قال ابن القيم - رحمه الله - : الخُلة : من أنواع المحبة وهي تتضمن كمال المحبة ونهايتها، بحيث لا يبقى في القلب سعة لغير محبوبه، وهي منصبٌ لا يقبل المشاركة بوجه ما، وهذا المنصب خاصٌ للخليلين صلوات الله وسلامه عليهما : إبراهيم ومحمد، كما قال : " إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ".
وفي الصحيح عنه أنه قال : " لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله ".
وفي حديث آخر : " إني أبرأ إلى كل خليلٍ من خلته ".
ولما سأل إبراهيم عليه السلام الولد فأُعطيه، وتعلَّق حبه بقلبه، فأخذ منه شعبة، غار الحبيب على خليله أن يكون في قلبه موضعٌ لغيره، فأمره بذبحه، وكان الأمر في المنام ليكون تنفيذ المأمور به أعظم ابتلاءً وامتحاناً، ولم يكن المقصود ذبح الولد، ولكن المقصود ذبحه في قلبه ليخلص القلب للرب، فلما بادر الخليل إلى الامتثال، وقدَّم محبة الله على محبة ولده، حصل المقصود فرفع الذبح وفدّى الولد بذبح عظيم، فإن الرب تعالى ما أمر بشيءٍ ثم أبطله رأساً، بل لابد أن يبقى بعضه أو بدله كما أبقى شريعة الفداء، وكما أبقى استحباب الصدقة بين يدي المناجاة وكما أبقى الخمس الصلوات بعد رفع الخمسين وأبقى ثوابها، وقال : " لايبدَّل القول لديَّ، هي خمسٌ في الفعل وهي خمسون في الأجر ".
المصدر : الجواب الكافي، ص: 282.