تذكير الأبرار بحقوق الجار
د / أحمد عرفة
عناصر الخطبة:
1- الوصية بالجار في القرآن والسنة.
2- حقوق الجار فى الإسلام
الموضوع وأدلته
أولاً: الوصية بالجار في القرآن والسنة:
قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً) [النساء: 36].
قطوف من أقوال السلف في قوله تعالى: (والجار ذي القربى والجار الجنب):
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (والجار ذي القربى) يعني الذي بينك وبينه قرابة، (والجار الجنب) الذي ليس بينك وبينه قرابة.
وقال بعضهم: (والجار ذي القربى) يعني المسلم، و (الجار الجنب) اليهودي والنصراني.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (والجار ذي القربى) يعني المرأة.
وقال مجاهد في قوله (والجار الجنب) يعني الرفيق في السفر.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه).
أي: ظننت أنه سيبلغني عن الله الأمر بتوريث الجار جاره، وفي هذا توكيد عظيم على الحث على رعاية حقوقه.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) [صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (3270)].
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) وفي رواية لمسلم: (فليحسن إلى جاره).
وأخرج الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح عن ابن عمرو رضي الله عنهما أنه ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) [صححه العلامة الألباني في إرواء العليل (891)].
وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن!) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه) البوائق: الغوائل والشرور، والمفرد: بائقة.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك).
وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ما تقولون في الزنا؟) قالوا: حرام حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره، قال: (ما تقولون في السرقة؟) قالوا: (حرمها الله ورسوله فهي حرام) قال: (لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره). [صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (5043)].
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك)، قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك).
وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الجيران عند الله عز وجل خيرهم لجاره) [صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (3270)].
وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: (يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل، وتصوم النهار، وفي لسانها شيء، تؤذي جيرانها- سليطة) قال: (لا خير فيها هي في النار) وقيل له: (إن فلانة تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بالأثوار وليس بها شيء غيره، ولا تؤذي أحداً قال: (هي في الجنة).
ولفظ الإمام أحمد: (ولا تؤذي بلسانها جيرانها).
بالأثوار: هو اللبن الجامد المستحجر.
[صححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب (2560)].
وأخرج الإمام الترمذي في سننه بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن) فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمساً فقال: (اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب). [حسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (930)].
أخي: الجيران ثلاثة:
قال العلماء: (الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق).
فالجار الذي له ثلاثة حقوق هو الجار المسلم ذو الرحم، فله حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، وأما الذي له حقان، فالجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام. وأما الذي له حق واحد فالجار المشرك. [انظر: الحقوق الإسلامية: محمود المصري ج2، ص573].
ثانياً: حقوق الجار فى الإسلام:
لقد شرع الإسلام للجار حقوقاً عظيمة منها:
الحق الأول: الإحسان إليه:
فقد أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بالإحسان إلى الجيران فقال سبحانه: (وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب) [النساء: 36].
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره).
وأخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) فإكرامك لجيرانك دليل على إيمانك.
فالإحسان إلى الجار أمر مطلوب ولو كان شيئاً يسيراً، بل حتى ولو كان كراع شاة أو مرق لحم وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة).
قال الجوهري: (الفرس من البعير كالحافر من الدابة) قال: (وربما استعير في الشاة).
الحق الثاني: أن يحب لجاره ما يحب لنفسه من الخير:
إن من الإحسان إلى الجيران سلامة القلب عليهم، وحب الخير لهم، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه).
وفي هذا تأكيد حق الجار، وأن الذي لا يحب لجاره ما يحب لنفسه من الخير فإنه ناقص الإيمان، وفي هذا غاية التحذير ومنتهى التنفير عن إضمار السوء للجار قريباً كان أو بعيداً.
إن من الإحسان إلى الجار الحرص على بذل الخير له قليلاً كان أو كثيراً، كما قال الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً) [الطلاق: 7].
الحق الثالث: كف الأذى عنه:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه).
أي: لا يأمن شره وخطره، وفي رواية لمسلم قال: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه).
وهذا فيه تعظيم حق الجار ووجوب كف الأذى عنه، وأن إضراره من كبائر الذنوب، وعظائم المعاصي وقد عظم الله عز وجل إلحاق الأذى بالجار، وغلظ فيه العقوبة ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ فقال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزني حليلة جارك).
وروي أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له: (إن لي جاراً يؤذيني ويشتمني ويضيق عليّ، فقال ابن مسعود: اذهب فإن عصى الله فيك فأطع الله فيه).
وشكا بعضهم كثرة الفأرة في داره فقيل له: لو اقتنيت هراً؟ فقال: أخشى أن يسمع الفأر صوت الهر فيهرب إلى دور الجيران فأكون قد أحببت لهم ما لا أحب لنفسي!!
فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا إلى جيرانكم، مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، ابذلوا لهم الخير ما استطعتم وردوا عنهم الشر ما ملكتم، تلطفوا إليهم بالهدية والزيادة، فإن لم تجدوا خيراً تبذلونه فلا أقل من كف الشر عنهم. [الحقوق الإسلامية: محمود المصري، ج2، ص585].
الحق الرابع: احتمال الأذى:
قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: (واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى فإن الجار أيضاً قد كف أذاه فليس في ذلك قضاء حقه، ولا يكفي احتمال الأذى بل لابد من الرفق وإسداء الخير والمعروف، إذ يقال: إن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة فيقول: يا رب سل هذا لم منعني معروفه وسد بابه دوني) [الحقوق الإسلامية: المصري، ج2، ص586].
ولهذا تحمل السلف الصالح رضوان الله عليهم إيذاء جيرانهم وصبروا على ذلك:
فقد كان لمالك بن دينار رحمه الله جار يهودي فحول اليهودي مستحمه إلى جوار بيت مالك.. وكان الجدار متهدماً.. فكانت تدخل منه النجاسات.. ومالك يقوم على تنظيف هذه النجاسات.. وهو صابر على هذا الإيذاء.. وطالت المدة.. حتى أن اليهودي ضاق صبره من صبر مالك رحمه الله حتى قال له: يا مالك لقد آذيتك كثيراً.. وأنت صابر.. فما الذي حملك على هذا؟ فقال: قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) فندم اليهودي وأسلم، وحسن إسلامه.
[الآداب الإسلامية: محمد عبدالعاطي بحيري، ص266].
الحق الخامس: مواساته بالمال والطعام إذا احتاج أو افتقر:
قال الإمام أبو الليث السمرقندي رحمه الله: تمام حسن الجوار في أربعة:
أولها: أن يواسيه بما عنده.
ثانيها: أن لا يطمع فيما عنده.
ثالثها: أن يمنع أذاه عنه.
رابعها: أن يصبر على أذاه.
فينبغي على المسلم الحق أن يتفقد جاره وأن يواسيه بما عنده من مال إن كان محتاجاً فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا أبا ذر إذا طبخت قدراً فأكثر المرقة، وتعاهد جيرانك، أو أقسم بين جيرانك).
وروي عن سفيان الثوري أنه قال: عشرة أشياء من الجفاء:
أولها: رجل أو امرأة يدعو لنفسه ولا يدعو لوالديه والمؤمنين.
والثاني: رجل يقرأ القرآن ولا يقرأ في كل يوم مائة آية.
والثالث: رجل دخل المسجد وخرج ولم يصل ركعتين.
والرابع: رجل يمر على المقابر ولم يسلم عليهم ولم يدع لهم.
والخامس: رجل دخل مدينة في يوم الجمعة ثم خرج ولم يصل الجمعة.
والسادس: رجل أو امرأة نزل في محلتهما عالم ولم يذهب إليه أحد ليتعلم منه شيئاً عن العلم.
والسابع: رجلان ترافقا ولم يسأل أحدهما عن اسم صاحبه.
والثامن: رجل دعاه رجل إلى ضيافة فلم يذهب إلى الضيافة.
والتاسع: شاب يضيع شبابه وهو فارغ ولم يطلب العلم والأدب.
والعاشر: رجل شبعان وجاره جائع ولا يعطيه شيئاً من طعامه.
[تنبيه الغافلين: ص94].
الحق السادس: ألا يمنع جاره من غرس خشبة في جداره:
إذا احتاج الجار إلى ذلك، فينبغي أن يسمح له بغرس هذه الخشبة، ولا يمنعه من الانتفاع بها فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع جار جاره أن يغرس خشبة في جداره) ثم قال أبو هريرة: (مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم).
أي لأصرحن ولأحدثن بها بينكم مهما ساءكم ذلك وأوجعكم.
الحق السابع: نصحه وتوجيهه:
إذا رآه منحرفاً، أو رآه محتاجاً إلى نصيحته وإرشاداته، ونصحه وتوجيهه ضمن الأمور الواجبة له.. والحقوق التي ينبغي أن يفعلها المسلم لجاره المسلم وهي كما نص عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبع جنازته) [رواه البخاري وأحمد وهو في صحيح الجامع (3151)].
الحق الثامن: تعظيم حرمة الجار وصيانة عرضه وعدم خيانته:
أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ما تقولون في الزنا)؟ قالوا: حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره). قال: (ما تقولون في السرقة)؟ قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام. قال: (لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره).
الحق التاسع: مشاركته في أفراحه وأحزانه:
فإذا كان عند جاره مناسبة سارة فينبغي له أن يذهب إليه، وأن يشاركه ويقاسمه فرحه، ما لم يكن فيه معصية، وإذا ألمت به نازلة فينبغي له أن يحضره، وأن يشاركه ويقاسمه حزنه، ويواسيه بالكلمة الطيبة الصالحة ويشد من أزره، وكل هذا من حق المسلم أصلاً على أخيه المسلم، والجار أولى بهذه الحقوق من غيره). [الحقوق الإسلامية: المصري، ج2، ص597].
الحق العاشر: أن يعرض عليه البيت قبل غيره إذا أراد التحول عنه:
فإذا أراد أن ينتقل من داره فليعرضها على جاره قبل غيره، فقد يرغب ف شرائها، وكذلك أي أرض أو عقار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أرض فأراد بيعها فليعرضها على جاره). [رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (2358)].

والله من وراء القصد
وهو حسبنا ونعم الوكيل
للتواصل مع الكاتب
0119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com