المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد بن عبد الجليل
السلام عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله.
ما الفرق بين تفويض المعنى و تفويض الكيفية و أين (الحمل على الظاهر) من مذهب السلف هل هو عين مذهب السلف أم عدمه هو مذهب السلف؟ و هل عندما يقال (الحمل على الظاهر) يُراد به المعنى و الكيف؟
أخي الكريم أحمد بارك الله فيك, تفويض المعنى هو (أننا لانفهم معنى أسماء الله وصفاته فنكل معناها إلى الله, فلا ندري معنى سميع ولا بصير وهكذا), أما تفويض الكيفية فهو (أننا لاندرك كيفية ذات الله المقدسة ولانستطيع أن نحيط به علما), بالتالي يتوضح لك أن هناك فرق كبير بين التفويضين فالأول دلت عليه نصوص الكتاب والسنة بإثباته مثل قوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ولايعقل أن يدعو الانسان ربه بإسم لايعرف معناه وهل كونه يدل على مايريد من دعاء أو لا,فإذا أراد مغفرة الذنوب لايستطيع حسب زعم الذين يقولون أنها أسماء لاتعرف معانيها أن يدعوه باسم الغفار أو الغفور لأنه لايدري هل يدل هذا الإسم على هذا المعنى أو لا, أما من السنة فقد ورد أن النبي تلى آية من كتاب الله آخرها (سميعا بصيرا) فوضع إصبعيه السبابة والإبهام على عينه وأذنه وفي هذا بيان لمعنى الصفة ولكن مع عدم المماثلة, أما تفويض الكيفية فإن الله قد بين لنا في كتابه أنه (ولايحيطون به علما), وأنه (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار), بالتالي حمل المعنى على الظاهر والذي ورد عن السلف الصالح هو معرفة معنى الأسماء والصفات وتفويض كيفيتها إلى الله بحسب مابينتُ في أعلاه.
قرأت بعضا من كتاب (أهل السنة الأشاعرة) يقرّر فيه كاتباه (حمد السنان و فوزى العنجرى) أمورا كثيرة من ضمنها أن الأشعري مرّ بمرحلتين في حياته الاعتزال ثم مذهب أهل السنّة و أن مذهب ابن كلاب (و الأشعري) هو عين مذهب السلف في الصفات، و أن مذهب السلف هو التفويض و أنه لا معنى لتفويض الكيفية مع إبقاء المعنى و في هذا الصدد يقولان : ((هذه النصوص المتشابهة في الصفات إما أن تُثبت أو تُنفى، ونفيها تعطيل ظاهر، لأنه نفيٌ لما أثبت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإثبات إما أن يكون معه حمل الكلام على ظاهره وحقيقته التي يعهدها البشر، أو يصرف الكلام معه عن هذا الظاهر وهذه الحقيقة، والأول نعني حملَ الكلام على الظاهر والحقيقة يفضي قطعاً إلى التشبيه، لأن حقائق وظواهر هذه الألفاظ أجسام وكيفيات مخلوقة، والله تعالى منزه عنها.
أخي الكريم الأشعري مر بثلاث مراحل الثالثة هي رجوعه الى مذهب أهل السنة والجماعة وبإمكانك الرجوع الى كتاب الإبانة الذي ألفه أبو الحسن الأشعري بشهادة أقرب تلاميذه مثل إبن عساكر, وأهل السنة يثبتون ماأثبته الله لنفسه وينفون عنه ما نفاه عن نفسه وقد بينتُ لك أنهم يثبتون الأسماء وما تضمنت من صفات ومعاني على ما يليق بالله سبحانه وتعالى وينفون معرفة الكيفية لأن الله لم يخبرهم عنها وكما ذكرتُ في الأدلة أعلاه.
ولا يقال: نحملها على الظاهر ونفوض العلم بالكيفية إلى الله تعالى.
لأن هذا القول تناقض صريح أوقعت فيه الغفلة، إذ ليس من ظاهر ولا حقيـقة هنـا إلا الجسم، وهذا لا يصح قطعاً وصف الله تعالى به.))
هؤلاء أخي الكريم أرادوا أن يفروا من التشبيه فوقعوا في التعطيل, وأهل السنة وسط فيقولون أن الله سميع لايماثل مخلوقاته كما أن ذاته لاتماثل ذوات مخلوقاته, ونقول لهم هل تثبتون لله ذات ليست كمثل الذوات من المخلوقين فإن نفوا كفروا وإن قالوا نعم فنقول فكذلك أثبتوا لله صفات ليست كمثل صفات المخلوقين.
و يستدلان بأقوال لأهل العلم منها : قول الترمذي : ((والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه)) و علّقا عليه قائلين : ((وقوله (يؤمن بها) إثبات لها، وبه يفارقون أصحاب التعطيل، وقوله (ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف) تفويض لله تعالى في معانيها، وقوله (ولا يقال كيف) أي بلا استفسار عن معانيها، أو تعيين المراد بها، وبه يفارقون أصحاب التشبيه.))
و منها قول عدي بن مسافر : ((وتقرير مذهب السلف كما جاء من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا حمل على الظاهر))
و نقول أخرى عن النووي و ابن الجوزي و ابن حجر و الأوزاعي رواية عن البيهقي ثم قالا : ((هذه نصوص صريحة في إثبات التفويض للسلف الصالح لا سبيل إلى إنكارها أو حملها على معاني أخرى لا تتفق وجلالة أقدارهم وتنزيههم للباري سبحانه، كمن ينسب لهم إثبات الحقائق الظاهرة المتعارف عليها بين البشر وتفويض كيفياتها لله تعالى، فيقول إنهم يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضـون الكيف، وقائل هذا لا يدري ما يقول، وقد جره إلى هذا الفهم عبـارة (بلا كيف) التي كثيراً ما ترد على ألسنة السلف عند الكلام على النصوص المتشابهة، ففهم منها أنهم يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضون الكيف، وهذا فهم باطل، بل هي عبارةٌ المقصودُ منها زجرُ السائل عن البحث والتقصِّي، لا إثبات المعنى الحقيقي وتفويض الكيف!!))
ثمّ نبّها إلى التساؤل الذي يلزم من تفويض المعنى و هو هل تكون الآيات الممرّرة كما جاءت من قبيل الحروف الأعجمية التي لا معنى لها فقالا : ((هل كان السلف يدركون أي معنى لهذه النصوص المتشابهة؟ أم أنها بالنسبة لهم كالحروف التي في أوائل السور؟
وإذا كانوا يدركون لها معنى، كيف يُوفَّق بين إدراكهم هذا وبين ما مرَّ من تفسير الإمرار بأنه عدم العلم بالمراد؟
أخي الكريم إمرارها على ظاهرها أي على المعنى الذي فهموه من كلام العرب والقرآن نزل بلسان عربي مبين فكما فهموا أنه (سميع بصير) فهموا أيضا أنه (ليس كمثله شيء), فاثبتوا له الاسم والصفة المتضمنة للمعنى من غير مماثلة لخلقه, ممكن نقرب المعنى نقول للفيل أذن يسمع بها وللإنسان أذن يسمع بها ولكن هل يتشابهان في السمع وهما مخلوقان, فكذلك الخالق جل جلاله, هناك قاعدة مفيدة تنفعك بإذن الله وهي (الكلام عن الصفات فرع عن الكلام عن الذات فكما نثبت لله ذات نثبت له صفات), وكما أن لله ذات تليق به فله صفات تليق به.
يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تعارض بين إدراك معاني هذا النصوص وبين إمرارها الذي هو عدم العلم بالمراد منها، وفي الحقيقة ليس ثمة أي تعارض بين الأمرين، فالمقصود بعدم العلم بالمراد الذي فُسِّر به الإمرار هو عدم العلم بالمراد تفصيلاً وعلى سبيل القطع والتحديد، وهذا لا يقتضي عدم علمهم بالمراد إجمالاً.
مثال على هذا قوله تعالى ( بل يداه مبسوطتان ) يفهم منه على سبيل الإجمال معنى الكرم والجود المطلق والعطاء الذي لا ينقطع اللائق بصفة الرب تعالى، أما لفظ اليدين المضاف لله تعالى في الآية فبعد استبعاد المعنى الظاهر المتبادر من إطلاقه وهو الحقيقة اللغوية التي وضع اللفظ ليدلَّ عليها بين المخلوقين وهي الجارحة، نقول بعد استبعاد هذه الحقيقة احتمل اللفظ عدة معانٍ مجازية، ولهذا الاحتمال توقف جمهور السلف عن التعيين والقطع بأحدها، وهذا هو معنى عدم علمهم بالمراد لا أنهم لا يفهمون لهذه النصوص أي معنى، تعالى الله أن يخاطب الناس بما لا يُفهم. ))
أهل السنة يفهمون من النص أن لله يدان تليقان به كما بينا أعلاه فهو جل جلاله أعلم بنفسه, فنثبت ما أثبته لنفسه من غير تمثيل ولا تعطيل ولاتكييف ونثبت ما تضمنه النص من سعة خزائن الله التي لاينقصها عطاء كما ورد في الحديث (لو أن أولكم وآخركم قاموا في صعيد واحد فسألوني فاعطيت كل سائل مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا).أنصحك أخي الكريم بالرجوع الى كتاب شرح العقيدة الواسطية للشيخ العثيمين رحمه الله ففيها كل ما تسأل عنه بإذن الله.
لا أدري هل هما يزعمان كل هذا مع اقتناعهما به و فهمهما لهذه المسائل على هذا الوجه أم لا. في كل الأحوال أظن أنه من المهم تحرير المراد من (أمرّوها كما جاءت) و من (بلا كيف)