اختلف أهل العلم في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال :
القول الأول :
قالوا : إن الإمام يخطب خطبتين يفصل بينهما بالجلوس . وممن قال بذلك محمد بن الحسن ( (1434) انظر : الأصل ( 1 / 449 ) ، البدائع ( 2 / 261 ) . 1434) صاحب أبي حنفية ، والإمام مالك ( (1435) انظر : المدونة ( 1 / 244 ) ، فتح البر ( 5 / 367 ) . 1435) ، والإمام الشافعي ( (1436) انظر : الأم ( 1 / 416 ) ، المجموع ( 5 / 82 ) . 1436) ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ( (1437) انظر : الإفصاح ( 1 / 180 ) ، الإنصاف ( 5 / 421 ) . 1437) .
قلت : ولا أعلم دليلاً لأصحاب هذا القول إلا ما ذكره مالك حينما سئل أيجلس الإمام فيما بين الخطبتين في صلاة الاستسقاء ؟ فقال : نعم فيما بين كل خطبة جلسة ( (1438) انظر : المدونة ( 1 / 244 ) . 1438) . اهـ .
وكذلك قياس الشافعي الاستسقاء على خطبة العيدين ( (1439) انظر : الأم ( 1 / 416 ) . 1439) . ولم أجد دليلاً غير ما ذكرته عنهما ، والله أعلم .
القول الثاني :
قالوا : إن الإمام لا يخطب في الاستسقاء إلا خطبة واحدة . وممن قال بذلك الإمام أحمد في أصح الروايتين عنه ( (1440) انظر : الإفصاح ( 1 / 180 ) ، الإنصاف ( 5 / 421 ) . 1440) ، وقال به عبدالرحمن بن مهدي ( (1441) انظر : الأوسط ( 4 / 325 ) . 1441) . وأبو يوسف( (1442) انظر : البدائع ( 2 / 261 ) . 1442) واختاره الزيلعي( (1443) انظر : نصب الراية ( 2 / 242 ) . 1443) ، وابن قدامة( (1444) انظر : المغني ( 3 / 342 ) . 1444) ، ودليل أصحاب هذا القول هو ما جاء في الأحاديث السابقة بأنه صلى الله عليه وسلم خطب بهم في الاستسقاء هكذا مطلقاً ، ولم يأت ما يدل على أنه جلس بينهما جلسة للاستراحة .
وقد أخرج أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذلاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً ، حتى أتى المصلى ، فلم يخطب كخطبتكم هذه ، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ( (1445) مسند أحمد ( 1 / 230 ) جامع الترمذي ( 2 / 445 رقم 558 ) سنن أبي داود ( 1 / 689 رقم 1165 ) سنن النسائي ( 3 / 126 ) سنن ابن ماجه ( 1 / 403 رقم 1266 ) . 1445) .
قال الزيلعي بعد حديث ابن عباس هذا : مفهومه أنه خطب خطبة واحدة فلذلك نفى النوع ، ولم ينف الجنس ، ولم يرو أنه خطب خطبتين ( (1446) انظر : نصب الراية ( 2 / 242 ) . 1446) اهـ .
وقال ابن قدامة عن حديث ابن عباس السابق : وهذا يدل على أنه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس ، ولأن من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين ، ولأن المقصود إنما هو دعاء الله تعالى ليغيثهم ، ولا أثر لكونها خطبتين في ذلك ( (1447) انظر : المغني ( 3 / 342 ) . 1447) . اهـ .
القول الثالث :
وبه قال الطبري ولم أقف على من قال به غيره ، وهو أنه مخير بين أن يخطب خطبة واحدة أو خطبتين ( (1448) انظر : إكمال المعلم ( 3 / 313 ) ، فتح البر ( 5 / 367 ) . 1448) .
قلت : لا أعلم للطبري دليلاً هلى ما ذهب إليه . والله أعلم .
هذا هو حاصل الخلاف في هذه المسألة ، ولعل من قال : إنها خطبة وأحدة هم الأحظ بالدليل الشرعي على ما مرَّ . والعلم عند الله تعالى .
الشامل في فقه الخطيب والخطبة
المؤلف : د.سعود بن إبراهيم بن محمد الشريم
إمام وخطيب المسجد الحرام