تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 96

الموضوع: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

  1. #61
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    -- 16
    للتذكير : لماذا ندعو إلى الله؟

    ندعو إلى الله حبا في الله وذكره
    ورغبة فيما عنده قال تعالى": ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين"
    وحبا في هداية الناس وأخذا بأيديهم إلى الخير قال تعالى :" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّلأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه" متفق عليه

    ولأن الدعوة وهداية الناس خير من الدنيا وما فيها قال النبي صلى الله عليه وسلم:"
    فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا ، خير لك من أن يكون لك حمرالنعم" متفق عليه
    ولكي تحرر الناس من عبودية بعضهم لبعض وعبوديتهم للدرهم والدينار فترتقي بهم إلى عبودية واحدة لله الواحد القهار كما قال ربعي ابن عامر لرستم لما سأله: ما جاء بكم؟ فقال له: لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"

    ولأن الدعوة عبادة من العبادات التي تستحق بذل الوقت والنفس والمال فقم بها وفقك الله كما يحب الله ويرضى ولا تجعلها سببا للاستطال على الخلق فليست الدعوة سيطرة ولا تسلط بل هي محبة وشفقة ورحمة قال تعالى :" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"
    وكم نكرر هذه الآية ولا نعي عظمة معناها وحسن تأديبها للأمة؟....تذكر لو فر الناس من النبي صلى الله عليه وسلم لا يضره ذلك بل يضرهم..ولكن الله أمره أن يتلطف لهم رحمة بهم ...فكن رحيما بالخلق إن كنت حقا متبع محمدا خير الخلق
    فهذه نبذة يسيرة عن سبب قيامك بالدعوة إلى الله فاستحضرها ودع عنك ترهات نفسك وأهوائها ولا تتركها تتمايل يمنة ويسرة تبتغي من الدنيا نصيبا والآخرة خير وأبقى

    يتبع ب17 : علاقتك بالدعاة محط أنظار المدعويين
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد مشاهدة المشاركة
    --13
    لا تتألى على الله
    ولا تنتقل من العبودية إلى الربوبية فتحكم على الناس أنهم "لا فائدة منهم" أو أنهم لن يهتدوا أبدا" لكي تسكت ضميرك وتجزم أنك استفرغت الوسع في هدايتهم وبذلت الجهد في تعليمهم أمر دينهم

    لكن قل في نفسك لعل لهم مفتاحا لم أدركه..لعلي أسأت وأنا أحسب أنني محسن، فإن فعلت ذلك اتسع الصدر لمزيد من البذل

    فإذا ضاقت بك السبل وشعرت أنه لا يدان لك بالمحاولة وأنك قد تسيء إذا استمرت محاولاتك وأن المفاسد قد غلبت على المصالح فانسحب رافعا لله يد الخضوع والتذلل سائلا لصاحبك الهدى ولنفسك المغفرة على التقصير

    وإياك بعدها أن تتخذ صاحبك مادة للسخرية والتندر شاعرا أن لك فضلا عليه وجازما أنه من أهل المعاصي والنار فمن يدري لمن يختم الله بالحسنى ، ورب صاحب طاعة أعجبته فأهوت به ورب صاحب معصية أذلته خاضعا لله فأعادته ورفعته

    تذكر: الدعوة عبودية وليست منك على الناس ربوبية وعلو
    بارك الله فيك ونفع بك
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #63
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    وفيك بارك الله ونفع بك أي غاليتي أم عليّ
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  4. #64
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    --17
    علاقتك بالدعاة محط أنظار المدعويين!

    هل تغفل عن ذلك أو لا تعرفه؟؟
    أقطع أن :لا
    كلنا يعلم أنه إذا اجتمع داعيان أو عالمان في مكان فإن الأنظار تثقب ظهورهم وبطونهم وعقولهم يستشرفون ما يصدر منهم معا، يحللون همساتهم وسكناتهم
    ثم يقال : ياللأدب وحسن الخلق والسمت!
    أو يقال وبسمة المكر تعلو الشفتين: همزه لما قال كذا..لمزه وعناه بقوله كذا..صافحه بأطراف يده...نظر إليه شذرا...

    ومن فخاخ الشيطان التي احترف نصبها إلقاء الغيرة أو الحسد أو الحقد أو البغضاء بين أهل العلم والدعوة
    ولابد أن تمر بذلك...ولا ينجو بدينه إلا التقي بل الأتقى...وقليل ما هم..

    ومن حراب هذا الفخ ما يمر بقلبك وأنت تقرأ في سيرة العظماء فتجد شيئا من ذلك مما وشجر بينهم فكأن القلب يستحل ذلك ويسهل على الجوارح الوقوع فيه بزعم أن من هو أفضل منا قد وقع فيه فلا بأس علينا من ذلك!


    لاشك أن الموضوع متشعب وله أكثر من فرع ولكنه من أهم الأبواب فأنتم قدوة أيها الدعاة إلى الله وجهاد النفس عليكم أحق من غيركم فالناس إليكم ينظرون وبعلمكم يسترشدون وبأخلاقكم يحتجون

    فعلام تحمل على ظهرك كفلا من إثم من يستحل الحرام الذي رآك تفعله وتبرر له وتجعله أصلا في حركاتك وتسنتكف عن الاعتذار عنه؟

    إذن دعونا نغلق هذا الباب ونضع عليه أقفالا من الحلم والعلم والأدب:

    1- لا تسمح لأحد أن ينقل لك كلاما عن أخيك أبدا لا علميا ولا سلوكيا
    وهذا وإن كان عاما في كل مسلم لكن يتأكد ذلك في العلماء والدعاة
    فلا تترك أذنيك مفتوحة الأبواب يتسكع فيها شياطين الإنس والجان يلقون إليك زخرف القول غرورا

    2- إياك أن يغرك الشيطان فيوهمك أنك تسمع ذلك "لوجه الله" لترد عليه فتذب عن شرع الله!! فإنما هي نفسك تغضب لها وتذب عنها أما شرع الله فيكفيه بيان الحق والباطل دون الخوض في أعراض أهل السنة
    ولا حديث لي ها هنا مع من يزعم أن جل العلماء والدعاة ليسوا من أهل السنة وأنه ليس ثمّ أهل سنة إلا 4 أو 5 هو من يوافقه في هواه ومذهبه ومشربه..فهذا الغلو لا نرتضيه وليس ها هنا محل الخوض فيه.

    وتعليلك الذنب بالشرع أشد من الذنب فالذنب إذا علمت أنه ذنب فأنت على الطريق توشك أن تتوب منه وتنقي ثوبك من رجسه
    وإن غلفت السم بغلاف العسل فيالضيعتك وخسرانك تشرب منه وتتلذذ ووتتناسى أنه بعد يسير سيذوب العسل ويقتل قلبك سموم الحسرات
    نعوذ بالله من الخذلان

    3- كره العلماء أن تقول للعالم قال فلان خلاف ما قلت لتسمع رد العالم
    فإياك إن جاءك أحدهم - لا سيما العوام - يقول لك قال "فلان خلاف ما قلت" أن ترد لا تفتح له بابا للتلاعب بقلبك فسلامة قلبك أولى
    وإذا رددت فليكن كلامك هونا وأدبك جما
    ولكن الحسرة كل الحسرة أن خياراتك الفقهية عندك هي أنت ومن خالفها فقد أهانك
    فانظر إلى أدب العلماء متمثلة في كلمة الشيخ الشنقيطي:
    يقول السائل : يقول الشيخ عبد الله البسّام في شرحه تيسير العلام من فوائد الحديث: أن ما قام مقام التراب من المنقّيات يعطى حكمه في ذلك لأنه ليس القصد بالتراب وإنما القصد النظافة يقول السائل : فما قولكم في ذلك ؟

    فقال الشيخ: من عادتي وسأسير على ذلك لا يقول لي رجل قال فلان من أهل العلم بعينه وأجيب
    فتأديبا لهذا السائل لا أجيبه
    فمرة ثانية يسأل عموما - إن أراد أحد أن أجيبه يقول قال بعض أهل العلم حتى تتأدب مع أهل العلم
    فمن أنا حتى أناقش عالما مثل هذا؟
    أنت تريد الفائدة قل قال البعض كذا..قال بعض أهل العلم كذا
    فأعزيك بفوات الفائدة وزادك الله حرصا ولا تعد" اهـ كلامه

    فيامسكين كيف إذا تصدرت وجهلت فلانا وفلانا؟ كيف يصير حال قلبك وأنت يا قزم تناطح السحاب وتضرب بقرونك الهزيلة قمم الجبال؟

    وفرق بين مدارسة مذهب كل عالم ومعرفة ما يقوله في المسألة وبين أن يسألك أحدهم عن رأيك في قوله وردك عليه في مذهبه فتنبه فإن بين الحق والباطل شعرة...
    رب آتنا الحكمة وارزقنا تقواك

    4- التمس لإخوانك العذر وابحث لهم عن جميل التأويل في الأفعال والأقوال
    فإن هذا إن لم يدل على سلامة صدرك فهو أدعى وأقرب لذلك الخلق الحسن...وادع لهم بالخير والسداد وكثر في ذلك
    فما يضرك أن يدخل إخوانك الجنة وأن يكرمهم الرحمن ذو المنة، إنما يضيق الصدر بإخوانه إذا زاحمهم على دنيا فانية دنية فارتقي بنفسك وأخلاقك عن ذلك وحسّن النية..

    5- إياك أن ترد على إخوانك بأعيانهم أخطاءهم بفضح ما تعلمه من خفايا عيوبهم
    من ذا الذي ما ساء قط .......ومن له الحسنى فقط؟؟
    إذا صدر من داع أو عالم خطأ بيّن لا تأويل فيه ولا عذر واضطررت لبيانه فقل: ما بال أقوام يقولون/ يفعلون كذا وكذا
    ثم بيّن الحق مبتغيا بذلك وجه الله
    وإن اضطررت اضطرارا لا فرار منه لبيان الحق مع نسبة الباطل لصاحبه فقل كلاما هينا لا يوغر الصدور ويقطع حبال الود وأواصر الأخوة
    وقبل ذلك ألا أسألك.. علام لا تجرب حديث السر بحبٍ مع أخيك لعله يثوب إلى رشده بنفسه..فإن أبى فلا داع لنشر ما شجر بينكما من حديث السر على الملأ ..أتروم بذلك إثبات كبره وعناده؟؟..أيا أخا الخير قل لعله سوء تفاهم أو خطأ..!

    ولا يعني ذلك أن الإنكار على الملأ مرفوض..فالقاعدة أن الخطأ على الملأ ينكر على الملأ ليعلم الكل أن هذا خطأ..مع شرط صارم هو التزام الأدب .... لكنّ تقدير المفاسد والمصالح متروك لحكمتك ..رب آتنا الحكمة والتقى وجنبنا السوء والهوى

    وإياك والهمز واللمز بما تعرف من المعايب تبتغي كسر أخيك
    إياك وفتح ما أغلق عليه الأبواب فإن من تتبع عورات المسلمين فضحه الله ولو بعد حين
    فإن كان هدفك تعليم الناس الحق..فعلام تفضح أخاك بما لا يعرفه الخلق؟

    6- لا تنجرف في تيارات الغيرة والحسد
    من ابتغى الجنة فلا يستاء من فلان الذي فاقه في علم أو فقه أو شهادة أو تصدر
    السمو بالغاية تعينك على رؤية المرض قبل أن ينخر سوسه في القلب
    فإذا رأيت من أخيك ما يعجبك فقل اللهم بارك فيه وزده من الخير فإن زيادة الخير منه نصرة لدين الله
    ومن أحب الله أحب ما يحب الله

    ولابن القيم كلام ثمين في محبة المرء لكثرة الصالحين وفرحه بذلك وأن ذلك لا يسوءه ولا يقلل قدره عند ملك الملوك جل وعلا لكن سهوت عن محله وعجزت عن صيده فأترك ها هنا له مكانا ...

    وللشيخ الألباني كلام ثمين جدا نصحا منه في عدم التباغض لعل أولي الهمة يراجعونه في الشريط رقم 23 من سلسلة الهدى والنور.

    7- لا تغضب من نصح أخيك أو اعتراضه عليك
    بل قابل ذلك بصدر رحب ولا تترك قلبك للشيطان يعبث فيه فيحمله غلا وحقدا ويجعلك متربصا له الخطأ لترد عليه ما كال لك من صاع بصاعين من التأديب
    وإياك أن تعلمه "الأدب" في طريقة النصح مهما بدا لك في أسلوبه غلظة فإنك لا تسلم من شبهة الغضب للنفس في ذلك النصح فاجتنبه وقل لنفسك وما يضرني أن يغلظ علي فيتنقى قلبي من نكت السواد التي أحاطت به؟ ثم ادعو لأخيك بالمغفرة فإنه لا يضرك أن تدخلا الجنة معا
    وفلتكن إماما في هذا الباب فإنما هي سنة مهجورة قد تبدلت وغيرت فكلنا إلا من رحم ربي يقع في شباك الغضب للنفس ويظن أنه بذلك يغضب للشرع فيؤدب ناصحه وينسى تأديب نفسه ويرد بأغلظ العبارات فكان كمن رفع يديه وأهوى بهما على وجه صاحبه يقول له بأغلظ صوت: ترفق أيها الوغد الحقير!!

    روى البخاري: "لمَّا كان يومُ حنينٍ ، آثرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أُناسًا في القِسْمَةِ ، فأعطى الأقرعَ بنَ حابسٍ مائةً من الإبلِ ، وأعطى عيينةَ مثلَ ذلك ، وأعطى أُناسًا من أشرافِ العربِ ، فآثرهم يومئذٍ في القِسْمَةِ ، قال رجلٌ : واللهِ إنَّ هذهِ القِسْمَةُ ما عُدِلَ فيها ، وما أُريدَ بها وجهُ اللهِ . فقلتُ : واللهِ لأُخبرَنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فأتيتُهُ فأخبرتُهُ ، فقال : فمن يَعْدِلْ إذا لم يعدلِ اللهُ ورسولُهُ ، رحماللهُموسى ، قد أُوذِيَ بأكثرَ من هذا فصبرَ"

    وقد قال تعالى:" وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ"
    بنفسي أنت يا رسول الله حسن التأدب معك دين وترك ذلك جرم عظيم وتترك الغضب لنفسك!

    وقال ابن تيمية:
    " وَأَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِي فَتَعْلَمُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ - أَنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يُؤْذَى أَحَدٌ مِنْ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ - فَضْلًا عَنْ أَصْحَابِنَا - بِشَيْءِ أَصْلًا لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا وَلَا عِنْدِي عَتْبٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ . وَلَا لَوْمٌ أَصْلًا بَلْ لَهُمْ عِنْدِي مِنْ الْكَرَامَةِ وَالْإِجْلَالِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا كَانَ كَلٌّ بِحَسَبِهِ
    وَلَا يَخْلُو
    الرَّجُلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا أَوْ مُخْطِئًا أَوْ مُذْنِبًا .
    فَالْأَوَّلُ : مَأْجُورٌ مَشْكُورٌ .
    وَالثَّانِي مَعَ أَجْرِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ : فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ مَغْفُورٌ لَهُ .
    وَالثَّالِثُ : فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ وَلِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ .
    فَنَطْوِي بِسَاطَ الْكَلَامِ الْمُخَالِفِ لِهَذَا الْأَصْلِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : فُلَانٌ قَصَّرَ فُلَانٌ مَا عَمِلَ فُلَانٌ أُوذِيَ الشَّيْخُ بِسَبَبِهِ فُلَانٌ كَانَ سَبَبَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فُلَانٌ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي كَيْدِ فُلَانٍ . وَنَحْوَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي فِيهَا مَذَمَّةٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالْإِخْوَانِ . فَإِنِّي لَا أُسَامِحُ مَنْ أَذَاهُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ . بَلْ مِثْلُ هَذَا يَعُودُ عَلَى قَائِلِهِ بِالْمَلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ حَسَنَةٍ وَمِمَّنْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ إنْ شَاءَ . وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ .

    وَتَعْلَمُونَ أَيْضًا : أَنَّ مَا يَجْرِي مِنْ نَوْعِ تَغْلِيظٍ أَوْ تَخْشِينٍ عَلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالْإِخْوَانِ : مَا كَانَ يَجْرِي بِدِمَشْقَ وَمِمَّا جَرَى الْآنَ بِمِصْرِ فَلَيْسَ ذَلِكَ غَضَاضَةً وَلَا نَقْصًا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ وَلَا حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَغَيُّرٌ مِنَّا وَلَا بُغْضٌ . بَلْ هُوَ بَعْدَ مَا عُومِلَ بِهِ مِنْ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْشِينِ أَرْفَعُ قَدْرًا وَأَنْبَهُ ذِكْرًا وَأَحَبُّ وَأَعْظَمُ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي يُصْلِحُ اللَّهُ بِهَا بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ
    فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْيَدَيْنِ تَغْسِلُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى . وَقَدْ لَا يَنْقَلِعُ الْوَسَخُ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْخُشُونَةِ ؛ لَكِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ مِنْ النَّظَافَةِ وَالنُّعُومَةِ مَا نَحْمَدُ مَعَهُ ذَلِكَ التَّخْشِينَ .
    وَتَعْلَمُونَ : أَنَّا جَمِيعًا مُتَعَاوِنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاجِبٌ عَلَيْنَا نَصْرُ بَعْضِنَا بَعْضًا أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ وَأَشَدَّ . فَمَنْ رَامَ أَنْ يُؤْذِيَ بَعْضَ الْأَصْحَابِ أَوْ الْإِخْوَانِ لِمَا قَدْ يَظُنُّهُ مِنْ نَوْعِ تَخْشِينٍ - عُومِلَ بِهِ بِدِمَشْقَ أَوْ بِمِصْرِ السَّاعَةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - فَهُوَ الغالط.
    وَكَذَلِكَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَبْخَلُونَ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ التَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ فَقَدْ ظَنَّ ظَنَّ سُوءٍ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَمَا غَابَ عَنَّا أَحَدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَوْ قَدِمَ إلَيْنَا السَّاعَةَ أَوْ قَبْلَ السَّاعَةِ إلَّا وَمَنْزِلَتُهُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ أَعْظَمُ مِمَّا كَانَتْ وَأَجَلُّ وَأَرْفَعُ .
    وَتَعْلَمُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ - : أَنَّ مَا دُونَ هَذِهِ الْقَصِيَّةِ مِنْ الْحَوَادِثِ يَقَعُ فِيهَا مِنْ اجْتِهَادِ الْآرَاءِ وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ وَتَنَوُّعِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ - مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ - مَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُعَرَّى عَنْهُ نَوْعُ الْإِنْسَانِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْمُشْرِكِين َ وَالْمُشْرِكَات ِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }.

    بَلْ أَنَا أَقُولُ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ - تَنْبِيهًا بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى
    وَبِالْأَقْصَى عَلَى الْأَدْنَى - فَأَقُولُ : تَعْلَمُونَ كَثْرَةَ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مِنْ الْأَكَاذِيبِ الْمُفْتَرَاةِ وَالْأَغَالِيطِ الْمَظْنُونَةِ وَالْأَهْوَاءِ الْفَاسِدَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يُجَلُّ عَنْ الْوَصْفِ . وَكُلُّ مَا قِيلَ : مِنْ كَذِبٍ وَزُورٍ فَهُوَ فِي حَقِّنَا خَيْرٌ وَنِعْمَةٌ . قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ نُورِ الْحَقِّ وَبُرْهَانِهِ مَا رَدَّ بِهِ إفْكَ الْكَاذِبِ وَبُهْتَانَهُ . فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُنْتَصَرَ مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِ كَذِبِهِ عَلَيَّ أَوْ ظُلْمِهِ وَعُدْوَانِهِ فَإِنِّي قَدْ أَحْلَلْت كُلَّ مُسْلِمٍ . وَأَنَا أُحِبُّ الْخَيْرَ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَأُرِيدُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ الْخَيْرِ مَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِي . وَاَلَّذِينَ كَذَبُوا وَظَلَمُوا فَهُمْ فِي حِلٍّ مِنْ جِهَتِي . وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ فَإِنْ تَابُوا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَحُكْمُ اللَّهِ نَافِذٌ فِيهِمْ.
    فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْكُورًا عَلَى سُوءِ عَمَلِهِ لَكُنْت أَشْكُرُ كُلَّ مَنْ كَانَ سَبَبًا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَنْ خَيْرِ الدُّنْيَا
    وَالْآخِرَةِ ؛ لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَشْكُورُ عَلَى حُسْنِ نِعَمِهِ وَآلَائِهِ وَأَيَادِيهِ الَّتِي لَا يُقْضَى لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءٌ إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ .
    وَأَهْلُ الْقَصْدِ الصَّالِحِ يُشْكَرُونَ عَلَى قَصْدِهِمْ وَأَهْلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ يُشْكَرُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ وَأَهْلُ السَّيِّئَاتِ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ . وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ هَذَا مِنْ خُلُقِي . وَالْأَمْرُ أَزْيَدُ مِمَّا كَانَ وَأَوْكَدُ لَكِنَّ حُقُوقَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَحُقُوقَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هُمْ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ اللَّهِ .
    وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الصِّدِّيقَ الْأَكْبَرَ فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا الْقُرْآنَ حَلَفَ لَا يَصِلُ مِسْطَحَ بْنَ أُثَاثَةَ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْخَائِضِينَ فِي الْإِفْكِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِي نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَلَى وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي . فَأَعَادَ إلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ . وَمَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ وَأَمْثَالِهِ وَأَضْعَافِهِ وَالْجِهَادِ عَلَى مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
    يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } { إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } .
    والسلام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا" اهـ كلامه الثمين رحمه الله تعالى

    أطلتُ عليكم هذا الباب وإن كنت فيه مقصرة
    لكن الجمع بين استيفائه واختصاره درب من دروب المستحيل
    فطلبت الاختصار ولم أستوف ورغم طوله لم أوفه قدره
    واللبيب بالإشارة يفهم وذو العقل بالنصيحة يعمل

    يتبع بــــ 18

    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  5. #65
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    -- 18

    خاطبوا الناس على قدر عقولهم

    وهذا مما يؤسف له في مجال الدعوة..وهو عدم مراعاة تفاوت العقول ومستوى الجمهور الذي يخاطبه الداعي إلى الله.

    فيتحدث مع العوام في مسائل شائكة جدا رفيعة المستوى..احتاج هو إلى سنوات لتحصيلها وليته فقهها وتراه بعدها يترك الأمور المهمة التي يحتاجونها في شئون حياتهم.
    أو ترى أحدهم يشغل العامة بنقاش يؤدي إلى تركهم الفاضل إلى المفضول أو ترك الخير الذي فيه دخن إلى الشر المحض
    وبوب البخاري في كتاب العلم:
    "باب: من خص قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا
    وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذّب الله ورسوله
    حدثنا عبيد الله بن موسى، عن معروف بن خَرّبوذ عن أي الطفيل عن علي بذلك"اهـ
    ثم ساق حديث معاذ بن جبل وفيه: "أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال:" إذا يتكلوا" وأخبر بها معاذ عند موته تأثما."

    وكنتُ أنوي التفصيل في هذا الباب غير أني وجدت موضوعا لأخ فاضل أفاض فيه وفصل فأضع الرابط ها هنا للاستفادة وكفى به جزاه الله عنا خيرا
    من أخطاء بعض الدعاة مع العوام
    يتــبع بــ 19
    لا تخر على آيات الله صما وعميانا.
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  6. #66
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    لا تخر على آيات الله صما وعميانا

    إذا كنا ندعو إلى الله ونطالب الناس بالتأثر بدعوتنا إلى الله
    فكيف يستقيم ذلك دون أن نتأثر نحن بكلام الله؟؟
    كيف يستقيم ذلك ونحن نوعظ بكلام الله فلا نتأثر ولا نستحضر قلوبنا فهل صارت الدعوة مهنة وصار الداعية محترفا يحسن الحديث وينمقه وقد صُمت أذنيه وعميت عينه عما يطالب به الخلق؟؟

    والأشد من ذلك أن يقال لنا "اتق الله" فلا ترجف القلوب ولا نتراجع أمام القائل بل نُصِرّ على مواقفنا دون مراجعتها أو التوقف معها للحظات لنتسائل ...هل كنا على صواب أوخطأ؟؟

    نترفع عن التواضع لمحدثنا
    نترفع عن ترضيته بأسلوب مناسب
    نخلط الصواب بالخطأ
    فإذا قيل لنا اتق الله، أسمعنا صاحبنا محاضرة عن الرفق في الدعوة والأدب مع أهل العلم!

    لا شك أن مخالطة الناس تحتاج إلى صبر ومصابرة فاختلاف الطباع يستوجب الأذى والتألم ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم:"المؤمن الذي يخالطالناس و يصبر على أذاهم ، خير من الذي لا يخالطالناس و لا يصبر على أذاهم" صححه الألباني

    وجاء في حديث مسلم:"
    حوسِبَ رجلٌ ممن كان قَبلَكُم . فلم يوجَدْ له منَ الخيرِ شيءٌ . إلا أنَّه كان يُخالِطُالناسَ . وكان موسِرًا . فكان يَأمُرُ غِلمانَه أنْ يَتَجاوَزوا عنِ المُعسِرِ . قال : قال اللهُ عز وجل : نحن أحَقُّ بذلك منه . تَجاوَزوا عنه"

    فإن لم يكن لك مال وكانت الدعوة هي رأس مالك أفلا تكون موسرا على الخلق بحسن خلقك وسعة صدرك ولينك لمحدثك والتواضع لهم وقبول نصحهم لعل الله أن ييسر عليك يوم القيامة؟؟
    فكيف يذكرنا الناس بالله ويتلون علينا كتاب الله يحتجون به على أخطائنا وزلاتنا فكأننا صم بكم عمي لا نرجع ولا ننزجر ونقول الحق معنا والباطل معهم هكذا باطراد وبإطلاق؟!
    وكيف يأتينا الآت حزينا كاسف البال من فعل - ربما أساء فهمه أو لعبت الظنون فيه برأسه - فنصعر الخدود ونرفع الأنوف معرضين عن كلمة طيبة تلين بها القلوب وتهدأ بها الصدور؟؟
    كيف لمن وقع في ذلك أن يؤمل أن يوضع له القبول في دعوته؟

    وهذا عمر بن الخطاب الفاروق المشهود له بالجنة ثاني الخلفاء الراشدين فانظر إلى فعله وقوله
    قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، فنزل على بن أخيه الحر بن قيس بن حصن ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته ، كهولا كانوا أو شبانا ، فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي ، هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه ؟ قال : سأستأذن لك عليه ، قال ابن عباس : فاستأذن لعيينة ، فلما دخل قال : يا ابن الخطاب ، والله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى هم بأن يقع به ، فقال الحر : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } . وإن هذا من الجاهلين ، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافاعندكتابالله . رواه البخاري


    فهل نحن وقافون عند كتاب الله؟
    اللهم أعنا على طاعتك وذكرك
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  7. #67
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    20
    حلم تذوب له الجبال محبة!
    لم يغضب لنفسه قط صلى الله عليه وسلم
    فأين ميراثنا منه؟؟

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه كنتُ أمشي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وعليه رِداءٌ نَجرانيٌّ غليظُ الحاشيةِ . فأدركه أعرابيٌّ . فجبَذَه برِدائِه جبْذةًشديدةً . نظرتُ إلى صفحةِ عُنُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وقد أثَّرتْ بها حاشيةُ الرِّداءِ . من شدِّةِ جبْذَتِهِ . ثم قال : يا محمدُ ! مُرْ لي من مالِ اللهِ الذي عندك . فالتفتَ إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فضحِكَ . ثم أمر له بعَطاءٍ . وفي حديثِ عكرمةَ بنِ عمارٍ من الزِّيادةِ : قال : ثم جبذَهُ إليه جبْذَةً . رجع نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في نحرِ الأعرابيِّ . وفي حديث همامٍ : فجاذَبَه حتى انشقَّ البُرْدُ . وحتى بقيتْ حاشيتُه في عُنُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . متفق عليه

    وروى البخاري :
    لمَّا كان يومُ حنينٍ ، آثرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أُناسًا في القِسْمَةِ ، فأعطى الأقرعَ بنَ حابسٍ مائةً من الإبلِ ، وأعطى عيينةَ مثلَ ذلك ، وأعطى أُناسًا من أشرافِ العربِ ، فآثرهم يومئذٍ في القِسْمَةِ ، قال رجلٌ : واللهِ إنَّ هذهِ القِسْمَةُ ما عُدِلَ فيها ، وما أُريدَ بها وجهُ اللهِ . فقلتُ : واللهِ لأُخبرَنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فأتيتُهُ فأخبرتُهُ ، فقال : فمن يَعْدِلْ إذا لم يعدلِ اللهُ ورسولُهُ ، رحم اللهُ موسى ، قد أُوذِيَ بأكثرَ من هذا فصبرَ .


    يتبع بـــ21
    لا تكن سببا في إثارة العصبيات الجاهلية
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  8. #68
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    --21

    الحب والبغض لابد أن يكون لله وحده


    إن من يتصدر للدعوة إلى الله لابد أن يتحلى بقدر واسع من الإنصاف والحياد..من غير أن يدفعه ذلك إلى إقرار منكر أو رد معروف.
    وإنما يذهب الإنصاف إذا تحول البغض في الله للأشخاص بذواتهم دون الأفعال
    بحيث لا يقبل منه الحق والفضل إذا صدر منه بل يظل على بغضه ويحمل أي فعل حسن يصدر منه ما لا يحتمله بسوء الظن.
    والخلط بين حب الشخص وحب فعل الشخص يولد دوما العصبية الجالية (لـــــ / ضد) الفاعل

    فأولا لابد من الصدق مع النفس
    هل محبتي لهذا الشخص أو بغضي له طبعية أو لله عز وجل؟؟
    لاسيما أنه في لحظة معينة يقع الجميع في فخ شيطاني يندر ألا نقع فيه فلابد من اليقظة الدائمة لتجنبه أو الخروج من مخالبه
    وهو الخلط بين النفس والشرع
    فيجعل من نفسه واختياراته الشرعية عين الشرع
    فمن خالف له مذهبا أو هوى أو مشربا استحق البغضاء...ثم يسمي ذلك "لله"

    وهذا خطأ بل هو لحظ النفس والهوى

    وينطبق ذلك على الفئات والجنسيات والجماعات الإسلامية والعلماء والدعاة
    فلا ينبغي للداعية أن يترك هواه يتحكم في حكمه على الآخرين
    ولا أن يترك العنان لمشاعره الطبيعية تذهب به يمنة ويسرة
    فهذا خطأ
    وأنكى منه أن ينسب ذلك للشرع والشرع من ذلك بريء

    والخلاص من ذلك يكون بــــ:
    1- معرفة ما هو الحق المطلق والباطل المطلق والتفريق بين ذلك وبين مواضع الاجتهاد ووجهات النظر
    2- النظر إلى الأفعال دوما فمهما كان الشخص الذي أصاب الحق يقبل منه ولا يطعن في نيته ومهما كان الشخص الذي أصاب الباطل ينكر عليه الباطل دون التعرض لنيته أيضا
    بل نحسن الظن قدر المستطاع في الجميع

    --22
    لا تكن سببا في إثارة العصبيات الجاهلية


    1- مهما كانت الظروف تضطرك إلى نقد إنسان مسلم بعينه فإن الشرع لم يبح لك لا التعرض لنيته ولا تحقير شأنه ولا شتمه ولا سبه ولا أي شيء من ذلك فليكن نقدك اعتراض بمحبة وشفقة ورغبة في الأخذ بأيد الخلق إلى الحق
    :"لا تحاسدوا . ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض . وكونوا ، عباد الله ! إخوانا . المسلم أخو المسلم . لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره . التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات . بحسبامرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم . كل المسلم على المسلم حرام . دمه وماله وعرضه . رواه مسلم

    والتطاول أثناء النقد يثير العصبيات الجاهلية عند من ينتسب لمن تنتقده
    فلن تصل أبدا لمرادك بالصدع بالحق طالما استخدمت أسلوبا يثير الحمية


    2- استحضار الرغبة في تعليم الناس الحق دون الرغبة في الغيظ والتشفي يعين يوصل مشاعر الألفة والإخاء مما يساعد في قبول الحق
    فإياك أن تكون سببا في رد الناس الحق
    قال النبي صلى الله عليه وسلم:"
    يا أيُّها الناسُ ، إنَّ منكم مُنَفِّرينَ" متفق عليه
    فإياك أن تكون منهم

    3- دعك من لكنات الاستهزاء وغمزات العين ولمزات الشفتين
    وإنما يصدر ذلك على من حوى قلبه مشاعر ضغينةٍ وحقدٍ دفينةٌ
    والمخلص يخلص صدره من ذلك كله
    قال تعالى :" ويل لكل همزة لمزة"

    4- إياك أن تتستر خلف كلمة (بعض الناس) و (بعضهم) و (قيل) وصاحبها معروف عند المستمع لكي تقضي وطرك الدنيء في ذم صاحب (بعض) والاستهزاء به وشفاء الغيظ منه

    فإن دين الله لغني عن ذلك كله وإنما أراد الله منك سلامة صدرك وتعليم الناس دينه
    ولم يرد منك شفاء غيظك وإثارة العصبيات والضغائن بين الخلق
    فانظر فيما تقول قبل أن تقول وحاسب نفسك على قولك بعد قوله وتفقد قلبك ونيتك أثناء قوله
    ولا يكون ذلك إلا بـــــــــــــ

    5- أن تجعل محبتك في الله ولله وبالله وإنكارك لله وفي ذات الله كما سبق في رقم 21
    ويحتاج ذلك لبيان أنواع المحبة
    فيتبع ببيانها بإذن الله تعالى
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  9. #69
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    -- 23

    أنواع المحبة كما ذكرها ابن القيم في كتاب الروح

    1- محبة الله وتشمل محبة ما يحب الله ومحبة من يحب الله
    فهي محبة لله تعالى وفي الله وبالله ولوجه الله
    وهي المحبة الشرعية ويناقشها المحبة الشركية:
    2- المحبة الشركية:
    وهي ضد المحبة الشرعية وفيها تسوية أو صرف ما ينبغي صرفه لله تعالى لغيره
    ومحبة الله فيها تعظيم خضوع وإذعان واستسلام ورهبة فهي غاية الحب مع غاية الذل أي أن محبة الله هي العبادة في الأصل فيصرف هذا النوع من المحبة القلبية المتضمنة للعبودية والذل لغير الله تعالى
    وهي التي قال تعالى عنها:"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله"

    وهناك نوع آخر هي المحبة الطبعية، أي ما يميل له القلب بطبعه وهواه
    وتنقسم إلى ثلاث أقسام:
    1- محبة السابقين: أي هي محبة لا يقدر عليها إلا السابقون
    وتقوم على تحويل كل محبة بالطبع إلى محبة خالصة لله
    فإذا أحب طعاما أو اشتهاه لم يهنأ به حتى يحتسب عند ربه الاستعانة على طاعته
    وإذا أحب أهله وأولاده لم يهنأ حتى يكون لهم عونا على الطاعة ويتخذ منهم قربة إلى طاعة

    فيستغل كل ما تهواه نفسه في طاعة الله تعالى حتى تصير نفسه لا تحب شيئا إلا لله ولا تهنأ بشيء إلا إذا استعانت به على طاعة الله فطاعة الله نصب عينيه

    وهذا النوع ملحق بالمحبة الأولى الشرعية ويثاب عليه الإنسان
    ومن اجتهد في تحصيل هذه المرتبة لا شك ينضح ذلك على سلوكه وتعامله ولكي نفهم المقصود مما تحدثنا عنه في رقم 22 فهو لن يبغض أحد أو يهمز أحد لهوى في نفسه لأنه سيقدم حب الله على هواه وسيحب المرء لله ويبغض لله ولن يتحرك إلا بالله ولأمر الله ولن يغضب إلا لله وكما يحب الله

    2- محبة المقتصدين: أي يفعلها من يقتصد في طاعاته
    فيحب ما يهوى القلب محبة لا يستعين فيه على طاعة الله ولكن لا يستعين فيها أيضا على معصية الله تعالى
    فهو مقتصد ولكن على قدر تعلق قلبه بالملاهي على قدر ما ينقص ذلك من إيمانه لما أصابه من الغفلة والتلاهي
    وهي مرتبة دونية لا ينبغي لطالب العلم أن يركن إليها وقد تغلبنا وعلينا أن نغالبنها

    3- محبة الظالمين: أي يفعلها الظالمون وهي أن يترك قلبه يرتع كيف شاء في محبة ما يشاء
    ثم يتبع هواه فيعصي الإله راغبا في إشباع ما يشتهي دون زجر ولا وعظ

    وهي محرمة وصاحبها واقع في الإثم والمداومة عليها لا يأمن معها أن يصل الإنسان يوما إلى أن يشرك بالله تعالى ليقضي وطره من شهوة وكم في القصص من عبر وعبرات.


    يتبع بإذن الله بــــ
    مراعاة رقة الدين في هذا الواقع الأليم
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  10. #70
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    الله المستعان نستأنف العمل في هذا الموضوع قريبا بإذن الله
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد مشاهدة المشاركة
    الله المستعان نستأنف العمل في هذا الموضوع قريبا بإذن الله
    بارك الله فيك ،، اشتقنا لك .. كيف حالك ؟
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  12. #72
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك ،، اشتقنا لك .. كيف حالك ؟
    الحمد لله
    وفيك بارك الله وأنا اشتقت لك أم عليّ
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    فقدناكِ في المجلس فأين استئناف العمل ؟!
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  14. #74
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    --24
    مراعاة رقة الدين في هذا الواقع الأليم

    هل سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها الناسُ ، إنَّ منكممُنَفِّرِينَ"؟

    وكان ذلك على عهده عهد النبوة، عهد قليل الفتن كثير البركة عظيم النفع فيه ينزل الوحي ويختلط أهله بخير البشر ينهلون من هديه ويقتفون أثره ويسمعون من كلامه!

    فكيف بعصرنا الذي بعُد عن مشكاة النبوة واندثرت فيه السنن وانتشرت الفتن وفتحت علينا فيه الدنيا بمباهجها؟!

    ولا يعني مراعاة رقة الدين أن نغير الأحكام...ولكن أن نتلطف في تبليغها وتعليمها للناس ونتدرج في اختيار ما يلائم مقتضى الحال.

    كذلك نتلطف في أسلوب تبليغها للناس ونراعي الأفهام ونستخدم المصطلحات الملائمة والعبارات الشارحة للمراد بدون تكلف ومحاولة الظهور بمظهر العليم المتقن للمصطلحات الكبيرة.

    ومن مراعاة ذلك أن ندرك تماما ما نحن فيه من بلاء انفتاح الدنيا على أمة الإسلام ونتعامل مع ذلك بحكمة وندرك الحد الفاصل بين الحرام والمكروه والمباح الذي يخشى من الإكثار منه المفسدة ولا ننزل جميع ذلك منزلة واحدة في النهي عنه مع حسن استخدام الترهيب والترغيب.

    كذلك الاهتمام بالرقائق والمواعظ بطريقة علمية عاطفية تدوم وليس بطريقة عاطفية صرفة يختلط فيها الصحيح بالسقيم، بحيث نجعل للمدعو مساحة يرتقي هو خلالها إلى درجة أعلى بهمة تنبع من داخله لا مجرد تأثرا بموعظة مؤقتة.

    كذلك إدراك ما قد ينتج من مفاسد أو مصالح في استخدام بعض العبارات التي قد تكون مألوفة عند من أدمن الكتب والنظر في أحوال السلف لكنها غير مألوفة للناس في هذا الزمان

    ففي حين أن كلمة :"اتق الله" تهز مشاعر السلف الصالح وتبكيهم وتذكرهم بالله وتخشع لها قلوبهم

    قد تكون هذه الكلمة عند البعض وكأن وقعها شديد وينزلها بمنزلة السباب والغلظة ولا حول ولا قوة إلا بالله..وما ذاك ولا شك إلا من رقة الدين وسوء الترويج الإعلامي الأثيم لكثير من المصطلحات والأساليب التي كانت فيما مضى عادية مالوفة...فيستكبر عن قبول الحق ويبدو لك أن السبب أنه أخذته العزة بالإثم...ولو تأملت لوجدت أن منهم حقا من تأخذه العزة بالإثم ومنهم من تأخذه الشفقة على نفسه والصدمة من كلمتك فينفر منك ويبعد وهو في الأساس مريد للخير.
    فلك أن تتخيل زمان صارت فيه :"اتق الله" لها وقع شديد لا يلين القلب بل يحزنه وينفره!!

    فيمكننا أن نستخدمها بصيغة أخرى كقولنا: وعلى المرء أن يتق الله ربه في كذا وكذا

    وهكذا إذا تأملت في أساليب كثيرة وألفاظ عادية ومألوفة لمن ألف العلم وأدمن الكتب سنجد أن هناك بون شاسع بين عامة الناس وبين ما تعيش فيه بين دفتي كتاب تألفه ويألفك...فترفق بأهل زمانك وخذ بيدهم برفق إلى الشاطئ الذي أكرمك الله به من قبل وضع نصب عينيك قوله تعالى:" كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم"

    ولا يعني هذا أن تحسم في مواضع تحتاج إلى الحسم ولكن لا يكونن هذا ديدنك في هذا الواقع الأليم.

    يتبع إن شاء الله
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد مشاهدة المشاركة


    وهكذا إذا تأملت في أساليب كثيرة وألفاظ عادية ومألوفة لمن ألف العلم وأدمن الكتب سنجد أن هناك بون شاسع بين عامة الناس وبين ما تعيش فيه بين دفتي كتاب تألفه ويألفك...فترفق بأهل زمانك وخذ بيدهم برفق إلى الشاطئ الذي أكرمك الله به من قبل وضع نصب عينيك قوله تعالى:" كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم"

    ولا يعني هذا أن تحسم في مواضع تحتاج إلى الحسم ولكن لا يكونن هذا ديدنك في هذا الواقع الأليم.
    نحتاج أولا أن تكون أعمالنا خالصة لله ثم العلم وفهم العلم والعمل بما علمنا ، هذا الأمر يحتاج إلى سعة الصدر لأنك ستمر بتجارب تتفاجأ منها ولكن الحكيم من يستفيد منها لا من يتذمر ، أليس لنا في رسول الله أسوة حسنة في التعامل مع الناس ؟!
    بلى ، حينما نقرأ سيرته نرى المواقف تختلف بحسب الحال ، التعامل مع الجاهل ليس كالتعامل مع العالم ، وكل له شخصيته هناك الهين اللين وهناك الجاف سواء كان جاهلا أم عالما ..
    وعلينا ألا نعتمد على تبرير النفس فيما وقعت به من خطأ ، بل نعترف بالخطأ حتى نتجاوزه ونصحح بما وقعنا فيه ، وهذا يحتاج إلى مجاهدة النفس وتهذيبها .

    واصلي بارك الله فيك
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  16. #76

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    أحسنَ اللهُ إليكُم وبارَكَكُم واليَراعَ()

  17. #77
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    نحتاج أولا أن تكون أعمالنا خالصة لله ثم العلم وفهم العلم والعمل بما علمنا ، هذا الأمر يحتاج إلى سعة الصدر لأنك ستمر بتجارب تتفاجأ منها ولكن الحكيم من يستفيد منها لا من يتذمر ، أليس لنا في رسول الله أسوة حسنة في التعامل مع الناس ؟!
    بلى ، حينما نقرأ سيرته نرى المواقف تختلف بحسب الحال ، التعامل مع الجاهل ليس كالتعامل مع العالم ، وكل له شخصيته هناك الهين اللين وهناك الجاف سواء كان جاهلا أم عالما ..
    وعلينا ألا نعتمد على تبرير النفس فيما وقعت به من خطأ ، بل نعترف بالخطأ حتى نتجاوزه ونصحح بما وقعنا فيه ، وهذا يحتاج إلى مجاهدة النفس وتهذيبها .

    واصلي بارك الله فيك
    وصلك الله بطاعته

    بارك الله فيك أم عليّ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأمةُ الفقيرةُ مشاهدة المشاركة
    أحسنَ اللهُ إليكُم وبارَكَكُم واليَراعَ()
    وإليك أحسن الله وفيك بارك
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  18. #78
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    -- 25

    إن الطبيب الحاذق عندما يرى بثرة ظاهرة لا يضيع وقته في ازالتها من فوق الجلد وحسب!
    بل يتحسس موضعها وما حولها حتى يدرك المحل الذي امتلأ بالصديد تحتها فيضرب بمشرطه ضربات ماهرة وينظف الصديد الداخلي...فتختفي البثرة..!
    إنه يعلم جيدا أن إزارة البثرة الظاهرة وحدها دون تنظيف الصديد لن يؤدي إلا إلى عودتها مرة أخرى بشكل جديد..

    دائما أشعر أن هناك شبه كبير بين الجراح الماهر الشفوق بالمريض وبين الداعية الحريص على هداية الخلق

    إن الداعي إلى الله لا ينبغي أن يصرف وقته في علاج الأمور الظاهرة فحسب...بل عليه أن يتلمس موضع المرض الحقيقي في القلب ويضرب بمهارة وذكاء بكلمات محسوسة ومدروسة حتى يعالج الآفة من جذورها ...فيختفي الخلل الظاهر

    أهل السنة والجماعة يعلمون جيدا أن الإيمان قول وعمل وأن هناك تلازم بين الظاهر والباطن
    فلن يكون هناك خلل ظاهر إلا لو كان الباطن فيه خلل ...كالوعاء إذا أوكي على المسك ..أو على العفن ..تفوح رائحته مهما حاولت منعها
    لا يوجد خلل ظاهري إلا وفي القلب خلل سببه ... فعلاج ما في القلب أوسع تأثيرا وأطول أمدا...ولو كان الظاهر يبدو جيدا لغير المتأمل والقلب ينخره المرض فلا شك أنه هذا نذير كارثة توشك أن تحل فتظهر وكأنها مفاجأة ..وليس كذلك.
    قال تعالى:"أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْقُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" الحديد(16)
    وقال تعالى:"ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَاللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الحج(32)
    فخشوع القلب لما نزل من الحق وتعظيم شعائر الله في الباطن يؤدي إلى الخضوع لأمر الله وتعظيم شعائره في الظاهر
    وتقوى القلب لا شك تنضح على العمل ...
    كما أن طول الأمد وقسوة القلب يؤدي بالإنسان إلى دروب الفسق بالتدريج

    ولا يعني هذا أن يترك الداعي إلى ربه شعيرة إنكار المنكرات الظاهرة بل المقصود أن يفعل ذلك بعمق لا بسطحية فعلاج آفات المجتمع تحتاج إلى صبر وعمل


    يتبع إن شاء الله
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  19. #79
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    --26

    لا تتهافت في دعوة مع من يبغضك بغضا طبعيا أو من تبغضه أنت بغضا طبعيا!
    إن المحبة الطبعية والبغض الطبعي أمر مفهوم
    فإذا لمست من شخص ما نفورا في الطبع منك أو لمست من نفسك نفورا منه فلا تصر على أن تأمره وتنهاه عن المنكر بنفسك، لا سيما إن لم يكن قد تربى في أحضان العمل بالعلم الشرعي...أو إن لم تكن أنت قد تعلمت كيف تفصل بين مشاعرك الشخصية فصلا صحيحا وكيف تحمل نفسك على الشفقة والرحمة وتنقي كلماتك مما يعلق بها، إن معالجة مثل هذه الحالات في طريق الدعوة يحتاج إلى تدريب يقظ على إزالة شوائب قلبك ومعرفة ما يحتاجه كل شخص لتزيل ضغائن فؤاده، هذا يأتي مع كثرة الدعاء وحسن الاستعانة بالله والافتقار إليه ومناقشة أهل الخبرة في ما يحتاجه كل حالة...ومع ذلك أنت بحاجة ماسة - أيها الداعي إلى الله - أن تراقب قلبك مراقبة صارمة فلا تتركه ينساق خلف مشاعر الضيق والنفور وأن تذكر نفسك تذكرة نافعة بإصلاح النية واستحضار الشفقة والرحمة بهذه الحالات.

    لكن اعلم إصرارك على معالجة هذه الحالات دون مراعاة هذه المسألة ودون معالجة النفس والقلب قد يسبب مفاسد كثيرة لك أو له أو لكما معا!

    ولا يغرك سمته ومظهره الخارجي فتتوقع منه القبول مهما كان الوضع، وإياك أن تشفي غليلك بإلقاء اللوم عليه وحده في عدم القبول، فنحن جميعا إلا من رحم الله قد نترقى في مظهرنا دون بناء باطني يواكب سرعة التطور الظاهري.

    فإذا لم تستطع معالجة قلبك فلا تستكبر أن تتلطف في دفع غيرك لنصحه والعناية به وتعاهده بالدعوة - دون أن تقع في الغيبة أو الإساءة إليه.
    واعلم أن عدم قبوله لنصيحتك ودعوتك وهو يبغضك بغضا طبعيا هو أمر عاديّ في هذه الأزمان البعيدة أهلها عن نور الوحي الغارقة مجتمعاتها في ظلمات الشهوات، فدعك من الحقد عليه ليسلم قلبك وتذكر أنك لا تأمن لو كنت مكانه أن تفعل مثله أو أشد منه.
    قال تعالى:" كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم"

    يتبع بإذن الله
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الرحمن في زاد الداعية إلى جنة الرضوان

    بارك الله فيك فوائد قيمة ،، فعلا نحتاج للعلم في معرفة كيفية الدعوة إلى الله والتعامل مع الآخرين في إيصال الحق إليهم وقبوله .
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •