بسم الله الرحمن الرحيم
رابط مقال ( لكي لا نسقط على القرآن وزر تمذهبنا ) ليوسف أبا الخيل بجريدة الرياض:
http://www.alriyadh.com/2006/08/10/article178140.html
من وجهة نظري أن الأمر أصبح خطيرا جدا ويحتاج إلى حزم وتصعيد, ومع كون الردود العلمية من الواجبات إلا أنها لا تكفي لخطورة هذا الطرح الذي يطرحه هذا الكاتب وأمثاله, وهو يعكس تطورا كبيرا تجاه المزيد من التحرر والجرأة على النصوص وفي مقدمتها القرآن, والذي يعانون من كونه نصا منزلا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وهم يريدون الحرية ليقولوا ما شاءوا من أهواء أشربوها من الغرب أو الشرق, أو نفث الشيطان بها في روعهم فتلقفوها بقلوب فارغة فتمكنت منهم.
ليسمح لي القارئ في هذه الأسطر أن أبين له ,من خلال قراءة أسلوب الكاتب في صياغة المقال وانتقاله من فكرة إلى فكرة, المقصد الخطير الذي يرومه, وذلك من خلال النقاط التالية:
أولا: العنوان, وقد اختار الكاتب أن يعنون لمقاله بهذا العنوان: ( لكي لا نسقط على القرآن وزر تمذهبنا ), فالكاتب يريد بزعمه أن يبرأ القرآن من خلال إنكاره لصلاحية بعض أنواع آياته للاحتجاج بها واستقاء المعتقدات والتصورات منها, وذلك لأنها - كما يزعم - من كلام البشر ولا يصح أن نجعلها من كلام الله محتجين بها. كما يجعل الكاتب ما يعتبره قراءة أيديولوجية تقوم بـ " "شرعنة" كثير من مظاهر الظلم والإجحاف " هي من وزر التمذهب بما أسماه " المنهج السلفي ".
ثانيا: يقرر الكاتب بعذ ذلك أن هناك قراءة أيدولوجية للنصوص القرآنية تفسره لصالح فكرة معينة يعتقدها المفسر, ويضرب لذلك المثل بالخوارج ثم يرمي بذلك بني أمية وأنهم جاءوا بالجبرية " ليشرعنوا " أفعالهم وأنها من قدر الله, وبالتالي جاء خصومهم بالقدرية ليحملوا بني أمية مسئوليات أخطائهم ! وأؤكد هنا على أن هذه ليست الفكرة الأساسية في المقال وليست الهدف الأساسي من كتابته, بل هي بمثابة تمهيد وأصل سيحمل على حكمه أهل السنة والجماعة, ليكون القياس الباطل الذي أركانه: أصل وهم المبتدعة ومن ورائهم من بني أمية كما يزعم الكاتب, وفرع وهم أصحاب المنهج السلفي, وحكم وهو بطلان قرائتهم للنصوص, وجامع وهو القراء الأيديولوجية التي تفسر القرآن وفق اعتقاد سابق.
ومن الخطأ من وجهة نظري أن ينجر القارئ لمقال أبا الخيل هذا إلى معركة معه حول بني أمية, وأن إطلاقاته الجائرة فيهم تشمل بعض الصحابة وما إلى ذلك, لأن المقصود الأساسي من المقال أبعد بكثير, وهو إضعاف " سلطة النص " كما يسمونها, والتشكيك في حجية الاستدلال ببعض الآيات التي تقف حجر عثرة في طريق العصرانيين لتقرير قضايا معينة وفق تصوراتهم التي تأثروا فيها بالغرب وغيره.
ثالثا: ينتقل الكاتب بعد هذا للب الموضوع, حيث يقدم فتنة خلق القرآن على أنها نزاع مشابه لذلك الذي وقع بين الجبرية وبني أمية من ورائهم, وبين القدرية, ولكن الخصوم هذه المرة هم المعتزلة وأهل السنة والجماعة, ولكن الممارسة هي الممارسة: قراءة أيدولوجية للنص, والنتيجة هذه المرة كما يرى الكاتب: تدشين التفسير الأيديولوجي للقرآن منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
رابعا: تجنب الكاتب التصريح بأن ( تدشين التفسير الأيديولوجي للقرآن منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ) هو نتيجة لعقيدة ( القرآن منزل غير مخلوق ), إلا أنه من نافلة القول أن خصوم الكاتب ليسوا هم المعتزلة القائلين بخلق القرآن ! كما أن التقسيم الذي سيؤسسه الكاتب في بقية المقال ويمثل له هو تقسيم لكلام الله ( كما هي عقيدة السلف ), فاللائمة لا تقع على المعتزلة من قريب ولا بعيد, ولكن الكاتب في المقابل لم يلقي باللائمة على عقيدة ( القرآن منزل غير مخلوق ), وإنما ذهب لأمر آخر حين قال: ( إلا أن ظهور الآراء المتأرجحة بينهما، وتكاثر الأنصار والخصوم لكليي الرأيين، أتاحا مجالاً واسعاً لتدشين التفسير الأيديولوجي للقرآن منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ), والعاقل يعرف أن الخصومات ليست بذاتها التي تأثر في التصورات والأفكار بل ما تحمله من الآراء, وقد برأنا المعتزلة من التبعة فما بقي إلا رأي واحد هو عقيدة ( القرآن منزل غير مخلوق ), إلا إن ألقينا باللائمة على ( الآراء المتأرجحة بين الرأيين ), وهذه الآراء التي لم أسمع بها إن كانت قد وجدت فعلا فليست مما اشتهر واستمر حتى يوجد له هذه التأثير الكبير في تدشين القراءة الأديولوجية التي ينتقدها الكاتب.
خامسا: بعد أن أربك الكاتب عقلية القارئ بتقديم ( الآراء المتأرجحة بينهما، وتكاثر الأنصار والخصوم لكليي الرأيين ) كمتهم بإيجاد التفسير الأيديولوجي المتشدد, انتقل للهجوم المباشر الذي سيكون أقل استفزازا للعقل بعد وقوعه في الحيرة وتشتيت قدرته على تمييزالمقصود الواضح, وذلك حين قرر وبكل صراحة أن المتهم هو ما أسماه " النظرة التقليدية التي أقصت النظرة الاعتزالية من الساحة " وهي بالطبع عقيدة أهل السنة القائلين بأن القرآن كلام الله. ثم ذكر جريمة النظرة بأنها أيدت " نسخة غير قابلة لتطوير مفهوم تفسير النص القرآني ليتوأم مع مستجدات العصر، من خلال أعمال معيارها المشهور (القرآن منزل غير مخلوق) ", فإعمال هذه العقيدة التي سماها الكاتب معيارا وأضافها للقائلين بها - في قوله: " معيارها " - في أسلوب يراد به سحب الشرعية من هذه العقيدة بتسميتها بالمعيار ونسبتها للنظرة, ولا يخفى الفرق بين العقيدة والنظرة.
سادسا: أبان الكاتب عن غرضه من هذا الهجوم على العقيدة, التي سترها بلباس " معيار النظرة ", وهو - أي الغرض - " تطوير مفهوم تفسير النص القرآني ليتوأم مع مستجدات العصر ", وهدفه الذي يفهم من ظاهر هذه العبارة هو تقديم معيار جديد لتفسير النص وهو: موائمة مستجدات العصر, وذلك في قوله: " ليتوأم مع مستجدات النص ".
سابعا: كان من الممكن للكاتب أن يجعل هذا المعيار محور مقاله - وهي فكرة قديمة قدم العصرانية في كل الأديان - ليسوق الحجج اللازمة لجعله هو المعيار الصحيح لتفسير النص, ولكن مراده في المقال أبعد من هذا, وهو الانتقال من مرحلة تفسير النص إلى مرحلة تصنيف النص, حيث يجعل بعض القرآن ليس من كلام الله الذي يحتج به في إثبات التصورات والعقائد وإنما هو كلام بشر ساقه الله في كتابه فلا حجية له. وهذه نقلة ضخمة وكبيرة يجب أن ينتبه لها أهل القرآن حيث الأمر تجاوز التفسير إلى النص نفسه !!
ثامنا: خطورة هذا الأمر حاضرة في ذهن الكاتب, فهو يعي ما يكتب حيث يقول محاولا تخفيف اللهجة: " (القرآن منزل غير مخلوق) وهو قول حق في عمومه ", ولكن في ذات الأمر تحمل هذه العبارة طعنا مباشرا في هذه العقيدة التي لا يتطرق الشك فيها عند أي مسلم يؤمن بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق جملة وتفصيلا, وذلك بجعل بعض الآيات ليست من كلام الله ولا يحتج بها لأنها من كلام غيره وهو إنما ساقها من قول ذلك الغير, ولذلك استعمل قيد " في عمومه ".
تاسعا: يبدأ الكاتب في التأسيس لفكرة ( محاور النص القرآني ), والتي كان يمهد لتقديمها للقارئ بعد أن قدم المقدمات اللازمة التي تصور المخالفين على أنهم أصحاب تفسير أيديولوجي ينطلق من اعتقاد سابق لقراءة النص, وينتج عن صراعات أيدولوجية وربما خلفيات سياسية - كما توحي به طريقته في إيراد خلاف السلف مع المعتزلة, لا سيما وهو القائل في مقال سابق بعنوان ( التعالي بالسياسة وبروز الفرق الكلامية ): " لو فتشنا عن الأسباب التي تختفي وراء كثير من الآراء والمعتقدات التي تتبناها كثير من الفرق الكلامية في الإسلام لوجدنا أنها لا تخرج عن محيط السياسة، إما فعلاً بادئاً أو ردة فعل عليه ".
فكرة ( محاور النص القرآني ) عند الكاتب هي عبارة عن تقسيم النص القرآني إلى ثلاثة محاور رئيسية: " محور المتكلم ومحور المستقبل ومحور الغائب المتكلم عنه ". حيث المتكلم هو الله جل وعلا, بينما المستقبِل هو الرسول صلى الله عليه وسلم, وأما الغائب المتكلم عنه فهو من يورد القرآن قصصهم وأخبارهم من السابقين, سواء كانوا فجار أو صالحين.
الخطير في الأمر ليس هو مجرد التقسيم, بل ما رتبه الكاتب عليه من نفي كون الكلام الذي سيق على لسان المستقبل وهو النبي صلى الله عليه وسلم كلاما لله, وذلك في قول الكاتب: " فما قد يأتي من نصوصه على لسان المستقبل مثلاً، فليس هو من كلام المتكلم تعالى، وإنما هو كلام ساقه الله تعالى على لسان المستقبل (الرسول) لغرض رئيسي في وظيفة النص " وكذلك بالنسبة لما سيق على ألسنة السابقين, حيث يقول الكاتب: " مثلما أن ما تحمله النصوص من كلام على ألسنة الغائبين المتكلم عنهم في القرآن، أو ما تحمله من أخبار عنهم، لا يمثل في حقيقته كلام الله تعالى، لأن ما تحمله من مضامين قد يخالف أمر الله وحكمته، والله تعالى يسوقها لتؤدي هي الأخرى وظيفة محددة في النص القرآني " ونلاحظ هنا أن الكاتب استعمل تعبيرين وهما: ليس من كلام المتكلم تعالى, والآخر: لا يمثل في حقيقته كلام الله, والسببان اللذان يدعوان الكاتب لهذين التعبيرين هما أن " ما تحمله من مضامين قد يخالف أمر الله وحكمته، والله تعالى يسوقها لتؤدي هي الأخرى وظيفة محددة في النص القرآني ". يعني تلك الآية التي تكون على لسان المستقبل أو الغائب المتكلم عنه.
ولكننا نقول للكاتب مستنكرين ومتعجبين: أي تناف بين كون الله تعالى تكلم بهاذين القسمين ( المستقبل والغائب المتكلم عنه ) وبين أدائهما لوظيفة محددة كالعظة والعبرة مثلا ؟!
فأي تناف بين أن يقول الله جل وعلا على لسان فرعون { ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } وبين أن يكون هذا القول له وظيفة هي بيان حال فرعون واستكباره ومن ثم الاتعاظ بمآله وعاقبته التي هي عاقبة كل متكبر ؟!
فنقول: هذا من كلام الله على لسان فرعون, وقد سيق لمعنى وحكمة, وليس ذلك منافيا لتكلم الله به, لأن الله تعالى تكلم به على لسان فرعون مبينا شناعته.
فبهذا يتبين ضعف وهزالة النتيجة التي هي نفي كون بعض الآيات من كلام الله التي رتبها الكاتب على مقدمة لا توصل لها أبدا, ولا صلة لها بها, وهي أنها تحمل مضامين قد تخالف أمر الله وحكمته, إذ لا تنافي بين الأمرين البتة إذ سيقت تلك الآيات لحكمة أخرى, وهذا أمر واضح بين.
عاشرا: كان الكاتب في غنى عن أن يدخل نفسه في هذه المتاهة, وذلك لو أنه أتى بأسلوب علمي وقرر أن هناك بعض الآيات في كتاب الله هي حكاية لكلام غيره ولكنه تكلم على لسان ذلك الغير في كتابه لحكم متنوعة, والسياق والتفسير الصحيح يبين كون هذا الكلام ورد على لسان نبي أو صالح مثلا فيجب أن نقتدي بمضامينه, أو ورد على لسان فاجر فنبتعد عن مضامينه لأنه سيق للتحذير منها, وليس كونها من كلام الله منزلة في كتابه يعني دائما أنها سيقت لتقرير مضامينها حتى يضطر الكاتب لأن يسلك هذا الطريق الموحش الملتوي ليعرض بعقيدة ( القرآن منزل غير مخلوق ), ويجعل اعتقادات مخالفيه قراءة أيديولوجية نتجت عن هذه المقولة
ولكن الكاتب لو لجأ لذلك لوجد القواعد العلمية تأبى تأويلاته في كثير من الأحيان, وتأيد مخالفيه في المقابل, فلذا لم يلجأ لهذا الطريق الذي قد لا يفيده, ولجأ لطريق آخر موحش يتضمن اتهام عقيدة ( القرآن منزل غير مخلوق ) بأنها كانت سببا في التفسير الأيدولوجي المزعوم.
إحدى عشر: بدأ الكاتب بعد تأسيس فكرته في المقال بمهاجمة مخالفيه ورميهم بالانحراف في كيفية قراءة القرآن, متعرضا لقضية معروفة يدندن حولها العلمانيين والعصرانيين, وهي قضية المرأة, ليربط ما قرره في المقال من فكرة ( محاور النص القرآني ) بخلافه مع خصومه. ويبين الكاتب ما يعتقد أنه نقطة الخطأ عند مخالفيه بأنها " قراءة النصوص على أنها من كلام الله " وهذا انحراف طبيعي في توصيف الكاتب للمسألة انبنى على انحرافه في أساس فكرته, حين توهم أن هناك تنافيا بين تكلم الله على لسان الغائب لحكمة من الحكم وبين أن يكون ذلك الكلام متضمنا لما يخالف حكم الله.
ويرى الكاتب أن هذه القراءة مهدت الطريق " أمام "شرعنة" كثير من مظاهر الظلم والإجحاف - خاصة فيما يتعلق بالمرأة - كما "شرعَّت" للتفاوت الاجتماعي بين الناس على اعتبار أنه مراد لله تعالى ", وهنا نقف مع الكاتب الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: لو سلمنا أن ما يدين الله به مخالفيك من أمور تتعلق بالمرأة هي من مظاهر الظلم والإجحاف, فلا نسلم لك أن هذا بسبب اعتقاد أن بعض الآيات هي من كلام الله, لأن مخالفيك يعلمون أن بعض الآيات التي هي من كلام الله تكون على لسان غائب متكلم عنه وتتضمن ما يخالف أحكام الله, وذلك كقوله تعالى على لسان فرعون: { ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد }, ولا يجعلون مجرد وجودها في القرآن وكون الله تكلم بها دليلا على أنها تتضمن اعتقادات وتصرفات صحيحة دون النظر إلى السياق الذي قد يدل على أن الله تكلم بها على لسان غائب متكلم عنه, وإلا كانت المقولات الكفرية التي حكاها الله عن اليهود والنصارى عندهم صحيحة كذلك !!
الوقفة الثانية: إذا تقرر أن مخالفيك لا إشكال عندهم في كون بعض الآيات تكلم بها الله على لسان غائبين متكلم عنهم تحمل مضامين تخالف أحكام الله, قصها الله لنتعظ ونعتبر, فليكن تعاملك مع ما يستدل به مخالفيك من الآيات - التي سيقت على لسان المتكلم الغائب - على أساس أنها من كلام الله, ثم ناقشهم في كونها سيقت لنعتقدها أو لمقصد آخر, وليكن هذا هو ميدان الخلاف باستعمال السياق وقواعد اللغة والتفسير العلمية الصحيحة لتحديد المقصود من الكلام, وهي ذات القواعد التي انطلق منها الصحابة والتابعون الأوائل الذين تقر في بداية مقالك أنهم كانوا أصحاب منهجية صحيحة. وعلى هذا يجب أن تقر بأن ( كلام الله منزل غير مخلوقة ) وأن هذا اعتقاد صحيح لا إشكال فيه, وتكف عن الربط المتعسف بين ما ترى أنها قراءة أيديولوجية لمخالفيك - لو سلمنا بصحة هذا الإطلاق - وبين هذه العقيدة الصحيحة التي دل عليها القرآن وأجمع عليها السلف.
ويحضرني هنا قول الكاتب في أول المقال عن أوائل التابعين أنهم كانوا يقرئون القرآن " بعيدا عن إسقاط الرغبات الأيديولوجية على القرآن ", وأحب أن أعلق قائلا: فلنقتد بهم إذا في ذلك ونبتعد عن إسقاط الرغبات الإيدولوجية حتى لو كانت رغبات أتت من أيدولوجيات دخيلة وانهزام فكري أمام الغرب وتطويع للدين ليوافق الإيديولوجيات العصرية المخالفة له تحت ذريعة معيار ( موائمة مستجدات العصر ) !!
إثنى عشر: ما يزعمه الكاتب من أن مخالفيه مع انحرافهم في شرعنة الظلم وقعوا في " تجريد النصوص التي هي من كلام الله تعالى وحده، من سياقاتها المختلفة، والتي لا ينتصب لها المعنى إلا بمراعاتها، وكل ذلك، إما بذريعة أن الكل كلام الله تعالى، وإما انسياقاً مع مصطلح (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " وهذا لا يسلم للكاتب كما سبق, بل مخالفيه إذا جاءوا لقوله تعالى: { وليس الذكر كالأنثى } وضعوها في سياقها الصحيح على أنها من كلام الله على لسان امرأة عمران, ولكنهم فهموا من السياق ومن قواعد الشرع ونصوصه الأخرى أن هذا الكلام سيق على سبيل التقرير, لأن الذكر والأنثى يختلفون في أمور كثيرة لا تنكر كالخلقة مثلا, ومن قال منهم أن ذلك من كلام الله فليس لأنه ينكر أن الله يتكلم على لسان الغائب المتكلم عنه, ولكن لأنهم رأوا أن السياق يرجح أن ذلك من كلام الله وليس من كلامه على لسان امرأة عمران, ولا مانع من هذا الرأي والذهاب إليه من هؤلاء العلماء ما داموا قد اجتهدوا وفق نظر علمي في سياق الآيات, وليس في ذلك الكلام ما يخالف الشرع وقواعده أصلا كما هو معلوم.
وهل رأى الكاتب, الذي اتهم مخالفيه بتجريد النصوص من سياقاتها و أنهم انساقوا مع " مصطلح " ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ), هل رآهم قالوا بكفريات اليهود والنصارى كقوله تعالى على لسانهم { الله ثالث ثلاثة } و { الله هو المسيح بن مريم } و { يد الله مغلولة } ؟!!
وإن أولى الناس بتهمة تجريد النصوص من سياقها هم العصرانيون أصحاب التأويلات العجيبة المشهورة التعسفية التي يريدون بها موائمة مستجدات العصر المزعومة !
خاتمة:
وأكتفي بما سبق لبيان خطورة ما في هذا المقال وأبعاده التي يرمي إليها - هو ومن يشجع فكره من وسائل الإعلام - حسب ما فهمت من خلال القراءة المتأنية والتأمل, ولا حاجة لي في الدخول في تفاصيل الأمثلة التي ذكرها الكاتب لسببين: أنها كما أسلفت يجب أن تناقش من كافة الأطراف على أساس قواعد التفسير العلمية للنص, ولا نقبل التشكيك في أن ( القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ), وذلك النقاش مجال آخر لا تنتهي أمثلته, كما أن غيري ممن ناقش مقال أبا الخيل هذا تعرض لمناقشة هذه التفاصيل, وإنما كان مقصودي إبراز الجانب الخطير في هذا المقال والفكر الذي يؤسس له, وما يهمني هو بيان أصل ذلك الفكر التي ابتدعه الكاتب في مقاله الخطير هذا, وللتوعية بخطورة هذه المقالات التي تقرأ أحيانا بطريقة سطحية تكتفي بمناقشة الأمثلة والجزئيات دون أصل الفكرة الذي غالبا ما يكون بمثابة السرطان بجانب الإنفلونزا ( طبعا لا أقصد إنفلونزا الطيور فهي خطيرة جدا !!! )
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أبو فاطمة الحسني
26 ذو القعدة 1428 هــ
http://abofatima.maktoobblog.com/?post=674523