تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 19 من 19

الموضوع: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
    وبعد :
    نحن ـ بإذن الله تعالى ـ عاقدون العزم على طرح هذا الموضوع الفقهي في هذا الملتقي العتيد للأسباب الآتية :
    1 ـ للاستفادة من مناقشة الإخوان المنتدين .
    2 ـ لإفادة الإخوة الذين ربما لم يطلعوا على الفقه المالكي بشكل وافٍ كافٍ شافٍ .
    3 ـ للمساهمة في نشر الفقه المالكي عل صعيد واسع .
    4 ـ للإسهام في محاولة تأصيل هذا الفقه المالكي الذي طالما اتهم بعدم تأصيله .
    5 ـ لإثراء الثقافة الفقهية عموما .
    6 ـ لمحاولة كتابة الفقه بلغة مبسطة يفهمها كل قارئ بغض النظر عن مستواه الثقافي .
    7 ـ لخدمة واحد من المتون الفقهية الرصينة الذي هو مختصر الشيخ خليل بن اسحق المالكي ، رحمه الله تعالى .
    8 ـ لأن فقه القضاء فقه يدخل كل أبواب الفقه تقريبا فهو ( فقه الفقه ) إن صح هذا التعبير .
    والله الموفق إلى ما فيه الخير .

    وأهيب بالإخوة الأفاضل أن يولوا هذا الموضوع اهتمامهم وكامل عنايتهم ، وأن يفيدونا مما علمهم الله ، إن تصحيحاً فتصحيحٌ ، وإن إضافةً فإضافةٌ ، وإن توضيحاً فتوضيحٌ ، والله يجازيهم أحسن الجزاء ، والعلم بالإنفاق منه يزيد .

    وقبل الدخول في صلب الموضوع يكون من الأجدر أن نقول كلمة عن الشيخ خليل ، وعن مختصره هذا ، وعن المنهج الذي سنسير عليه في هذا المسطور إن شاء الله تعالى .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    الكلمة الأولى : الشيخ خليل :
    اسمه ونسبه :
    هو خليل بن اسحق بن موسى بن شعيب المعروف بالجندي .
    يلقب "ضياء الدين"
    ويكنى :" أبا المودة" و " أبا إسحاق " و " أبا الضياء " و " أبا محمد "
    المالكي المصري الامام العالم العامل حامل لواء المذهب بزمانه بمصر.

    مــولده :
    قال أحمد بن المأمون البلغيثي في كتابه " الابتهاج بنور السراج " : [ لم أقف على تاريخ ميلاده بعد البحث الشديد ، ولعل ذلك ــ والله أعلم ــ للجهل به ، وعدم إخباره هو عن نفسه بذلك ، أخذا بمذهب الأكابر الذين كانوا يرون صونه ] ثم ساق خبرا عن الإمام مالك يدل على ذلك .

    شيوخه :
    ــ أخذ عن أبي عبد الله بن الحاج المغربي صاحب " المدخل " ( ت 737هـ ) .
    ــ سمع من ابن عبد الهادي عبد الغني .
    ــ وقرأ على الرشيدي في العربية والأصول .
    ــ وقرأ على الشيخ : عبد الله المنوفي (ت 749هـ) في فقه المالكية . وكان سبب تحوله إلى المذهب المالكي مع أن أباه كان حنفيا أن أباه كان يلازم الشيخ أبا عبد الله ابن الحاج المغربي المالكي صاحب " المدخل " ويعتقد فيه ، فكان ذلك سببا لميل ابنه خليل إلى فقه المالكية .

    المهام التي تقلدها :
    ــ بعد وفاة شيخه المنوفي اشتغل خليل بالتدريس ، وتخرج به جماعة من الفضلاء .
    ــ وتولي التدريس بالمدرسة الشيخونية .
    ــ ثم تولي الإفتاء بمصر على مذهب مالك .

    سلوكه وأخلاقه ومرتبته بين علماء عصره :
    ــ ذكره ابن فرحون في " الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب " وقال: [كان - رحمه الله - صدراً في علماء القاهرة المعزية مجمعاً على فضله وديانته أستاذاً ممتعاً من أهل التحقيق ثاقب الذهن أصيل البحث مشاركاً في فنون من العربية والحديث والفرائض فاضلاً في مذهب مالك صحيح النقل تخرج بين يديه جماعة من الفقهاء الفضلاء
    وكان الشيخ خليل من جملة أجناد الحلقة المنصورة يلبس زيَّ الجند المتقشفين (= الثياب القصيرة ) ذا دين وفضل وزهد وانقباض عن أهل الدنيا جمع بين العلم والعمل وأقبل على نشر العلم فنفع الله به المسلمين ]
    ــ وقال السيوطي في " حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة " : [ وكان ممن جمع العلم والعمل، والزهد والتقشف. تخرج به جماعة من الفضلاء]
    ــ حج وجاور بمكة المكرمة .
    ــ ذكر ابن غازي أنه كان مشتغلا بما يعنيه حتى إنه أقام بمصر عشرين سنة لم ير النيل .
    بعض أكابر تلاميذه :
    من كبار من تخرج به :
    ـــ ربيبه وتلميذه الشيخ : بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميري( ت 805هـ ) وهو من أشهر تلاميذه من فقهاء المالكية بمصر ، أخذ عنه مؤلفاته ورواها عنه ، وقام بشرح المختصر بثلاثة شروح ، قال الحجوي الفاسي في كتابه القيم " الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي " وهو أجل من تكلم على مختصر خليل علما ودينا وتأدبا وتفننا ، بل الذي افتض بكارته هو والأقفهسي " وقد ألف هو أيضا مختصرا حاذى به مختصر شيخه ، وسماه " الشامل "

    ــ القاضي جمال الدين : عبد الله بن مقداد الأقفهسي ( ت 823هـ ) أخذ عن خليل وغيره ، وانتهت إليه رئاسة المذهب المالكي بمصر ، شرح المختصر بشرح كشرح بهرام في ثلاثة مجلدات ضخام . كما أن له شرحا على الرسالة وتفسير .
    ــ القاضي جمال الدين أبو الحسن : يوسف بن خالد البساطي ( 741هـ ـــ 829هـ ) الإمام المحقق ، أخذ عن الشيخ خليل وعن غيره ، له شرح على مختصر شيخه خليل ، وآخر على ألفية ابن مالك ، وغيرهما .
    ــ محمد بن عثمان بن موسى بن محمد : ناصر الدين أبو عبد الله الإسحاقي الأصل - نسبة لمحلة إسحاق بالغربية - القاهري المالكي ويعرف بالإسحاقي. ممن أخذ عن الشيخ خليل وغيره، وكتب بخطه الكثير بل جمع كتاباً في الأصول، وحج وناب في القضاء . ( ت 810هـ )
    ــ البدر حسين البوصيري (ت .... ) وصفه أبو سالم العياشي في " فهرسته " التي سماها " اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر" بأنه [خاتمة أصحاب خليل] ص 185 منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط .
    ــ وغيرهم
    مـــؤلفاته :
    تمتع الشيخ خليل ــ رحمه الله تعالى ــ بذكاء وقاد ، وباطلاع واسع ، وبذاكرة حافظة ، و بقدرة فائقة على الجمع والتفريق ، والتحليل والتركيب ، الشيء الذي مكنه من تأليف عدة مؤلفات ، وهي :

    1ـ " التوضيح في شرح جامع الأمهات " وهو شرح على مختصر ابن الحاجب (ت 646هـ ) المسمى " جامع الأمهات" ، وهو في ست مجلدات ، انتقاه من شرح ابن عبد السلام الهواري التونسي معاصره، وزاد فيه عزو الأقوال ، وإيضاح ما فيه من الإشكال ، قِيلَ وَ بِهِ عُرِفَ فَضْلُهُ .

    2ـ "المختصر" في فقه المالكية، وهو مختصر مختصر ابن الحاجب ، فهو مختصر المختصر، لكنه متن مفيد، نسجه على منوال "الحاوي الكبير" لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي، وقد وصفه ابن فرحون بقوله : " قصد فيه إلى بيان المشهور مجرداً عن الخلاف وجمع فيه فروعاً كثيرة جداً مع الإيجاز البليغ وأقبل عليه الطلبة ودرسوه" .
    3ـ "مناسك الحج" .
    4ـ ترجمة شيخه : عبد الله المنوفي .
    5ـ "مخدرات الفهوم في ما يتعلق بالتراجم والعلوم "
    وذكر ابن فرحون في " الديباج المذهب " أن له مؤلفين آخرين وهما :
    6ـ شرح على المدونة ، لكنه لم يكمل ، وصل فيه إلى أواخر الزكاة .
    7ـ شرح على ألفية ابن مالك ، لكنه لم يكمله حتى مات .

    وفـــاته:
    توفي ــ رحمه الله تعالى ــ على ما قال تلميذه القاضي ناصر الدين الإسحاقي المذكور ، يوم الخميس ثاني عشر ربيع الأول سنة 776هـ ورجحه ابن غازي وابن مرزوق ، قال أبو العباس الهلالي : " والأشبه ما ذكره ابن مرزوق وابن غازي لإسناده لبعض تلامذة خليل ، وهو أعلم به من غيره لكونه ممن حضره وصاحبه في حياته "

    وقال الحافظ ابن حجر : سنة 767 هـ ، وصوَّبه الحطاب المالكي شارح المختصر ، واقتصر عليه ابن عجيبة في تاريخه " أزهار البساتين في طبقات الأعيان " .
    وقال الشيخ زروق : سنة 769هـ
    والله أعلى وأعلم .
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    بعض أهم مصادر ترجمته :
    ــ " الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة " لابن حجر العسقلاني ( ت 852هـ)
    ــ " الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب " لابن فرحون ( ت 799هـ ) وهو معاصره، وقد التقى به وحضر دروسه ، قال في ترجمته له : " واجتمعتُ به في القاهرة وحضرتُ مجلسه يقرئ في الفقه والحديث والعربية وله منسك وتقاييد مفيدة " .
    ــ " النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة " لابن تغرى بردي ( ت 874 هـ )
    ــ "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة " للإمام جلال الدين السيوطي ( ت 911هـ )
    ــ " نيل الابتهاج بتطريز الديباج"لمحمد بن محمود ابن ابى بكر الوطرى التنبكتى المالكى المعروف بيغبغ المغربي (ت 1002هـ ).
    ــ " كشف الظنون " لحاجي خليفة ( ت 1067 هـ ) .
    ــ "الأعلام" لخير الدين الزركلي ( ت 1396 هـ / 1976 م ) .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    أرجو ممن عنده معلومات إضافية عن خليل أن يتفضل يها ههنا
    والله يتولى جزاء من أحسن عملا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    الكلمة الثانية : المختصر :
    نسبته إلى الشيخ :

    لا شك في نسبة المختصر إلى الشيخ خليل ، فقد نسبه إليه كل من شرحه ، وكل من ترجم له من المؤرخين .

    أسباب التأليف :

    ـــ السبب الوحيد الذي صرح به خليل نفسه هو أن عمله هذا جاء استجابة لاقتراح عليه من جماعة من أصحابه أو تلاميذه ، قال في مقدمة المختصر : [ وبعد:
    فقد سألني جماعة ـــ أبان الله لي ولهم معالم التحقيق وسلك بنا وبهم أنفع طريق ـــ مختصرا على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى مبينا لما به الفتوى فأجبت سؤالهم بعد الاستخارة ] .
    ـــ أراد ـــ كما أشار إليه في النص المذكور ــ أن يبين من الفقه المالكي " ما به الفتوى " أي القول الراجح والمشهور ، لأن الفتوى إنما تجب بهما ، وكذلك القضاء لا يكون إلا بهما ، هذا ما قاله شراح المختصر .
    لكن يبدو أنه يعني بــ" ما به الفتوى " أيضا الأقوال التي بها العمل وإن لم تكن من الراجح ولا المشهور ، لأننا نجده في المختصر قد اختار أقوالا غير راجحة ولا مشهورة لكون العمل جرى بها ، ونص على ذلك ، كقوله في آخر باب القضاء : " وهل يدعى حيث المدعى عليه وبه عمل " .
    وصنيع خليل هذا أعتقد أنه هو الذي فتح الباب على مصراعيه لظهور التأليف في فقه " العمليات " أي المسائل الفقهية التي يعمل بها أهل بلد من البلدان ، فكان هناك " عمل أهل قرطبة " الذي جمع ابن عاصم في " تحفة الحكام " مسائل منه ، و " العمل الفاسي " وغير ذلك مما يطول سرده .
    وقد أعان خليلا على اختياره هذا تَوَلِّيهِ منصبَ " الإفتاء " والتدريس ، مما أهله للقيام بمثل هذا العمل الذي تنوء به العصبة أولو القوة .

    ـــ لمّح ولوَّح كثيرٌ ممن ترجم للشيخ خليل إلى سبب آخر لتأليفه المختصر ، وهو أنه لمَّا قام بشرح مختصر ابن الحاجب ( ت 646هـ ) الفرعي بذلك الشرح الحافل الذي سماه " التوضيح " ورأى ما كان له من إقبال منقطع النظير ، بدا له أن نفس المختصر محتاج إلى اختصار ، فقام بذلك ، فمختصر خليل " مختصر المختصر "، وسلك فيه طريق " الحاوي " عند الشافعية .
    ـــ أراد أن يستوعب الفقه المالكي في مختصر صغير يمكن حفظه ، فكأنه رأى أن في مختصر ابن الحاجب قصورا من جهة الاستيعاب ، فأخذ على نفسه أن يتلافى ذلك القصور، فجمع الفروع الكثيرة من كتب المذهب ، وضغطها في مختصره .
    ويدل على هذا أن بعض المعتنين قال : إن ابن الحاجب جمع ستا وتسعين ألف مسالة ،وجمع خليل مائة ألف مسالة منطوقا ومثلها مفهوما .
    قال هذا البعض :
    يا قارئًا مُخْتَصَرَ "الخليلِ" = = لقدْ حَوَيْتَ العِلْمَ يا خَليلِي
    حَصِّلْهُ حِفْظًا واصْرِفِ الْهِمَّةَ لَهْ = = فَقَدْ حَوَى مِائَةَ ألفِ مَسْأَلَةْ
    نَصًّا وَمِثْلَهَا مِنَ المَفْهُومِ = = فَإِنْ شَكَكْتَ اعْدُدْهُ فِي الْمَرْسُومِ
    قال أبو العباس الهلالي : " لعله باعتبار أصول المسائل إذ لو اعتبر ما يتفرع عنها لزادت على ذلك بأضعاف مضاعفة " .
    بل قال الحطَّاب الرعيني ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ (902 ـ 954هـ) في شرحه المسمى "مواهب الجليل" : (قد حوى أربعمائة ألف مسألة فقهيَّة ) .
    ولذا حكى ابن فرحون في الديباج أن بعض الشافعية نظر فيه فقال: جمع لهم المذهب في أوراق.
    وكذلك قال ابن القيم : لم تزل ألطاف الله بالمالكية حتى أخرج لهم غلاماً جمع لهم مذهبهم في كراريس يتأبطها الرجل ويخرج، يقصد بذلك خليلاً ، أي: جمع المذهب كله في أوراق يتأبطها الرجل ويخرج.
    تــحريره :

    استغرق الشيخ خليل في جمع و تأليف وتلخيص المختصر نيفا وعشرين سنة كما قال جمع من الشراح ، فجمع كل مادته في حياته ، فشرع في تأليفه وتلخيصه .
    لكنه لم يلخصه كله ، وإنما لخصه في حياته إلى باب النكاح ، ولخص أصحابه باقيه من المسودة . وباب المقاصة منه من تأليف تلميذه الشيخ تاج الدين بهرام المذكور ( ت 805هـ) ، وكمل تلميذه الآخر الشيخ جمال الدين الأقفهسي المذكور كذلك (ت 823هـ) جملة يسيرة ترك المصنف لها بياضاً .

    إقبال الناس عليه وثناء العلماء عليه :

    لقد وضع الله القبول على مختصر خليل من زمنه إلى الآن ، فعكف الناس عليه في كل البلدان التي تتبع و تقلد المذهب المالكي ، حتى آل الأمر إلى الاقتصار عليه ، ونسوا ما سواه ، فقل أن ترى أحدا يعتني بمختصر ابن الحاجب ، أو بالمدونة أو بغيرها من أمهات الفقه المالكي ، اللهم إلا الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ( ت 386هـ ) التي ما زال تتداول إلى جانب المختصر .
    بل وتعصب له البعض ، حتى كان العلامة اللقاني ( ت 1041هـ ) إذا عورض كلام خليل بكلام غيره يقول : " نحن أناس خليليون إن ضل ضللنا " وذلك منه مبالغة في الحرص على متابعته .
    وقد أثنى العلماء عليه ، فقال ابن غازي المكناسي ( ت 919هـ ) : " إنه من أفضل نفائس الأعلاق ، وأحق ما رمق بالأحداق ، وصرفت له همم الحذاق ، عظيم الجدوى ، بليغ الفحوى ، مبين لما به الفتوى ، أو ما هو الراجح الأقوى ، جمع مع شدة الاختصار شدة الضبط والتهذيب ، واقتصر على حسن المساق والترتيب ، فما نسج أحد على منواله ، ولا سمحت قريحة بمثاله "
    وقال العلامة القرافي المصري ، وهو من شراح المختصر ( ت 1009هـ ) :

    ليسَ لِي خَلَّةٌ تسوقُ إلى مَنْ = = قدْ يرى الفانيَ الحقيرَ خليلا ( الخلة بالفتح: الحاجة )
    إنما خُلَّتي وصاحبُ دَهْرِي = = مرشدٌ قامَ في اهتدائي دليلا ( الخلة بالضم : المحبة )
    فخليلُ الإمامُ بحرُ المَعَانِي = = لم يزلْ بالرشادِ يهدِي سبيلا
    أخلصَ القصدَ فالإلهُ تعالى = = قد كساه من الكمالِ جميلا
    فعليه من الإله تعالى = = رحمةٌ قد علتْ و أهدتْ سبيلا
    وقال الشيخ محمد الفارضي الحنبلي :
    أطلابَ علمِ الفقهِ مختصرُ الرِّضَى = = خليلٍ لكمْ فيهِ الحياةُ فَعِيشُوا
    فللَّه بيْتٌ ضمَّنوه مديحَه = = به يهتدي مَنْ فِي الأنامِ يَطِيشُ
    سلامٌ على الدُّنيا إذا لمْ يَكُنْ بها = = خليلُ بْنُ إِسْحَاقَ الإمامُ يَعِيشُ
    ولبعضهم :
    كتابُ خليلٍ منبعُ النورِ والهُدَى = = فحسْبُ الفَتَى في أنْ يكونَ خَلِيلَهُ
    يفيدُ أُولِي الألبابِ علماً وسُؤْدَدًا = = فيا ربِّ يسِّرْ بِالهُدَى مَدْخَلِي لَهُ
    وقال آخر :
    كتابُ خليلٍ رائقُ النَّظْمِ فَائِقٌ = = على مذهبِ الحَبْرِ المُقَدَّسِ مَالكِ
    أَقَامَ به للفِقْهِ أيَّ شريعةٍ = = وسَهَّلَ ما قَدْ كَانَ وَعْرَ المَسَالِكِ
    وقال آخر :
    نَافِسْ ـ فديتُكَ ـ فِي اقْتِنَاءِ نَفَائِسٍ = = مَذْخُورَةٍ قد حازَها كنزُ الدُّرَرْ
    أنفاسُ عِلْمٍ قدْ بدَتْ أعْلامُها = = بِالحُسْنِ مُعْلِمَةً بِأبْدَعِ مُخْتَصَرْ
    مائةُ المسائلِ مُيِّزتْ بالألفِ مِنْ = = كلِّ الذي الفُتْيا به بين البشرْ
    لو أن مالكًا الإمامَ رآه لمْ = = يَخْشَ الدُّروسَ لمذهبٍ عنْه انْتَشَرْ
    ما قلتُ ذاكَ تَغَالِيًا كَلَّا لقَدْ = = أغْنَى ـ لَعَمْرِي ـ الخُبْرُ فِيهِ عَنِ الخَبَرْ
    فعلى خليلٍ مِنِ الَهِي رَحْمَةٌ = = مَوْصُولَةٌ تُولِيهِ أعْلَى مُسْتَقرْ
    إلى آخر ما هنالك .
    ـــ وقال الحجوي الفاسي (ت 1376هـ / 1957م ) في " الفكر السامي في تاريخ التشريع الإسلامي " : [ فبعد ذلك ( = بعد دخول المختصر إلى المغرب على يد محمد بن عمر التلمساني المكناسي المتوفى 805هـ ) حصل إقبال المغاربة عليه ، ثم على شرح الزرقاني ، لما فيه من زيادة فروع ، والاختصار في الشروح الذي هامت به عقول أهل القرون الوسطى من علماء الإسلام ، وشدةُ الاختصار موقعة في الخلل لا محالة ، ومع ذلك فمختصر خليل أكثر المؤلفات الفقهية صوابا ، رغما عن كون مؤلفه إنما خرجه إلى النكاح كما سبق ] ص 577 طبعة : المكتبة العصرية / الطبعة الأولى 2006 م / 1428 هـ

    مآخذ العلماء عليه :

    يمكن إجمال كل المآخذ التي ذكرت حول مختصر خليل على الخصوص وحول كل المختصرات على العموم ، في كلمة واحدة ، وهي ( الاختصار الشديد ) فالاختصار هو محور كل تلك المآخذ التي أخذها العلماء على مختصر خليل ، والتي ذكرها الأخ عبد الله الشمري في درس له قيم ، نشر سابقا على صفحات " ملتقى أهل الحديث "حول ما سماه بــ" مآخذ المختصرات " ، وسماه الحجوي الفاسي في الفكر السامي " غوائل الاختصار " . وللأخ الشمري بحث قيم في الموضوع نشره في كتاب .
    ولكي نتبين مدى شدة اختصار "مختصر خليل" فلابد أن نعرف أنه في القرن الرابع الهجري قام العلماء باختصار كتاب " المدونة " الذي يعتبر من أهم أمهات الفقه المالكي .
    فكان ممن اختصر المدونة أبو محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة ( ت 386هـ ) .
    ثم إن أبا سعيد خلف ابن أبي القاسم البراذعي ( ت ... ) ـ وهو من تلاميذ ابن أبي زيد ـ اختصر " مختصر ابن أبي زيد " في مؤلف سماه " التهذيب " فأتقن ترتيبه، واشتهر كثيرا حتى صار يطلق عليه اسم " المدونة " . قال ابن فرحون في الديباج : [ اتبع فيه طريقة اختصار أبي محمد إلا أنه ساقه على نسق المدونة وحذف ما زاده أبو محمد ]
    ثم جاء أبو عمرو ابن الحاجب ( ت 646هـ ) واختصر تهذيب البراذعي .
    ثم جاء خليل فاختصر مختصر ابن الحاجب ، فمختصر خليل هو مختصر بأربع مرات من المدونة ، مع إضافات وزيادات يضيفها كل مؤلف إلى مختصر من سبقه ، رغبة منه في جمع ما هو في كتب المذهب من الفروع ، ليكون أجمع للمسائل .
    ولا شك أن الإفراط في الاختصار أضفي على مختصر خليل حلة من الغموض الذي يكاد يكون مستغلقا على الفهم ، ويصل أحيانا إلى حد الإلغاز ، كما قال الشيخ الحطَّاب ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ في: "مواهب الجليل" بعد ثنائه على "مختصر خليل":(إلا أنَّه لفرط الإيجاز، كاد يُعَد من جملةِ الألغاز) .
    وقد رأى ابن خلدون ( ت 808هـ ) في المقدمة / الفصل السادس والثلاثون أن الاختصار يشكل خطرا على التعليم والتحصيل العلمي، ( فهو فسادٌ في التعليم، وفيه إخلالٌ بالتحصيلِ ... ثم فيه مع ذلكَ شغلٌ كبيرٌ على المتعلِّمِ، بتتبّعِ ألفاظِ الاختصارِ العويصةِ للفهمِ ، وصعوبة استخراجِ المسائلِ من بينها ... فقصدوا إلى تسهيلِ الحفظِ على المتعلِّمين، فأركبوهم صَعبًا، يقطَعُهُم عن تحصيل الملَكاتِ النَّافِعَةِ، وتمكُّنِها ) اهـ
    لكن هذا العيب قد يكون متجاوزا إلى جانب محاسن هذا المؤلف الرصين ، التي أشرت إلى جلها في الأسباب التي دعته إلى تأليفه ، ويمكن تلخيصها كالتالي :
    1ـ سهولة حفظه ونسخه ونشره وحمله في الأسفار وغيرها .
    2ـ سهولة الرجوع إليه والمراجعة فيه .
    3ـ اعتماده على قولٍ واحد، وهو الرَّاجح أو المشهور في المذهب، مما ييسر على الباحث الاطلاع على أرجح الأقوال في المذهب .
    4ـ احتواؤه على أكبر قدرٍ من المسائل الفقهيَّة الفرعية .
    5ـ شدة الضبط والتهذيب .
    6ـ حسن المساق والترتيب .

    شروحه والكتابات حوله :

    لقد أثار مختصر خليل همم العلماء ، وأسال المداد من أقلامهم ، فكتبوا شروحا وحواشي وتعليقات وتقريرات ، بل وترجمات إلى لغات أخرى غير اللغة العربية، حتى بلغت شروحه المئات ،
    مختصر خليل شرح ثلاثمائة وثمانين شرحاً، وطبع منها عدد كبير، وأصبح المرجع في الفتوى في مذهب مالك ، وحتى في غيره فإنه مرجع نابليون في القانون الذي وضعه، وهو القانون الفرنسي، عندما قامت الثورة الفرنسية فقد صرح في مقدمة قانون نابليون أن من مراجعه مختصر خليل في الفقه المالكي. اهـ
    ولا داعي إلى أن نسرد أسماء الشروح الموضوعة على المختصر، فكتب الفهارس تكفينا هذا العناء ، ويمكن الرجوع إليها بيسر وسهولة .

    اصطلاح المختصر :

    يشير خليل رحمه الله تعالى بـــ :
    1ـ "فيها" أي هذا اللفظ ونحوه من كل ضمير غيبة مؤنث عائد على غير مذكور إلى المدونة .
    2ـ "أُوِّلَ " أي بمادته ليشمل "تأويلان" و "تأويلات" و "أولت" إلى اختلاف شارحي المدونة في فهمها . حيث تصير أفهامهم منها أقوالا في المذهب يعمل ويفتي ويقضي بأيٍّ منها إن استوت وإلا فبالراجح أو الأرجح وسواء وافقت أقوالا سابقة عليها منصوصة لأهل المذهب أم لا .
    3ـ "الاختيار" أي مادته كانت بصيغة الاسم أو الفعل إلى اختيار الإمام أبي الحسن علي اللخمي القيرواني ( ت 498هـ ) لكن :
    ـــ إن كان الاختيار بصيغة الفعل كــ"اختار" فذلك لاختياره من قبل نفسه باجتهاده واستنباطه من قواعد المذهب .
    ـــ وإن كان الاختيار بصيغة الاسم كــ"المختار" فذلك لاختياره من الخلاف المتقدم عليه من أهل المذهب .
    وذلك لأن اللخمي له تعليق على المدونة سماه " التبصرة " وهو مشهور معتمد في المذهب، لكنه ربما اختار فيه وخرّج ، فكانت له اختيارات انفرد بها ، خرجها على قواعد المذهب .

    4 ـ " الترجيح " أي مادته بصيغة الفعل أو الاسم إلى ترجيح الإمام أبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس الصقلي ( ت 451هـ ) بنفس التفصيل المذكور في اختيار اللخمي .
    وذلك لأنه ألف كتابا جامعا للمدونة ، وأضاف إليها النوادر، وكان يسمى مصحف المذهب لصحة مسائله ووثوق صاحبه ، فكانت له ترجيحات انفرد بها ، إما من اجتهاداته وإما من أقوال من سبقه .
    5ـ " الظهور " أي مادته بصيغة الاسم أو الفعل إلى استظهار الإمام أبي الوليد محمد بن أحمد ابن رشد الجد صاحب " البيان والتحصيل " ( ت 520هـ ) بنفس التفصيل السابق .
    6ـ " القول " أي مادته بصيغة الاسم أو الفعل إلى ترجيح الإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري ( ت 536هـ ) بنفس التفصيل المذكور .

    7ـ " خلاف " إلى لاختلاف الواقع بين أئمة أهل المذهب في التشهير لتلك الأقوال التي في المسألة مع تساوي المختلفين في التشهير في الرتبة ، فإن لم يتساو المرجحون فيقتصر على ما رجحه الأقوى .
    8ـ " قولان أو أقوال " إلى عدم اطلاعه في الفرع المختلف على أرجحية منصوصة لأهل المذهب ، وذلك بأن استوت الأقوال أو القولان في عدم الترجيح ، فإن استوت في الترجيح عبر عنها بـ"خلاف" وإن انفرد بعضها بالترجيح أو زاد فيه اقتصر عليه غالبا .

    9ـ أنه يعتبر من المفاهيم مفهوم الشرط فقط ، ولا يعتبر مفهوم الصفة والعلة وظرف الزمان والمكان والعدد واللقب ،
    وكذلك يعتبر مفهوم الحصر والغاية والاستثناء بالأولى لأنها قيل بأنها من المنطوق.
    10ـ " صحح أو استحسن " مبنيين للمجهول إلى أن شيخا غير الأربعة المذكورين كابن عطاء الله وابن الحاجب صحح هذا الحكم من الخلاف أو من نفسه.
    وقد يشير في هذا المختصر بهذا إلى تصحيح واستحسان نفسه في توضيحه .
    11ـ " تردد" لأحد أمرين إما :
    ـــ لتردد جنس المتأخرين ــ ولو واحدا ــ في النقل عن المتقدمين .
    ـــ أو لترددهم في الحكم الذي استنبطوه لعدم وجود نص المتقدمين عليه .
    والتردد في الحكم نوعان ، لأنه :
    ــ إن كان من واحد فمعناه التحير أو اختلاف الاجتهاد .
    ـــ وإن كان من متعدد فمعناه اختلاف الاجتهاد .
    ولم يذكر علامة مميزة بين الترددين ، والأول في كلامه كثير ، والثاني قليل .
    والمتأخرون في اصطلاح أهل المذهب طبقة الشيخ ابن أبي زيد ومن بعدهم والمراد بهم هنا المتأخرون مطلقا .

    12ـ " لوْ " مسبوقة بواو إلى وجود خلاف مذهبي ، إذا كان قويا ، وإلا فلا يشير إليه . وقد يعبر بـ"لو" لمجرد المبالغة .
    ووقع للمصنف عكس هذا في "إن" فاستعملها في مجرد المبالغة غالبا وللرد على المخالف غير المذهبي قليلا .
    وأخيرا أقول كما قال خليل نفسه :
    والله أسأل أن ينفع به من كتبه أو قرأه أو حصله أو سعى في شيء منه والله يعصمنا من الزلل ويوفقنا في القول والعمل .
    ثم أعتذر لذوي الألباب من التقصير الواقع في هذا الكتاب وأسأل بلسان التضرع والخشوع وخطاب التذلل والخضوع أن ينظر بعين الرضا والصواب فما كان من نقص كملوه ومن خطأ أصلحوه فقلما يخلص مصنف من الهفوات أو ينجو مؤلف من العثرات.
    آمين

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    الكلمة الثالثة :
    المنهج الذي سأسير عليه في هذه الموضوع

    من المعين على بلوغ الغاية المتوخاة من هذه الدراسة أن نتبين ملامح منهاجها الذي تسير عليه إن شاء الله تعالى ، لاسيما وقد أصبحت الأعمال في حقول المعرفة اليوم تقاس بالمنهج الذي تسير عليه .
    ومن هنا فإنني أرى أن تسير الكتابة في هذا الموضوع على النهج التالي :
    1ـ لأن الموضوع سيطول فلا بد من تقسيمه إلى مقطوعات .
    2ـ بما أن هذه الدراسة تتمحور حول متن " مختصر خليل " فإنه لابد في بداية كل مقطوعة من عرض "قطعة" من متن المختصر .
    3ـ بعد ذلك نستخرج من " القطعة " رؤوس المسائل التي تتضمنها .
    4ـ ثم نشرع في تفصيل القول في كل مسألة مسألة .
    5ـ سأحاول الاستدلال لكل مسألة حسب الاستطاعة والمراجع المتوفرة .
    6ـ أقتصر على المذهب المالكي ما أمكن . وقد أذكر المذاهب الأخرى إن اقتضى الحال .
    7ـ سوف أستعين بكل الشروح والحواشي والتعليقات المكتوبة على المختصر ما أستطيع لذلك سبيلا بل وبكل كتب المذهب .
    8ـ أثبت أحيانا اسم المرجع في صلب الموضوع ، وأحيانا في الهامش .
    9ـ لا ألتزم بتصحيح الأحاديث التي سوف أستدل بها ، وإنما أكتفي بذكر المخرج ، وأدع التصحيح لأهل الاختصاص .
    10ـ أذكر الآيات القرآنية بدون ذكر أرقامها ولا السور الواردة فيها ، إتباعا لمنهج السلف في ذلك ، وقد أذكر السورة ورقم الآية إن اقتضى الحال .
    11ـ أبسط المسالة حتى يتمكن كل قارئ من فهمها والتفاعل معها .
    12ـ أبين القول الراجح أو المشهور إن كان في المسألة خلاف .

    هذا وبالله التوفيق .

    وأذكر الإخوة الراغبين في التفاعل مع الموضوع أن لا يتسارعوا في الأحكام ما لم يراجعوا الموضوع ويستوعبوه .
    وعلى كل فإنني أمتن لكل من يتفاعل مع الموضوع ويثريه بما علمه الله من علم .

    والله الموفق

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    مقدمة أولى :

    ( القضاء لغة واصطلاحا )

    القضاء ــ لغة ــ مشترك بين معان قال الأزهري : القضاء في اللغة على وجوه ، مرجعها جميعا إلى " انقطاع الشيء و تمامه "
    ومن تلك المعاني :
    1- فصل الشيء وإنهاؤه، ومنه قوله تعالى : { ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم } أي فصل بينهم ، وقوله تعالى : { فلما قضى موسى الأجل } أي أتمه وأنهاه . و" قضى القاضي " حكم وفصل في الخصومات .
    2- الأداء ، ومنه " قضى الصلاة " أي أداها وفرغ منها .
    3- الأمر ، ومنه { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } أي أمر وقيل بمعنى : حكم . وقيل : أوجب . وقيل : وصى ، و بها قرأ علي وابن مسعود .
    4- الإلزام ، ومنه { فلما قضينا عليه الموت } أي ألزمناه به و حتمناه عليه .
    5- الصنع ، ومنه قوله تعالى : { فقضاهن سبع سماوات في يومين } أي صنعهن وقدّرهن .
    6- الفعل ، ومنه { فاقض ما أنت قاض } أي افعل ما أنت فاعل .
    7- الإرادة ، ومنه " القضاء والقدر " .
    8- الإبلاغ ، ومنه قوله تعالى { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } { وقضينا إليه ذلك الأمر } أي أنهيناه إليه وأبلغناه ذلك .
    القضاء ــ اصطلاحا ــ (الإخبار بحكم شرعي على وجه الإلزام ، لا في مصالح المسلمين العامة )
    فقولنا : " الإخبار بحكم شرعي " يشمل القضاء والفتوى والتعليم لأن في هذه كلها الإخبار بحكم شرعي ، فهو جنس شامل لها جميعا .
    وقولنا " على وجه الإلزام " وصف مخرج للفتوى والتعليم لأن الإخبار فيهما ليس على هذه الصفة .
    وقولنا " لا في مصالح المسلمين " وصف آخر يخرج الولاية العظمى ( = رئاسة الدولة مثلا ) لأنها تتعلق بمصالح المسلمين العامة .

    وهناك تعريفات أخرى للقضاء منها : (1)
    ــ قال ابن راشد (ت 733هـ) : حقيقة القضاء "الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام" .
    ــ وقال ابن طلحة الأندلسي : "القضاء معناه الدخول بين الخالق والخلق ليؤدي فيهم أوامره وأحكامه بواسطة الكتاب والسنة" .
    ــ وقال القرافي (ت 684هـ) : حقيقة الحكم "إنشاء إلزام أو إطلاق" .
    ــ وفال ابن عرفة : " القضاء صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين "
    ــ وقال بعضهم : " القضاء هو الفصل بين الخصمين " .

    وإلى فرصة قادمة
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــ
    (1) تجد هذه التعريفات كلها في " فتح العليم الخلاق في شرح لامية الزقاق " ص 118 ــ 119 . طبعة دار الرشاد الحديثة / الدار البيضاء / المغرب . بتاريخ 2008 م
    وانظر أيضا "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام " لابن فرحون /الباب الأول / من القسم الأول .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,967

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    الاخ ابو الحسناء خطاب جزاك الله كل خير على الموضوع الطيب
    وقد كنت يوم امس اتفكر في حال اخواننا المالكية و(مختصر الخليل)
    وتذكرت قول احد الفضلاء يوم قال ان المالكية اصبحوا خليلة...
    هذا بعدما تتبعت احتفاء المالكية بمختصر الخليل وشروحاته
    وفي نظري أن اخطر سلبيات (مختصر الخليل) هو انه اشغلهم عن
    (الموطأ) على اختصار الموطأ وعظمة قدره وهيبته كما قال الذهبي
    وهو كتاب جمع بين الحديث الشريف والفقه الذي دوّنه الامام مالك بيده

    والان اقراء أن (مختصر الخليل) له ثلاثمئة وثمانين شرحاً بينما (الموطأ) ليس له
    نصف هذا العدد من الشروح!! كما ذكر الدكتور عبد الرحمن العثيمين
    الليبرالية: هي ان تتخذ من نفسك إلهاً ومن شهوتك معبوداً
    اللهم أنصر عبادك في سوريا وأغفر لنا خذلاننا لهم

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    مقدمة ثانية:
    مشروعية القضاء

    أصل مشروعية القضاء: الكتاب والسنة والإجماع والمعقول .

    1 ــ فأما الكتاب ( = القرآن ) فعدة آيات من عدة سور، منها :
    ـــ قول الله تعالى { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } .
    ـــ { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ... }
    ـــ {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما }
    ـــ { فاحكم بينهم بالقسط }
    ـــ { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم }
    ـــ { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
    وغيرها من آيات الذكر الحكيم .

    2 ــ وأما السنة :
    أ ــ فمن السنة القولية :
    ـــ ما روى عمرو بن العاص ، وأبو هريرة (ض) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ) متفق عليه .(1)

    ـــ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ .
    رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ ــ واللفظ له ــ وأصحاب السنن وأحمد .

    ـــ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ قال: قال: رسول الله صلى الله عليه و سلم: إذا جلس القاضي في مكانه هبط عليه ملكان يسددانه ويوفقانه ويرشدانه ما لم يجُرْ فإذا جَارَ عَرَجَا وتركاه.
    رواه البيهقي بسنده عن ابن عباس . (2)
    ـــ عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم " رواه أحمد .
    ـــ وروى أبو داوود بسند رجاله رجال الصحيح عن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم "
    قال الشوكاني : [ وإذا شرع هذا مع الثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون ، فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ، ويحتاجون لدفع التظالم وفصل الخصام أولى وأحرى ، وفي ذلك دليل لقول من قال : إنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام ] اهـ (3)
    ب ــ ومن السنة العملية :
    ــــ أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ حكم بنفسه بين الناس ، وقد صنف العلماء مؤلفات في أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
    ومن أشهر المؤلفين فيها ـ من المالكية ـ
    ـــ شيخ الفقهاء في عصره الإمام محمد بن فرج مولى ابن الطلاع الأندلسي المتوفى سنة 497 هـ قال الكتاني : [ويعرف كتاب ابن الطلاع في الموضوع بكتاب أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كتاب عظيم الشأن نادر الوجود ] (4)
    ـــ الإمام أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن محمد بن إبراهيم الأنصاري المعروف بابن أبي مروان الأشبيلي المتوفى سنة 549هـ بـ"لبلة" شهيدا ترجمه ابن الأبار في تكملة الصلة فقال : تأليف مفيد وسماه "المنتخب المنتقى" جمع فيه ما افترق في أمهات المسندات من نوازل الشرع .
    ومنهم ــ من الحنفية ــ ظهير الدين علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق المرغناني الحنفي المتوفى سنة 506هـ له كتاب أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم ذكره في "كشف الظنون"
    ومنهم العلامة أبو علي حسين بن المبارك بن يوسف الموصلي المتوفى سنة 742هـ له "الفتاوى النبوية في المسائل الدينية والدنيوية" انتخب فيه من الفتاوى النبوية مسائل سئل عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم فأجاب عنها بأجوبة قطعية ورتبها على ترتيب الكتب الفقهية .
    ومنهم ــ من الحنابلة ــ الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن القيم الحنبلي الدمشقي المتوفى سنة 751 هـ استوعب ما ورد من فتاويه صلى الله عليه وسلم وأجوبته وأحكامه ختم بها كتابه "أعلام الموقعين عن رب العالمين"
    وقد جردها منه وأفردها بتأليف الأمير الطيب الذكر السيد صديق حسن خان ملك بوهبال من أرض الهند المتوفى سنة 1307هـ سماه "بلوغ السول في أقضية الرسول" وقد طبع بالهند هو وتفسير آيات الأحكام المسمى "نيل المرام بآيات الأحكام" للأمير المذكور وجمعا في مجلدة واحدة . (4)
    3 ـ أجمع المسلمون كافة على وجوب القضاء والفصل بين المتخاصمين، وأن ذلك من الولايات الدينية الواجبة .
    4 ـ وأما المعقول فلأنه نظرا للتدافع الواقع لا محالة بين الناس فلابد من وقوع صدامات ونزاعات بينهم ، فيحتاجون إلى من يفك الاشتباك بينهم ، ويرد الحق إلى أصحابه ، ويأخذ على يد الظالم حتى يمنعه من ظلمه ، ويأخذ بيد المظلوم حتى يحميه من ظلم الظالمين ، لأن الظلم من طبائع النفوس، وقد قال المتنبي :
    وَالظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ = = ذَا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لاَ يَظْلِمُ
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ
    (1) و روى أحمد في مسنده سببا لهذا الحديث عن عبد الله بن عمرو عن أبيه عمر بن العاص ( ض) قَالَ
    "جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصْمَانِ يَخْتَصِمَانِ فَقَالَ لِعَمْرٍو: اقْضِ بَيْنَهُمَا يَا عَمْرُو فَقَالَ أَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : وَإِنْ كَانَ... قَالَ :فَإِذَا قَضَيْتُ بَيْنَهُمَا فَمَا لِي ؟ قَالَ : إِنْ أَنْتَ قَضَيْتَ بَيْنَهُمَا فَأَصَبْتَ الْقَضَاءَ فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَإِنْ أَنْتَ اجْتَهَدْتَ فَأَخْطَأْتَ فَلَكَ حَسَنَةٌ " فذكر في الإصابة عشر حسنات بدل " أجران " لكن قال الحافظ: وفي سنده ضعف.
    ورواه الحاكم والدارقطني عن عقبة ابن عامر وأبي هريرة وابن عمر بلفظ : " وإن أصاب فله عشر أجور " لكن ضعفه الحافظ .
    (2) ورواه الطبراني في الكبير بسنده عن عمران بن حصين ـ رفعه ـ بلفظ : ( ما من قاض من قضاة المسلمين إلا معه ملكان يسددانه إلى الحق ما لم يرد غيره فإذا أراد غيره وجار متعمدا تبرأ منه الملكان ووكلاه إلى نفسه ) . قال الهيثمى: " فيه ( = في سند الطبراني ) أبو داود الأعمى، وهو كذاب " .
    قلت : اسمه : نفيع بن الحارث ، من صغار التابعين ، كذبه ابن معين ، وقال الذهبي : تركوه ، وكان يترفض .
    وقال أحمد بن حنبل: "أبو داود الأعمى يقول سمعت العبادلة : ابن عمر وابن عباس وابن الزبير ولم يسمع شيئا" .
    وروى الترمذي بسند ليس بذاك عن ابن أبي أوفى ــ رفعه ــ بلفظ: (الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمران القطان. وفي رواية عند البزار " يد الله مع القاضي ما لم يجر " .
    وروى أحمد بسنده عن معقل بن يسار المزني: قال (أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقضي بين قوم، فقلت: ما أحسن أن أقضي يا رسول الله، قال إن الله مع القاضي ما لم يحف عمدا).
    (3) " نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار " ج 9 / ص 157 / طبعة دار الجيل / بيروت / 1973 م .
    (4) التراتيب الإدارية للكتاني ، ج 1 . ص : 251 ـ 252 ـ 253 ـ طبعة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    مقدمة ثالثة
    في أشياء متفرقة نافعة لها صلة وثيقة بالموضوع

    أولا :
    قال في "التوضيح" عند شرح قول ابن الحاجب في أول باب القضاء :(وهو فرض كفاية) ما نصه :[ وعلمُ القضاءِ وإن كان أحدَ أنواعِ علمِ الفقهِ إلا أنه يتميز بأمور زائدة لا يحسنها كل الفقهاء وقد يحسنه من لا باع له في الفقه وهو كالتصريف من علم العربية فإنه ليس كل النحاة يعلم التصريف ، وقد يحسنه من لا باع له في النحو .
    وإنما كان فرضا لأنه لما كان الإنسان لا يستقل بأمور دنياه إذ لا يمكن أن يكون حرَّاثا طحَّانا جزَّارا إلى غير ذلك من الصنائع المفتقر إليها احتاج إلى غيره ، ثم بالضرورة قد يحصل بينهما التشاجر والتخاصم لاختلاف الأغراض ، فاحتيج إلى من يفصل تلك الخصومة ، ويمنع بعضهم من غرضه ؛ ولهذا وجب إقامة الخليفة لكن نظر الخليفة أعم ، إذ أحدُ ما ينظر فيه القضاءُ، ولما كان هذا الغرض يحصل بواحد أو جماعة كان ذلك فرض كفاية ؛ لأن ذلك شأن فرض الكفاية ]ا هـ . (1)
    ثانيا :
    وقال ابن فرحون في التبصرة : [ واعلم أن أكثر المؤلفين بالغوا في التحذير من الدخول في ولاية القضاء حتى تقرر في ذهن كثير من الفقهاء والصلحاء أن من ولي القضاء فقد سهل عليه دينه وألقى بيده إلى التهلكة ، وهذا غلط فاحش تجب التوبة منه ....

    والواجب تعظيم هذا المنصب الشريف ومعرفة مكانته من الدين ، فبه بعثت الرسل، وبالقيام به قامت السموات والأرض، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم من النعم التي يباح الحسد عليها.
    فقد جاء من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعمل بها" (2)
    وجاء من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: "هل تدرون من السابق إلى ظل الله تعالى يوم القيامة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وإذا حكموا للمسلمين حكموا كحكمهم لأنفسهم "(3)
    وفي الحديث: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل...." الحديث
    متفق عليه ورواه مالك وأصحاب السنن.
    وقال صلى الله عليه وسلم:" المقسطون على منابر من نور يوم القيامة على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين " (4)
    وقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه "لأن أقضي يوما بالحق أحب لي من عباد سبعين عاما " ومراده أنه إذا قضى يوما بالحق كان أفضل من عبادة سبعين سنة فلذلك كان العدل بين الناس من أفضل أعمال البر وأعلى درجات الأجر .
    قال الله تعالى : { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين } فأي شرف أشرف من محبة الله تعالى .

    واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويفٌ ووعيدٌ إنما هي في حق قضاة الجور من العلماء وفي حق الجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم] (5)
    ثالثا :
    قال التسولي في شرحه للتحفة المسمى " البهجة في شرح التحفة " :
    [ثم إن حكم في مسألة اجتهادية تتقارب فيها المدارك لأجل مصلحة دنيوية فمحكمة إنشاء ، فإذا قضى المالكي مثلاً بلزوم الطلاق في التي علق طلاقها على نكاحها فقضاؤه إنشاء نص خاص وارد من قبله سبحانه في خصوص هذه المرأة المعينة فليس للشافعي أن يفتي فيها بعدم لزوم الطلاق استناداً لدليله العام الشامل لهذه الصورة ولغيرها لأن حكم الحاكم فيها جعله الله تعالى نصاً خاصاً وارداً من قبله رفعاً للخصومات وقطعاً للمشاجرة والقاعدة الأصولية إذا تعارض خاص وعام قدم الخاص . نعم للشافعي أن يفتي ويحكم في غيرها بمقتضى دليله ، وكذا لو حكم الشافعي في الصورة المذكورة باستمرار الزوجية بينهما خرجت عن دليل المالكي ولزمه أن يفتي فيها بلزوم النكاح ودوامه وفي غيرها بلزوم الطلاق . وهكذا حكمه في مواطن الخلاف كان داخل المذهب أو خارجه وهو معنى قول خليل"ورفع الخلاف"الخ .
    قلت (القائل التسولي ) : وهذا في المجتهد أو المقلد الذي معه في مذهب إمامه من النظر ما يرجح به أحد الدليلين على الآخر ، وأما غيرهما فمحجر عليه الحكم بغير المشهور أو الراجح أو ما به العمل فحكمه بذلك إخبار وتنفيذ محض . نعم إذا تساوى القولان في الترجيح فحكمه إنشاء رفع للخلاف ،
    وخرج باجتهادية حكمٌ حكمَه في مواضع الإجماع فإنه إخبار محض لا إنشاء فيه لتعين الحكم بذلك وثبوته.
    وبقيد التقارب الخ المدرك الضعيف كالشفعة للجار واستسعاء المعتق فالحكم بسقوطهما إخبار محض والحكم بثبوتهما ينقض لضعف المدرك عند القائل به ،
    وبقيد المصلحة الدنيوية العبادات كتحريم السباع وطهارة الأواني والمياه ، ونحو ذلك مما اختلف فيه أهل الاجتهاد لا للدنيا بل للآخرة ، فهذه تدخلها الفتوى فقط إذ ليس للحاكم أن يحكم بأن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة بخلاف المنازعة في الأملاك والأوقاف والرهون ، ونحوها مما اختلف فيها لمصلحة الدنيا ، وكذا أخذه للزكاة في مواطن الخلاف فهو حكم من جهة أنه تنازع بين الفقراء والأغنياء لا أن أخبر عن نصاب اختلف فيه أنه يوجب الزكاة ففتوى فقط ]

    ـــــــــــــــ ـــــــــــ
    (1) ) "التوضيح" ج 7 ص 388. طبعة مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث بتاريخ 2008 م
    (2) متفق عليه من حديث ابن مسعود .
    وفي رواية عند هما : "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار "
    (3) رواه أحمد بلفظ " وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " بدلا من " وإذا حكموا للمسلمين حكموا كحكمهم لأنفسهم " .
    ورواه الإمام أبو العباس بن القاص - بتشديد الصاد المهملة ، من أصحاب الشافعية - في كتاب «القضاء» من حديث يحيى بن أيوب ، عن ابن زحر ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا : «هل تدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة ؟ ...» فذكره إلا أنه قال: «وإذا حكموا للمسلمين حكموا كحكمهم لأنفسهم» أي بهذا اللفظ الذي ذكره ابن فرحون.
    (4) رواه مسلم في كتاب الإمارة / باب فضيلة الإمام العادل من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين : الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا» قال ابن أبي حاتم في «علله» : سألت أبي عن حديث عبد الله بن عمرو هذا ، فقال : الصحيح أنه موقوف.
    ورواه النسائي وأحمد.
    (5) " تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام " لابن فرحون / الباب الثاني من القسم الأول / ج 1 ص 10 طبعة دار الكتب العلمية / بيروت ـ لبنان بتاريخ 1995 م
    وكذا الطبعة الإلكترونية على المكتبة الشاملة / ص 16 – 17 .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    أنتظر مقرحاتكم وإضافاتكم
    والله الموفق وهو المستعان

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    المقطوعة الأولى

    قال الشيخ خليل رحمه الله تعالى :
    [ باب في القضاء وأحكامه]
    أشار شارح المختصر : الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف العبدري الشهير بالمواق (المتوفى : 897هـ)
    إلى أن خليلا ـ رحمه الله تعالى ـ تناول هذا الباب من خلال ثلاثة فصول:
    الفصل الأول : في شروط التولية والعزل .
    الفصل الثاني : في جامع آداب القضاء .
    الفصل الثالث : في القضاء على الغائب و ما يتعلق بالدعوى والمدعِي والكتابةِ إلى قاضٍ آخر والمحكوم به والمحكوم عليه.

    وفي الفصل الأول ــ التولية والعزل ــ قال خليل رحمه الله تعالى :
    [ أَهْلُ القضاءِ: عَدْلٌ ذَكَرٌ فَطِنٌ مُجْتَهِدٌ إِنْ وُجِدَ وَإِلاَّ... فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ وَزِيدَ للإمام الأعظم: قرشيٌّ، فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلَّدِه ]
    ش. الصفات ( = الشروط) التي يجب توفرها في الشخص الذي يستحق أن يتولى القضاء على ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: شروط في صحة تولي منصب القضاء، وعدمُها قبل التولية يمنع منها، وبعد التولية يوجب العزل، ولو تولى شخص لم تتوفر فيه هذه الشروط وحكم نقض حكمه، ولا يعتد به، لفقد شرط صحته.
    وهو ما أشار إليه خليل بقوله: "عدل ..."إلى آخر هذه المقطوعة .

    القسم الثاني: شروطٌ في استمرار التولية، لا في ابتدائها، بمعنى أن عدمها بعد التولية يوجب العزل ، لكن لا ينتقض الحكم الذي أصدره بعد فقدها ، لأنها ليست لصحة أحكامه.
    وستأتي عند قوله: "ونفذ حكم أعمى ..." إلى قوله: "ووجب عزله" .

    القسم الثالث: شروط في كمال التولية، و يستحب العزل بعدمها.
    وستأتي عند قوله: " كورع... " إلخ .

    تتضمن هذه المقطوعة القسم الأول من الصفات الواجب توفرها في من يتولى هذا المنصب الجليل المهيب: منصب القاضي، وقد ذكر خليل أربع صفات:
    1 ـــ العدالة، ( = عدل ) وهي وصف مركب ــ كما سيذكره في باب الشهادة ـــ من خمسة أشياء:
    أ ـــ الإسلام، قال في التوضيح: [ ولا خلاف فيه إلا ما روي عن أبي حنيفة (ض) من ولاية الكافر الحكومة بين أهل دينه ] (1).
    ويستدل لذلك بأمور:
    ــــ أن القاضي منوط به الحكم بالشريعة الإسلامية ، وهذا لا يتأتى من الكافر الذي لا يؤمن بالشريعة ، فكيف يحكم بالشريعة من لا يؤمن بها ؟؟؟
    ــــ ولأن الكافر ليس بعدل فلا تصح شهادته، ومن لا تصح شهادته لا تصح ولايته بالأولى ، وقد نص القرآن على العدالة في الشهادة نصا واضحا محكما.
    ـــ ولأن ولاية الكافر تجعل له سبيلا على المؤمنين، والإسلام لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، قال تعالى: { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } .

    ب ـــ البلوغ، ولا خلاف فيه، فلا يصح تولية الصبي، ويستدل له بما يلي :
    ــــ أنه ناقص التمييز.
    ــــ أنه غير مسئول ( = غير مكلف ) ولم يخاطب بالفرائض إلا البالغون لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، عن المبتلَى حتى يبرأ ، وعن الصبي حتى يكبر "
    رواه أحمد ، وأبو داود ـ واللفظ له ــ والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، والحاكم، وقال : صحيح على شرط مسلم ، والترمذي عن عائشة رضي الله عنها (2)
    والرفع في الحديث مجاز عن عدم التكليف .
    ـــ أنه لا تقبل شهادته، ومن لا تصح شهادته لا تصح ولايته كما سبق. لقوله تعالى: { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } قال الشافعي: [ وقول الله عز و جل { ... من رجالكم } يدل على أن لا تجوز شهادة الصبيان ](3) ولأنه ليس ممن ترضى شهادته لقوله تعالى { ممن ترضون من الشهداء }
    والمالكية لا يجيزون شهادة الصبيان إلا على بعضهم في القتل والجرح بشروط أشار إليها في باب الشهادة بقوله : [إلا الصِّبْيَانَ ــــ لا نساءً في كَعُرْسٍ ــــ فِي جَرْحٍ أوْ قَتْلٍ ، والشاهدُ حُرٌّ مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ تَعَدَّدَ لَيْسَ بِعَدُوٍّ وَلاَ قَرِيبٍ ولا خلافَ بَيْنَهُمْ وفُرْقَةٍ إِلاَّ أنْ يُشْهَدَ عليهم قبلَها ولم يَحْضُرْ كبيرٌ أو يَشْهدْ عَليْهِ أوْلهُ ولا يَقْدَحُ رَجُوعُهم ولا تَجْرِيحُهُمْ ] (4)

    ج ـــ العقل ، ولا خلاف في اعتباره ، والفطنة شيء زائد على العقل ، فلا يصح توليةُ المجنونِ ولا المعتوه ، لما ذكرنا في الصبي، فلا فرق بين الصبي والمجنون والمعتوه وغيرهم من فاقدي التمييز كلا أو بعضا.
    د ـــ الحرية، ولا خلاف كذلك في اعتبارها، فلا تصح ولاية العبد القِنِّ ، ولا من فيه بقية رِقِّ : مِن مكاتبٍ ، ومُدبَّرٍ، ومُعْتَقٍ إلى أجلٍ ، ومعتقٍ بعضُه .
    قال القرطبي في شرح (مسلم / كتاب الإمارة) :" نص أصحاب مالك رضي الله تعالى عنه على أن القاضي لا بد أن يكون حرا وأمير الجيش والحرب في معناه ، فإنها مناصب دينية يتعلق بها تنفيذ أحكام شرعية فلا يصلح لها العبد لأنه ناقص بالرق محجور عليه لا يستقل بنفسه ، ومسلوبُ أهليَّةِ الشهادةِ والتنفيذِ لا يصلحُ للقضاء ولا للإمارة ، وأظن جمهور علماء المسلمين على هذا" (5)
    فقد استدل لذلك بــ :
    ــــ كونه ناقصا بالرق، محجورا عليه غير مستقل بنفسه، لا يلي أمر نفسه فكيف بأمر غيره.
    ــــ وكونه لا تجوز شهادته، ومن لا تجوز شهادته لا تصح ولايته كما سبق غير مرة.
    وأما المُعتَقُ ( = المحرر) فالظاهر أنه تجوز ولايته ، قال ابن عرفة : وهو المعروف ، وقال ابن عبد السلام : هو مذهب الجمهور ، وخالف سحنون ففي كتاب " النوادر " أنه منع ولايته ، وعلل ذلك بالخوف من استحقاق رقبته ، فيجب رده إلى الرق ، ويفضي ذلك إلى رد أحكامه ، فتذهب أحكام الناس باطلا .
    قال في " التوضيح " ويمكن نقض قول سحنون بقبول شهادته مع أنه قد يستحق . ويمكن أن يجيب عنه بأن للإمام مندوحةً عن ولايته، بخلاف قبول شهادته في أمرٍ تعيَّن عليه لا يعرفه غيرُه. (6)
    هـ ـــ عدم الفسقِ، وعدم ارتكابِ ما يخل بما يسميه الفقهاء: ( المروءة ).
    وذلك بأن لا يرتكب الكبائر، ويجتنب في الغالب الصغائر، وما يخل بالمروءة وإن كان مباحا، وفي ذلك قال ابن عاصم في التحفة:
    والعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الكَبائِرَا = = وَيتقي في الغالب الصغائِرَا
    وما أبيحَ وهْو في العِيانِ = = يَقْدَحُ في مُروءَةِ الإنْسانِ


    فلا تجوز تولية الفاسق ولا من فيه نقصٌ يمنعُ الشهادةَ ، كتاركِ الصلاةِ وآكلِ الربا ، والزاني ، وشاربِ الخمرِ، إلخ ، ولا ينفذ حكمه ، وَافَقَ الحَقَّ أمْ لاَ .
    والأصل في ذلك :
    ـــ قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } ، ولا يجوز أن يكون القاضي ممن لا يقبل قوله ويجب التبين عند حكمه .
    ـــ لأنه لا تقبل شهادته ، قال سحنون : " ومن لا تجوز شهادته لا تصح ولايته "

    الخلاف في الفاسق داخل المذهب :
    القول الأول:هو ما ذكرت من أنه لا تصح ولايته، ولا ينفذ حكمه مطلقا.
    والقول الثاني : تصح ولايته ويجب عزله ، قال سحنون أيضا : " تصح ولايته ويجب عزله " و كذلك قال أصبغ : " تنعقد ولايته ، ويجب عزله ، ويمضى من أحكامه ما وافق الحق على المشهور "
    إذن فأصبغ وسحنون في أحد قوليه يعتبرون "عدم الفسق"من القسم الثاني من صفات القاضي .
    قال القاضي عياض : " وفي الفاسق خلاف بين أصحابنا، هل يرد ما حكم به ــ وإن وافق الحق ــ وهو الصحيح ، أو يمضى إذا وافق الحقَّ ووجْهَ الحكمِ ؟ "
    وقال المازري : " وقد نص الله تعالى على اشتراط العدالة في الشاهد،والقاضي أشد حرمة منه. قال: وعلى منع ولاية الفاسق العلماءُ، وشذ قومٌ من المتكلمين، فذهبوا إلى أن الفسقَ لا ينافي عقدَ ولاية القضاء، وهو مذهبٌ مستنكَرٌ" (7)
    وقال ابن رشد في " البداية": [ فأما الصفات المشترطة في الجواز فأن يكون حرا مسلما بالغا ذكرا عاقلا عدلا (= غير فاسق) وقد قيل في المذهب: إن الفسق يوجب العزل
    ويمضى ما حكم به ](8)
    ولعل من قال بهذا القول الثاني راعى خلاف الحنفية في ذلك، كما يأتي قريبا، ومراعاة الخلاف من أصول المذهب المالكي.

    الخلاف في الفاسق خارج المذهب :
    العدالة (= عدم الفسق) شرط واجب عند المالكية ـــ في الصحيح من المذهب ــ والشافعية والحنابلة ، فلا تجوز تولية الفاسق ، ولا من فيه نقص يمنع من قبول شهادته.
    وقال الحنفية: الفاسق أهل للقضاء، فإن عين قاضيا صح قضاؤه للحاجة، لكن ينبغي ألا يعين كما في الشهادة ، فإنه لا ينبغي أن يقبل القاضي شهادة الفاسق ، لكن لو قبلها منه جاز ، وفي الحالتين يأثم من يعينه للقضاء ، ومن يقبل شهادته .
    قال في " بدائع الصنائع" [وكذا العدالة عندنا ، ليست بشرط لجواز التقليد (= التعيين)
    لكنها شرط الكمال، فيجوز تقليد الفاسق وتنفذ قضاياه؛ إذا لم يجاوز فيها حد الشرع.
    وعند الشافعي - رحمه الله - شرط الجواز ، فلا يصلح الفاسق قاضيا عنده ، بناء على أن الفاسق ليس من أهل الشهادة عنده ، فلا يكون من أهل القضاء ، وعندنا هو من أهل الشهادة ، فيكون من أهل القضاء ، لكن لا ينبغي أن يقلد الفاسق ؛ لأن القضاء أمانة عظيمة ، وهي أمانة الأموال ، والأبضاع والنفوس ، فلا يقوم بوفائها إلا من كمل ورعه ، وتم تقواه ، إلا أنه مع هذا لو قلد ؛ جاز التقليد في نفسه وصار قاضيا ؛ لأن الفساد لمعنى في غيره ، فلا يمنع جواز تقليده القضاء في نفسه ؛ لما مر ] اهـ (9) .
    وقال ابن قدامة في المغني : [مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله تعالى : ولا يولى قاض حتى يكون بالغا ، عاقلا ، مسلما ، حرا ، عدلا ، عالما ، فقيها ، ورعا .
    وجملته أنه يشترط في القاضي ثلاثة شروط؛ أحدها، الكمال، وهو نوعان؛ كمال الأحكام، وكمال الخلقة، أما كمال الأحكام فيعتبر في أربعة أشياء؛ أن يكون بالغا عاقلا حرا ذكرا ]
    إلى أن قال: [وأما كمال الخلقة، فأن يكون متكلما سميعا بصيرا ] (10)

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ

    (1) "التوضيح" ج 7 ص 388. طبعة مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث بتاريخ 2008 م
    (2) قال ابن الملقن : هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام يدخل فيها ما لا يحصى من الأحكام ، له طرق أقواها طريق عائشة رضي الله عنها رواه إبراهيم ، عن الأسود عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المبتلى حتى يبرأ ، وعن الصبي حتى يكبر) وفي لفظ : «يحتلم» ، وفي لفظ : «يبلغ» .
    رواه الأئمة : أحمد في «مسنده» وأبو داود في «سننه» في (الحدود) والنسائي ، وابن ماجه في «سننهما» في (الطلاق) والحاكم في «مستدركه» في البيوع ، وأبو حاتم بن حبان في «صحيحه» بإسناد حسن ، بل (صحيح) متصل كلهم علماء . اهـ
    وروي عن أبي قتادة وعلي وعمر وابن عباس وشداد بن أوس وثوبان .
    (3) السنن الكبرى للبيهقي / باب من رد شهادة الصبيان ومن قبلها في الجراح ما لم يتفرقوا .
    (4) مختصر خليل / باب الشهادات . قال مالك: " تقبل شهادة الصبيان على الجراح التي تقع في محل اجتماعهم، ما لم يتفرقوا، ولا تقبل في غير ذلك".
    ويروى مثل ذلك عن ابن الزبير ، وكان شريح يجيز شهادة الصبيان على بعض .
    [قال ابن سحنون : قلت لسحنون : لم أجزت شهادة الصبيان بينهم في الجراح ، ولم تجزها في الحقوق والأموال ؟ قال : للضرورة ، لأن الحقوق يحضرها الكبار ، قلت : فيلزمك أن تجيزها في غصب بعضهم بعضا ؛ قال هذا موضع اتباع الماضين وزلا وجه للقياس فيما هو سنة أو كالسنة ] انظر شرح المواق على خليل في باب الشهادات عند قول خليل : " إلا الصبيان ... " إلخ النص الذي نقلته في صلب الموضوع .
    (5) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لمؤلفه: أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر أبو العباس الأنصاري القرطبي المالكي الفقيه المحدث المدرس بالإسكندرية، ولد بقرطبة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وتوفي سنة 656 هـ قال المقري في نفح الطيب : [ من تصانيفه رحمه الله تعالى: "المفهم في شرح مسلم" وهو من أجلّ الكتب، ويكفيه شرفاً اعتماد الإمام "النووي" ــ رحمه الله تعالى ــ عليه في كثير من المواضع، وفيه أشياء حسنة مفيدة]اهـ
    (6) "التوضيح " ج 7 ص 388 الطبعة المذكورة.
    (7) "التوضيح" المصدر السابق / ص 389 .
    (8) " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " ج 2 ص 460 طبعة دار المعرفة / بيروت لبنان الطبعة الرابعة بتاريخ 1978 م
    (9)"بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" لأبي بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين (المتوفى : 587هـ) / كتاب آداب القاضي / فصل في بيان من يصلح للقضاء . ج 14 ص 409 طبعة إلكترونية على المكتبة الشاملة .
    (10) " المغني" لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى : 620هـ) كتاب القضاء ج 22 ص 453 / طبعة إلكترونية على المكتبة الشاملة .


    يتبع

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    القسم الثاني / من المقطوعة الأولى

    قال خليل رحمه الله تعالى :
    [ أَهْلُ القضاءِ: عَدْلٌ ذَكَرٌ فَطِنٌ مُجْتَهِدٌ إِنْ وُجِدَ وَإِلاَّ... فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ وَزِيدَ للإمام الأعظم: قرشيٌّ، فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ]

    قد فرغنا من تفصيل القول ، في الصفة الأولى من الصفات الواجبة فيمن يتولى منصب القضاء / صفة العدالة .
    والآن نواصل الكلام على الصفات الأخرى فنقول :

    2 ــ الذكورة
    وإليها يشير خليل بقوله : ( ذكر) ، فلا يصح تولية المرأة ، على الصحيح المعمول به من المذهب .
    ويدل لذلك ما يلي :
    أ ـــ أن القضاء يشترط فيه ما يشترط في الشهادة وزيادة ، وقد ذكر القرآن بصريح العبارة أن في شهادة المرأة نقصا ، وأنها لا تقبل إلا في الأموال ، إذا جبر نقصها بامرأة أخرى ، وذكر العلة في ذلك وهي نسيانها وخطؤها وميلها ، قال تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } ، فإذا كان هذا في الشهادة ــ وأمرها أخف وأهون ــ فكيف بالقضاء الذي يستدعي النظر في الدعاوي والبينات ، ومجابهة الخصوم وحجاجهم ومدافعاتهم ومراوغاتهم ؟ وفيها من الباطل الزائف الذي يثير العواطف ، ويستولي على القلوب الرقيقة ما لا يخفى على من له أدني ممارسة لهذه المهنة، والمرأة بتركيبها العاطفي المعد للأمومة والشفقة ، قد تستولي على دموعها عبارة مؤثرة ، وتضحكها أخرى في المجلس الواحد ، ويسهل عليها أن تنخدع بتحسين الكلام ، ومن كان كذلك يتعذر عليه تمييز الحق في الحكم على الخصوم . (1)
    وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نقصان شهادتها وتأجج عواطفها بأبلغ عبارة فقال فيما روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى، أو في فطر إلى المصلى فمر على النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء: تصدقن؛ فإني أُرِيتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها"

    ب ـــ ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تولية المرأة فقال فيما رواه عنه أَبِو بَكْرَةَ قَالَ لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيَّامَ الْجَمَلِ ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ قَالَ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ « لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً » (2)
    وجه الاستلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من أسباب عدم الفلاح تولي المرأة للولايات العامة ، والقضاءُ نوعٌ من أنواع الولاية ، وان كان الحديث جاء في موقف خاص فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
    قال الصنعاني: "فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ، ولا يحل لقومها توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب" (3)

    ج ـــ قوله تعالى { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } وجه الاستدلال: أن (أل) هنا للاستغراق فتشمل جميع النساء والرجال في جميع الأحوال والأصل وجوب العمل بالعام حتى يأتي ما يخصصه ولا مخصص هنا .

    د ـــ قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (القضاة ثلاثة : اثنان في النار وواحد في الجنة : رجل عمل الحق فقضى به فهو في الجنة ، ورجل قضى في الناس على جهل، فهو في النار، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار)
    رواه الترمذي وأبو داوود وابن ماجه والحاكم .
    قال ابن تيمية : "وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً" ، وأقره الشوكاني ، إذ قال في نيل الأوطار : " دل بمفهومه على خروج المرأة اهـ (4)

    د ـــ ولأنه لم يثبت عن النبي ولا عن أحد من خلفائه الراشدين والصحابة أن أحدا منهم ولى امرأة قاضية في حكومة. وهو إجماع منهم على المسألة، وقد قال النبي : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )
    رواه الترمذي وأبو داوود .
    أما ما ذكره ابن حزم في "المحلى" من أن عمر (ض) ولَّى الشَّفَّاءَ الْحِسْبَةَ في السوق، فقد أجاب عنه خليل في "التوضيح " بجوابين :
    الأول : أن عموم الحديث مقدم عليه .
    والثاني : ما نقله المازري عن بعض فقهاء المذهب، من أن ولاية السوق ليست فيها حكومة وقضاء، فليست من هذا الباب ، وإنما هي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا مانع من أن تأمر المرأة بالمعروف وتنهى عن المنكر.
    ويخصص بهذه الصورة عموم الحديث (= حديث لن يفلح قوم ...) فيقال بعدم جواز ولاية المرأة إلا في تغيير ما يقع من المنكرات في السوق ، ولا يلزم من تخصيص عموم الحديث بهذه الصورة تخصيه بغيرها .(5)

    هـ ـــ قال ابن فرحون: " ولأن كلامها ربما كان فتنة، وبعض النساء تكون صورتها فتنة " (6)

    الخلاف في تولية المرأة القضاء داخل المذهب

    ــــ هذا هو المشهور المعمول به في المذهب .
    ــــ القول الثاني ما رواه ابن أبي مريم عن ابن القاسم من جواز توليتها القضاء .
    قال الشيخ خليل في "التوضيح " : [ روى ابن أبي مريم عن ابن القاسم إجازة توليتها القضاء ]
    فقال ابن زرقون : "وأظنه يريد فيما تجوز فيه شهادتها كقول أبي حنيفة" . انتهى .
    وقال خليل : "ويحتمل أن يريد الإطلاق كقول محمد بن الحسن والطبري والمازري . والإجماع على أنها لا تُوَلَّى الإمَامَةَ الْكُبْرَى " (7)

    الخلاف في تولية المرأة القضاء خارج المذهب

    وقع الخلاف بين الفقهاء في تولية المرأة القضاء على أقوال :

    الأول : المنع مطلقا وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية ـــ في صحيح المذهب ـــ والشافعية والحنابلة ، فلا يجوز عندهم تولية المرأة القضاء ، للأدلة المذكورة آنفا .

    الثاني : الجواز في الأموال ( = القضاء المدني ) لا في الحدود والقصاص ( = القضاء الجنائي ) فلا تعين فيها قاضيا ، وهو قول الحنفية ، وابن القاسم من المالكية في رواية ابن أبي مريم عنه كما سبق ذكره .
    قال في بدائع الصنائع : [وأما الذكورة فليست من شرط جواز التقليد (= التعيين) في الجملة ؛ لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة ، إلا أنها لا تقضي بالحدود والقصاص ؛ لأنه لا شهادة لها في ذلك ، وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة ] اهـ
    قالوا : " ويأثم المولي لها للحديث السابق: «لن يفلح..» "
    واستدلوا لذلك بما يلي :
    1ــ قياس القضاء على الشهادة فـ"أهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة"، وهذا أقوى دليل لديهم.
    2ــ قوله تعالى :{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...} وجه الاستدلال : أن الآية عامة فتشمل الرجال والنساء، ومن أعظم الأمانات أمانة القضاء.
    3ــ قوله صلى الله عليه وسلم :"النساء شقائق الرجال ".(8)
    وجه الاستلال : أن الآية عامة فلم تفرق بين القضاء وغيره، وإن ورد الحديث في أمر خاص الذي هو الاحتلام فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
    4ــ قوله :"والمرأة راعية في بيت زوجها ". وجه الاستدلال: أنهم قالوا بما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل لها الولاية في بيت زوجها فهذا دليل على أنها أهل للولاية .

    ج) القول الثالث: الجواز مطلقا في الأموال وغيرها ، وهو قول ابن جرير الطبري ومحمد ابن الحسن من الحنفية ، والمازري من المالكية ، وابن حزم من الظاهرية، فيجوز عند هؤلاء أن تكون المرأة قاضيا على الإطلاق ( = في كل شيء ) .
    قال ابن حزم في "المحلى": [ مسألة : وجائز أن تلي المرأة الحكم ، وهو قول أبي حنيفة .وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه ولى الشفاء امرأة من قومه السوق.
    فإن قيل : قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة.
    قلنا : إنما قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأمر العام الذي هو الخلافة.
    برهان ذلك : قوله عليه الصلاة والسلام : "المرأة راعية على مال زوجها وهي مسئولة ، عن رعيتها"
    وقد أجاز المالكيون أن تكون وصية ووكيلة ولم يأت نص من منعها أن تلي بعض الأمور وبالله تعالى التوفيق.]اهـ (9)
    لقد أشار ابن حزم ــ رحمه الله تعالى ـــ في هذا الكلام إلى أدلته على جواز تولي المرأة لمنصب القضاء، ويمكن تلخصها كالتالي:
    1ــ قوله صلى الله عليه وسلم " المرأة راعية على مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها " وقد سبق وجه الاستدلال به .
    2ــ ما روي أن عمر رضي الله تعالى عنه ولى الشفاء ـــ وهي امرأة من قومه ـــ السوق.
    3ــ أن الأصل في الأشياء الإباحة ، حتى يأتي نص بخلافها ، قال : " ولم يأت نص من منعها أن تلي بعض الأمور " أي كالوصية والوكالة والقضاء .
    4ــ أجاب عن الحديث " لن يفلح قوم ..." بأنه خاص بالولاية العامة التي هي الخلافة ، وأما الولاية الخاصة فباقية على أصل الإباحة فيها .
    5ــ استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها في عمرة الحديبية عندما رفض أصحابه التحلل ، فأشارت عليه أن يتحلل هو أمامهم وينحر الهدي ، ففعل فاستجاب الصحابة له .
    فقد أظهرت أم سلمة حكمتها ، فدل على وجود الحكمة لدى النساء ، مما يؤهلها للقضاء والفصل في النزاعات .
    ومما يدل عل حكمة النساء وحنكتهنَّ ما قص الله تعالى عن المرأة التي حكمت قومها في عهد سليمان عليه السلام ، إذ قالت للملإ من قومها { ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون } الآية ، وقالت {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون } وهي حكمة أوردها القرآن الكريم وأقرها ، وأثبتت الأيام والتجارب صحتها .

    6ــ مشاركة الصحابيات في الجهاد أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يدل على أن المرأة قادرة على تحمل الصعاب والمشاق ، وقادرة على أعباء الجهاد فضلا عن أعباء القضاء والحكم بين الناس .
    7ــ قياس القضاء على الإفتاء ، فإذا جاز لها الإفتاء فكذلك يجوز لها القضاء، لأن كليهما إنما هو إخبار بحكم شرعي وبيان لحكم الله ، ولا فرق بينهما .

    ولم يذكر ابن رشد في "البداية " من أدلة كل فريق إلا القياسَ، وأصلَ الإباحة في الأشياء . قال : [ فمن رد قضاء المرأة شبهه بقضاء الإمامة الكبرى وقاسها أيضا على العبد لنقصان حرمتها.
    ومن أجاز حكمها في الأموال فتشبيها بجواز شهادتها في الأموال.
    ومن رأى حكمها نافذا في كل شيء قال إن الأصل هو أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى.] اهـ (10)
    وأترك الترجيح للقارئ الكريم .


    3 ـــ الفطانة

    الفطنة شيء زائد على أصل العقل، وهي جودة العقل ، وتيقظ الذهن ، قال ابن عبد السلام : " والمراد من الفطانة بحيث لا يستزل في رأيه ولا تتمشى عليه حيل الشهود وأكثر الخصوم " لكن لا يبلغ به الأمر إلى الدهاء فسيأتي أنه لا يجوز أن يكون القاضي زائدا في الدهاء.
    قال في التوضيح " فلا يجوز ولاية المغفل، كما في الشهادة بل الاشتراط هنا أولى ، وهذا الشرط لم يقع في كل نسخ ابن الحاجب ، وكلام الطرطوشي يدل على اشتراطه " (11)

    الاختلاف في اشتراط الفطنة

    لم يتفق الفقهاء المالكية على اعتبار الفطنة شرط وجوب في القاضي :

    ـــ فقد عدها ابن الحاجب في النسخة التي شرح عليها خليل من الشروط الواجبة ، وتبعه عليه خليل في شرحه "التوضيح" وفي "مختصره" هذا ، ونسبه للطرطوشي حيث قال الطرطوشي : " لا يكتفى بالعقل التكليفي بل لا بد أن يكون بين الفطنة بعيدا من الغفلة " .

    ـــ وجعلها ابن رشد في "المقدمات" ، وابن فرحون في " تبصرة الحكام ..." وابن شاس في "عقد الجواهر الثمينة " من الصفات المستحبة غير الواجبة .
    قال ابن عرفة : " والحق أن مطلق الفطنة المانع من كثرة التغفل من القسم الأول، والفطنة الموجبة للشهرة بها غير النادرة ينبغي كونها من الصفات المستحبة، فعلى هذا طريقة ابن رشد أنسب؛ لأن فطنا من أبنية المبالغة كحذر، والمبالغة فيها مستحبة " اهـ (12)
    والدليل عل ذلك: قياس القضاء على الشهادة، فكما يشترط في الشاهد أن يكون يقظا فطنا في تحمل الشهادة وأدائها لقوله تعالى { ممن ترضون من الشهداء ...} ولا يرضي إلا كامل العقل والفطنة فكذلك القاضي، يشترط فيه ما يشترط في الشاهد وزيادة.
    والله تعالى أعلى وأعلم
    يتبع
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    (1) مدونة الفقه المالكي وأدلته " للدكتور الصادق عبد الرحمن الغرياني / ج 4 /ص 311 طبعة مؤسسة الريان / الطبعة الأولى 2003 م
    (2) انفرد بإخراجه البخاري / كتاب المغازي / باب كتاب النبي إلى كسرى وقيصر / كتاب الفتن / باب . ورواه الترمذي / كتاب الفتن وقال هذا حديث حسن صحيح . والنسائي / كتاب آداب القضاة / باب النهي عن استعمال النساء في الحكم . وأحمد . والبيهقي / كتاب الصلاة / باب لا يأتم رجل بامرأة / وكتاب آداب القاضي / باب لا يولى القاضي امرأة ولا فاسقا ولا جاهلا أمر القضاء . وغيرهم .
    (3) "سبل السلام" /دار إحياء التراث ج4 ص96
    (4) "نيل الأوطار" / دار الجيل ج 5 ص 66 المصدر السابق .
    (5) "التوضيح" المرجع السابق .
    (6) "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام " للقاضي ابن فرحون / الركن الأول في شوط القضاء وآداب القاضي / ج 1 / ص 49 طبعة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة .
    (7) "التوضيح" ج 7 ص 388 . المرجع السابق.
    (8) رواه أحمد ـــ قال المناوي " بإسناد جيد" ـــ وابن ماجه ، والترمذي من حديث عائشة . ورواه أبو داود ، والدارمى ، وأبو عوانة ، والبزار من حديث أنس .
    قال النسائي : "غريب من حديث أنس" وقال ابن القطان : "صحيح الإسناد" .
    والحديث وارد في الاحتلام .
    (9) "المحلى" دار الآفاق الجديدة ج 9 ص 492 .
    (10) "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" / كتاب الأقضية / ج 2 ص 420 طبعة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة .
    (11) " التوضيح " ج 7 ص 390 / المصدر السابق .
    (12) انظر " مواهب الجليل في شرح مختصر خليل " للحطاب / باب الأقضية / ج 8 ص 66 / طبعة إلكترونية على المكتبة الشاملة .
    يتبع

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    هوامش على القسم الثاني / من المقطوعة الأولى

    أولا
    شاع في كتب الفقه أن ابن جرير الطبري أجاز تولية المرأة القضاء مطلقا في الأموال وغيرها .
    لكن ابن العربي المالكي نفى أن يكون ذلك صحيحا عن هذا الإمام الجليل.

    قال ابن العربي عند شرحه لقوله تعالى { إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء }
    من سورة النمل :
    [ المسألة الثالثة : روي في الصحيح ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن كسرى لما مات ولى قومه بنته : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) .
    وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه.
    ونقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ؛ ولم يصح ذلك عنه ؛ ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها [ إنما ] تقضي فيما تشهد فيه ، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق ، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة على الحكم ، إلا في الدماء والنكاح ، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : { لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة } .
    وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير .
    وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ، ولم يصح ؛ فلا تلتفتوا إليه ؛ فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث .

    مناظرة حول السألة

    ثم نقل ابن العربي مناظرة حول هذه المسألة وقعت في بغداد في حضرة السلطان الأعظم : عضد الدولة ، وأكبر الظن أن ابن العربي قد حضر هذه المناظرة ، قال :
    [وقد تناظر في هذه المسألة القاضي أبو بكر بن الطيب المالكي الأشعري مع أبي الفرج بن طرار شيخ الشافعية ببغداد في مجلس السلطان الأعظم عضد الدولة ، فماحل ونصر ابنُ طرار لما ينسب إلى ابن جرير ، على عادة القوم في التجادل على المذاهب ، وإن لم يقولوا بها استخراجا للأدلة وتمرنا في الاستنباط للمعاني ؛ فقال أبو الفرج بن طرار : الدليل على أن المرأة يجوز أن تحكم أن الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها ، وسماع البينة عليها ، والفصل بين الخصوم فيها ، وذلك يمكن من المرأة ، كإمكانه من الرجل .
    فاعترض عليه القاضي أبو بكر ونقض كلامه بالإمامة الكبرى ؛ فإن الغرض منها حفظ الثغور ، وتدبير الأمور ، وحماية البيضة ، وقبض الخراج ، ورده على مستحقيه ، وذلك يتأتى من المرأة كتأتيه من الرجل .
    فقال له أبو الفرج بن طرار : هذا هو الأصل في الشرع ، إلا أن يقوم دليل على منعه .
    فقال له القاضي أبو بكر : لا نسلم أنه أصل الشرع .] اهـ المناظرة

    تعليق القاضي عبد الوهاب المالكي

    [قال القاضي عبد الوهاب : هذا تعليل للنقض ، يريد : والنقض لا يعلل .
    وقد بينا فساد قول القاضي عبد الوهاب في أصول الفقه ].

    تعليق القاضي ابن العربي

    [قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : ليس كلام الشيخين في هذه المسألة بشيء ، فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس ، ولا تخالط الرجال ، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير ، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها ، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم ، وتكون مناظرة لهم ، ولم يفلح قط من تصور هذا ، ولا من اعتقده ]


    أحكام القرآن لاين العربي / ج 3 ص1445 مطبعة الحلبي / مصر.

    نقله القرطبي في تفسيره حرفا بحرف وأقره .

    قال بعض الباحثين: لم ينسب إلى كتاب من كتبه، ولم يرو عنه بسند من الأسانيد.
    هذا من حيث الرواية والنقل
    ومن الناحية الموضوعية فإن هذا القول يخالف الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخالف الإجماع المنعقد إلى عصر الإمام الطبري، فلا يجوز له مخالفته لإجماع الأمة
    لأنه إذا انعقد الإجماع في عصر من العصور على حكم شرعي فلا يجوز لمن جاء بعده أن يخالف الحكم الذي وقع عليه الإجماع.
    إذن فنسبة القول بجاز تولية المرأة القضاء مطلقا إلى ابن جرير الطبري لا تصح لا رواية ولا دراية .

    ثانيا
    ممن قال من الحنفية بقول الجمهور في مسالة منع تولية المرأة القضاء زفر

    ثالثا
    نسب الباجي المالكي إلى محمد بن الحسن الشيباني القول بجواز قضاء المرأة في كل شيء
    المنتقي شرح الموطأ / ج 5 ص 182 .
    والله الموفق

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    القسم الثالث / من المقطوعة الأولى

    قال خليل رحمه الله تعالى:
    [ أَهْلُ القضاءِ: عَدْلٌ ذَكَرٌ فَطِنٌ مُجْتَهِدٌ إِنْ وُجِدَ وَإِلاَّ... فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ ـ وَزِيدَ للإمام الأعظم: قرشيٌّ ـ فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ ]
    في القسميْن السابقيْن: الأولِ والثانِي تناولنا بالتفصيل الصفات الثلاثة المشترطة في من يتولى منصب القضاء ، وهي العدالة ، والذكورة ، والفطانة .
    وفي هذا القسم الثالث نتعرض للصفة الرابعة والأخيرة التي هي صفة ( الاجتهاد ) .

    مع العلم أن خليلا رحمه الله تعالى إنما اختصر هذه الصفات في أربعة، وإلا فهي ثمانية، لأن صفة "العدالة" مركبة من خمسة أشياء، كما سبق تفصيله فيما سبق .

    وأشير قبل الدخول في التفاصيل إلى أن "العالم" و"المجتهد" و "النظار" ألفاظ مترادفة ،وأن "الجاهل" و "العامي" و "المقلد" كذلك ألفاظ بمعنى واحد ، هذا هو اصطلاح الفقهاء المالكية في كتبهم ، ذكره أبو الحسن التسولي في " البهجة في شرح التحفة" عند قول ابن عاصم :
    ويستحب العلم فيه والورعْ = = مع كونه الحديثَ والفقهَ جمعْ

    ولتفصيل القول في هذه الصفة أقول :
    4 ـــ الاجتهاد (= العلم )
    قال الحطاب: ( يشير إلى أن القاضي يشترط فيه أن يكون عالما ) (1)
    ويقصد بهذا الشرط تحقُّقُ الكفاءةِ العلميَّةِ الكاملةِ في القاضي، التي تؤهله لمعرفة الأحكام الشرعية في القضايا التي تعرض عليه، حتى نأمن أن لا يحكم بين الناس على جهل.

    إذن فلا يتولى القضاءَ: مقلد (=جاهلٌ / عامي) وأحكامه مردودة، سواء وافق الحق أم لم يوافقه،
    قال القرافي : " وعليه عامة أهل المذهب " .
    " قال المازري : هكذا يحكي أصحابنا عن المذهب أنه لا تجوز ولاية المقلد ، وهذا إنما هو إذا كان المجتهد موجودا ، وإلا فعند عدمه تصح الولاية لغيره " (2) وهو مراد الشيخ خليل بقوله : ( ... إِنْ وُجِدَ وَإِلاَّ... فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ)
    قال ابن العربي المالكي: "قبولُ المقلدِ الولايةَ معَ وجودِ المجتهدِ جَوْرٌ وَتَعَدٍّ، وَمَعَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ جائزٌ"
    قال الباجي : "لا خلافَ في اعْتبار كون القاضي عالما مع وجوده ، والذي يحتاج إليه من العلم أن يكون مجتهدا" .

    والمقلِّدُ هو مَنْ حَفِظَ مَذْهَبَ إِمَامِهِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ عارفٍ بغوامضه، وقاصرٌ عن تقرير أدلته.

    "وأهليةُ الاجتهادِ: تتوافر بمعرفة ما يتعلق بالأحكام من القرآن والسنة، ومعرفة الإجماع والاختلاف والقياس ولسان العرب.
    ولا يشترط أن يكون الفقيهُ محيطاً بكل القرآن والسنة، ولا أن يحيط بجميع الأخبار الواردة، ولا أن يكون مجتهداً في كل المسائل، بل يكفي معرفة ما يتعلق بموضوع البحث "(3).
    وهذا محل بحثه هو "علم أصول الفقه " فمن أراد الاستزادة منه فعليه بمراجعته في مظانه من كتب أصول الفقه .

    ويدل لذلك ما يلي :
    1 ـــ من الكتاب
    أ ــــ قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ووجه الدلالة أن الآية أمرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحكم " بما أنزل الله " ولم تأمره بالحكم بأقوال الناس، والمقلد لا يحكم بما أنزل الله، وإنما بأقوال الناس الذين يقلدهم.
    ب ـــ قوله تعالى { لتحكم بين الناس بما أراك الله } ووجه الاستدلال كالذي قبله
    ج ــــ قوله جل جلاله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } أي إلى الكتاب والسنة ، والمقلد لا يرد أحكامه إلى الكتاب والسنة ، وإنما إلى أقوال من قلدهم من العلماء .
    د ــ قوله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم } ووجه الدلالة أن المقلد ليس لديه علم ، قال ابن قيم الجوزية في (إعلام الموقعين) :" ... ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم " و من لم يكن عنده علم فهو بعيد عن أن يكون مجتهدا.
    2 ـــ من السنة
    أ ــــ قوله صلى الله عليه وسلم من حيث بريدة مرفوعا : ( القضاء ثلاثة واحدة في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار ورجل قضي للناس على جهل فهو في النار ) (4)

    ووجه الاستدلال أن الحديث يتضمن النهي عن ولاية الجاهل، حيث شدد النكير والوعيد على من قضى للناس على جهل ، وجعله في النار .
    قال الصنعاني : [وفيه التحذير من الحكم بجهل أو بخلاف الحق مع معرفته به، والذي في الحديث أن الناجي مَنْ قضى بالحق عالما به والاثنان الآخران في النار وفيه أنه يتضمن النهي عن تولية الجاهل القضاء ](5)

    وقال الشوكاني :[ في هذا الحديث أعظم وازع للجهلة عن الدخول في هذا المنصب الذي ينتهي بالجاهل والجائر إلى النار،
    وبالجملة فما صنعَ أحدٌ بنفسه ما صنعه من ضاقتْ عليه المعايشُ فزجَّ بنفسه في القضاء لينال من الحطام، وأموال الأرامل والأيتام، ما يحول بينه وبين دار السلام، مع جهلِه بالأحكام ، أو جورِه على من قعد بين يديه للخصام من أهل الإسلام ] (6)

    ب ــــ قوله صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن العاص (ض) : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) (7)
    ووجه الاستدلال أنه حصر الأجر على الحكم فيمن اجتهد، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.
    وقوله " إذا حكم " معناه إذا أراد أن يحكم، كقوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } أي إذا أردتم القيام للصلاة.
    قال النووي في شرح مسلم : [ قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكمٍ عالمٍ أهلٍ للحكمِ، فإن أصاب فله أجران: أجرٌ باجتهاده وأجرٌ بإصابته، وإن أخطأ فله أجر باجتهاده، وفي الحديث محذوف تقديره "إذا أراد الحاكم فاجتهد"، قالوا فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فإن حكم فلا أجر له، بل هو آثم، ولا ينفذ حكمه، سواء وافق الحق أم لا؛ لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي، فهو عاص في جميع أحكامه، سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلها، ولا يعذر في شئ من ذلك. ]

    ج ــــ لأنه لا يصلح للفتوى، فلا يصلح للقضاء بالأولى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة ( من أُفْتِىَ بفُتْيَا بغير ثَبْتٍ فإنما إثمه على الذي أفتاه )
    - رواه أحمد وابن ماجه.
    وفي لفظ : ( من أُفْتِىَ بفُتْيَا بِغَيْرِ عِلْمٍ كان إثم ذلك على الذي أفتاه ) . رواه أحمد وأبو داود .
    د ــــ قول النبي صلى الله عليه وسلم ــ وهو حديث مشهور ــ لمعاذ لما أراد أن يبعثه إلى اليمن : " كيف تقضي ؟ فقال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أجتهد رأيي قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم "
    (8)
    وفي رواية : «أن مُعَاذا سَألَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : يا رسول الله بِمَ أقضي ؟ قال : بكتابِ الله ، قال : فإِن لم أجد ؟ قال: بِسُنَّةِ رسولِ الله، قال: فإِن لم أجد؟ قال: استَدِقَّ الدنيا، وتَعَظَّمْ في عَيْنِكَ ما عند الله، واجتهد رَأيَك، فسيسدِّدك الله للحق».

    والحديث واضح الدلالة على المسألة موضوع البحث ، لكنه ضعيف .
    هـ ــ رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري ، وفيها : ( ... ثم الفهم الفهم فيما أدلى إليك، وورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال ، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق ... )
    3 ـــ من العقل
    قال القرافي : " لأن بالعلم يعتصم من المخالفة لحدود الله " انظر الذخيرة .

    الخلاف في هذا الشرط داخل المذهب وخارجه
    أولا :

    جَعْلُ هَذا الشَّرْطِ (=العلم / الاجتهاد) من الصفات الواجبة هو ما عليه عامة أهل المذهب كما سبق عن القرافي.
    وهو مذهب الشافعية والحنابلة .
    وعليه فلا تصح تولية الجاهل (=المقلِّد ) ولا تنفذ أحكامه، ما وافق الحق منها وما لم يوافقه، ويجب عزله، إلا في حالة الضرورة المتمثلة في عدم "العالم المجتهد".
    فإذا لم يوجد إلا جاهل عادل، (= مقلد)، فعند ذلك يجوز توليته حتى لا تتعطل أحكام الناس.
    قال القاضي عبد الوهاب البغدادي في "التلقين" : [ ولا يستقضي إلا فقيه من أهل الاجتهاد لا عامي مقلد لأنه يحتاج فيما ينزل من الحوادث إلى الاجتهاد فلا يصح أن يكون عاميا لأنه ليس بمجتهد وإنما هو مقلد غيره ولأن الحاكم يتفقد الأحكام في غيره فلم يصح أن يكون مقلدا ] اهــ

    ثانيا :
    وجعله ابن زرقون وابن رشد الجد من الشروط المستحبة .
    وهو قول الحنفية .
    وعليه فيصح تولية الجاهل (= المقلد / العامي) مع وجود العالم المجتهد، وتنفذ أحكامه إن وافقت الحق والصواب ، لكن يستحب عزله إن وجد عالم مجتهد.
    قال ابن رشد في " المقدمات الممهدات " : [ وأما الخصال المستحبة فكثيرة ، منها أن يكون من أهل البلد ، وَرِعًا، عالمًا، يسوغُ له الاجتهادُ، غَنِيًّا، ليس بمحتاج، ولا مِدْيَانٍ ... ] (9)
    وقال الحفيد في "بداية المجتهد" مشيرا إلى قول جده: [ قال القاضي(يعني نفسه) وهو ظاهر ما حكاه جدي ــ رحمة الله عليه ــ في "المقدمات" عن المذهب لأنه جعل كون الاجتهاد فيه من الصفات المستحبة].
    وكذلك ابن عاصم في "التحفة" حيث قال:
    وَيُسْتَحَبُّ الْعِلْمُ فِيهِ وَالْوَرَعْ = = مَعْ كَوْنِهِ الحَدِيثَ وَالْفِقْهَ جَمَعْ

    وهذا هو المعتمد الأصح عند متأخري المالكية على ما قال الدردير في الشرح الكبير على المختصر، والدسوقي في حاشيته عليه (10 )

    ويمكن أن يستدل لهذا القول بأمور:

    1 ــ أن المجتهد من النادر وجوده في عموم البلاد ، وإنما يوجد أفراد قليلون في بعض البلاد، فلا يتأتى تولية المجتهد في كل بلد لتعذر وجوده ، مما يفضي إلى ترك ولاية القضاء شاغرة، فيؤدي الأمر إلى الهرج (= التقاتل) وإبطال الحقوق ، وترك إنصاف المظلوم ، وهو واجب ، وهذا واقع لا يرضاه دين ولا عقل ، والواقع له مكان وأهمية.
    وقد قال المازري المتوفى سنة536 هـ : [وأما عصرنا هذا فإنه لا يوجد في الإقليم الواسع العظيم مفتٍ نظارٌ قد حصل آلةَ الاجتهاد .... هذا الأمرُ زمانُنا عارٍ منه في أقاليم المغرب كله، فضلا عمن يكون قاضيا على هذه الصفة ] (11)
    ونحن هنا لا نقول بتعذر الاجتهاد ، وإنما نقول بقلته وندرة أربابه .

    2 ــ أن الغرض من القاضي أن يفصل في الخصومات، وأن يوصل الحقوق إلى من يستحقها، فإذا أمكنه ذلك بالتقليد ــ بأن يرجع إلى فتوى غيره من العلماء ــ جاز قضاؤه (12)
    3 ــ ما رواه أحمد في مسنده، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: (أنفذني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن وأنا حديث السن فقلت: تنفذني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: "إن الله تعالى سيهدي لسانك، ويثبت قلبك"، فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك)
    فهذا يدل على أن الاجتهاد ليس شرطا في جواز تولية القاضي؛ لأن عليا حينئذ لم يكن من أهل الاجتهاد، بدليل أن عليا نفسه صرح بما يفيد أنه ليس مجتهدا وهو قوله: "ولا علم لي بالقضاء", وما دام علي ليس له علم بالقضاء فلا يكون مجتهدا؛ لأنه ليس من المتصور أن يكون الإنسان مجتهدا ولا يعلم القضاء، فهذا يفيد أن الاجتهاد ليس شرطا في القاضي. (12)
    4 ــ أن عليه عمل أهل المدينة في زمن الإمام مالك وغيره ممن قبله ومن بعده من المجتهدين، فكان ينبغي للشيخ/ خليل الاقتصار عليه لأنه اشترط أن يذكر ما عليه العمل، كما مر في المقدمة (13)

    ثالثا :
    وفرَّق ابنُ جزي (ت 741 هـ ) في ( القوانين الفقهية ) بين العلم وبين الاجتهاد، فجعل العلم ( = المعرفة بما يقضي به ) من الصفات الواجبة، والاجتهادَ من الصفات المستحبة. (14)
    وبهذا شرح عليُّ بْنُ عبدِ السلام التسولي قولَ ابن عاصم في التحفة :
    وَيُسْتَحَبُّ الْعِلْمُ فِيهِ وَالْوَرَعْ = = مَعْ كَوْنِهُ الْحَدِيثَ لِلْفِقْهِ جَمَعْ
    قال: " أي يستحب فيه العلم الموصل للاجتهاد كما في المقدمات، فهو يفيد شرطية العلم في الجملة، وأن المستحبَّ علمٌ خاصٌّ، وهو ما يتوصل به للاجتهاد " (15).

    ويترتبُ علي هذا التفرقةُ بين الجاهل المحض ( = الأمي الذي لا علم عنده بما يقضي به ) وبين العالم المقلد ، فلا تصح ولاية الأول على الإطلاق ، وتصح ولاية الثاني وإن كان المجتهد موجودا.

    رابعا :

    ـــ اتفقوا على أنه إذا اجتمع وجود المجتهد والمقلد فالمجتهد أولى.
    ـــ وكذلك اتفقوا على أنه إذا لم يوجد المجتهد فيجوز تولية المقلد ، لكن ينبغي أن يختار أعلم المقلدين ممن له قدرة على الترجيح بين أقاويل أهل مذهبه ، كما قال ابن عبد السلام ، وتبعه "خليل" حيث قال : ( وإلا فأمثل مقلد )
    ـــ كما اتفقوا على عدم جواز تولية الجاهل المحض ( = الذي لا علم عنده بما يقضي به) إلا قولا شاذا حكاه ابن راشد عن بعضهم ( 16)
    وفي كتاب ابن حبيب: " إن ما يخاف من الجهل مثل ما يخاف من الجور "

    يتبع

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    (1) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل " / باب الأقضية / طبعة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة .
    (2) "التوضيح" ج 7 ص 389 / المصدر السابق.
    (3) "الفقه الإسلامي وأدلته" للدكتور وهبة الزحيلي / ج 8 / الباب الخامس : القضاء / طبعة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة .
    (4) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، والحاكم ، ثم قال : هذا حديث صحيح . وقال : وله شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم ... فذكره.
    (5) "سبل السلام " لمحمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني الصنعاني (المتوفى : 1182هـ / باب القضاء / طبعة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة .
    (6) "نيل الأوطار" للشوكاني ج 9 ص 168 / المصدر السابق
    (7) رواه مسلم وغيره.
    (8) رواه الترمذي والبيهقي والطبراني في الكبير وأبو داود/ باب اجتهاد الرأي في القضاء.
    لكن في سنده مجاهيل، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات. قال السيوطي: هو موقوف.
    وقال ابن الملقن: [هذا الحديث كثيرا ما يتكرر في كتب الفقهاء والأصول والمحدثين ويعتمدون عليه، وهو حديث ضعيف بإجماع أهل النقل - فيما أعلم ـ ]
    وقال ابن الجوزي في «علله» : هذا حديث لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه . قال: ولعمري معناه صحيح إنما ثبوته لا يعرف؛ لأن الحارث بن عمرو مجهول، وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يعرفون، وما هذا طريقه فلا وجه لثبوته .
    (9) "المقدمات الممهدات..." ج 2 ص 259 الطبعة الأولى 1988. دار الغرب الإسلامي
    (10) الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 129 طبعة دار الفكر بدون تاريخ .
    (11) " تبصرة الحكام " ج 1 ص 22 المرجع السابق .
    (12) "النظام القضائي في الفقه الإسلامي" لمحمد رأفت عثمان / ص 193 / الناشر: دار البيان / الطبعة: الثانية 1415هـ1994م
    (13) حاشية الشيخ علي العدوي على شرح الخرشي للمختصر / ج 4 ص 139 طبعة دار الفكر بدون تاريخ .
    (14) " القوانين الفقهية" ص 195 طبعة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة.
    (15) " البهجة في شرح التحفة " ج 1 ص 105 طبعة دار الفكر / بيروت بتاريخ 1996 م / الناشر: دار المعرفة بالدار البيضاء.
    (16) " تبصرة الحكام " ج1 ص 22 / المصدر السابق .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى
    بعد غياب طويل بسبب العطلة الصيفية ها نحن عدنا لمتابعة البحث في هذا الموضوع الفقهي الهام بغية إتمامه إن شاء الله تعالى وأرجو منكم التواصل والتفاعل معه إفادة واستفادة
    والله الموفق

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    القسم الرابع / من المقطوعة الأولى
    قال خليل رحمه الله تعالى : ( ..... فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ )
    هذا فصل فيما يحكم به المجتهد والمقلد (= المقضي به )

    أما المجتهد فيجب عليه أن يحكم بكتاب الله ، فإن لم يجد فبسنة رسول الله ، مما صاحبه العمل، فإن لم يجد فبالإجماع ، فإن لم يجد فبالراجح الذي أداه إليه اجتهاده بعد مشورة أهل العلم، فإن حكم بغير ذلك كان حُكْمًا بالهوى ، والحكم بالهوى حرام.
    وليس له أن يقلد فيما يرى خلافه، لأن التقليد لا يصح للمجتهد فيما يرى خلافه بإجماع، وإنما يصح له التقليد إذا لم يتبين له في النازلة حكم.
    واختلفوا هل للمجتهد أن يترك النظر والاجتهاد ويقلد غيره من المجتهدين على ثلاثة أقوال:
    الأول: أن ذلك يجوز له.
    الثاني: ليس له ذلك.
    الثالث: ليس له ذلك إلا أن يخاف فوات النازلة.
    قال مالك : " وليحكم بما في كتاب الله ، فإن لم يكن فيه فبما جاء عن رسول لله إذا صحبته الأعمال، فإذا كان خبرا صحبت غيرَه الأعمال قضى بما صحبته الأعمال ( لأن أصل مالك تقديم العمل على خبر الواحد، وكذلك القياس مقدم على الآحاد على ما ذهب إليه الأبهري) فإن لم يجد ذلك عن رسول الله فبما أتاه عن أصحابه إن اجتمعوا، فإن اختلفوا حكم بمن صحبت الأعمال قوله عنده، ولا يخالفهم جميعا ويبتدئ شيئا من رأيه،( وقيل له أن يجتهد وإن خالفهم كلهم ) فإن لم يكن ذلك فيما ذكرنا اجتهد رأيه وقاسه بما أتاه عنهم ، ثم يقضي بما يجتمع عليه رأيه، ورأى أنه الحق، فإن أشكل عليه شاور رهطا من أهل الفقه ممن يستأهل أن يشاور في دينه ونظره وفهمه ومعرفته بأحكام من مضى وآثارهم ، وقد شاور عمر وعثمان عليا(ض) ] اهـ
    قال سحنون : [فإن اختلفوا فيما شاورهم نظر إلى أشبه ذلك بالحق فأنفذه، وإن رأى خلاف رأيهم لم يعجل ووقف وازداد نظرا ، ثم يعمل من ذلك بالذي هو أشبه عنده بالحق ] (1)

    والحكم بالهوى حرام إجماعا، والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
    ــــ قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "وَيْلٌ لدَيَّانِ (= حاكم) مَنْ في الأرض مِنْ دَيَّانِ مَنْ في السماء يوم يلقونه إلا من أمر بالعدل وقضى بالحق ولم يقض على هوى ولا على قرابة ولا على رَغَبٍ ولاَ رَهَبٍ وجَعَلَ كتابَ اللهِ مرآةً بيْنَ عينيْه" (2).
    ــــ وقوله تعالى : { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين }
    ــــ وقال تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}
    فقسم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزله الله على رسوله وإلى الهوى وهو ما خالفه .
    ــــ وقال تعالى: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون..... فأولئك هم الظالمون .... فأولئك هم الكافرون } والحاكم بهواه حاكم بغير ما أنزل الله.

    وأما المقلد فقد اختلف فيه:

    1ـــ فقيل : يلزمه التقيد بالراجح من أقوال أهل المذهب الذي قلده.
    فلا يجوز له أن يقيس على أقوال المذهب، فإن قاس، أو قال: يجيء من هذا كذا، فهو متعد، إلا أن يكون له أهلية ذلك في أصول إمامه.
    كما لا يجوز له الحكم بقول مذهب آخر، ولا بالقول الضعيف من مذهبه.
    وهذا هو القول المعتمد عند المالكية، وهو الذي قصده "خليل" بقوله: ( فحكم بقول مقلَّدِهِ) بفتح اللام.
    واستدل المازري لذلك بأنه لو حكم بغير مذهبه تطرقت إليه التهمة بالحيف ، والقضاء بالشهوة ، فأمر بالتزام مذهب إمامه بمقتضى السياسة الشرعية ، لا بمقتضى أصول الشرع ؛ لأن أصول الشرع مبنية على أن المفتي والقاضي يؤمران باتباع الحق حيثما ظهر لهما (3)
    2 ـــ لا يلزمه التقيد بأقوال المذهب ، وهو قول أبي بكر الطرطوشي قال : [ لأن الواجب على القاضي أن يجتهد رأيه في قضائه،
    ولا يلزم أحدا من المسلمين أن يقلد في النوازل والأحكام من يعتزي إلى مذهبه ، فمن كان مالكيًّا لم يلزمه المصير في أحكامه إلى أقوال مالك، وهكذا القول في سائر المذاهب، بل أينما أداه اجتهاده من الأحكام صار إليه ، فإن شرط على القاضي أن يحكم بمذهب معين ، من أئمة المسلمين ولا يحكم بغيره فالحكم صحيح ، والشرط باطل ، كان موافقا لمذهب المشترط ، أو مخالفا له ] (4)
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــ
    (1) " النوادر والزيادات " لابن أبي زيد القيرواني / ج 8 ص 15 ــ 16 طبعة دار الغرب الإسلامي / الطبعة الأولى 1999 م بتحقيق الدكتور : عبد الفتاح محمد الحلو .
    (2) "إعلام الموقعين " ج 1 ص 37 طبعة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة.
    (3) "التوضيح" ج 7 ص 391 المصدر السابق.
    (4) " عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة" لابن شاس ج 3 ص 101 طبعة دار الغرب الإسلامي م الطبعة الأولى 1995 م بتحقيق د: محمد أبو الأجفان و ذ : عبد الحفيظ منصور . ونقله في"التوضيح" ج7 ص 391 المصدر السابق.

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    Post رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    وهاهنا مسائل تتعلق بهذا الفصل المسألة الأولى: أقوال المذهب التي يأخذ بها المقلد قال القرافي في كتاب " الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ": [ السؤال الثاني والعشرون: هل يجب على الحاكم أن لا يحكم إلا بالراجح عنده كما يجب على المجتهد أن لا يفتي إلا بالراجح عنده أو له أن يحكم بأحد القولين ، وإن لم يكن راجحا عنده ؟ .والجواب: ـــ أن الحاكم إن كان مجتهدا فلا يجوز له أن يحكم أو يفتي إلا بالراجح عنده.ـــ وإن كان مقلدا جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه ، وأن يحكم به ، وإن لم يكن راجحا عنده مقلِّدًا في رُجْحَانِ القولِ المحكومِ بهِ إمامَه الذي يقلده في الفتيا ، وأما اتباع الهوى في الحكم والفتيا فحرام إجماعا .نعم اختلف العلماء فيما تعارضت الأدلة عند المجتهد وتساوت وعجز عن الترجيح هل يتساقطان أو يختار واحدا منهما يفتي به ؟ قولان للعلماء:فعلى القول بأنه يختار أحدهما يفتي به فله أن يختار أحدهما يحكم به مع أنه ليس أرجح عنده بطريق الأولى ؛ لأن الفتيا شرعٌ عامٌّ على المكلفين إلى قيام الساعة ، والحكم (= القضاء) يختص بالوقائع الجزئية ، فإذا جاز الاختيار في الشرائع العامة فأولى أن يجوز في الأمور الجزئية الخاصة، وهذا مقتضى الفقه والقواعد.وعلى هذا التقرير يتصور الحكم بالراجح وغير الراجح، وليس اتباعا للهوى، بل ذلك بعد بذل الجهد والعجز عن الترجيح وحصول التساوي .أما الفتيا والحكم بما هو مرجوح فخلاف الإجماع.وقال أيضا في أول هذا الكتاب: إن للحاكم أن يحكم بأحد القولين المستويين من غير ترجيح، ولا معرفة بأدلة القولين إجماعا ] اهـ (5)فقد أفاد كلامه ما يلي:1 ـــ أن المجتهد لا يفتي ولا يحكم إلا بالراجح عنده (= بما أداه إليه اجتهاده)2 ـــ وأن المقلد يجوز له أن يحكم ويفتي:أ ـ 2 ـ بالمشهور في مذهبه وإن لم يكن راجحا عنده،ب ـ 2 ـ فإن كان في المسالة قولان متساويان فقولان: أولهما : أن له أن يختار أحدهما للفتيا والقضاء به ، والثاني أن القولين يتساقطان ، وعليه أن يبحث عن قول راجح ولو في مذهب الغير .يوحي كلامه بأن المقلد لا يجوز له إلا أن يأخذ بالمشهور، أو المتساوي، وهو ما أشار إليه الجشتيمي في نظمه لما لم يكن في مختصر خليل وتحفة ابن عاصم بقوله :وَمَنْ يُرِدْ سَلاَمَةَ الإِسْلاَمِ = = فَلْيُفْتِ بِالْمَشْهُورِ فِي الأَحْكَامِ.لكن ذكر الهلالي في "نور البصر في شرح المختصر": أن الأقوال التي يجب على المفتي والقاضي المقلديْن أن يأخذا بها أربعة على هذا الترتيب:1 ــ القول المتفق عليه بين علماء المذهب .2 ــ القول الراجح قال الهلالي: " ومقتضى نصوص الفقهاء والأصوليين أن العمل بالراجح واجب"، والراجح هو ما قوي دليله.3 ــ القول المشهور، واختلفوا ما هو ؟ وسنتعرض لهذا بشيء من التفصيل بعد.4 ــ القول المساوي ، قال العدوي في حاشيته على شرح الخرشي للمختصر : [ فكما لا تجوز الفتوى بغير المشهور والراجح لا يجوز الحكم ولا العمل به ، فإذا كان في المسألة قولان متساويان : فقيل : إن المفتي يخير السائل ، وقيل : يختار له أحدهما وهو ما جرى به العمل " وهذا ما تعرض له القرافي في النص الذي نقلته عنه أعلاه .وأما القول الشاذ والضعيف ففي الأخذ بهما عند انعدام أحد الأقوال الأربعة المذكورة خلاف شديد بين العلماء :ـــ فذهب البعض ــ كالرهوني ــ إلى القول بتقليد المذهب المخالف هروبًا من الأخذ بالضعيف .ـــ وذهب الآخرون ـــ كالأمير ــ إلى القول بتقديم القول الشاذ على مذهب الغير.ـــ وقال الشاطبي ( ت 790هـ) في "الموافقات" بجواز العمل والفتوى والقضاء بالضعيف شريطة أن يكون في خاصة نفسه وأن لا يشتد ضعفه كثيرا، أما الفتوى والحكم للغير فلا يجوز الأخذ بهما كما صرح بذلك الفقهاء.+ + + + + + ويتبين هذا بما قرر الفقهاء المالكية من أن الأصل فيمن تصدر للقضاء والفتيا أن يكون مجتهدا محصلا لكل الأدوات والشروط والصفات المطلوبة في المجتهد ، التي ذكرها المصنفون في علم أصول الفقه ، لكن هذه المعرفة المطلوبة قد تختلف كثيرا نظرا لاختلاف الفقهاء في التحصيل والضبط والملكة وسعة الاطلاع ، وتباين المجتمعات والبلدان في الاهتمام بالعلوم الشرعية الموصلة للاجتهاد والمشروطة فيه ، ولهذا قسم الفقهاء المعرفة الشرعية إلى أربعة أقسام :1 ـ أن يكون المتولي لمنصب القضاء والإفتاء قادرا على الاجتهاد المطلق، محصلا لأدواته وآلاته المعتبرة متوفرا على شروطه المطلوبة والمقررة في علم أصول الفقه.فهذا يجب عليه الفتوى والقضاء بما أداه إليه اجتهاده واقتضته أدلته ، ولا يجوز له التقليد لغيره.فإن تعارضت لديه الأدلة أخذ بالراجح منها ، فإن لم يترجح عنده شيء منها فقيل تتساقط الأدلة ، كما ذكرت قبلُ عن القرافي، وقيل يخير بينها .وهذا النوع ترفع أحكامه الخلاف، ولا تتعقب، ولا تنتقض ولو خالف المشهور، إلا في أربعة أحوال:أ ـــ أن يكون حكمه مخالفا لنص.ب ــ مخالفا لإجماع ثابت.ج ــ أن يخالف قاعدة مقررة. د ــ أن يخالف قياسا جليا، وهو الذي لا شك في صحته.نظمها بعضهم فقال:إِذَا قَضَى حَاكِمٌ يَوْمًا بِأَرْبَعَةٍ = = فَالْحُكْمُ مُنْتَقِضٌ مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِ خِلاَفُ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ وَقَاعِدَةٍ = = كَذَا قِيَاسٌ جَلِيٌّ دُونَ إِيهَامِ وهذا النوع مما أجمع العلماء على فقده منذ قرون.2 ــ أن تتخلف فيه بعض شروط المجتهد المطلق ، لكنه يملك آلات وشروط الاجتهاد المقيد (= مجتهد مذهب / ومجتهد فتوى) وذلك بان يكون متبحرا في الاطلاع على أقوال المذهب، مستحضرا لكلام الشيوخ، عارفا بمطلقها ومقيدها وعامها وخاصها ، متقنا لقواعد إمامه وأدلته التي بنى عليها مذهبه ، عارفا بأصوله التي اعتمدها في الاستنباط ، مع قسط وافر من علوم اللسان العربي من لغة ونحو وصرف وبيان .وهذا كالمجتهد المطلق في أن حكمه يرفع الخلاف، ويجب عليه الأخذ بنصوص المذهب على الترتيب المذكور :ــــ بالمتفق عليه.ــــ ثم بالراجح عنده من المختلف فيه، والموضوع أنه أهل للترجيح .ــــ ثم بأحد القولين أو الأقوال إن تساوت عنده، ولم يهتد إلى ترجيح بعضها على بعض. واختلف هل يعينه لمستفتيه ، أو يخيره بينهما .ــــ ثم بالقياس، إن لم يوجد في المذهب نص على هذه النازلة فله أن يقيسها على غيرها من مسائل المذهب، بشروط القياس المعتبرة. وهذا النوع من القياس يسمى ( التخريج).واختلف: هل له أن يَخْرُجَ عن قواعد مذهبِه أو ليس له ذلك؟فقيل: لا يخرج عن قواعد المذهب وأصوله المعتبرة، وقيل له أن يخرج عنها، وقيل ليس له أن يقيس أصلا.3 ــ أن يكون متبحرا في نصوص المذهب مطلعا عليها مستحضرا لأقوال الشيوخ، لكنه لم يكن متقنا لقواعد المذهب ولا أدلته، ولا يعرف أصوله التي بنى عليها استنباط الأحكام، ولا قدرة له على الاستدلال لفروع المذهب، مع توفره على قسط من العربية يمكنه من فهم معاني اللسان العربي.فهذا يجب عليه أن لا يخرج عما شهره العلماء، فإن حكم بغير "المشهور" ( = الضعيف / الشاذ) لم يعتبر حكمه ونقض ورد عليه. ومن هنا قال الفاسي في نظم "العمل الفاسي": حكم قضاة الوقت بالشذوذ = = ينقض لا يتم بالنفوذ وله أن يفتي بما حفظ من نصوص المذهب مما هو مطابق لعين النازلة، وليس له أن يقيس (= ليس له التخريج ) ما لا نص فيه على المنصوص لعدم آلات القياس عنده.4 ــ أن يكون عنده تحصيل لبعض المختصرات من كتب المذهب فيها مسائل عامة مخصصة في غيرها أو مطلقة مقيدة في غيرها، وقد يكون فيها ضعيف أو شاذ، ولا علم عنده بالمخصصات ولا بالمقيدات، ولا يقدر على تمييز المشهور من الضعيف والشاذ. فهذا تحرم عليه الفتوى والقضاء، لأنه في الجهل كالعاميِّ الذي لم يحصِّل شيئا.والخلاصة : أن المراتب أربعة :1 ــ المجتهد المطلق ، فهذا لا يحكم بعد الكتاب والسنة والإجماع إلا بما أداه إليه اجتهاده، فإن تعارضت الأدلة تساقطتْ ، فيجتهد، أو يختار منها ، ولا يجوز له التقليد لغيره. قال في مراقي السعود : وَهُوَ ( = التقليد) للمُجتَهِدِينَ يَمْتَنِعْ = = لِنَظَرٍ قَدْ رُزْقُوهُ مُتَّسِع2 ــ المجتهد المقيد (= مجتهد المذهب ومجتهد الفتوى ) فهذا فيه قولان:أ ـــــ قيل يلزمه الحكمُ بأقوال مذهبه على الترتيب المذكور:أولا : بالمتفق عليه .ثانيا : بالراجح عنده من المختلف فيه .ثالثا: بالمشهور.رابعا : بأحد الأقوال المتساوية على التخيير ، وقيل غير ذلك .خامسا: بقياس غير المنصوص على المنصوص لأنه من أهل الاجتهاد في المذهب.ب ـــــ وقيل: لا يلزمه ذلك بل له أن يخرج عن نصوص المذهب، كما نقلنا قبلُ عن ابن الحاجب.3 ــ غير المجتهد، لكنه متبحر في الاطلاع على نصوص المذهب ، فهذا لا يجوز له أن يحكم أو يفتي إلا بالمشهور ، ولا يخرج عنه ، فإن خرج عنه نقض حكمه، ورفضت فتواه ، وحكمه لا يرفع الخلاف.4 ــ غير المجتهد ولم يكن متبحرا في الاطلاع على نصوص وأدلة مذهبه ، لكنه حصَّل بعض المختصرات الفقهية ، وطالع بعض المتون المتعلقة بمذهبه ، فهذا قيل: لا يجوز أصلاً توليتُه القضاءَ ولا الفتوى . وقيل يجوز ذلك .والشيخ خليل ــ رحمه الله تعالى ــ يقصد بالمجتهد المجتهد المطلق ، ويعني بالمقلد مجتهد المذهب ومجتهد الفتوى . وقد يعني بالمقلد أيضا غير المجتهد المتبحر في الاطلاع على نصوص المذهب وأقوال الشيوخ. (1)وفي هذا قال محمد النابغة :وَلَمْ يَجُزْ تَسَاهُلٌ فِي الْفَتْوَى = = بَلْ تُحَرَّمُ الْفَتْوَى بِغَيْرِ الْأَقْوَىوَكُل ُّ عَالِمٍ بِذَاكَ عُرِفَا = = عَنِ الْفَتَاوَى وَالْقَضَاءِ صُرِفَا إِذْ كُلُّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ تَرْجِيحَا = = فَعِلْمُهُ وَدِينُهُ أُجِيحَا وَكُلُّ مَنْ يَكْفِيهِ أَنْ يُوَافِقَا = = قَوْلًا ضَعِيفًا لَمْ يَجِدْ مُوَافِقَا لِخَرْقِهِ إِجْمَاعَ هَذِي الْأُمَّةْ = = بِالْحُكْمِ بِالْمَرْجُوحِ لِلأَيِمَّةْوَا لْحُكْمُ بِالضَّعِيفِ غَيْرُ هَادِ = = مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ أهل الاِجْتِهَادِ أَمَّا الْمُقََلِّدُ فَمَحْجُورٌ عَلَيْهْ = = وَعِنْدَ تَرْكِ رَاجِحٍ رُدَّ إِلَيْهْلِذَاكَ قَالَ ذُو النِّظَامِ الْفَاسِي = = فِي الْعَمَلِيَّاتِ فَهْوَ فَاسِي "حُكْمُ قُضَاةِ الْوَقْتِ بِالشُّذُوذِ = = يُنْقَضُ لاَ يَتِمُّ بِالنُّفُوذِ " إلى أن قال:بَيَانُ مَا اعْتُمِدَ مِنْ أَقْوَالِ = = وَكُتُبٍ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِفَم َا بِهِ الْفَتْوَى تَجُوزُ الْمُتَّفَقْ = = عَلَيْهِ فَالرَّاجِحُ سُوقُهُ نَفَقْ فَبَعْدَهُ الْمَشْهُورُ فَالْمُسَاوِي = = إِنْ عُدِمَ التَّرْجِيحُ فِي التَّسَاوِي وَرَجَّحُوا مَا شَهَّرَ الْمَغَارِبَةْ = = وَالشَّمْسُ بِالْمَشْرِقِ لَيْسَتْ غَارِبَةْوَمَا لِذِي قُصُورٍ أَوْ تَعَلُّمِ = = فِي حَالَةِ التَّرْجِيحِ مِنْ تَكَلُّمِ (1)ـــــــــــــ ــــــــــــــ ــــــــــــ(1) انظر بصدد هذه المسألة في:أ ـ "نور البصر في شرح المختصر " للهلالي عند قول الشيخ خليل في مقدمة المختصر "... مبينا لما به الفتوى " عندي منه " مخطوطة خاصة" ب ـ "نظم بوطليحة" لمحمد النابغة بن عمر الغلاوي ، مع التعلق عليه ليحيى بن البراء / ص :56 ــ 73 / الطبعة الثانية 1425هـ ـــ 2004م مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع ّ/ بيروت لبنان . ج ـ "البهجة على التحفة" ج1 ص 107 طبعة دار الفكر / الناشر دار المعرفة بالدار البيضاء / المغرب 1996 ميتبع

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    في انتظار المسالة الثانية أرجو مناقشتكم للموضوع
    والله الموفق

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فقه القضاء على المذهب المالكي من خلال "مختصر خليل" ( فروع / وأصول )

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    قريبا سأواصل إتمام هذا الموضوع إن شاء الله تعالى
    واعتذر عن اهذا الانقطاع الخارجة أسبابه عن الإرادة
    والله الموفق

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •