( الدرس الثاني عشر )
وظيفة المعلل عند النقض
قد علمتَ أن للمعلل وظيفة مقابل كل وظيفة من وظائف السائل، وأن وظائفه مقابل المنع هي: إثبات الممنوع بالدليل أو التنبيه، وإبطال السند، وإثبات المدعى بدليل آخر.
ولنتبعه بوظائف المعلل في مقابل النقض وهي:
أولا: نفي الشاهد.
وقد مرّ عليك أن الشاهد هو: صورة التخلف بأن يجري الدليل في مادة، ويتخلف المدلول عنه.
فنفي الشاهد معناه: عدم تسليم جريان الدليل على تلك المادة، أو عدم تسليم تخلف المدلول عن الدليل.
مثال: قال المعلل: هذه الآية تدل على الوجوب؛ لأنها أمر مطلق- وكل أمر مطلق يدل على الوجوب.
فقال السائل: دليلك هذا منتقض بقوله تعالى ( فكاتبوهم ) فإنه أمر ولم يدل على الوجوب.
فيقول المعلل: لا أسلم أن دليلي يجري على قوله تعالى ( فكاتبوهم ) لأن نقضك مكسور بترك قيد له مدخلية في الحكم وهو كلمة مطلق.
فهنا نفى المعلل الشاهد أي لم يسلم جريان ودخول ( فكاتبوهم ) في دليله المذكور.
مثال: قال المعلل: هذه الآية تدل على الوجوب؛ لأنها أمر - وكل أمر يدل على الوجوب.
فقال السائل: دليلك هذا منتقض بقوله تعالى ( فكاتبوهم ) فإنه أمر ولم يدل على الوجوب.
فيقول المعلل: لا أسلم تخلف المدلول عن دليلي لأنه ما ذكرتَه يصح لو كان الأمر في ( فكاتبوهم ) للندب وهو ليس كذلك بل هو للوجوب كما هو مذهب الظاهرية.
فهنا نفي المعلل الشاهد أي هو يسلم جريان الدليل على ( فكاتبوهم ) لكنه لا يسلم تخلف المدلول عن الدليل في تلك الصورة، فقد حمل السائل قوله تعالى ( فكاتبوهم ) على الندب، وحمله المعلل على الوجوب فبالتالي لا يحصل التخلف عنده فيسقط النقض.
مثال: قال المعلل: هذا الشكل مربع؛ لأنه شكل تحيط به أربعة خطوط متساوية- وكل سطح تحيط به أربعة خطوط متساوية فهو مربع.
فقال السائل: دليلك هذا منتقض بالمعين فإنه سطح تحيط به أربعة خطوط متساوية وليس بمربع لأنه لا يشتمل على أربعة زوايا قائمة.
فقال المعلل: لا أسلم تخلف المدلول عن دليلي؛ لأني أقصد بالمربع كل شكل يحيط به أربعة خطوط متساوية سواء أكان يشتمل على أربعة زوايا قائمة أو لا فهو يشمل المربع المعروف والمعين.
وهذا الجواب يسمى بتحرير المراد وهو: تفسير الشيء بمعنى غير الذي تبادر ذهن الخصم إليه.
فقد فسر المربع بغير المعنى المتبادر إليه فحرر وبيّن المعلل ما المقصود من المربع فسقط النقض.
ثانيا: إثبات المدعى بدليل آخر.
فالمعلل أتى بدعوى ثم أقام عليها دليلا، فجاء السائل وأبطل دليله بالنقض، فأعرض المعلل عن دليله الأول ولم يدافع عنه وأقام دليلا آخر.
مثال: قال المعلل: هذه الآية تدل على الوجوب؛ لأنها أمر - وكل أمر يدل على الوجوب.
فقال السائل: دليلك هذا منتقض بقوله تعالى ( فكاتبوهم ) فإنه أمر ولم يدل على الوجوب.
فيقول المعلل: هذه الآية تدل على الوجوب؛ لأنه توعد بالعقاب على الترك- وكل ما توعد بالعقاب على الترك فهو واجب.
فهنا انتقل المعلل من دليل إلى دليل آخر يثبت مدعاه.
ثم يقال هنا ما قد قيل من قبل: إن كان إعراضه عن الدليل الأول لعدم قدرته على الدفاع عنه فذلك إفحام بالنسبة للدليل الأول، وإن كان انتقاله لأجل كونه أوضح أبعد عن الإشكالات فلا يعد إفحاما.
فتلخص من ذلك أن المعلل إذا واجه النقض فبإمكانه الدفاع إما بنفي الشاهد بعدم تسليم جريان الدليل مع الشاهد المذكور، أو بعدم تخلف المدلول عن الدليل مع ذلك الشاهد، وإما بتغيير الدليل إلى دليل آخر.
( أسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي وظائف المعلل عند النقض؟
2- ما هو تحرير المراد؟
3- مثل بمثال من عندك لكل وظيفة من وظائف المعلل عند النقض؟
( تمارين )
عين نوع وظيفة المعلل فيما يأتي:
1- قال المعلل: الوضوء يفتقر لنية؛ لأن الوضوء طهارة- وكل طهارة تفتقر لنية.
فقال السائل: دليلك هذا منتقض بغسل النجاسة فإنها طهارة ولا تفقر لنية.
فيقول المعلل: لا أسلم جريان دليلي على طهارة النجاسة لأني أقصد بالطهارة في دليلي هي الطهارة عن الحدث، لا الطهارة عن الخبث ؟
2- قال المعلل: هذا الشخص يجب قتله؛ لأن مرتد- وكل مرتد يجب قتله.
فقال الحنفي السائل: دليلك هذا منتقض بالمرأة إذا ارتدت فإنها لا تقتل.
فيقول المعلل: لا أسلم تخلف المدلول عن دليلي لأن ما ذكرته يصح لو كانت المرأة تستثنى من حد الردة ولكنها لا تستثنى بل تقتل كالرجل؟
3- قال المعلل: تربية اللحية واجبة للرجل؛ لأنها من سنن الفطرة- وما كان كذلك فيجب فعله.
فقال السائل: دليلك هذا منتقض بالسواك فإنه من سنن الفطرة وليس بواجب.
فيقول المعلل: تربية اللحية واجبة؛ لأنه أمر بها- وكل ما أمر به فهو واجب ؟