بسم الله الرحمن الرحيم
البحر الرائق في الزهد والرقائق
الدرس[21]
الزهد( كيف كانت حياة النبي_ طعامه _ثيابه_ فراشه_ حياة الصحابة_ درجات الزهد روايات عن السف في تفسير الزهد_ أقسام بنو آدم في الدنيا_ أضر حب الدنيا
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد..
موضوع درس اليوم هو عن الزهد، هذا الموضوع هو ثمرة الكتاب وربما يكون واضح من العنوان (البحر الرائق في الزهد والرقائق) وهذا الموضوع هو ما يدور حوله العبد من حيث تحقيقه وفهمه هو من أساس العمل، لأن له مفهوم صحيح وله مفهوم ملتبس، وهذا الموضوع من الأهمية بمكان لأنه هو عنوان العلاقة بين العبد وربه u وهو مفتاح السعادة ومفتاح الاستقامة، ومفتاح السرور وذهاب الهم والغم والحزن وعكسه بعكس ذلك تمامًا، عكسه هو الشقاء والهم والحزن والاعوجاج والروغان بل قد يؤدي بصاحبه إلى النار.
والزهد معناه عكس الحرص فهو عكس الرغبة، الزهد عكس الرغبة فالزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة عكس الحرص، فالحرص على الآخرة والزهد في الدنيا، وأيضا الزهد بمعنى الرغبة أي أنك تعلم أن الموضوع هو ترغيب لك، فلما كان الزهد هو الرغبة في الآخرة فهو يرغبك في الآخرة، وهو ترك الرغبة في الدنيا فهو يزهدك في الدنيا هذا هو الموضوع، ولكن المطلوب هو الزهد، فهذا المطلوب ما الذي يجعله صعبا وهو سهل جدا؟
الذي يجعله صعبًا هو التطبيق العملي، فإن التطبيق العملي للزهد معناه مخالفة الهوى والطبع وغرائز النفس فلو زهدك في شيء هذا أمر يزهدك فيه علميا وعقليا وشرعيا وأنت ترغب فيه بطبعك وبمشاعرك ونفسك وهواك، فسبحان الله من الدواب من يتعلم بالعلم ،فمثلا أعزك الله الكلب البوليسي لو علموه ألا يأكل إلا من يد معلمه مثلا وأنت أردت أن ترغبه في أكل يشتهيه أنه لا يأكل منك، وكذلك الكلب المعلم بالنسبة للصيد لا يأكل من الفريسة بالرغم من أن في طبعه السبعية الافتراس ولكنه بالتعلم يغلب العلم طبعه، فهذا أمر فيه رجاء، لأنك أكرم، فهذا فيه رجاء بمعنى كيف تتعلم،؟ هذا التعلم سره التدريب، فالتعليم يعني التدريب، فالزهد معناه مع العلم التدريب يعني مهما اقتنعت ، اقتنعت أنت ستقتنع إن شاء الله.
يعني تجد الكلام واضح جدا مثل الشمس إنما تجد التطبيق العملي مختلف، لماذا؟ لأنه يحتاج إلى التدريب، فما هو هذا التدريب؟ لما يأتوا يعلموا الحيوان كيف يدربوه؟ لما قلنا أن هو لا يعطوه محاضرات، يعرضوه للأمر الذي يريدون أن يعلموه على خلافه، مثلا مسألة تناول الطعام أو مثلا عدم افتراس الفريسة أو كذا يعلموه تدريب عملي ويحملونه على مخالفة طبعه مرة أكثر ثم يجدونه قد تمرن فأنت يعلمك الزهد، ولكن لا يدربك، فمن الذي يدربك؟ أنت الذي تدرب نفسك.
لأن لو لك شيخ وهذا الشيخ أنت ملازم ليه سيدربك يقولك هذا لا ينفع وهذا نعم اترك هذا، فهذا تدريب، فإذا قل المشايخ أو قل الزمان فلابد أن تدرب نفسك على الزهد، أنت تريد تزهد في الطعام يبقى ممكن يكون أمامك الطعام ولا تأكل إلا يسيرا أو لا تأكل من الصنف الفلاني، أنت تريد تشتري ومعك الفلوس ولا تريد تتبع هواك كلما هويت اشتريت يبقى معك الفلوس والسلعة موجودة ولا تشتري، ليه؟ تتدرب، هذا التدريب هو المحك، ففي المرة الأولى والثانية والثالثة تجد صعوبة في الرابعة تجد حلاوة الغلب أو حلاوة الانتصار.
يعني تجد لما تنتصر على نفسك تشعر بالثمرة تشعر بالحلاوة، لأن حلاوة الهزيمة حلاوة مؤقتة، الواحد يأكل كباب ومعه آخر يأكل كباب والنفس تشتهي وهو يريد أن يتعلم الانضباط فأكل يسيرا، وأخوه الذي معه أكل كثيرا، فقاما فمدة التمتع كانت دقائق وكانوا في سفر فالذي أكل كثيرا ظل يشتكي طوال السفر، يشتكي من ضيق النفس ويشتكي من أمور كثيرة، والذي أكل قليلا ظل يتمتع بحلاوة هذا الطعام، لأن عاقبته يسيرة ومحمودة فهذا مثل الزهد.
فهذه المقدمة تعني أن هذا الكلام سواء أننا أتممناه أو لم نتمه هذا ملخصه، هذا ترغيب في الزهد في الدنيا، ترغيب في السعي للآخرة وهذا الترغيب سينال القبول عندك، ولكن المجال في تطبيق هذا الترغيب هو المجال العملي أن تطبق هذا عمليا وتتدرب عليه عمليا يوميا، يوميا ستمتحن في أمور الحل فيها الزهد، فتخالف طبعك حتى يصير الزهد طبعك.