الخفض بالمجاورة
أسلوب من أساليب اللغة العربية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
فهذا نقل لكلام بعض أهل العلم
في مسالة الجر بالمجاورة
أحببت نشره منفصلا
لما رأيت من إنكاره وقد ورد به التنزيل
قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتاب اضواء البيان
:
التحقيق أن الخفض بالمجاورة أسلوب من أساليب اللغة العربية
، وأنه جاء في القرآن لأنه بلسان عربي مبين
"
قال الشيخ مصطفى الغلاييني رحمه الله
:
"
وقد يُجرُّ ما حقهُ الرفعُ أو النصبُ، لمجاورتهِ المجرورَ
،
كقولهم
:
"هذا جُحرُ ضَبٍّ خَرِبٍ"
،
ومنه قولُ امرئ القيس
:
*كَأَنَّ ثَبيراً، في عَرانِينِ وَبْلِهِ * كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ*
و
يُسمّى الجرَّ بالمُجاورة
.
وهو سَماعيٌّ أيضاً
.
"
من كتابه جامع الدروس العربية
وتحت واو العطف
قال الأستاذ عبد الغني الدقر رحمه الله
:
"
جوازُ العطفِ على الجِوارِ في الجرِّ خاصةً نحو {وامْسَحُوا بِرُؤُوُسِكُمْ وأَرْجُلِكُمْ} (الآية "6" من سورة المائدة "5"
.
و المراد بالجوار هنا
:
أن كلمة برؤوسكم مجرورة
فجرُّ ما بعدها وهي أرجلكم لمجاورةها ما قبلها،
وهذه قراءة من جرّ أرجلكم،
والقراءة الثانية
:
وأرجلكم بفتح الام عطفاً على الوجوه، على الأصل)،
في قراءةِ أبي عمرو وأبي بَكر وابن كثير وحمزة.
"
هذه مقدمة بين يدي القارئ تقريباً لكلام الأئمة
وليس لي غير نقله ونشره
وكتب
حاتم الفرائضي
22 ربيع الثاني
1430 من هجرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
.
###@@@###
@@@###@@@
###@@@###
قال الإمام البغوي رحمه الله
في تفسير قوله تعالى
:
"
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون (6
:
"
قوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم }
اختلف العلماء في قدر الواجب من مسح الرأس قال مالك : يجب مسح جميع الرأس كما مسح جميع الوجه في التيمم وقال أبو حنيفة : يجب مسح ربع الرأس وعند الشافعي رحمه الله : يجب قدر ما يطلق عليه اسم المسح
واحتج من أجاز مسح بعض الرأس
بما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الشافعي أنا يحيى بن حسان عن حماد بن زيد و ابن علية عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بن شعبة [ أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه ] فأجاز بعض أهل العلم المسح على العمامة بهذا الحديث وبه قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق
و
لم يجوز أكثر أهل العلم المسح على العمامة بدلا من مسح الرأس
و
قالوا : في حديث المغيرة أن فرض المسح سقط عنه بمسح الناصية وفيه دليل على أن مسح جميع الرأس غير واجب
### @@@ ###
قوله عز وجل : { وأرجلكم إلى الكعبين }
قرأ نافع و ابن عامر و الكسائي و يعقوب و حفص
( وأرجلكم ) بنصب اللام
وقرأ الآخرون ( وأرجلكم )
بالخفض
فمن قرأ ( وأرجلكم ) بالنصب
فيكون عطفا على قوله : { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم }
أي
:
واغسلوا أرجلكم
ومن قرأ بالخفض فقد ذهب قليل من أهل العلم
إلى أنه يمسح على الرجلين
وروي عن ابن عباس
أنه
قال
:
الوضوء غسلتان ومسحتان
ويروى ذلك عن عكرمة و قتادة
و
قال الشعبي
:
نزل جبريل بالمسح وقال : ألا ترى المتيمم يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحا ؟
و
قال محمد بن جرير الطبري يتخير المتوضىء بين المسح على الخفين وبين غسل الرجلين
و
ذهب عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم
إلى وجوب غسل الرجلين
و
قالوا
:
خفض اللام في الأرجل على مجاورة اللفظ
لا على موافقة الحكم
كما قال تبارك وتعالى
:
{ عذابَ يومٍ أليمٍ }
(1)
فالأليم صفة العذاب
ولكنه أخذ إعراب اليوم للمجاورة
و
كقولهم
:
جحر ضب خرب
فالخرب نعت للحجر
وأخذ إعراب الضب
للمجاورة
و
الدليل على وجوب غسل الرجلين : ما أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي الخطيب أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب أنا يحيى بن محمد بن يحيى أنا الحجبي و مسدد قالا : أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال : [ تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة صلاة العصر ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادانا بأعلى صوته : ويل للأعقاب من النار ]
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبدان أنا معمر حدثني الزهري عن عطاء بن يزيد عن حمران مولى عثمان قال : [ رأيت عثمان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثا ثم مضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم غسل يده اليسرى إلى المرافق ثلاثا ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ثم اليسرى ثلاثا ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال : من توضأ وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء غفر الله ما تقدم من ذنبه ]
وقال بعضهم : أراد بقوله { وأرجلكم } المسح على الخفين كما روي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع وضع يديه على ركبتيه ) وليس المراد منه أنه لم يكن بينهما حائل ويقال : قبل فلان رأس الأمير ويده وإن كانت العمامة على رأسه ويده في كمه أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو نعيم أنا زكريا عن عروة بن المغيرة عن أبيه رضي الله عنهما قال
:
[ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر فقال : ( أمعك ماء ) فقلت : نعم فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه ويديه وعليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه فقال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ]
فمسح عليهما
"
(1)
قال تعالى
:
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
###@@@###
@@@###@@@
###@@@###
قال
الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
:
"
قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ}.
في قوله {وَأَرْجُلَكُمْ} ثلاث قراآت
:
واحدة شاذة، واثنتان متواترتان
.
أما الشاذة
:
فقراءة الرفع، وهي قراءة الحسن
.
وأما المتواترتان: فقراءة النصب، وقراءة الخفض.
أما النصب
:
فهو قراءة نافع. وابن عامر، والكسائي، وعاصم في رواية حفص من السبعة، ويعقوب من الثلاثة
.
و
أما الجر
:
فهو قراءة ابن كثير، وحمزة، وأبي عمرو، وعاصم، في رواية أبي بكر
.
أما قراءة النصب
:
فلا إشكال فيها لأن الأرجل فيها معطوفة على الوجوه
،
وتقرير المعنى عليها
:
{فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ}
.
وإنما أدخل مسح الرأس بين المغسولات محافظة على الترتيب
،
لأن الرأس يمسح بين المغسولات، ومن هنا أخذ جماعة من العلماء وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء حسبما في الآية الكريمة
.
و
أما على قراءة الجر
:
ففي الآية الكريمة إجمال، وهو أنها يفهم منها الاكتفاء بمسح الرجلين في الوضوء عن الغسل كالرأس
،
وهو خلاف الواقع للأحاديث الصحيحة الصريحة في وجوب غسل الرجلين في الوضوء والتوعد بالنار لمن ترك ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم: «ويل للأعقاب من النار».
اعلم أولاً أن القراءتين إذا ظهر تعارضهما في آية واحدة لهما حكم الآيتين، كما هو معروف عند العلماء، وإذا علمت ذلك فاعلم أن قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بالنصب صريح في وجوب غسل الرجلين في الوضوء،
فهي تفهم أن قراءة الخفض إنما هي لمجاورة المخفوض
مع أنها في الأصل منصوبة بدليل قراءة النصب،
والعرب تخفض الكلمة لمجاورتها للمخفوض،
مع أن إعرابها النصب، أو الرفع.
وما ذكره بعضهم من أن الخفض بالمجاورة معدود من اللحن
الذي يتحمل لضرورة الشعر خاصة
،
وأنه غير مسموع في العطف
،
وأنه لم يجز إلا عند أمن اللبس
،
فهو مردود بأن أئمة اللغة العربية صرحوا بجوازه
.
و
ممن صرح به الأخفش، وأبو البقاء، وغير واحد
.
و
لم ينكره إلا الزجاج
،
وإنكاره له
ـ مع ثبوته في كلام العرب ، وفي القرآن العظيم ـ
يدل على أنه لم يتتبع المسألة تتبعاً كافياً
.
و
التحقيق
:
أن الخفض بالمجاورة أسلوب من أساليب اللغة العربية
،
وأنه جاء في القرآن لأنه بلسان عربي مبين
.
فمنه في النعت
قول امرىء القيس
...
وتجد تتمة البحث في
"مدونة النحو"
http://alnho.blogspot.com/2009/04/blog-post_216.html
##
"حقيبة معلم العربية"
http://arabic-books.blogspot.com/