يامن لم أعرفك عيانا بعد .
يا متشكلا في الذاكرة ورسوم دفاتر الأشعار وأخيلة أحاديث الحب .

صوََََرتك دفقا قديما ذات ليلة منسية . وبنتيك ، ملونا ، كما بيت الحلم ، ومراح الطفولة .

غدوت نجم ليلي . أسهر ، فأراك ، فألاحظ امتداد توهج أملي بتوهج ضوئك .

كنت أترقبك ، وأنتظرك . أقف على الأرصفة المغسولة بسكب الشتي ، تحت ظلِ أيادي أشجار الدلب العتيقة ،
وأناديك . أصافح الوجوه ، وأميز الملامح ، وقلبي يخفق لذكراك .
لكنما كنت طيفا نزقا ، تمر ، فتحيي ، فتلملم وقفتك القصيرة وترحل . ولما طالبتك ،ذات مرة ، بالمكوث ، ابتسمت وودعتني .

دائما ترحل ، وأنا لم أعرفك عيانا بعد .

قل لي : كيف شكَلتك الذاكرة ؟ ولم عرفتك أخيلة أحاديث الحب ؟ ولم أنا ؟ ولم لم أرك مشاهدة حتى الآن ؟ وكيف
أراك وأنت خيال نزق لاتزال ؟
هل ستأتي ؟ تدق بقبضتك القوية باب شوك أرقي ؟ تفتح نوافذي الصدئة . تجلو ران قلبي المكدود . تصيح بصوت عال أنا هو ، أنا هو ، وليمت قلقك وكلُ انتظار السنين ؟!

أنا تعبت ، لصيق ذاتي ! وعزيمتي كما عادية ولازلال . سيفي سيف سرفانتس ، وحصاني حصانه ، وشخوصي شخوصه ، وأنا أعارك الهواء !

أتراك تكون نزقا ، ولا وجود للأمثال ؟ ثم ما المثل ، والقدوة ؟ ومن المرشد ، وما معنى الدليل ؟!

أخبرني عن البحر والبحار ، أحقا هو ، أم هم همَا ابتدعناه ؟ وما الصورة ، وكيف تتزين وتتزيى ؟ وكيف الماضي ، ومفهومه ، واستمراره ، ودوام ثوابته ؟ وكيف ينمو الوهم في ذاكرة الشعوب ؟ وما الفرق بين الصدق والخرافة ، والدجل والحقيقة ؟ ثم ما الشفافية ، شفافية الاحتواء ؟

حدثني مليا عن عين الله ، وسمع الله ، ويد الله ، وقدم الله . والرؤيا حقا حقا ، والماضي حقا حقا ، والعهد ، والطريق ، والأمان ، والآه الطويلة الطويلة ، وحرقة كل القلوب !

كن عدلا ، يا صاحبي ، أو رحيما ! دعني ولا تعد ! أو تعال ولاتهرب . لاتتلامح من بعد . والغ خُلَََب صورتك ،
أو اظهر حقيقة ملموسة ، فأراك وأشاهدك وأكلمك ، وتكون صورة صادقة حياتية . كن بياضا أو سوادا . المع ذهبا ، أو انطفئ رمادا . وثق أنني لن أناديك بعد اليوم ، ولن أنتظرك بعد اليوم . فجسمي حرَقته جمار قيظ الشمس ، وخدده طول عقم الانتظا ر ، وما عدت أحسن الترقب .
فاذا أتيت ، بعد هذا اليوم ، طيفا ، فسألعنك إن لم تبق . وسأرجمك ، رضيا، حمم قهري. وأجلدك بتشف سوط عذابي . وسألغيك ، هانئا ، من ذاكرتي . وسأقول لك : احي كفرا ، أو مت بلا اطمئنان . فان بقيت وجودا ملموسا
، فسأحبو على ركبتي طويلا ، وأنا أبكي حبا وصدقا ودوام عهد !
كن من أنت ، يقينا أو شكا . لكن لاتبقى طيفا شقيا في ذاكرة تعبة دوام سنين .

21/ 8 / 1988م