وتلفَََت حولي ، وكانت الصحراء ممتدة على طول الأفق ، والشمس تختفي وراء حجاب . وبصوت خافت قلت لي :_ لاتبتعد ! أنا هنا !
فنظرت ثانية . وكان الليل بدأ بالهبوط . والقمر الآفل يغذُ السير ليأخذ مقعده على صفحة السماء . وبهمس يخالطه
خوف وشبه رجاء ، قلت لك : _ أين أنت ؟!
:_ أنا هنا !
:_ أين ؟!
:_ أنا معك !
كان الليل قد تكاثف ، وامتزج لون الصحراء بلون السماء . وهبَت من مكان ما رائحة ليمون وشواء .
:_ لقد انتظرتك طويلا , فلما أتيت اختفيت !
:_ قلت لك أنا هنا ! أنا معك !
:_ لكنني لا أرى شيئا ! السواد في كل مكان . امتزجت الأرض بالسماء ، وتواصل الأديم والفضاء ، ولم يعد يتميز أيُ شئ !
:_ لكنني أبقى معك ! أنا في عقلك ، وعينيك ، وقلبك . تتنفس فأكون أنفاسك ، وتتكلم فأكون كلامك ، وترى فأكون رؤيتك . أنا وهجك وأملك وأوقات فرحك !
أرتبك . لا زلت واقفا . أتلفَت بدهش :_ هل أنا أعمى ؟! إنني لا أرى شيئا سوى مزيد من السواد !
:_ انظر مليا في صفحة الكون الواسع .. أليست هناك نجمة ما تضئ امتداد الوجود ؟! وفي نفسك أليس هناك
قمرا ما ، أو نورا ما ؟!
تضحك . فأشرد _ أنا _ للبعيد ! وأقول بلا وعي :_ لكن صوتك مميَز ، ليس صوتي ! صوتي معجون بي ..
بالماضي الراحل ، وبالخوف المدمر !
أسمع همسا دافئا . وشئ كما الراحة بعد التعب بدأ يغلِف نفسي . وأتخيل بحرا أضع على عتبته جراحي ، فيبتلع
موجه جميع آلامي . وبحنان تقول :_ أنا لا أترك أحدا .. مقادك معي ! أنت أعطيتني قلبك ، وأنا سأسير معك ،
دليلا وهاديا .. وإذا لم ترني حتى اللحظة ، بسبب خوفك القديم ، فستفتح عينيك يوما ، فستجد نفسك ملتحما مع
النور والضوء .
أضحك بفرح ، وأشعر بولادة جديدة . وبهناءة يشوبها استغراب طارئ أقول :_ أخشى أن يكون مابي وهما.
بحزم :_ لا ! قلت لك دع كل شئ ! اغمض عينيك ولا تشغل بالك ! أنا معك ! وأنت تشعر بذلك !
فأفتح يدي على طولهما وأنا أضحك . ثم أغمض عيني ، فيتدفق نور في جسمي . وأركض . أجري فرحا .
أجري نحو المدى ، فأقطف نجمة كبيرة وأضعها في أعماقي ، وأنا أصيح بصوت عال :_ لقد عمرت قلبي
الكبير !