ماذانستفيد من تاريخ التتار ؟؟
تُقرأ في 13 دقيقة تقريبا ً
لا شك وانك قد سمعت بـ قطز .. هولاكو .. التتار .. المماليك .. الخلافة العباسية .. عين جالوت .. ولكن هل سمعت عن مدينة مرو صاحبة الـ 700,000 شهيد .. عن الكامل الثانى محمد الأيوبى وإمارة ميافارقين الأبية .. سيف الدين بوغراق وموقعة غزنة .. شمس الدين الطغرائي ومدينة تبريز .. عن استعدادات وأداء سيف الدين قطز في عين جالوت العظيمة ؟؟ ويا ترى .. إن لم تكن تعرف بكل هذه الأسماء والاحداث .. ماذا ستستفيد لو عرفتها ؟؟؟
.. جهل فادح ..
الأسماء والأحداث في تاريخنا الإسلامي كثيرة .. وما أحوجنا إليه .. كوننا كثيراً ما نتخذ التاريخ على انه ” الدرس الممل ” فلا عدنا نعرف التاريخ ولا أهله .. مع أن سلفنا عرفوا التاريخ وقدره فقالوا : ومن حوى التاريخ في صدره .. أضاف أعماراً إلى عمره ، وقالوا: اقرؤوا التاريخ فإن فيه العبر .. ضل قوم لا يدرون الخبر . وأفظع الجهل في التاريخ عندما يتعلق جهلنا بقضية من أعظم القضايا في تاريخنا ، وقضية التتار ، بلا ادنى شك .. هي من أهم الحكايات التي ينبغي علينا الاهتمام بها كيف لا وهي التي شملت أفظع عام في تاريخ المسلمين وهو عام 617 هـ .. وكذلك استشهاد ملايين المسلمين بأفظع الوسائل .. كما شملت ظهور شخصيات غيّرت من مجرى تاريخ المنطقة .. كل ذلك في 40 عاما ً فقط !!!
ما أشبه اليوم بالبارحة
كثير ما نقول : الزمن دوّار .. التاريخ يعيد نفسه .. وربما نقولها بعفوية دون خلفية فكرية تؤكد ذلك ، في حكاية التتار التي عرضها ، عرض رهيب – نعم رهيب – لمدى التشابه بين أحداث العراق الأخيرة وبين أحداث العراق في زمن التتار .. لدرجة ان التتار لم يدخلوا العراق إلا بعد السيطرة على أفغانستان .. وكذلك قتلهم لولدي الخليفة على مرأى جميع أهل بغداد .. تعاون الدولة المحيطة مع التتار .. إدعاء التتار أنهم جاؤوا لنشر الخير ، تعاون بعض الأمراء العرب مع التتار ضد المسلمين ، انضمام بعض العرب لجيوش التتار إما خوفا .. وإما إجباراً .
عام 617 هـ
ممن عاصر أحداث هذا العام كان إبن الاثير صاحب كتاب الكامل في التاريخ ، وقد نُقل عنه انه قال : فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله آدم والى الآن، لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا يدانيها .. ويقول ايضا : ولعل الخلائق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجال فإنه يبقى على من أتبعه، ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا الرجال والنساء والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة. وفي حديثه عن حادثة مدينة مرو يقول : ثم حصروا البلد خمسة أيام واستنزلوا نائبها خديعة، ثم غدروا به وبأهل البلد، فقتلوهم وغنموهم وسلبوهم وعاقبوهم بأنواع العذاب، حتى إنهم قتلوا في يوم واحد سبعمائة ألف إنسان.
إذا .. أفلا يستحق هكذا عام .. أن نعرفه لمجرد المعرفة فقط ؟
ميافارقين !!

في زمن آمن الناس بفكرة : إذا سمعت أن التتار قد هُزموا فلا تصدق .. سطع نجم إمارة ميافارقين الواقعة في شرق تركيا اليوم التي اختارت المقاومة كحلاً بينما الجميع يتخاذل ، وفي حكايتها يقول الدكتور راغب : وظلَّت المدينة مستبسلة مدةَ ثمانية عشر شهرًا حتى سقطت، فقتل السفَّاح أشموط كل سكانها، وحرَّق ديارها، ودمرها تدميرًا، ولكنه احتفظ بالأمير الكامل محمد -رحمه الله- حيًّا ليزيد من عذابه، وذهب به إلى أبيه هولاكو وهو في حصار مدينة حلب. واستجمع هولاكو كل شره في الانتقام من الأمير البطل الكامل محمد الأيوبي رحمه الله، فأمسك به وقيده، ثم أخذ يقطع أطرافه وهو حي، بل إنه أجبره أن يأكل من لحمه!! وظلَّ به على هذا التعذيب البشع إلى أن أذن الله للروح المجاهدة أن تصعد إلى بارئها.
فهذا أوجز تلخيص لحكاية هذه المدينة التي لا يكاد يعرفها إلا من رحم الله .. مع أننا بأمس الحاجة للقراءة عنها ، كيف لا وغزة هاشم المحاصرة فينا ومعنا ؟؟
سيف الدين قطز .. الرجل العظيم !!

بعد أعوام من الظلم التتري لبلاد المسلمين ، وبعد أن كاد المسلمون يفقدون أي أمل في النصر .. تجتمع عدة عوامل ، ليعتلي قطز السلطة في مصر وفي هذا يقول : “إني ما قصدت (أي ما قصدت من السيطرة على الحكم) إلا أن نجتمع على قتال التتر، ولا يتأتَّى ذلك بغير مُلك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطنة مَن شئتم” ، وعن روعة هذا الرجل حدّث ولا حرج .. فقد حرص بداية على استقرار الوضع الداخلي .. ثم اصدر عفوا عمن كان هارباً من السلطة التي سبقته .. وكذلك كان حريصا على الاستقرار (الخارجي) مع جيران مصر من المسلمين؛ كالناصر يوسف الأيوبي رغم خيانته للإسلام والمسلمين .. وطبعا لا يمكن إختزال سيرة حياة رجل كهذا بققرة ..
وإذا لم يكن بالمقدور دراسة حياة هذا الرجل فعيب علينا أن لا نعرف انه كان رائداً في مجال التربية بالقدوة وهي نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويجب ان يعرف الجميع ان قطز حكم دولة المماليك 11 شهر فقط ، قضى 3 فقط ( نعم 3 اشهر فقط ) في التحضير لحرب أكبر قوة في العالم انذاك وإنتصر !!!
عين جالوت .. !!

بعد 40 عاما ً من الظلم .. تكون عين جالوت التي حدثت بحضور قائدة عظام ، سيف الدين قطز .. وركن الدين بيبرس ، كان ذلك في يوم يوم الجمعة الخامس والعشرون من رمضان سنة 658هـ/ 1260م ، أما الموقع فهو في السهول القريب من مدينة جنين الفلسطينية ، وأما الخطة المميزة فهو اختباء معظم الجيش في التلال المحيطة ، ونزول المقدمة بقيادة بيربس مع أقوى فرقة من فرق المسلمين ، قطز كان يراقب الوضع حتى ينزل ببقية الجيش بعد استنزاف قوة التتار ، ثم إظهار المسلمين انهزام خادع ، لتتم محاصرة التتار والقضاء عليهم .. وفعلا نجحت الخطة إلا أن القتال كان شديداً حتى سمع قطز وهو يقول : “يا الله! انصر عبدك قطز على التتار” .. فهزم التتار بفضل الله وعونه وأنتهى المسلمون من ذلك الكابوس المريع !!
ماهيّة التتار ؟؟

ليس بإمكاني الشرح عن إمكانية التتار ولكنني سوف أعرض عليكم رسالة هولاكو إلى قطز ، لعلكم تكتشفون فضل كل مجاهد وقف في وجه التتار وتبدأ الرسالة : “باسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلطنا على خلقه، الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس المماليك، صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها، أنَّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حلَّ به غيظه، فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وسلِّموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى، فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب.فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص؛ فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق، وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال!فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع؛ لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن ردِّ السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان (فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون)، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة، وقد سلَّطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم علينا من سبيل؛ فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا ردَّ الجواب، قبل أن تضطرم الحرب نارها، وتوري شرارها، فلا تجدون منا جاهًا ولا عزًّا، ولا كتابًا ولا حرزًا؛ إذ أزَّتكم رماحنا أزًّا، وتُدْهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية؛ فقد أنصفناكم إذ أرسلنا إليكم، ومننَّا برسلنا عليكم”
أخطاء المسلمين !!

لا يمكن المرور على هكذا فترة زمنية دون التعرض للأخطاء التي وقعت من المسلمين آنذاك ، اولاً : الخليفة العباسي يصبح في آخر تلك الحقبة مجرد صورة – كملكة بريطانيا اليوم – والدول الإسلامية مفرقة مشتتة متنازعة على الأرض فيما بينها فإلى متى التنازع ؟ ، ثانيا ً : الاستسلام والخنوع لعدو لا يرحم أثبت انه لا ينفع وقد قتل ملايين ( نعم ملايين ) ممن استسلموا كما قتل المجاهدين فما الفرق بين الذي يموت في عزة والذي يموت مستسلماً ؟؟ .. ثالثا ً .. حب الدنيا والطمع فيها لدرجة أن المسلمين بعد موقعة غزنة إقتتلوا على الغنائم !! ولدرجة أن الأخ أصبح يستعين بالتتار على اخيه .. ليكون في السلطة .. ، رابعا ً دخول بعض المسلمين في أحلاف مع الأعداء ومدى آثر ذلك في الإنهزام النفسي عند الشعوب .. وهناك خامساً وسادساً وسابعاً .. ولكن السؤال الذي ينبغي ان يطرح : متى سيستفيد المسلمين وحكوماتهم من اخطاء السابقين ؟؟
أخيرا ً

مع أن الكلام طال .. إلا انه من المؤسف أنني لم أتحدث إلا عن أبرز ابرز الأمور .. التي من الممكن أن تلحظوها بعد استماعكم لسلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت للدكتور راغب السرجاني والتي لن تأخذ من وقتكم سوى 13 ساعة تقريباً ، والتي بلا شك تستحق هذا وأكثر بكثير ، خاصة ً عندما ستشعر بالـ هزة الفكرية .. على المستوى الديني والسياسي ، حال الإنتهاء من الإستماع .