قال الرافعي-رحمه الله- :
«وهنا معنًى نُرِيدُ أن نُنَبِّهَ إليه ونتكلمَ في سِرِّه وحقيقته، فإنك تقرأ ما جُمع مِن الكلام النبوي فلا تُصيبُ فيه ما تُصيبُه في بلاغة أدباء العالم مما فَنُّهُ الكلامُ في المرأة والحب وجمال الطبيعة،
وهو [
] في بلاغة الناس كالقلب في الجسم: لا تخلو منه ولا تقوم إلا به، حتى تجد الكلامَ في المرأة وحدَها شطرَ الأدب الإنساني، كما أن المرأة هي شطر الإنسانية،
ولا يُعرفُ له
في هذه الأغراض إلا كلماتٌ بيانية جاءت بما يفوق الوصف من الجمال والدقة، متناهية في الْحُسْنِ، طاهرةً في الدَّلالة، يَظهرُ في وَجْهِ بلاغتِها ما يظهرُ في وَجْهِ العذراء مِن طبيعة الحياء والْخَفَر؛ كقوله في النساء: "
رفقًا بالقوارير"، وقولِه لأسامة بن زيد، وقد كساه قُبْطِيَّةً فكساها امرأتَه: "
أخاف أن تصف حجم عظامها"،
قال الشريف الرضي في شرح هذه الكلمة:
(وهذه استعارة، والمرادُ أنَّ القُبْطِيَّةَ بِرِقَّتِها تَلْصَقُ بالجِسْمِ، فتُبينُ حَجْمَ الثديين والرَّادِفَتَيْ نِ، وما يَشتَدُّ من لَحم العَضُدَيْنِ والفَخِذَيْنِ، فيَعرفُ الناظِرُ إليها مقاديرَ هذه الأعضاء، حتى تكون كالظاهِرةِ لِلَحْظِهِ، والْمُمْكِنَةِ لِلَمْسِهِ، فجعَلها -عليه الصلاة والسلام- لهذه المحالِّ كالواصفةِ لما خلْفها، والْمُخبِرةِ عما استتر بها؛ وهذه مِن أحسنِ العبارات عن هذا المعنى، ولهذا الغرض رمى عمر بن الخطاب في قوله: "إياكم ولبس القَبَاطِيِّ فإنها إلا تَشِفَّ تصف". فكان رسولُ الله
أبا عُذْرَةِ هذا المعنى[أي السابق إليه]، ومَن تبِعَهُ فإنما سَلَكَ فَجَّهُ).