو خفي في بعض المواضع.
فعلم الحديث وفهم كلام العلماء على الأحاديث ينبغي أن يكون متسلسلا بحسب أهمية تلك الأحاديث، فكما ذكرت لكم سالفا أن هذه الأربعين النووية مهمة؛ لأن في شرحها بيان كثير من الأصول الشرعية، التي إذا استوعبها طالب العلم رَدَّ إليها ما أشكل عليه.
تجد -مثلا- أن العالم أو طالب العلم إذا وردت عليه مسألة مشكلة، ربما لم يطلع فيها على كلام لأهل العلم، وهي مشكلة، فيرد ذلك المشكل إلى ما يعلمه من الأصول الشرعية التي دلت عليها أدلة الكتاب أو أدلة السنة، فيتضح له الإشكال؛ لأن مما يميز أهل العلم أنهم يردون المتشابه إلى المحكم.
فإذا ضبط طالب العلم المحكمات من الأدلة الواضحات البينات، وتبَيَّن له كلام أهل العلم الراسخين عليها، فإنه يستطيع -بفضل الله ونعمته ورحمته- أن يرد ما يشكل فيما يقرأ، أو فيما يسمع، أو ربما فيما يُورد عليه من سؤال، أو في مجلس من حديث، أو نحو ذلك، يرد ما أَشْكَل إلى ما اتضح له أو يتوقف فيه .
وهذا هو الفرق ما بين طالب العلم المُؤَصَّل وطالب العلم الذي يقرأ فقط؛ فطالب العلم المؤصل يكون عنده بناء المحكمات شيئا فشيئا في العقيدة والحديث والفقه، فلا تجد أنه يضطرب عند إيراد المشكلات، أو أنه يغير رأيه تارة هنا وتارة هناك، كما قال الإمام مالك -رحمه الله-: "من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل". لأنه لا يكون عند كل أحد من العلم بالشريعة وفهم أصولها وفروعها والمحكمات ما يمكنه أن يرد الشبه، أو يرد الإشكالات إلى ما أُحْكِمَ من أدلة هذه الشريعة العظيمة.
لهذا لا بد من أن يؤخذ العلم شيئا فشيئا، وأن تُفْهَمَ شروح أهل العلم على الأحاديث على مر الأيام والليالي، فيتحصل طالب العلم على حصيلة علمية متينة يكون معها -إن شاء الله تعالى- وضوح الشريعة، وفهم الأدلة، وهكذا كان يسير العلماء، فيحرصون على فهم الأولويات، فهم الأشياء، أو الأحاديث التي هي مختصرة أو جوامع أو كليات، ثم ينتقلون إلى المطولات بحسب الحاجة .".اهـ