احتسب فأنت في إجازة



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وأتبع هداه بإحسان إلى أن نلقاه ، أما بعد :
ففي الوقت الذي يستعد الكثير من الناس لاستقبال القادم المنتظر بعد عام من الصبر ، تأتي الإجازة وقد استقبلها البعض استقبال العروس أمضى وقته للتخطيط والإعداد المسبق ، وآخرون استقبلوها بالنوم والراحة وكأنهم لن يجدوا طعم الراحة إلا في هذه الإجازة ، وغيرهم ملئوا حقائبهم استعداداً للسفر إلى خارج البلاد أو داخلها ، والبعض الآخر جعلها فرصة للتجارة والاستثمار .
لقد التصق في أذهان كثير من الناس أن معنى الإجازة : الراحة واللهو والسهر والاسترخاء وقضاء الأوقات في الرحلات والسفر والمتعة الشخصية أو العائلية .
لذا أحببت أن أنبِّه على أمر قد غاب عن الكثير ، وهو من الأهمية بمكان ، فالإجازة هي عبارة عن فترة من الزمن ، يمر بها عمر الإنسان لا يكون له فيها كثير عمل وبذل وجهد في التحصيل الوظيفي ، يُقضى عادةً في الراحة والسكون .
وقد تضيع أوقات الإنسان دون الاستفادة منها ، وكل شيء مسجل إما له أو عليه ، قال تعالى:}مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{(ق :18) ، وقال تعالى:} وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا{(الكهف: 49)
فمنهم من يستفيد من هذه الإجازة ، ومنهم من يضيعها دون فائدة ، بل إن البعض يجعلها من أولها إلى آخرها في معصية الله عز وجل ، يقضيها في المعاصي والمنكرات والسفر لارتكاب المحرمات .
عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" : (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما وضعه ، وعن علمه ماذا عمل فيه) (سنن الدارمي 548 )
فالإنسان محاسب على كل لحظة ، وكل عمل ، وكل كلمة ، ومسئول ومحاسب عن هذا المال الذي يدفع في الإجازات ، وعن العمر الذي يضيع في الرحلات والسفر وقضاء الأوقات فيها ، وعن علمه ماذا عمل به أثناء فترة قضاء هذه الإجازة ، قال تعالى:}فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُ مْ أَجْمَعِيْنَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ا(لحجر :92/93)
فإذا عرفت كل هذا فأعلم أن باب الأجر والثواب مفتوح أثناء قضاء إجازتك ، واللبيب من يستغل الفرصة لكسب الحسنات وزيـادة رصيده من الدرجات ، فالحياة فرص ومواقف ، فإذا بان لك الخير فأسرع إليه ، فكم من فرصةٍ نيل بها خير الدنيا والآخرة .
تذكر دائماً أن الاحتساب هو الثمرة اليانعة ، والفرصة السانحة لاغتنام الدرجات واقتناص الحسنات ، فالاحتساب : هو افتعال ، أي طلب الحسبة ، وهي الأجر ، فيقال : احتسب فلاناً أجراً عند الله اعتده ، ينوي به وجه الله ، وفي الحديث:" من صام رمضان إيماناً واحتساباً "(صحيح البخاري 1910 )
فلا تنس أن الاحتساب يكون بالأعمال الصالحة ، وسأذكر لك بعض أشكال الاحتساب التي قد تعينك في استغلال الإجازة لتخرج إن شاء الله بالثواب والأجور والدرجات والحسنات .
- الاحتساب في قضاء الإجازة في طاعة الله .
- احتساب الأجر بترك المعاصي والمنكرات والكبائر أثناء الأجازة ، لتعينك على تركها بعد انقضاء إجازتك .
- احتساب أجر تعلّم آداب السفر وسننه .
- الاحتساب في إدخال السرور على نفسك وأهلك ورعيتك ، وخاصة الوالدين بتلبية طلباتهم وقضاء حوائجهم أثناء فترة الإجازة .
- الاحتساب في زيارة الأقارب وصلة الأرحام والسؤال عنهم .
- الاحتساب في ملاطفة الأولاد والزوجات وأهل البيت والأقارب .
- الاحتساب في تعويد الأولاد وحثهم على أداء الصلوات وسائر العبادات ومتابعتهم .
- الاحتساب في ترفيههم بالخروج إلى المنتزهات والحدائق وأماكن الترفيه الخالية من المخالفات الشرعية .
- الاحتساب عند شراء ما يدخل السرور على الأهل والأولاد من طعام ، أو ملبوس ، أو ألعاب ، أو حلوى .
- الاحتساب في زيارة أصدقاء الوالدين والسؤال عنهم وبرهم .
- الاحتساب في التقوى خلال هذه الإجازة لتزداد قوة ونشاطاً وهمَّة للعمل بعد قضاءها .
- الاحتساب في مساعدة الفقراء والمحتاجين بإطعامهم أو التصدق عليهم أو مساعدتهم ، او تلمس أحوالهم ، والسعي في خدمتهم .
- الاحتساب عند دعوة أحد إلى طعام وليمة أو عزيمة أو زيارة بسيطة .
- الاحتساب في سماع الأشرطة النافعة والمفيدة كأشرطة القرآن الكريم والمحاضرات والدروس .
- الاحتساب في قضاء الإجازة داخل البلاد وعدم السفر لبلد الكفار .
- احتساب التعب والمشقة في سفر الطاعة .
- الاحتساب في اختيار الرفقة الصالحة أثناء السفر .
- الاحتساب لالتزامك بأنظمة السير في السفر .
- الاحتساب في استغلال الإجازة للدعوة إلى الله بأي شكل من الأشكال مثل : توزيع المطويات والأشرطة والنشرات النافعة .
- الاحتساب عند قراءة كتاب نافع أو إهداؤه لغيرك ليقرأه .
- الاحتساب عند رد الأمانات والودائع إلى أهلها.
فالاحتساب باب عظيم لمن عرف كيف يستغله في كسب الحسنات والأجور .
وتذكر أن المؤمن طيب مثمر كنخلةٍ أصلها ثابت على هذا الدين مجبول على حب الخير وعمل الطاعات ، وفرعه في السماء يرتقي إلى العلياء لا تراه إلا على الخير ، لا تبصره إلا على طاعـــة في كل ساعة ، فهـــو كالنحلة في عطائها وعملها الــدؤوب ، قال "صلى الله عليه وسلم" :( مثل المؤمـــــن مثل النــحلة ، لا تأكل إلا طيباً ، ولا تضــــع إلا طيباً) (صحيح ابن حبان 247)
فهذه الإجازة أمامك وبين يديك ، تعيشها بساعاتها ودقائقها ، وستعود إليك ثانيةً وثالثة ما حييت لتعيشها ، فكن بإذن الله ممن أمَّل خيراً وأحسن التخطيط والتسديد ، وسعى إلى العمل الصالح .. وأحتسب الأجر .
عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال :قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لرجل وهو يعظه :"اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ،وحياتك قبل موتك" (مستدرك الحاكم 7846)
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن لا يحرمك الأجر والثواب ، وأن يجعلنا وإياك ممن فاز بالأجور الموصلة إلى جنات النعيم ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
والله أعلم وأحكم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين .

إعداد




رضوان بن صالح الورد





تنسيق ونشر/مجموعة آل سهيل الدعوية
بإشراف : سهيل بن عمر بن عبد الله بن سهيل الشريف.