الشيخ: مراد بن أحمد القدسي

بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن الدعوة إلى الله تعالى من أعظم القربات لما ثبت في فضلها من الفضائل والأجور، ولما فيها من النفع للمسلمين، ولما فيها من تقليل الشرور والفساد في الأرض، ولما فيها من بيان فساد المفسدين وتبين حقائقهم للناس، ولما فيها من تعليم الناس أمور الدين، ولما فيها من إقامة الحجة والأعذار إلى الله. وفي واقعنا اليوم نشاهد ضعفاً وتواني في الدعوة، وعدم ابتكار في وسائلها، وعدم ممارسة الدعوة بشكل دائم ومستمر وفاعلية. فكان الحديث عن هذا الموضوع " الكسل الدعوي" وفيه مباحث: 1- مفهومه. 2- مظاهر الكسل الدعوي. 3- أسبابه. 4- آثاره. 5- علاجه. 1- مفهومه: هو ضعف الاندفاع الذاتي والجماعي في مجال الأنشطة الدعوية المختلفة. 2- مظاهر الكسل الدعوي: - التأخر عن أداء المهمة المناطة بنا. - عدم الحرص على الدعوة أو الندم على فواتها. - عدم الجدية والفاعلية في المناشط الدعوية. - اختلاق الأعذار في حال المحاسبة. - التفاعل مع الحد الأدنى من الأنشطة المطلوبة. - إهمال الأنشطة إلا عند اللوم. - في الأنشطة التي لا يعرفها الداعية لا يحرص بالسؤال عنها. - عدم الحرص في التغيير إلى الأفضل في الأنشطة غير المثمرة والاكتفاء بالقديم العتيق. - تثبيط الآخرين عن التفاعل مع الأنشطة. 3- أسباب الكسل الدعوي: - الضعف في معرفة فضائل الدعوة واستشعار وأهميتها. - غياب الأهداف الدعوية أو عدم الوضوح فيها. - قلة التكاليف المُناطة بالدعاة، فيجعله ينشغل بالمباحات، مما يجعله يألف هذا الوضع ويشغله عن التحرك في أمور الدعوة. - حدوث بعض النتائج السلبية بعد أحد الأعمال الدعوية تسبب للبعض إحباطاً أو عزوفاً عن العمل. - قلة المشاركة من الكثير من الدعاة، مما يشعر الناشط منهم بثقل التكاليف التي يتحملها وحده، مما يحدو به كردِّ فعل لعدم التفاعل مثله ومثل الآخرين. - تعجل قطف الثمار تجعل الكثير -وكردَّة فعل- يفضلون الابتعاد عن المشاركة والعمل الجادّ. - ضعف الجانب الإيماني والقناعات في الدعوة، وجعلها كأنها وظيفة تؤدى ويتقاضى عليها مكافأة أو راتباً. - الانشغال بالدنيا والإغراق فيها على حساب الدعوة. - الملل من الروتين المتكرر وعدم التجديد في المناشط، والنفس بطبعها تحب التجديد. - التأثر بالكسالى والمثبطين في الدعوة إلى الله تعالى. - تسنَّم البعض قافلة الدعوة قبل النضوج وتكوين القدرات الكافية في النفس لتحمل أعباء الدعوة. - الاختلاف والتفرق وكثرة وجهات النظر، مما قد يسبب الابتعاد عن العمل خوفاً من الزلل وخوفاً من التصنيف أو الاتهام. من الأسباب من قادة الدعوة: - ضعف المتابعة من قبل المسئولين، مما يجعل الأفراد يشعرون بعدم أهميتهم أو عدم تنبههم على القصور أولاً بأول. - عدم التقدير والتشجيع يجعل البعض يشعر بأنه سواء وعمل أو لم يعمل، فالأمر سيان. - التصرف الخاطئ في إعداد المناشط وأساليب تفعيلها من قبل القادة، مما يجعل الدعاة لا ينظرون إلى قدوةٍ أمامَهم يقتدون به. 4- آثار الكسل الدعوي: - التأخر في إنجاز المهمات الدعوية، مما يحتاج إلى جهد أكبر وفي وقت أطول. - اختلاق الأعذار عند المحاسبة مما يؤنب ضمير الداعية مستقبلاً. - توقف الدعوة عند حد معين من الوسائل وعدم ابتكار وسائل جديدة بسبب أن الوسائل القديمة لم تنفذ بعد. - سعة الهُوَّة بين الدعاة وبين الجهة المسئولة عنهم بسبب المتابعة والتقويم، مما يفتح المجال للتراشق بالكلمات اللامسئولة. - تأخر تحقيق النتائج المرجوة من الدعوة إلى الله تعالى. - تسلط أعداء الدعوة على الدعوة والدعاة، فمن لا يهاجم لا بد أن يُهاجم. 5- علاج الكسل الدعوي: مما يجعل الداعية يتفاعل مع دعوته: معرفة ما له من أجر إذا قام بها، أو التعرف على أهمية الدعوة. وأجور الدعوة تكمن في الآتي: - أنها من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:110]. - أن فاعلها من أحسن الناس قولاً، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. - روى الترمذي من حديث أبي أمامة: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلُّون على معلّم الناس الخير». وتساءل أهل العلم عن سبب دعاء هؤلاء ومنهم النملة والحوت؟ فأجابوا: قال ابن قدامه: "أن نفع العلم يعمُّ كل شيء حتى الحوت، فإن العلماء عرفوا بالعلم وما يحل ويحرم، وأوصوا بالإحسان إلى كل شيء حتى إلى المذبوح والحوت، فألهم الله تعالى الكل الاستغفار؛ لهم جزاء لحسن صنيعهم". روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه». روى البخاري من حديث سهل: «قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم». وأما أهمية الدعوة فتكمن في الآتي: 1) أن فيها تثبيت الداعية على الصراط المستقيم وما يحصِّله من أجور عظيمة من الدعوة. 1) لأنها الطريق الأمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2) ولأنها أعظم طريق لبيان مخططات الأعداء داخلياً وخارجياً حول الإسلام والمسلمين. 3) ولأن فيها بيان الشريعة للناس وأحكامها، ورفع الجهل عنهم، ورجوع الناس إلى الدين والعمل به. 4) ولأنها من الطرق في إقامة حجة الله على عباده والإعذار إليه سبحانه. 5) ولأنها من وسائل نصرة المسلمين على أعدائهم وتلاحم الصف بينهم. مما يعين على النشاط الدعوي وضوح الهدف منها، وتنقسم إلى قسمين: 1- الهدف العام: تحقيق رضا الله تعالى، وهذا من شأنه أن يجعل الداعية لا يهدأ أبدا ً حتى يتم هذا الأمر أو تحقيق العبودية لله تعالى. 2- الهدف الخاص "الجزئي": وهو الهدف القريب من كل عمل دعوي مهما كبر أو صغر، وبذل الجهد الكافي لتحقيقه الوصول إليه. 3- وضع البرامج المتنوعة للدعاة من قبل قيادات الدعوة، والمناقشة المستفيضة حول جوانب الخلل والقصور فيها، ومواكبة العصر وإعطاء جوانب إبداعية متجددة حتى لا نقع في قلة التكاليف، والتي تدعو إلى الركون والدعة. 4- لا تنتظر النتائج: قال تعالى: {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} [عبس:7]. وقال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ} [النور:54]، وعلينا بذل كل الأسباب المؤدية إلى الثمار المرجوة، فإن حصلت فلنحمد الله، وأن تأخرت أو تخلفت فالأسباب يعلمها الله، ولسنا محاسبين على ذلك، ولا لوم علينا. 5- فتح مجالات النصيحة بين العاملين في حقل الدعوة لتنشيط الكسالى، وإعانة العاملين، وعدم الارتكاز على شخصيات معينة، فإن هذا يتنافى مع التجديد في قيادات الدعوة. 6- التوبة والاستغفار، مما يعين المرء على تحمل مشاقِّ الدعوة وممارسة الدعوة باستمرار، فإن هذا مما يقوي الإيمان ويزيده؛ لهذا اعتبر علماء الإسلام أن الدعوة من القربات التي تقدم على العبادات القاصرة كنوافل الصلاة، مما يدل على أنها أهم منها، وأنها مما تزيد الإيمان، ثم على الداعية أن ينظر لجوانب القصور عنده مما يضعف إيمانه، فيهتم بإصلاحه حتى لا يعود على دعوته بالكسل والتواني. 7- التوازن بين مطالب الداعية الشخصية ودعوته، فلا يخلط بين الأمرين، ويجعل لكلٍّ وقته المناسب، وعليه أن لا يتطلع إلى ما لدى أهل الدنيا من ترف وسعة في الرزق. قال تعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:131]. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم». 8- في القيادات وفي أقسامها لابد من إيجاد جهة، عملها متابعة مناشط الدعوة وإيجاد ميادين أخرى للانطلاق بها، وعدم الاكتفاء بالمناشط الحالية، حتى نفتح مجالات رحبة لكسب المدعوين، ولإبعاد النفوس عن الملل والسآمة. 9- لابد من إيجاد محاضن علمية لتكوين أعداد كافية ومؤهلة للدعوة، ولا يوضع أي داعية إلا بعد معرفة كفاءته وقدرته على تحمل المسئولية. 10- علينا تفهم أوجه الاختلاف، وما الذي يسوغ منه وما الذي لا يسوغ، والتعامل معه بحسب النصوص الشرعية، ولا نجعل الاختلاف وسيلة من وسائل التثبيط والكسل في الدعوة؛ لأنه طارئ، والدعوة أصل وفريضة. 11- وينبغي أن نتناصح فيما بيننا وبين قادة الدعوة، وذلك: - بإحياء روح المتابعة وإصلاح جوانب القصور أولاً بأول. - بضرورة رفع المعنويات للدعاة الفاعلين ومحاسبة المقصرين، وذلك بإحياء مبدأ الثواب والعقاب. - وبالنظر إلى أنفسهم وجعلها في محل الإقتداء للدعاة، في النشاط والجدية والتنوع في وسائل الدعوة. - بإحياء الجو التنافسي في حقل الدعوة، وإبراز الأعمال الناجحة والمثمرة، حتى يلتفت إليها الدعاة. - إحياء روح الإخلاص لله تعالى واستشعاره بشكل دائم يقضي على كثير من الأمراض، ومنها الكسل، فذلك المخلص لا يحرص على ثناء الناس على جهوده، كما أن الإساءة إليه لا تثبط همته في العمل والنشاط، كما أنه إذا فرط الآخرون تراه باقياً على جهوده وبهمّة عالية؛ لأنه لا يرجو الأجر إلا من الله سبحانه وتعالى. المراجع: 1- مشكلات الدعوة وحلولها، عبد الحميد البلالي. 2- الحرص على هداية الناس، د./ فضل إلهي. 3- المدخل إلى علم الدعوة، د./ محمد أبو الفتح البيانوني.