تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الجواب المستفاد في مسألة التسوية بين الأولاد

  1. #1

    افتراضي الجواب المستفاد في مسألة التسوية بين الأولاد

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين :
    أما بعد : فهذا سؤال وردني من بعض الأخوة الأفاضل طلب فيه الإبانة عن مسألة يقع فيها كثير من الأباء لجهلهم بحقوق الأبناء وكنت قد جمعت شيئا في المسألة قبل ورود سؤاله فحثني وألح علي ّ بتعجيل جواب مسألته فلخصت له من بحثي خلاصة نافعة كانت هي التي نقدمها في هذا المختصر والله أسأل أن يعين على إخراج أصله .. وسميته بـ ( الجواب المستفاد في مسألة التسوية بين الأولاد )
    فأقول الجواب عن سؤالك أيها الأخ الفاضل على نقاط :
    الأولى : ما حكم تخصيص بعض الأبناء بالعطية دون الآخرين ؟
    الثانية : هل تكون هذه الهبة نافذة أم أنها تسترجع ؟
    الثالثة : هل إذا نحل الوالد ولده شيئا قبل وفاته ولم يحزه يضم بعد الوفاة إلى الإرث ؟
    فنقول في جوابه مستمدين من الله العون وهو صاحب القوة والحول :
    أما بالنسبة للنقطة الأولى :
    فالجواب عليها أنه لا يجوز للوالد أن يخص أحد ولده بعطية ما دون الآخرين لأن ذلك خلاف العدل ومدعاة لنشر الضغائن بين الأبناء وإعانة على العقوق المحرم كما قال الحافظ في الفتح : .. ومن حجة من أوجبه أنه مقدمة الواجب لأن قطع الرحم والعقوق محرمان فما يؤدي إليهما يكون محرما والتفضيل مما يؤدي إليهما. وهذا كله ظاهر في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما الآتي : ( . . إتقوا الله واعدلوا بين أولادكم . قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة " . أخرجه مسلم ( 5 / 65 - 66 ) وكذا البخاري ( 2 / 134 ) والبيهقي ( 6 / 176 ) من طريق حصين عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال : " تصدق علي أبي ببعض ماله ، فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فانطلق أبي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليشهده على صدقتي ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال : لا ، قال : إتقوا الله . . . " الحديث . وفي رواية : " قال : لا ، قال : فلا تشهدني إذن ، فإني لا أشهد على جور ) أخرجه مسلم والنسائي ( 2 / 132 ) وأحمد ( 4 / 268 ) . وفي أخرى : " لا تشهدني على جور " . أخرجه البخاري ( 2 / 150 ) ومسلم والبيهقي ( 6 / 176 - 177 ) . وللحديث طرق أخرى منها :
    عن حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان ابن بشير يحدثان عن النعمان بن بشير أنه قال : " إن أباه أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : إني نحلت إبنى هذا غلاما كان لي ، فقالى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ فقال : لا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : فارجعه " . أخرجه مالك ( 2 / 751 / 39 ) وعنه البخاري ( 2 / 134 ) وكذا مسلم والنسائي عن الزهري عنهما به .
    وأخرجه النسائي أيضا والترمذي ( 1 / 256 ) وإبن ماجه ( 2376 ) وإبن الجارود ( 991 ) وأحمد من طرق أخرى عن الزهري به ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " . ومنها عن عروة عن النعمان بن بشير قال : " أعطاه أبوه غلاما . . . " . الحديث نحو رواية مالك . أخرجه أبو داود ، 3543 ) والنسائي وأحمد ( 4 / 268 ) وله شاهد من حديث جابر بنحوه وفيه : " قال : فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق " . أخرجه مسلم ( 5 / 67 ) وأبو داود ( 3545 ) وأحمد ( 3 / 326 ) من طريق زهير حدثنا أبو الزبير عنه . ا.هـ من الإرواء .
    وقال البيهقي في "المعرفة": في الحديث دلالة على أمور: منها حسن الأدب في أن لا يفضل أحد بعض ولده على بعض في كل (شيء) ، فيعرض في قلبه شيء يمنعه من برّه، لأن كثيراً من قلوب الناس جبلت على القصور في البر إذا أوثر عليه ... قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح بعد أن أورد طرق حديث النعمان رضي الله عنهما وألفاظه : ... واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد، وقد تمسك به من أوجب السوية في عطية الأولاد، وبه صرح البخاري، وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق.وقال به بعض المالكية .
    _ وقد بوب البخاري رحمه الله على هذا الحديث بابا فقال : باب الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَيُعْطِيَ الْآخَرِينَ مِثْلَهُ وَلَا يُشْهَدُ عَلَيْهِ ... فظاهر أن مذهبه رحمه الله وجوب التسوية بين الأبناء في العطاء .
    _ قال الصنعاني في السبل عقب حديث النعمان رضي الله عنهما هذا : .. الحديث دليل على وجوب المساواة بين الأولاد في الهبة وقد صرح به البخاري وهو قول أحمد وإسحاق والثوري وآخرين ..
    _ قال الشوكاني في نيل الأوطار في شرحه لهذا الحديث بعد أن أورد عشرة أوجه إستدل بها المجيزون للتفاضل وبين ضعفها نقلا من الفتح للحافظ ابن حجر رحمه الله : ... فالحق أن التسوية واجبة وان التفضيل محرم..
    _ قال الشوكاني في السيل الجرار : أقول الأدلة القاضية بتحريم تخصيص بعض الأولاد بشيء دون البعض الآخر أوضح من شمس النهار فمن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم في هبة بشير لولده النعمان دون سائر أولاده ..
    _ وفي المحلى لابن حزم : وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَهَبَ , وَلاَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وَلَدِهِ إِلاَّ حَتَّى يُعْطِيَ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ...
    _ وفي الملخص الفقهي للفوزان : ولا يجوز للإنسان أن يهب لبعض أولاده ويترك بعضهم أو يفضل بعضهم على بعض في الهبة بل يجب عليه العدل بينهم , بتسوية بعضهم ببعض , لحديث النعمان بن بشير ...
    _ وأما كيف تكون صفة التسوية بينهم فقد قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : ... ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية‏,‏ وكراهة التفضيل قال إبراهيم‏:‏ كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل إذا ثبت هذا فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وبهذا قال عطاء‏,‏ وشريح وإسحاق ومحمد بن الحسن قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده‏:‏ ارددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه وقال عطاء ‏:‏ ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى وقال أبو حنيفة‏,‏ ومالك والشافعي وابن المبارك ‏:‏ تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لبشير بن سعد‏:‏ ‏"‏ سو بينهم ‏"‏ وعلل ذلك بقوله‏:‏ ‏(‏أيسرك أن يستووا في برك‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فسو بينهم‏)‏ والبنت كالابن في استحقاق برها‏,‏ وكذلك في عطيتها وعن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا لأحد لآثرت النساء على الرجال‏)‏ رواه سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ ولأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى‏,‏ كالنفقة والكسوة ولنا أن الله تعالى قسم بينهم فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وأولى ما اقتدى بقسمة الله‏,‏ ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين كحالة الموت يعني الميراث يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت‏,‏ فينبغي أن تكون على حسبه كما أن معجل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها وكذلك الكفارات المعجلة‏,‏ ولأن الذكر أحوج من الأنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر والأنثى لها ذلك‏,‏ فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته وقد قسم الله تعالى الميراث ففضل الذكر مقرونا بهذا المعنى فتعلل به‏,‏ ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة وحديث بشير قضية في عين وحكاية حال لا عموم لها وإنما ثبت حكمها فيما ماثلها‏,‏ ولا نعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا‏؟‏ ولعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته‏,‏ فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه وكذلك الحديث الآخر ودليل ذلك قول عطاء‏:‏ ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى وهذا خبر عن جميعهم على أن الصحيح من خبر ابن عباس أنه مرسل‏.‏ ا . هـ .
    _ قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار : ... الا ان الفقهاء في استحبابهم للتسوية بين الابناء في العطية اختلفوا في كيفية التسوية بينهم في العطية فقال منهم قائلون التسوية بينهم ان يعطي الذكر مثل ما يعطي الانثى وممن قال ذلك سفيان الثوري وبن المبارك , قال بن المبارك الا ترى ان الحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ( سووا بين اولادكم فلو كنت مؤثرا احدا اثرت النساء على الرجال ) وبه قال داود واهل الظاهر وقال اخرون التسوية ان يعطى الرجل مثل حظ الانثيين قياسا على قسم الله تعالى الميراث بينهم وممن قال ذلك عطاء بن ابي رباح وهو قول محمد بن الحسن واليه ذهب احمد واسحاق ولا احفظ لمالك في هذه المسالة قولا ...
    _ وقال الحافظ في الفتح : ثم اختلفوا في صفة التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية.العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث، واحتجوا بأنه حظها من ذلك المال لو أبقاه الواهب في يده حتى مات. وقال غيرهم: لا فرق بين الذكر والأنثى. وظاهر الأمر بالتسوية يشهد له. واستأنسوا بحديث ابن عباس رفعه " سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء " أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن.
    _ وقال الصنعاني في سبل السلام : .. واختلف في كيفية التسوية فقيل: بأن تكون عطية الذكر والأنثى سواء وهو ظاهر قوله في بعض ألفاظه عند النسائي: "ألا سويت بينهم" وعند ابن حبان: "سووا بينهم" ولحديث ابن عباس: "سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء" أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي بإسناد حسن. وقيل: بل التسوية أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين على حسب التوريث.
    قلت _ راقم الجواب _ : حديث ابن عباس رضي الله عنهما في سنده سعيد بن يوسف وهو الرحبي ضعفه غير واحد منهم الحافظ نفسه في التقريب ملخصا الأقوال في حاله ثم وجدت في سنن سعيد بن منصور في القسم المطبوع منه برقم ( 293 \ 294 ) أن الأوزاعي رحمه الله خالف سعيد بن يوسف فرواه عن يحي بن أبي كثير مرسلا وهو الصواب فأنى للحديث الحسن ؟! والذي يظهر من كلامهم رحمهم الله أن قسمة الميراث هي القسمة السوية العادلة إن شاء الله تعالى وقد صح قول عطاء‏:‏ ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى. فقوله : ( كانوا ... ) يشعر بأن الأمر عندهم كان مشهورا .
    _ الجواب عن النقطة الثانية :
    على ضوء ما رجحناه من وجوب العدل بين الأبناء في العطاء يأتي موضوع تدارك هذا الخطاء من الوالد وهو أن يرجع في هبته أو أنه ينحل بقية ولده كما بدل لهذا الذي خصّه وعليه يدل أيضا حديث النعمان الآنف وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( ... فارجعه ) , وفي رواية : ( .. َارْدُدْهُ ) . قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله في حاشيته على سنن أبي داوود : وفي لفظ في الصحيح أكل ولدك نحلته مثل هذا قال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعه وفي لفظ قال فرده وفي لفظ آخر قال فيه فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة وفي لفظ لهما فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور وفي آخر فلا تشهدني على جور وفي آخر فأشهد على هذا غيري وفي أخر أيسرك أن يكون بنوك في البر سواء قال بلى قال فلا إذن وفي لفظ آخر أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق وكل هذه الألفاظ في الصحيح وغالبها في صحيح مسلم وعند البخاري منها لا تشهدني على جور وقوله لا أشهد على جور والأمر برده وفي لفظ سوي بينهم وفي لفظ هذا جور أشهد على هذا غيري وهذا صريح في أن قوله أشهد على هذا غيري ليس إذنا بل هو تهديد لتسميته إياه جورا وهذه كلها ألفاظ صحيحة صريحة في التحريم والبطلان من عشرة أوجه تؤخذ من الحديث ومنها قوله أشهد على هذا غيري فإن هذا ليس بإذن قطعا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن في الجور وفيما لا يصلح وفي الباطل فإنه قال إني لا أشهد إلا على حق فدل ذلك على أن الذي فعله أبو النعمان لم يكن حقا فهو باطل قطعا فقوله إذن أشهد على هذا غيري حجة على التحريم كقوله تعالى ^ اعملوا ما شئتم ^ وقوله صلى الله عليه وسلم إذا لم تستحي فاصنع ما شئت أي الشهادة على هذا ليست من شأني ولا تنبغي لي وإنما هي من شأن من يشهد على الجور والباطل وما لا يصلح وهذا في غاية الوضوح ...
    _ قال الإمام الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار : ... ففي هذا الأمر بإراجاع الهبة وليس على هذا زيادة وقد تكلف المجوزون لتخصيص بعض الأولاد بالهبة دون بعض بأجوبة أجابوها من عشرة وجوه ذكرناها في شرح المنتقي ودفعنا ما يستحق الدفع منها فليرجع إليه والحاصل أنه ليس في المقام ما يدفع ما ذكرناه من الروايات الدالة على تحريم التخصيص وأنه باطل مردود غير حق .
    _ في المغني لابن قدامة المقدسي رحمه الله : ... وقول الخرقي‏:‏ ‏"‏ أمر برده ‏"‏ يدل على أن للأب الرجوع فيما وهب لولده وهو ظاهر مذهب أحمد سواء قصد برجوعه التسوية بين الأولاد أو لم يرد وهذا مذهب مالك‏,‏ والأوزاعي والشافعي وإسحاق‏,‏ وأبي ثور وعن أحمد رواية أخرى‏:‏ ليس له الرجوع فيها وبها قال أصحاب الرأي والثوري‏,‏ والعنبري .... ولنا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبشير بن سعد‏:‏ ‏"‏ فاردده ‏"‏ وروى‏:‏ ‏"‏ فأرجعه ‏"‏ رواه كذلك مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن‏,‏ عن النعمان فأمره بالرجوع في هبته وأقل أحوال الأمر الجواز وقد امتثل بشير بن سعد في ذلك فرجع في هبته لولده‏ ...
    _ قال ابن قدامة رحمه الله أيضا : وظاهر كلام الخرقي أن الأم كالأب‏,‏ في الرجوع في الهبة لأن قوله‏:‏ ‏"‏ وإذا فاضل بين أولاده ‏"‏ يتناول كل والد ثم قال في سياقه‏:‏ ‏"‏ أمر برده ‏"‏ فيدخل فيه الأم وهذا مذهب الشافعي لأنها داخلة في قوله‏:‏ ‏"‏ إلا الوالد فيما يعطي ولده ‏"‏ ولأنها لما دخلت في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏سووا بين أولادكم‏)‏ ينبغي أن يتمكن من التسوية والرجوع في الهبة طريق في التسوية‏,‏ وربما تعين طريقا فيها إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطية الأول ولأنها لما دخلت في المعنى في حديث بشير بن سعد فينبغي أن تدخل في جميع مدلوله لقوله‏:‏ ‏"‏ فاردده ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ فأرجعه ‏"‏ ولأنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به‏,‏ تخليصا لها من الإثم وإزالة للتفضيل المحرم كالأب والمنصوص عن أحمد أنه ليس لها الرجوع ...
    _ الجواب عن النقطة الثالثة :
    الراجح من كلامهم أن الوالد إذا نحل ابنه شيئا ولم يحزه أي يصبح في تصرفه وتحت يده تماما فإنه يضم إلى الإرث إذا ما توفي الوالد وهذا الكلام كلام من جوز التخصيص بين الأبناء في العطية وبين من حرمها وهو الراجح كما أسلفنا وإليك نبذ من كلامهم رحمهم الله :
    _ قال ابو عمر ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار : ... صح القضاء من الخليفتين ابي بكر وعمر وروي ذلك عن عثمان وعلي ان الهبة لا تصح الا بان يحوزها الموهوب له في حياة الواهب وينفرد بها دونه وقد تقدمت رواية مالك عن ابي بكر في ذلك ورواه بن عيينة قال حدثنا الزهري عن عروة عن عائشة ان اباها نحلها جادا عشرين وسقا من ماله فلما حضرته الوفاة جلس فتشهد وحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد يا بنية فاني - والله - ان احب الناس الي غنى بعدي لانت وان اعز الناس علي فقرا بعدي لانت واني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا من مالي وددت انك حزتيه وحددتيه وانما هو اليوم من مال الوارث وانما هما اخواك واختاك قالت هذا اخواي فمن اختاي قال ذو بطن بنت خارجة فاني اظنها جارية , قالت : لو كان ما بين كذا وكذا لرددته . قال ابو عمر : اتفق مالك والثوري وابو حنيفة والشافعي واصحابهم ان الهبة لا تصح الا بالحيازة لها ومعنى الحيازة القبض بما يقبض به مثل تلك الهبة ..
    _ وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل له بنتان، ومطلقة حامل، وكتب لابنتيه ألفي دينار، وأربع أملاك، ثم بعد ذلك ولد للمطلقة ولد ذكر، ولم يكتب له شيئًا، ثم بعد ذلك توفي الوالد وخلف موجودًا خارجا عما كتبه لبنتيه، وقسم الموجود بينهم على حكم الفريضة الشرعية‏:‏ فهل يفسخ ما كتب للبنات، أم لا‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    هذه المسألة فيها نزاع بين أهل العلم‏:‏ إن كان قد ملك البنات تمليكًا تاما مقبوضًا‏.‏ فأما أن يكون كتب لهن في ذمته ألفي دينار من غير إقباض، أو أعطاهن شيئًا ولم يقبضه لهن، فهذا العقد مفسوخ، ويقسم الجميع بين الذكر والأنثيين‏.‏ وأما مع حصول القبض، ففيه نزاع‏.‏ وقد روي أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده، فلما مات ولد له حمل، فأمر أبو بكر وعمر أن يعطي الحمل نصيبه من الميراث، فلهذا ينبغي أن يفعل بهذا كذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏إني لا أشهد على جور‏)‏ لمن أراد تخصيص بعض أولاده بالعَطِيةِ‏.‏ وعلى البنات أن يتقين الله ويعطين الابن حقه‏.‏
    وقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي خصص بعض أولاده‏:‏ ‏(‏أشْهِد على هذا غيري‏)‏ تهديدًا له؛ فإنه قال‏:‏ ‏[‏اردده‏]‏ وقد رده ذلك الرجل‏.‏ وأما إذا وصى لهن بعد موته فهي غير لازمة باتفاق العلماء‏.‏ والصحيح من قولي العلماء أن هذا الذي خص بناته بالعطية دون حمله يجب عليه أن يرد ذلك في حياته، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مات ولم يرده رد بعد موته على أصح القولين أيضا؛ طاعة لله ولرسوله، واتباعا للعدل الذي أمر به؛ واقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما‏.‏ ولا يحـل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به‏.‏ والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم‏.‏
    _ وهذه الفتوى لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى تنطبق على واقع السائل فعلى السائل وإخوته أن يتداركوا خطأ الجد والأب بإرجاع الحقوق لأهلها لأن هذا مقتضى العدل الذي يجب وإبراء للذمة وبهذا يخفف على الجد والأب تبعة هذا الأمر الذي وقع منهما قبل أن لا يكون درهم ولا دينار مع التنبه لأمر قد غفل عنه العموم من أبناء الأسلام وهو أن حكم القاضي لا يبيح حراما و لا يحرم حلالا بل أنه من قضى له القاضي بحق أخيه فإنما يقطع له قطعة من النار كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أم سلمة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضى له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ فإنما أقطع له قطعة من النار " . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من اقتطع أرضا ظالما لقي الله وهو عليه غضبان " . أما بالنسبة لأبيك إذا كان قد أنفق نفقة ما على هذه الأرض من ماله الخاص كأن حفر فيها بئرا أو بنى فيها بناية فلكم الحق في المطالبة بالتعويض عليها _ وهذه المسألة في كتب الفقه يطلق عليها مسألة الاستحقاق _ . قال الامام ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الكافي : ومن عمّر أرضا بشبهة ينتفي عنه بها الغصب مثل أن يظنها مواتا ولا يظنها لاحد وبنى فيها ثم أتى من يستحقها كان له أخذها معمورة على ان يعطي العامر قيمة عمارته فيها وبنيانه فإن لم يقدر او أبى عن ذلك قيل للعامر او الباني أعطه قيمة أرضه غير معمورة ولا مبنية فإن لم يقدر أو ابى كانا شريكين في الارض والبناء والعمارة على قدر قيمة الارض بغير عمارة او بناء او قيمة العمارة والبناء بغير أرض ومن بنى في ارض قوم بغير اذنهم ثم استحقوها لم يكن لهم اخذها منه الا ان يعطوه قيمة بنيانه منقوضا في الارض فإن شاؤا ذلك وإلا خلطوا بينه وبين نقضه يأخذه ولا يكون له اخذ ما لا منفعه له فيه وليس له أن يردم البئر وله أن يأخذ طيها على ان يضمن ما افسد ..
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
    وكتب : أبوزرعة الفرجاني من طرابلس الغرب بالديار الليبية _ حرسها الله وديار المسلمين _ في السنة الخامسة والعشرين والأربعمئة والألف من الهجرة النبوية المباركة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    644

    افتراضي رد: الجواب المستفاد في مسألة التسوية بين الأولاد

    جزاك الله خيراً
    ربنا لاتجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    2,172

    افتراضي رد: الجواب المستفاد في مسألة التسوية بين الأولاد

    رائع بورك فيكِ وشكر الله لكِ
    لي عودة لإكمال الموضوع - بإذن الله -.
    أرجو من أخواتي الفاضلات قبول عذري عن استقبال الاستشارات على الخاص.
    ونرحب بكن في قسم الاستشارات على شبكة ( الألوكة )
    انسخي الرابط:
    http://www.alukah.net/Fatawa_Counsels/Counsels/PostQuestion.aspx

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي رد: الجواب المستفاد في مسألة التسوية بين الأولاد

    موضوع في غاية الهمية .. فكثير ما يكون الحقد بين الأبناء بسبب هبات الآباء ..
    أحسن الله اليكِ
    أم عبدالرحمن .. ونفع بك .. وزادك علما ..
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •