بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة السيرة الصحيحة
الدرس[9]
إنَّ الحمد لله نحمده َ وَنَسْتَعِيْنُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُه ُ وَنَعُوْذُ بِاللَّهِ تَعَالَىْ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِىَ الْلَّهُ تَعَالَىْ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الَلّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ، (آل عمران: 102)﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾( النساء:1).
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾(الأحزاب: 70،71 )
أَمَّا بَعْــــدُ .........
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيْثِ كِتَابُ الْلَّهِ تَعَالَي وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرِّ الْأُمُورَ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِهِ وَكُلْ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ الْنَّارِ الْلَّهُمَّ صَلّىِ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ ، وَبَارِكْ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ.
هذا هو الدرس التاسع من الدروس المستفادة من صحيح السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وهذا الدرس تتمة للدرس الماضي وهو التآخي الذي جعله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بين المهاجرين والأنصار، لا يكاد يقوم بنيان مجتمع يسود هذه الأرض، إلا إن كانت لبناته كالبنيان المرصوص، إما أن يكون أفراده شذر مذر ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 28]، خصوماتهم الدقيقة التافهة يمكن أن تقوض أركان المحبة الزائفة التي يدعيها بعضهم مع بعض.
الصدق في الإخوة من أسباب النجاح في المجتمع:إن أسباب نجاح المجتمع الذي كونه النبي r كان من أسه هو صدقهم في هذه الإخوة، كما قلت قبل ذلك، كانت عقدا نافذا لا لفظا فارغا.
في صحيح البخاري أن الأنصار قالوا للنبي r «اقسم بيننا وبين إخواننا المهاجرين النخل، قال لهم: لا» لماذا؟ لأن المهاجرين ما كانوا يحسنون الزرع، فمعنى أنهم يأخذون نصف النخل ولا يحسنون الزرع أنهم سيتلفونه ولا يستفيدون به، إذن ماذا يفعلون، قال المهاجرون للأنصار: «تكفوننا وتقتسمون معنا الثمر»، يعني أنتم تشتغلون بالفلاحة وبما يتطلبه النخل ونحن نقسم معكم هذا الثمر في آخر الموسم، أظنهم قالوا: لا، تأكلون على الجاهز، قالوا: سمعنا وأطعنا.
من أروع صور الأخوة :، بل كان من شأن الأنصار عجبا: أنهم كانوا إذا أرادوا أن يقسموا التمر وضعوا أيضا معه سعف النخيل الذي الجريد، فكانوا يأخذون بعض الثمر مع السعف، ويجعلون في مقابل هذه السعف تمرا كثيرا للمهاجرين، يعني كانوا يبخسون أنفسهم حقها، وهم أصحاب الزرع وهم أصحاب الثمر، فلما كان يوم خيبر وتدفقت الأموال أراد النبي r أن يوفيهم حقهم، قالوا يا رسول الله إنما فعلنا الذي أمرتنا به، يعني فعلنا ما شرطت علينا وإنك أعطيتنا شيئا في مقابل هذا، فنريد أن توفي لنا به، قد أعطيتنا الجنة، فقال النبي r: «فذلك لكم».
مكمن الداء هو أن كل رجل في المسلمين أمة وحده، يتحرك وحده:،أين في المسلمين الآن من يقتسم اللقمة مع أخيه بحق؟ فضلا عن أن يجور عليه، أو أن يتهمه أو أن يأكله، إيه يا أيها المسلمون، إننا وضعنا أيدينا على مكمن الداء، مكمن الداء هو أن كل رجل في المسلمين أمة وحده، يتحرك وحده، لا يلتصق بأخيه، والنبي r يقول: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر».
مجتمع المؤمنين الحق: هذا المجتمع مجتمع المؤمنين وليس مجتمع أدعياء الإيمان، مجتمع المؤمنين الحق، أن أخاك إن تألم شعرت بوجع في قلبك، هذا هو مجتمع المؤمنين، أما مجتمع أدعياء الإيمان فحدث عن الخلل الذي فيه ولا حرج، هو أشبه بمجتمع اليهود الذين قال الله U فيهم: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر: 14].
انظر إلى قول الله U: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ﴾ [البقرة: 178] حتى في معرض القتل يذكّره بأنه أخوه، لم يقل: فمن عفي له من قاتله شيء، وإنما قال: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ﴾، حتى في معرض القتل، والقلوب لدى الحناجر يذكره بأن أخوه، فما بالك إن لم يكن هناك قتل فإن وجود رابط الإخوة أدعى.
وقد قال الله U أيضا: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيكُمْ ﴾ [الحجرات: 10] قال هذه الآية بعد قوله U: ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾، هم يقتتلون والذين يقتتلون عادة ينسون روابط المودة بدليل أنه يمكن له أن يقتل أخيه في ساحة الحرب، الذي كان يبادله الود بالود، لكن هذه حرب، مع ضراوة هذه الحرب، يذكرهم أيضا بأنهم إخوة، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيكُمْ ﴾ [الحجرات: 10].
وفي معرض الطلاق الذي تشحن فيه النفوس وتشحذ، ويكون كل طرف متربص بالآخر، يقول الله U: ﴿ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237] ليس لمجرد أنك طلقت المرأة أن تقطع روابط الصلة بينك وبين أهلها، في مثل هذه المواقف التي تتغلب فيه النزعة الترابية الجسدية على نزعة الإيمان والروح يذكر الله تبارك وتعالى بوجود هذه الروابط بين المؤمنين، فهذه الأشياء إن لم تكن موجودة فمن باب أولى أن يوجد هذا الحب وأن يوجد هذا الحب.
إن ضياع هذه الإخوة، أوقعنا في مأزق كبير جدا: لا نستطيع أن نجمع بين شتات المؤمنين حتى عيرنا الكفرة، عيرونا وأخذوا سفاسفنا وأظهروها على أنها كبائر صاروا يعيرون المؤمنين الآن والله تبارك وتعالى لا يغير قوما حتى يغيروا ما بأنفسهم، ما بأنفسهم الذي علق بأنفسهم غيروه، فإن الله تبارك وتعالى سنته لا تتخلف ولا تختلف.
قرأت اليوم لأحد الصحفيين يقول: إن العالم كله الآن مبهور ويتابع باهتمام سفينة الفضاء التي أطلقوها من اثني عشر عاما، وقد قطعت أكثر من أربعة ملايين أو أربعة آلاف مليون كم، يقول: فبينما العالم يهتم بهذا ماذا نجد في بلادنا؟ نجد أن القوم يستجيرون على فوائد البنوك هل حرام أم حلال؟ على ستر الوجه أهو واجب أم مستحب؟ على نقل الأعضاء أهو جائز أم لا؟ انظروا إلى هذا الجاهل! وما علاقة أن ترسوا سفينة الفضاء على أي كوكب بالذي قاله: أنأكل الربا مثلا، هؤلاء كالذين قالوا لم تشتغلون الآن بفوائد البنوك وإسرائيل تضرب في لبنان، وما علاقة هذا بهذا، وهل سلط الله U خراف البشر على هذه الأمة المتآكلة التي أكلها الجهل والهوى إلا بعد أن أكلوا الربا، ماذا يريدون بذلك؟ إنهم رأوهم أمة مستضعفة، كلؤهم مستباح ليس هناك أحد ينتقم ولا يرد، فضربوا الصاع صاعين.
سمعت أحد الدعاة هنا في خطبة جمعة يقول: جاءني رجل يقول لي: إني ألقيت يمين الطلاق على امرأتي وقلت لها كذا وكذا، هل وقع اليمين أم لا؟ يقول انظروا، شوفوا العالم طلعت القمر وهذا يسأل عن هذا؟ وهذا رجل داعية يعتلي منبر أكبر مسجد، وما علاقة هذا بهذا؟ أمة ينخر فيها السوس، ولا صريخ ولا أحد، لأنها هانت على أنفسها، أين أخوتكم أيها المسلمون؟ إننا نرى الرجل يختلف مع أخيه في مسألة فرعية أو مسألة تافهة فيكيل له كما قال الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
يعني تضربني مرة أضربك عشرة، في مقابلها، ورجعت العصبية المقيتة التي قتلها النبي r ووضعها تحت قدميه، بدأت تطل برأسها على المسلمين الآن.
المراد بالأنوية وما يترتب عليها من هلاك:، كان من نتيجة غياب هذه الأخوة أن ظهرت هذه الأنوية،أن ظهر هذا الكبر والاعتزاز بالنفس وما ظهرت هذه الصفات في مجتمع إلا قتل، كلمة أنا هذه: أما تدرون أنها فتكت بثلاثة عتاة، فتكت بهم، فتكت بإبليس: عندما قال لله U: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾﴾ [الأعراف: 12] أنا خير منه، فما كان مصيره؟ في النار، خالدا مخلدا فيها أبدا، وهذا قارون لما قالوا له ارضخ بفضل مالك ماذا قال لهم؟ ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص: 78] هذا بعبقريتي وذكائي أنا كنت أعلم أنني سأكون غنيا لأنني ذكي أحسن التدبير وأحسن الخطط ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ اعتزازه بنفسه فماذا فعل الله به؟ ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].
وهذا الذي قال الله U فيه: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ ﴾ [الكهف: 32] هذا الرجل ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [القصص: 34]، فماذا كان جزاؤه: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ [الكهف: 42] صاحبه قال له: ﴿ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ [الكهف: 39].
الفرق بين أنا في الآيتين:فلعل بعضكم يقول: هذا الرجل الصالح قال «أنا» أيضا نقول هناك فرق شديد بين «أنا» هنا و«أنا» هناك، إنك لو حذفت كلمة «أنا» في قول الرجل المتكبر ما استقام المعنى، ولو حذفتها في كلام الرجل الصالح لاستقام المعنى، ﴿قَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا﴾ احذف كلمة «أنا» لا ترى للكلام معنى، قال له لصاحبه وهو يحاوره أكثر منك مالا، لا يستقيم المعنى، فهذا يدل على أن كلمة «أنا» يدور حولها المعنى، بخلاف قول هذا الرجل الصالح: ﴿ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ فلو حذفت كلمة «أنا» إن ترن أقل منك مالا وولدا، فيدل على أنه لم يعن كلمة «أنا» إنما قالها في المقابل، في مقابل قول الرجل أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا، فهو يقول له إن كنت تراني أنا هذا المستضعف: ﴿ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا ﴾ [الكهف: 39 - 40].
لماذا كره النبيr كلمة أنا ؟وفي صحيح البخاري أن النبي r من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: «قال طرقت الباب على النبي r: فقال: من؟ فقلت: أنا، فسمعته من داخل الدار يقول: أنا أنا، كأنما كرهها» لماذا كرهها؟ لأنها تشعر بكبر، وإن كنا لا نعتقد أن جابر بن عبد الله الأنصاري كذلك، إنما غيره يمكن أن يكون كذلك، فكأنما وهو يقول أنا، فكأنما يقول: أنا مستغن عن نسبي وعن تعريفي، أنا فلم يقل أنا جابر، أو أنا ابن عبد الله الأنصاري، إنما قال أنا، قال ابن الجوزي رحمه الله: فيها نبرة كِبر، لذلك كرهها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم.
ما تضيع سنة، إلا تحل مكانها بدعة،:وما يزول إيمان من على بقعة من على الأرض إلا حل محله مثله من الكفر: فإن الزجاجة الفارغة إن لم يملئها شيء ملأها الهواء، لا بد أن تُملأ بشيء، ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فضياع هذه الإخوة كان نتيجته كارثة عظيمة جدا، وهو أن هذه الروابط تهرأت وتمزقت بين المسلمين الآن، النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيين: «سمع عائشة رضي الله عنها وهي تقول للبعير: لعنك الله، -صعب يعني لا يكاد يمشي بطئ- فلما سمعها قال يا عائشة: إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه» وهذا مع بعير أعجمي ليس بإنسان، ليس بمسلم، بعير أعجمي، يقول لها: «إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه».
يا ليتك عندما تخاصم أخيك تخاصمه على شيء شرعي، على أنه مقصر في حق الله U، لا على أنك تنتقم لذاتك ونفسك، أين البغض في الله؟ الذي في مقابله حب في الله U ولا بد، أما سمعت بقول النبي r: « في السبعة الذين يظلهم الله U في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه» هل تنظر في حالك الآن، فترى أنك تحب في الله U وتبغض فيه، انظر إلى سرنة بن قيس هذا الشاعر الذي قال في حق النبي r:
نعادي الذي عادى من الناس كلهم
بحق وإن كان الحبيب المواسيا
يقول: نحن نعادي الذي يعاديه النبي r ولو كان أحب الخلق إلينا، أين أنتم من قول هذا الشاعر، هل تغير وجهك مرة لأن أمر النبي r انتهك سواء في بيتك أو سواء على مستوى صحبتك، وهل تغيرت له عليه الصلاة والسلام وتفجرت ينابيع الغيرة في قلبك، راجع نفسك فإن هذا هو معيار كمال الحب،
نعادي الذي عادى من الناس كلهم
بحق وإن كان الحبيب المواسيا
قصة قتل كعب بن الأشرف: آذىكعب بن الأشرف النبي r وسب بنساء المؤمنين، فقال عليه الصلاة والسلام يوما كما في الصحيحين: «من لكعب بن الأشرف فإنه أذى الله ورسوله، قال محمد بن مسلمة: أتأذن لي في قتلة» أتعلمون من هو كعب بالنسبة لمحمد بن مسلمة إنه خاله، ونحن نعرف أن الروابط من جهة الأمة تكون أقوى من الروابط من جهة الأب في محل الحنان، فتجد خالك أحن عليك من عمك، هذا خالك لكنه آذى الله ورسوله فلا يساوي بعرة، لا قيمة له، «أتأذن في قتله، قال: نعم، قال: فهل تأذن لي أن أقول له شيئا -يعني أن أكذب عليه حتى استدرجه- قال نعم، فذهب هوو ونائلة» ومن هو نائلة أخو كعب بن الأشرف من الرضاعة، يعني ليس رجلا غريبا إنما تربطه به أواصر محبة، كان يمكن أن يحابي أو يقول: غيري يفعله، فإن قلبي لا يطاوعني.
نعادي الذي عادى من الناس كلهم
بحق وإن كان الحبيب المواسيا
فذهبا إليه وقالا له: إن هذا الرجل، يعنيان النبي r قد أعنفنا وشق علينا وطلب منا صدقة ونحن لا نجد ما نأكل، قال قد علمت والله أنه ليشقن عليكم، قالوا له: ولكنا لا نريد أن نُظهر أننا تركناه حتى نرى شأنه أو ما يؤول إليه أمره، فهلا أعطيتنا وسقا أو وسقين من شعير فنعطيهما لهذا الرجل، قال: ارهنوني شيئا وسق من شعير أو وسقين لا قيمة لهما، تنظر إلى هذا المشرك الكافر ماذا يريد في مقابل وسق ارهنوني شيئا قالوا له وما تريد؟ قال ارهنوني نسائكم فقالوا له أنت أجمل العرب، وقلما جاءتك امرأة إلا فتنت بك، فاغتر في نفسه فقال إذن ارهنوني أولادكم، قالوا: معاذ الله أن يُسب أولادنا يوما أنهم رهنوا بوسق من شعير ولكن نرهنك اللئمة، اللئمة هي الدرع والسيف، وإنما قالوا نرهنك اللئمة حتى إذا أتوا بالسلاح لا يشعر بريبة وأنهم جاءوا يقتلوه، قال نعم. فحددوا موعدا ،فلما أرادوا لأنهم اصطحبوا اثنين آخرين أن يذهبوا إلى كعب بن الأشرف صحبهم النبي r وقال: «الله معكم» فذهبوا إليه وناداه أبو نائلة أنزل يا كعب، فقالت امرأته: إلى أين يا كعب في هذه الساعة؟ قال: أنه أخي أبو نائلة، أخي من الرضاعة وإن الكريم إذا دعي إلى طعان بليل أجاب، كيف لا أنزل؟ قالت: لا تنزل فإني أشعر برائحة الدم، فقال: هذا أخي أبو نائلة، ونزل وكان قد تطيب وكان ريحه يسبقه، فقال محمد بن مسلمة ذروني أقول له دعني أشم رأسك فإذا استمكنت من ذؤابتيه ورأسه فدونكم فاقتلوه.
فلما جاء كعب قال له محمد بن مسلمة ما رأيتك اليوم ريحًا هلا تأذن لي أن أشم رأسك، قال: نعم، فأعطاه رأسه فأستمكن منه وقال دونكم فاقتلوه، فسمعوا قعقعة السيوف على عظمه وانطلقوا إلى النبي r فلما رآهم قال: «أفلحت الوجوه»، قالوا: ووجهك يا رسول الله، هذا عدو الله ورسوله لا قيمة له