قال رسول الله صلى الله عليه وسلَم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) فترك جميع المعاصي صغيرها وكبيرها واجب على المسلم، ولا يُحتج بعدم القدرة على ذلك؛ لأنه من جنس ترك المحظور. أما عدم استماع الغيبة والإنكار على الذي يغتاب وعدم الجلوس مع من يقع في بعض الصغائر غير المتعدية فهذا من جنس فعل المأمور المقيد بالقدرة وعدم المشقة مشقة غير طبيعية، وعدم تطور المنكر إلى ما هو أعظم منه كقطيعة الأرحام والتشاحن فيما بينهم. وإن الناظر لأحوال المسلمين عموماً يعلم يقيناً أن الناس تشرَبٌوا الغيبة وغيرها من صغائر الذنوب، وصار كثير منهم ينكر على من ينكر عليه، وأصبحت الغيبة فاكهة المجالس وغيرها من الذنوب، وعمَت بها البلوى، وعسر التحرَز من استماعها لكثرة وقوعها، وخاصةً الغيبة التي تخرج بقالب الهزل، فلو قلنا إن استماع الغيبة في هذا الواقع قد يكون جائزاً في بعض الظروف، وفي نطاق ضيق مع بذل النصيحة بين الفينة والأخرى مثل صلة الأرحام ومجالسة الوالدين ونحوهما مع محاولة الإعراض بالقلب عن الغيبة قدر الاستطاعة على الاستحباب بسبب عسر التحرز منها- لأننا لو ألزمنا كل من استمع غيبة أو نحوها من أقاربه أن يفارق المجلس لما استطاع أحد أن يصل رحمه ويجالس والديه كما ينبغي، وعدم الجلوس في مجلس فيه معصية لا أعلم له دليلاُ صريحاً وقوله تعالى(وقد نزل عليكم أن إذا سمعتم ...الآية) وقوله (وإذا رأيت الذين يخوضون ...الآية) وقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها خمر) لا يدل على مفارقة المنكر أياً كان فهناك من المنكرات ما هو من الصغائر ويعسر التحرز منها، وقد جعل الله لكل شىء قدراً وإلحاق مجالس الغيبة وغيرها بالآيات السالفة الذكر لا أعلم وجه الاستدلال فيه، فإن كان قياس موافقة مساو أو أولى، فمن الظلم إلحاق شهود مجالس الكفر بآيات الله والاستهزاء بها أو الجلوس على مائدة يدار عليها خمر بشهود مجلس الغيبة، ولو كان هذا الإلحاق في التأثيم فقط دون مرتبته، ولأن هذه المسألة ليست من النوازل، فإعراض الشارع عن النص على تحريمها قد يكون لعدم إحراج المسلمين، أو لما يترتب على ذلك من قطيعة وعدم القدرة على صلة الأرحام بضوابط أشبه ما تكون بتعجيزية ويغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها وما كان ربك نسياً.
قد يقول قائل أن الله تعالى قال في وصف المؤمنين (والذين هم عن اللغو معرضون) الآية لا تدل على الإعراض مطلقاً من جميع الذنوب إنما المراد الإعراض عن الشرك وقيل الإعراض عن مقابلة الكفار والمشركين بالسب والشتم وعلى كل حال الآية قد تكون خرجت مخرج الغالب والله أعلم .
وخلاصة الكلام إن وصلت أقاربك ومن له حق واجب في العشرة كالوالدين المشركين وجالستهم وأعرضت بقلبك قدر المستطاع عن بعض معاصيهم الصغيرة وأنكرت بين الفينة والأخرى بما لا يشق عليك فقد فعل الصالحون ذلك قبلك، وإن قاطعت مجالسهم حال تلبسهم بالمنكر فقد فعل الصالحون قبلك ذلك أيضاً.
ملا حظة مهمة : الإعراض عن العاصي ومفارقته حال اقترافه للمعصية واجب أياً كانت صغيرةً أو كبيرة وهذا الأصل العام , لكن هنالك حالات مخصوصة بسبب الحرج والمشقة مثال ذلك معاشرة من له حق واجب في الصلة والعشرة بالمعروف مثل الزوجة الكتابية والوالدين المشركين فإن الذي يعاشرهم سيجد صعوبة ومشقة لو فارقهم في حال وقوعهم في أي منكر فلذلك الذي أراه أن يجب مفارقتهم حال وقوعهم في المعاصي الكبيرة والمكفرة والصغائر المتعدية وما سواه فلا والله أعلم.شاركونا تعليقكم وآرائكم يا أخوة , وهل مذهبي صحيح ؟.